تشريح الخوخ / لـ رشا صادف
عن الأيروتيك في بنية النص الشعري ومشهدّيته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
في مثل هذه الحدّية الشعرية, لا نعثر على الخوخ فقط.. إنما نعثر على الجسد مشرَّحاً إلى ما هو أشهى من الخوخ بحد ذاته. وذلك عبر تراكيب شعرية بالغة صارخة في نصوص شعرية مفترقة حكما أو سلفا, عن النص الشعري السائد المهذب, أو المبستر غالباً.. خاصة إن كان نسوياً.
// عواء الشهوة أعلى من كتفي, أحدق بحنجرتي وأسألك إن رأيت صوتي
خلف عينيك // ص7
لا تبدو لي رشا صادق, صاحبة تشريح الخوخ, أنها من رواد حب الظهور الشكلاني أو الاستعراض أو الاستعراء الذي للشعراء في سوق الشعر عموماً. وربما هو حقهم المشروع في ذلك, وإن كان لا يقود إلى نتائج فنية ذات قيمة بالمعظم.
// تضع ثلاث نقط شهوانية لامعة
يتعبني .. الاكتمال.. أنام // ص9
هنا في تشريح الخوخ هكذا نعثر على الشهوة أيضاً.. مشّرحة بدقة بالغة ابتداء من الرغبة وصولا إلى اللذة, أو الشهقة, وكأنها تلك الغواية الأبدية صوب الرعشة مرة, وصوب الألم مرات, والعكس صحيح طبعاً. إذ تكون اللغة هي ذاك الرحم الخصب, الذي يستوعب اللذة بالطريقة ذاتها التي يستوعب بها الألم.
// أرمي لك الموانئ في مسارات يديك, السمك في مسالك جزري السرية, الأشرعة في انسياب رهزك, المضائق في استرخاء موجك, الزبد في حمى جسدك, الشواطئ في انخطاف لذتك // ص 13
ربما سيكون هذا المشهد نادراً بجمالياته في الأيروتيك الشعري العربي وغيره. إذ يغرق النص في التفاصيل الجنسية اللذيذة دون أن يقولها أو يعلنها صراحة. إلا بمشهدية سينمائية تتمكن من اكتشاف الجوهر الجسدي في أقصى تجلياته النبيلة.
لا يبدو نص رشا صادق, نصا عاطفيا هادئا مسالماً أو ساذجاً أو سطحياً, أو مستلباً من الذكوري الذي اعتدنا عليه في نصوص النساء عموما. وإن كان بالإمكان أن نقول ذلك هنا عرضيا. عرضيا فقط لعدم القناعة أن هناك نصاً ذكورياً وآخر أنثوياً. إلا أن الشغل على ذلك ما يزال قائماً عند النسبة العظمى من النساء الشاعرات, وربما النقاد أيضاً. هنا يبدو نص رشا مغايرا للمألوف الانثوي ومفترقا عنه تماما. إذ. يعلن انه نص ايروتيكي واضح باعلانه عن هويته الجمالية التي تخلو من الابتذال السكسي في المفردة, أو الجملة الشعرية. حيث المفردة هنا تنوجد بحكم الضرورة الفنية, والجملة الشعرية, كذلك بالايحاء أو قول شئ غامض بمعنى غامض بعض الشئ. حيث لا يبدو في المشهدية الشعرية الايروتيكية أن الجسد الذكوري أكثر أهمية من الجسد الأنثوي لتلك اللحظة من الشهوة المنفلتة من قيودها الاجتماعية أو الأخلاقية المتوارثة بمحض الغباء الجمعي.
// أرمي لك الجسد في الجسد, والتيه في التيه, والرعشة الأنثى, في الرعشة الذكر // ص13
حتى الرعشة الشعرية هنا دقيقة بليغة وغير مسبوقة كما أعتقد, ولا تقل أهمية عن الرعشة الجنسية في أتونها, وهي هنا مبتعدة عن إرث طويل وبعيد من الخوف, من التعاطي مع الأيروتيك شعرياً. إذ أن المعظم يعتقد أن الأنثى التي تتعاطى مع الايروتيك نصياً, إنما هي تعلن عن مكنونها الإباحي سهل المنال, أو المباح لمن هب ودب.
