قصة قصيرة: الفقد
يرن هاتفه المحمول في الصباح الباكر، إنه إبن خالته فينقبض قلبه ويلتقط الهاتف برغم كونه مازال بين اليقظة و النوم.
يضع الهاتف على أذنيه وما إن أحس محمد بتواتر أنفاسه في سماعة الهاتف و يكاد يقف قلبه من توقع سبب المكالمة" خالتي تعبانه جداً ولازم تنزل ت.....شوفها" فيرد قبل أن ينهي عبارته " وقد تساقطت الدموع من عينيه وكأنها كانت تقف خلف جفنيه، يجاهد نفسه ليبدو متماسكاً بعض الشيء "ماتت أمته؟".
فيبدأ محمد يقص عليه كيف أمضت الليلة الأخيرة من عمرها وكيف فاضت روحها في المستشفى في الساعات الأولى من صباح اليوم ودموعه تنهمر بينما يحاول أن يظهر أكثر صلابة وقد مر شريط طويل من ذكرياته وحكاياته ومواقفه مع أمه، فيطرق للحظات وفي صوت اكثر ثباتاً "هتستنوا لحد ما أجي علشان تدفنوها؟" فيأتيه الرد الذي توقعه " لا طبعا لازم ندفنها دلوقتي؟ فينهي مكالمة التليفون وهو يختنق بعبرته.
ها هو منبه التليفون يرن لوقت الاستيقاظ من النوم، يطرق لثوانٍ وهو يتنازعه حزنه الشديد وفرحة دفينة أنها أخيراً إستراحت من هذا المرض اللعين فلكم دعا الله في سره وعلانيته أن يخفف عنها ما هي فيه من مراحل تليف وتلف الكبد المتأخرة.
يضع قدمه على الأرض بجانب سريره وكأن قدمه تغوص أو تهوي رأسه بين قدميه فيمسك بترابيزة جانبيه حتى يستجمع قواه وهو في طريقه إلى الإستحمام وتبدأ المياه في التساقط على رأسه فتسابقها دموعه اللا إرادية حتى أنها تزاحم ماء "الدش" على أرض الحمام لتتوقف عند آخر قطرات المياه من سماعة الدش.
يستعد كعادته للذهاب إلى عمله في مثل هذا الوقت كل يوم ولكنه ما إن يطأ سيارته ويبدأ في الحركة يغلبه البكاء الشديد مرة ثانية ورعشة تتملكه حتى يحس أن قلبه يرتعش بين ضلوعه وهو يلوم نفسه كيف لم يستزد من الوقت الذي كان يقضيه معاها فها هي ثمانية عشرة عام مضت من عمل وزواج وأسرة جديدة ولكنه أحس أن روحها تنظر إليه من السماء.
أمضي الساعات الأول من وقت العمل وهو يكتم دموعه وحزنه إلا من مسحة من وجيعة الفراق ترتسم على وجهه أحيانا، وبعد زيارة مهمة في هذا اليوم يطلبه مديره فقد علم من احد الزملاء بموت أمه فيلومه على مجيئه في هذا اليوم " هسافر دلوقتي" .
ينطلق إلى عربته ليبدأ طريق طويل حتى منزله الذي يبعد ٩ ساعات عن مكان عمله وكل كلماتها وحركاتها ومواقفها تمر أمام عينيه هأنه يمشي على طريق من الذكريات بطول هذه المسافة، و هو لا يكف عن البكاء والدعاء والرجاء فتمر السبع ساعات عليه كلمح البصر إلا من تعب بدأ يدب في بدنه فقل البكاء وخفت النحيب وهو ينادي بإسمها وكأنها تسمعه في الطرف الآخر من العالم.
يصل إلى شارعهم ليجد المعزيين على جانبي الطريق وما إن يلحظوه حتى يقف الجميع ليقدموا واجب العزاء وهو يكفكف ما تبقى من دموعه تحت هذا الحزن العميق الذي يرتسم في كل قسمات وجه، ليجلس مطرقاً يلفه حزنه في عباءةٍ سوداء وهو يقلب بصره في كل ركن من هذا الشارع، فقد صنعت كل ذاكرته وذكرياته هنا فيترحم عليها وهو يستند بظهره على جدار بيتهم وكأنه يحس بدفئها مازال يشع من هذه الجدران وهو يأخذ نفساً عميقاً ينتهى منه بفراغ الصوان وإنفضاض المعزيين ليدخل بيتهم لأول مرة وشمسها لا تشرق من كل جنباته ولا يسمع عبارات ترحيبها التي طالما إشتاق إليها وسكن بها " حمد لله على السلامة يا حبيبي" ليعم الظلام ويصمت الكلام في هذا اليوم.
