«فورتكس».. نظرة سينمائية واقعية على أمراض الشيخوخة
الوكالات ـ «سينماتوغراف»
يستكشف فيلم فورتكس للمخرج جاسبر نوي التقدم في العمر وما الذي يعنيه فقدان الذاكرة شيئاً فشيئاً، حيث يروي قصة ثنائي مسن يعيشان في شقة في باريس مليئة بالكتب والذكريات.
الرجل مؤرخ كما أنه باحث في مجال الأفلام ويكتب كتاباً عن الصلات بين السينما والأحلام. والمرأة محللة نفسية متقاعدة تعاني من الزهايمر.
يستخدم نوي تقنية الشاشة المنقسمة طوال الفيلم، ما يمكننا من مشاهدة شخصيتين في مكانين مختلفين في نفس الوقت. وهذا يظهر كيف يعاني شخصان من عملية التقدم في العمر وإمكانية أن يصبح المرض خارج عن السيطرة.
فعندما تستيقظ الزوجة النائمة بجانب زوجها تنقسم الشاشة تدريجيا إلى قسمين؛ يظهر في القسم الأيمن منها الزوج وهو مستمر في النوم، بينما نتابع على القسم الأيسر ليبرون وهي تنهض وتذهب إلى المطبخ لإعداد القهوة. لتبدأ من هذه اللحظة تجارب الزوجين في التباعد والتداخل.
وبينما تتجول ليبرون في المكان بحثا عن شيء نسيته يجعلك انقسام الشاشة لا تعرف تماما المكان الذي تبحث فيه، خاصة أنك لا تريد أن تغمض عينيك عن أي جانب من جانبي الصورة.
كما بدا كل شيء في الصورة قديما، ليس الأفراد فحسب بل أيضا الحي والمباني والكتب والآلة الكاتبة والأوراق، وغير ذلك من تفاصيل المنزل التي تجعل كاميرات نوي المشاهد يقضي الكثير من الوقت في النظر إليها واكتشاف إشاراتها، مصرا على عدم إشاحة نظره عن أي جزء من أجزاء الشاشة لتتبع حركات بطلي الفيلم.
وتظل الأحداث والمشاهد في الفيلم متأرجحة بين الغضب والاستياء والارتباك والخوف، وبكاء ليبرون من حيرتها وعدم قدرتها على التواصل في الاستمرار، حتى يمد زوجها أرجينتو يده عبر قسميْ الشاشة ليلمس يد زوجته، في لحظة من الارتباط والحنان تضيف لمسة بشرية طاغية حيث ركز الفيلم على رهاب الأماكن المغلقة، مختبرا الجمهور في قدرته على تحمل الشحنة العاطفية المكثفة.
ولا يخلو الفيلم -الذي يصل وقت عرضه إلى ساعتين ونصف الساعة- من لحظات حساسة نكأت الآلاف من الجراح التي تجعل العلاقات الطويلة تتلاشى على مر السنين، حتى مع بقاء الحب؛ فالأم والأب يريدان الأفضل لبعضهما البعض، وهما محبوبان من ابنهما وحفيدهما. لكن الفيلم يسعى لاكتشاف أن الحب قد يكون حصنا ضعيفا جدا في مواجهة اعتلال الصحة وبداية الرحلة نحو الموت.
ومن خلال مجموعة من الأعمال المثيرة للجدل من «أي ستاند ألون» إلى «أريفيرسابل»، حصل المخرج السينمائي الفرنسي نوي على سمعة بالاستخدام المكثف للعنف، لكن يبدو أن نوي هدأ، في فيلمه الأخير الذي يتضح أنه الأكثر خصوصية.
كانت والدة نوي مصدر إلهامه حيث كانت تعاني من مرض الزهايمر. وهذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها نوي حياة أشخاص في الثمانين من العمر وعمل مع ثنائي قوي استثنائي.
يجسد بطولة الفيلم الممثلة أيقونة ما بعد الموجة الجديدة فرانسواز ليبرون التي مثلت في فيلم «الأم والعاهرة»- والمخرج الإيطالي داري أرجينتو الذي قدم فيلم «سوسبيريا».
ومن ناحية أخرى، يلعب أليكس لوتس الذي ظهر في فيلم «جاي»، دور ابن الثنائي الوحيد وهو مدمن للمخدرات.
ولم تعد الشيخوخة فكرة نادرة في السينما، حيث صدر في 2020 فيلم «الأب» لفلوريان زيلير وبطولة أنتوني هوبكنز الذي حصل على عدد من الجوائز وكان موضع الكثير من النقاش مؤخراً