// البقاء للأجمل يا حبيبي
ونحن جميلان ممددين على الدم والحناء
في المسافة الآمنة للقلب
حيث لا يسمع سوى صوت حبة خوخ
تسقط في مكان ما من العالم // ص17
هنا سيكون لدينا معماراً شعرياً مختلفاً ومبتكراً, ولأول مرة ربما في زمنية هذا التشريح الناضج لخوخ الشهوة سنكتشف, أو سنكون بمواجهة ذاك الإبتكار اللغوي الجديد للفعل الجنسي, متدرجاً بأبهى تجلياته من الصفر إلى الذروة. وفق ما ترتأيه أو تبتكره مخيلة أو سلوك امرأة حكيمة أو خبيرة, ولا تكتم ذاك الضجيج في أعماقها. ولا تغلف تلك الشهوة سوى بالمزيد من الغموض الجمالي, الذي يستفز المخيلة لاكتشافها واللحاق بها من غموض شهي إلى غموض أشهى. قد يكون نص تشريح النساء في المجموعة, هو نص جمعي نوعي يعتمد على حالات القلة من النساء, أو صنف الخوخ من النساء, وليس كل النساء طبعاً. إنهن أولئك النسوة اللواتي..
// نحن اللواتي مهورنا نقطة دم على كفٍ, وثوبنا جنائزي, واقعات حينا على كتف الريح, محمولات حينا على عرف فرس, متكئات على اللاشئ, راكضات في عين القدر, جالسات واليد على الخد, وفي الصدر حنين // ص 19
إذاً..إنهن أوائك النسوة اللواتي يتشظين بوعيّهن, ويتوهجن بالشهوة غير خائفات من تابوات الأخلاق, أو اللغات الموقرة السائدة المبنية على التشذيب والتهذيب, حيث المرأة تمتدح الذكورة وتطلبها ليس بحكم كونها كما هو شائع أداة للخصب والأنجاب. بل بحكم كونها أداة للمتعة والإمتاع, وهذه بحد ذاتها ميزة افتراق عن الحالة القطيعية المتوارثة في الفهم. ميزة لصالح النص الشعري بالتأكيد كما هي ميزة خاصة بمنتجة النص أيضاً. ميزة اختراق المفاهيم, قلبها رأسا على عقب, والعبث بها والتشكيك بمصداقيتها, أو دحضها.
// نحن في أديرة التفاح, في الضوء القليل, في رائحة العتيق ننزف كلما قطفت تفاحة عن الغصن هذا الدم من النهد الأيسر, من النهد الأيمن, هذا الدم من التفاح السرمدي // ص21
// ودمنا على مبسم الفراشة, والرحيق مر,مرصوفات حلمة فوق حلمة, يدا فوق يد, نوما فوق نوم,قامة فوق قامة, سماء فوق سماء, بابل الجسد المنخطف كالمسرنم شرفة للسقوط لأعلى وأعلى وأعلى //ص20
عند الأنثى, أو عند هذه الأنثى تحديدا, لا يعتبر الاستغراق في الشهوة بعيداً عن أي خاصيّات أخرى سقوطاً, بل صعوداً في المشهدية الأيروتيكية إلى أرقى حالاتها الغريزية إن شئنا الدقة. إذ أن الوعي بالحالة, قد يحرف الشهوة عن مسارها الغريزي المثير, الى المسار العقلاني القصدي المحبط. يبنى هذا الرأي على العلاقة مع النص, وليس على العلاقة مع منتج النص. إذ.. أن العلاقة مع النص هي علاقة مفتوحة على الفهم والتأويل والتقويل. بينما العلاقة مع المنتج قد تكون محدودة أو مقفلة, أو غير موجودة. إإلا أن النصوص من هذا القبيل, تكاد تكون بالمعظم هي الهوية الداخلية أو السرّية لمنتجها, أو أنها الصورة الجوهرية لذاك الداخل الغامض, او المعتم قليلاً. كي ينجو منتجه من التهمة المتوقعة أو المفترضة في ظل سلوكات خارج نصية تحكمها الحاباة او الموراة أو النفاق اللذيذ, أو غير اللطيف. غالباً ما تصل نساء هذا الصنف الجمعي النوعي إلى الانكفاء في لظة مرتقبة أو غير مرتقبة إن في داخل النص أو خارجه. لكنها وهذا من أفضل ردود الأفعال, انها تنفلت في الحالة الابداعية إلى ما لا نهاية. حيث لا حدود للمعنى في سياق غموضه الايحائي او الجمالي.
// أنني أشرّح حلمتيَّ مرّتين في اليوم
وأعرف اللحظة التي ستنقضان فيها عليكَ
كلبوتين رومانيتين
وتمزقانك // ص33
إ ن نصاً أو امرأة على هذه الشاكلة, إن هي إلا امرأة محظوظة حررتها الطبيعة الأم, أو الغريزة البكر, أو طاقة وعيها وإرادتها, من قيود العفة والحصافة والشريعة أيضا. وأسلمتها لذاك الهول البلاغي اللغوي, الذي لا يخاطب أحداً مما قبله. إنما ينشد افتراقاً أبدياً عن مألوفنا البائد في فن القول الصريح.