أيمن فوزي
يرن هاتفه المحمول في الصباح الباكر، إنه إبن خالته فينقبض قلبه ويلتقط الهاتف برغم كونه مازال بين اليقظة و النوم.
يضع الهاتف على أذنيه وما إن أحس محمد بتواتر أنفاسه في سماعة الهاتف و يكاد يقف قلبه من توقع سبب المكالمة" خالتي تعبانه جداً ولازم تنزل ت.....شوفها" فيرد قبل أن ينهي عبارته " وقد تساقطت الدموع من عينيه وكأنها كانت تقف خلف جفنيه، يجاهد نفسه ليبدو متماسكاً بعض الشيء "ماتت أمته؟".
فيبدأ محمد يقص عليه كيف أمضت الليلة الأخيرة من عمرها وكيف فاضت روحها في المستشفى في الساعات الأولى من صباح اليوم ودموعه تنهمر بينما يحاول أن يظهر أكثر صلابة وقد مر شريط طويل من ذكرياته وحكاياته ومواقفه مع أمه، فيطرق للحظات وفي صوت اكثر ثباتاً "هتستنوا لحد ما أجي علشان تدفنوها؟" فيأتيه الرد الذي توقعه " لا طبعا لازم ندفنها دلوقتي؟ فينهي مكالمة التليفون وهو يختنق بعبرته.
ها هو منبه التليفون يرن لوقت الاستيقاظ من النوم، يطرق لثوانٍ وهو يتنازعه حزنه الشديد وفرحة دفينة أنها أخيراً إستراحت من هذا المرض اللعين فلكم دعا الله في سره وعلانيته أن يخفف عنها ما هي فيه من مراحل تليف وتلف الكبد المتأخرة.
يضع قدمه على الأرض بجانب سريره وكأن قدمه تغوص أو تهوي رأسه بين قدميه فيمسك بترابيزة جانبيه حتى يستجمع قواه وهو في طريقه إلى الإستحمام وتبدأ المياه في التساقط على رأسه فتسابقها دموعه اللا إرادية حتى أنها تزاحم ماء "الدش" على أرض الحمام لتتوقف عند آخر قطرات المياه من سماعة الدش.
يستعد كعادته للذهاب إلى عمله في مثل هذا الوقت كل يوم ولكنه ما إن يطأ سيارته ويبدأ في الحركة يغلبه البكاء الشديد مرة ثانية ورعشة تتملكه حتى يحس أن قلبه يرتعش بين ضلوعه وهو يلوم نفسه كيف لم يستزد من الوقت الذي كان يقضيه معاها فها هي ثمانية عشرة عام مضت من عمل وزواج وأسرة جديدة ولكنه أحس أن روحها تنظر إليه من السماء.
أمضي الساعات الأول من وقت العمل وهو يكتم دموعه وحزنه إلا من مسحة من وجيعة الفراق ترتسم على وجهه أحيانا، وبعد زيارة مهمة في هذا اليوم يطلبه مديره فقد علم من احد الزملاء بموت أمه فيلومه على مجيئه في هذا اليوم " هسافر دلوقتي" .
ينطلق إلى عربته ليبدأ طريق طويل حتى منزله الذي يبعد ٩ ساعات عن مكان عمله وكل كلماتها وحركاتها ومواقفها تمر أمام عينيه هأنه يمشي على طريق من الذكريات بطول هذه المسافة، و هو لا يكف عن البكاء والدعاء والرجاء فتمر السبع ساعات عليه كلمح البصر إلا من تعب بدأ يدب في بدنه فقل البكاء وخفت النحيب وهو ينادي بإسمها وكأنها تسمعه في الطرف الآخر من العالم.
يصل إلى شارعهم ليجد المعزيين على جانبي الطريق وما إن يلحظوه حتى يقف الجميع ليقدموا واجب العزاء وهو يكفكف ما تبقى من دموعه تحت هذا الحزن العميق الذي يرتسم في كل قسمات وجه، ليجلس مطرقاً يلفه حزنه في عباءةٍ سوداء وهو يقلب بصره في كل ركن من هذا الشارع، فقد صنعت كل ذاكرته وذكرياته هنا فيترحم عليها وهو يستند بظهره على جدار بيتهم وكأنه يحس بدفئها مازال يشع من هذه الجدران وهو يأخذ نفساً عميقاً ينتهى منه بفراغ الصوان وإنفضاض المعزيين ليدخل بيتهم لأول مرة وشمسها لا تشرق من كل جنباته ولا يسمع عبارات ترحيبها التي طالما إشتاق إليها وسكن بها " حمد لله على السلامة يا حبيبي" ليعم الظلام ويصمت الكلام في هذا اليوم.
أيمن فوزي