إجازة فوق الكنبة
حكيم مرزوقي
لم أستلق أثناء هذه العطلة الصيفية العاطلة والمعطلة على الرمال الذهبية في جزر المحيطين الأطلسي أو الهندي قبالة الشواطئ الفيروزية، وإنما على الكنبة أمام تلفزيون يشتعل بأخبار الفواجع والحرائق والأزمات.
لم أحوط نفسي بالمشروبات والكوكتيلات والأطباق الشهية والفواكه الأسيوية كما يفعل أثرياء المصطافين، وإنما بالأدوية والعقاقير المهدئة والفواتير المزلزلة.
لم أكحل بصري من خلف النظارات الشمسية بمشاهدة الحسناوات في زي البحر وهن يتقافزن أمامي كالحوريات بل كانت نظاراتي الطبية تلتصق بأرنبة أنفي وأنا عند الشباك أراقب جامعي وجامعات المواد البلاستيكية في حينا الشعبي وهم يبحثون عن رزقهم بين أكوام القمامة.
وعلى الرغم من أن مرافقي في هذه الرحلة الاستجمامية على شاطئ الهاوية لم يكونا سوى جهازي التكييف والتلفزيون، أني قد رضيت بنصيبي من الأفق وحمدت الله الذي لا يُحمد على مكروه سواه.
لو كنت مصطافا أقضي إجازتي في جزر المالديف مثلا، أو سانتوريني اليونانية أو سيشيل في المحيط الهندي، لحصلت لي بعض المتاعب التي لم تكن في الحسبان، كأن أقع في حب حسناء مصابة بمرض قاتل أو أبدد ثروتي على طاولة البوكر في الكازينو أو أصاب بحادث يشلني وأنا أتزلج على لوح شراعي أو حتى يفترسني القرش في هجوم مباغت كما حدث مع ذاك السائح الثري الذي شاهدته منذ حين على شاشة التلفزيون وأنا مستلق على الكنبة ومحاط بالأدوية والفواتير.
ولو كنت من أهل الثروة والنفوذ المالي لاجتاحني الملل بسرعة فائقة لكثرة ما جربت من شتى ضروب المتع والملذات، ولاستفحل هذا الملل وتطور ليتحول إلى اكتئاب مزمن قد يؤدي بي إلى الانتحار.. وأنا رجل يحب الحياة حتى إذا لم يستطع إليها سبيلا.
لماذا أسعى إلى السفر وركوب المخاطر من أجل مشاهدة الشعاب المرجانية مثلا، في حين أنها تأتي إلي عبر القنوات المتخصصة وأنا مستلق على الكنبة، في يدي الريموت كونترول ومحاط بالعقاقير والفواتير.
الرفاهية في بعدها النفسي، هي ذاتها التي يحس بها الفقير والغني على حد سواء، وليس لها أي مذاق طبقي يخصها، فمتعة الإحساس بمذاق الكافيار مثلا، لا يختلف عن متعة الإحساس بمذاق البرغل عند فقير جائع، ناهيك عن القيمة الغذائية للبرغل وفاعليتها في تقوية القدرات الجنسية، إذ تسميه العامة ب"مسامير الركب" أي مثله مثل الكافيار.. لا بل ربما أكثر نفعا.
نعم، هكذا نحن معشر الفقراء، نرش على اليأس سكّرا، ونعتبر الكروم البعيدة والمرتفعة والمنيعة، حامضة بالضرورة.
ربما وبسبب ذلك، منحت نفسي إجازة فوق الكنبة، لا لأكافئها عن إنجاز لا أدعيه بل لأنقذها من حافة الانهيار إثر أزمة نفسية سببها أحلام اليقظة.
حكيم مرزوقي
لم أستلق أثناء هذه العطلة الصيفية العاطلة والمعطلة على الرمال الذهبية في جزر المحيطين الأطلسي أو الهندي قبالة الشواطئ الفيروزية، وإنما على الكنبة أمام تلفزيون يشتعل بأخبار الفواجع والحرائق والأزمات.
لم أحوط نفسي بالمشروبات والكوكتيلات والأطباق الشهية والفواكه الأسيوية كما يفعل أثرياء المصطافين، وإنما بالأدوية والعقاقير المهدئة والفواتير المزلزلة.
لم أكحل بصري من خلف النظارات الشمسية بمشاهدة الحسناوات في زي البحر وهن يتقافزن أمامي كالحوريات بل كانت نظاراتي الطبية تلتصق بأرنبة أنفي وأنا عند الشباك أراقب جامعي وجامعات المواد البلاستيكية في حينا الشعبي وهم يبحثون عن رزقهم بين أكوام القمامة.
وعلى الرغم من أن مرافقي في هذه الرحلة الاستجمامية على شاطئ الهاوية لم يكونا سوى جهازي التكييف والتلفزيون، أني قد رضيت بنصيبي من الأفق وحمدت الله الذي لا يُحمد على مكروه سواه.
لو كنت مصطافا أقضي إجازتي في جزر المالديف مثلا، أو سانتوريني اليونانية أو سيشيل في المحيط الهندي، لحصلت لي بعض المتاعب التي لم تكن في الحسبان، كأن أقع في حب حسناء مصابة بمرض قاتل أو أبدد ثروتي على طاولة البوكر في الكازينو أو أصاب بحادث يشلني وأنا أتزلج على لوح شراعي أو حتى يفترسني القرش في هجوم مباغت كما حدث مع ذاك السائح الثري الذي شاهدته منذ حين على شاشة التلفزيون وأنا مستلق على الكنبة ومحاط بالأدوية والفواتير.
ولو كنت من أهل الثروة والنفوذ المالي لاجتاحني الملل بسرعة فائقة لكثرة ما جربت من شتى ضروب المتع والملذات، ولاستفحل هذا الملل وتطور ليتحول إلى اكتئاب مزمن قد يؤدي بي إلى الانتحار.. وأنا رجل يحب الحياة حتى إذا لم يستطع إليها سبيلا.
لماذا أسعى إلى السفر وركوب المخاطر من أجل مشاهدة الشعاب المرجانية مثلا، في حين أنها تأتي إلي عبر القنوات المتخصصة وأنا مستلق على الكنبة، في يدي الريموت كونترول ومحاط بالعقاقير والفواتير.
الرفاهية في بعدها النفسي، هي ذاتها التي يحس بها الفقير والغني على حد سواء، وليس لها أي مذاق طبقي يخصها، فمتعة الإحساس بمذاق الكافيار مثلا، لا يختلف عن متعة الإحساس بمذاق البرغل عند فقير جائع، ناهيك عن القيمة الغذائية للبرغل وفاعليتها في تقوية القدرات الجنسية، إذ تسميه العامة ب"مسامير الركب" أي مثله مثل الكافيار.. لا بل ربما أكثر نفعا.
نعم، هكذا نحن معشر الفقراء، نرش على اليأس سكّرا، ونعتبر الكروم البعيدة والمرتفعة والمنيعة، حامضة بالضرورة.
ربما وبسبب ذلك، منحت نفسي إجازة فوق الكنبة، لا لأكافئها عن إنجاز لا أدعيه بل لأنقذها من حافة الانهيار إثر أزمة نفسية سببها أحلام اليقظة.