الشاعر والروائي المميز علي عبد الله سعيد
عن الأيروتيك في بنية النص الشعري ومشهدّيته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
في مثل هذه الحدّية الشعرية, لا نعثر على الخوخ فقط.. إنما نعثر على الجسد مشرَّحاً إلى ما هو أشهى من الخوخ بحد ذاته. وذلك عبر تراكيب شعرية بالغة صارخة في نصوص شعرية مفترقة حكما أو سلفا, عن النص الشعري السائد المهذب, أو المبستر غالباً.. خاصة إن كان نسوياً.
// عواء الشهوة أعلى من كتفي, أحدق بحنجرتي وأسألك إن رأيت صوتي
خلف عينيك // ص7
لا تبدو لي رشا صادق, صاحبة تشريح الخوخ, أنها من رواد حب الظهور الشكلاني أو الاستعراض أو الاستعراء الذي للشعراء في سوق الشعر عموماً. وربما هو حقهم المشروع في ذلك, وإن كان لا يقود إلى نتائج فنية ذات قيمة بالمعظم.
// تضع ثلاث نقط شهوانية لامعة
يتعبني .. الاكتمال.. أنام // ص9
هنا في تشريح الخوخ هكذا نعثر على الشهوة أيضاً.. مشّرحة بدقة بالغة ابتداء من الرغبة وصولا إلى اللذة, أو الشهقة, وكأنها تلك الغواية الأبدية صوب الرعشة مرة, وصوب الألم مرات, والعكس صحيح طبعاً. إذ تكون اللغة هي ذاك الرحم الخصب, الذي يستوعب اللذة بالطريقة ذاتها التي يستوعب بها الألم.
// أرمي لك الموانئ في مسارات يديك, السمك في مسالك جزري السرية, الأشرعة في انسياب رهزك, المضائق في استرخاء موجك, الزبد في حمى جسدك, الشواطئ في انخطاف لذتك // ص 13
ربما سيكون هذا المشهد نادراً بجمالياته في الأيروتيك الشعري العربي وغيره. إذ يغرق النص في التفاصيل الجنسية اللذيذة دون أن يقولها أو يعلنها صراحة. إلا بمشهدية سينمائية تتمكن من اكتشاف الجوهر الجسدي في أقصى تجلياته النبيلة.
لا يبدو نص رشا صادق, نصا عاطفيا هادئا مسالماً أو ساذجاً أو سطحياً, أو مستلباً من الذكوري الذي اعتدنا عليه في نصوص النساء عموما. وإن كان بالإمكان أن نقول ذلك هنا عرضيا. عرضيا فقط لعدم القناعة أن هناك نصاً ذكورياً وآخر أنثوياً. إلا أن الشغل على ذلك ما يزال قائماً عند النسبة العظمى من النساء الشاعرات, وربما النقاد أيضاً. هنا يبدو نص رشا مغايرا للمألوف الانثوي ومفترقا عنه تماما. إذ. يعلن انه نص ايروتيكي واضح باعلانه عن هويته الجمالية التي تخلو من الابتذال السكسي في المفردة, أو الجملة الشعرية. حيث المفردة هنا تنوجد بحكم الضرورة الفنية, والجملة الشعرية, كذلك بالايحاء أو قول شئ غامض بمعنى غامض بعض الشئ. حيث لا يبدو في المشهدية الشعرية الايروتيكية أن الجسد الذكوري أكثر أهمية من الجسد الأنثوي لتلك اللحظة من الشهوة المنفلتة من قيودها الاجتماعية أو الأخلاقية المتوارثة بمحض الغباء الجمعي.
// أرمي لك الجسد في الجسد, والتيه في التيه, والرعشة الأنثى, في الرعشة الذكر // ص13
حتى الرعشة الشعرية هنا دقيقة بليغة وغير مسبوقة كما أعتقد, ولا تقل أهمية عن الرعشة الجنسية في أتونها, وهي هنا مبتعدة عن إرث طويل وبعيد من الخوف, من التعاطي مع الأيروتيك شعرياً. إذ أن المعظم يعتقد أن الأنثى التي تتعاطى مع الايروتيك نصياً, إنما هي تعلن عن مكنونها الإباحي سهل المنال, أو المباح لمن هب ودب.
// البقاء للأجمل يا حبيبي
ونحن جميلان ممددين على الدم والحناء
في المسافة الآمنة للقلب
حيث لا يسمع سوى صوت حبة خوخ
تسقط في مكان ما من العالم // ص17
هنا سيكون لدينا معماراً شعرياً مختلفاً ومبتكراً, ولأول مرة ربما في زمنية هذا التشريح الناضج لخوخ الشهوة سنكتشف, أو سنكون بمواجهة ذاك الإبتكار اللغوي الجديد للفعل الجنسي, متدرجاً بأبهى تجلياته من الصفر إلى الذروة. وفق ما ترتأيه أو تبتكره مخيلة أو سلوك امرأة حكيمة أو خبيرة, ولا تكتم ذاك الضجيج في أعماقها. ولا تغلف تلك الشهوة سوى بالمزيد من الغموض الجمالي, الذي يستفز المخيلة لاكتشافها واللحاق بها من غموض شهي إلى غموض أشهى. قد يكون نص تشريح النساء في المجموعة, هو نص جمعي نوعي يعتمد على حالات القلة من النساء, أو صنف الخوخ من النساء, وليس كل النساء طبعاً. إنهن أولئك النسوة اللواتي..
// نحن اللواتي مهورنا نقطة دم على كفٍ, وثوبنا جنائزي, واقعات حينا على كتف الريح, محمولات حينا على عرف فرس, متكئات على اللاشئ, راكضات في عين القدر, جالسات واليد على الخد, وفي الصدر حنين // ص 19
إذاً..إنهن أوائك النسوة اللواتي يتشظين بوعيّهن, ويتوهجن بالشهوة غير خائفات من تابوات الأخلاق, أو اللغات الموقرة السائدة المبنية على التشذيب والتهذيب, حيث المرأة تمتدح الذكورة وتطلبها ليس بحكم كونها كما هو شائع أداة للخصب والأنجاب. بل بحكم كونها أداة للمتعة والإمتاع, وهذه بحد ذاتها ميزة افتراق عن الحالة القطيعية المتوارثة في الفهم. ميزة لصالح النص الشعري بالتأكيد كما هي ميزة خاصة بمنتجة النص أيضاً. ميزة اختراق المفاهيم, قلبها رأسا على عقب, والعبث بها والتشكيك بمصداقيتها, أو دحضها.
// نحن في أديرة التفاح, في الضوء القليل, في رائحة العتيق ننزف كلما قطفت تفاحة عن الغصن هذا الدم من النهد الأيسر, من النهد الأيمن, هذا الدم من التفاح السرمدي // ص21
// ودمنا على مبسم الفراشة, والرحيق مر,مرصوفات حلمة فوق حلمة, يدا فوق يد, نوما فوق نوم,قامة فوق قامة, سماء فوق سماء, بابل الجسد المنخطف كالمسرنم شرفة للسقوط لأعلى وأعلى وأعلى //ص20
عند الأنثى, أو عند هذه الأنثى تحديدا, لا يعتبر الاستغراق في الشهوة بعيداً عن أي خاصيّات أخرى سقوطاً, بل صعوداً في المشهدية الأيروتيكية إلى أرقى حالاتها الغريزية إن شئنا الدقة. إذ أن الوعي بالحالة, قد يحرف الشهوة عن مسارها الغريزي المثير, الى المسار العقلاني القصدي المحبط. يبنى هذا الرأي على العلاقة مع النص, وليس على العلاقة مع منتج النص. إذ.. أن العلاقة مع النص هي علاقة مفتوحة على الفهم والتأويل والتقويل. بينما العلاقة مع المنتج قد تكون محدودة أو مقفلة, أو غير موجودة. إإلا أن النصوص من هذا القبيل, تكاد تكون بالمعظم هي الهوية الداخلية أو السرّية لمنتجها, أو أنها الصورة الجوهرية لذاك الداخل الغامض, او المعتم قليلاً. كي ينجو منتجه من التهمة المتوقعة أو المفترضة في ظل سلوكات خارج نصية تحكمها الحاباة او الموراة أو النفاق اللذيذ, أو غير اللطيف. غالباً ما تصل نساء هذا الصنف الجمعي النوعي إلى الانكفاء في لظة مرتقبة أو غير مرتقبة إن في داخل النص أو خارجه. لكنها وهذا من أفضل ردود الأفعال, انها تنفلت في الحالة الابداعية إلى ما لا نهاية. حيث لا حدود للمعنى في سياق غموضه الايحائي او الجمالي.
// أنني أشرّح حلمتيَّ مرّتين في اليوم
وأعرف اللحظة التي ستنقضان فيها عليكَ
كلبوتين رومانيتين
وتمزقانك // ص33
إ ن نصاً أو امرأة على هذه الشاكلة, إن هي إلا امرأة محظوظة حررتها الطبيعة الأم, أو الغريزة البكر, أو طاقة وعيها وإرادتها, من قيود العفة والحصافة والشريعة أيضا. وأسلمتها لذاك الهول البلاغي اللغوي, الذي لا يخاطب أحداً مما قبله. إنما ينشد افتراقاً أبدياً عن مألوفنا البائد في فن القول الصريح.
الشاعر والروائي المميز علي عبد الله سعيد