"ورقة ذابلة من أوراق سيرة عجوز وجد نفسه يوماً داخل مدرسة".
——————————————————
لم يكن يحلم،
وها قد صار معلماً.
كانت الشلة الليلية تبدأ السهرة داخل مقهى كان لا يستقبل الزبناء نهاراً، لم تكن له رخصة، كان يفتح الباب في وجههم مساء بعد انتهاء وقت العمل الرسمي، لم يكن أغلب رواد مقهى الدرب يهتمون لأمر الرخصة، المقاهي المرخصة بعيدة نوعاً ما، والسهرة قد تطول إلى جوف الليل، ساهمت التلفزة التي بدأ بثها الأول في الستينات على مَدِّ زمن الغرق بين لعبة ورق ولعبة بليار التباري على بطولات لا بطولة فيها، دوامة من كرات بيضاء تتسابق نحو الشباك، الريالات تنزلق إلى جوف الصندوق، الحماس لا ينقطع، الجيوب تفرغ، وكثيراً ما كانت تجرى بطولات أخرى في السر والعلن، رهان على مشروبات، رهان على تذاكر سينما، رهان على... نقود.
لم يكن من المراهنين على نقود لا يملك منها فائضاً عن واجب قهوة ساخنة أو مشروب بارد، وكان لاعباً ماهراً يتسابق الأصدقاء للعب جنبه في مباريات الثنائيات، كيف أصبح ماهراً، هو لا يعرف، ولم يحلم يوماً أو ليلة بأن يصبح لاعباً ماهراً،
وهو اليوم عجوز، لا زال يحن إلى تلك اللعبة، لا زال يتقنها كأنه يلعبها الآن في مقهى ليست له رخصة، هي مهارات لا تشيخ، وعشق لا يرتفع.
لا يرغب اليوم في التعريف بأفراد الشلة، منهم من قضى نحبه مرحوماً، منهم من كان على ملة ثوريين وانتقل خلسة إلى ضفة أخرى يرهبها كل من كان يفكر في أمر محظور، ومنهم من فشل وراكم المشاكل، ومنهم من نجح وراكم الأموال، ومنهم من صار مثقفاً ولو خارج الديار،
ومنهم من صار... معلماً،
وما كان قد اختار.
كيف حدث ما حدث؟
حكاية كان لا يخفيها عن محيطه من أهل وأصدقاء وغرباء كلما دعا إلى تذكرها داع.
تلك الليلة من شهر أكتوبر من سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة وألف، ليلة خريفية جمعت الشلة في مقهى بلا رخصة، ورق اللعب لا يستقر له حال، القهوة السوداء الرخيصة، ربما كانت هي أيضاً بلا رخصة، تجري من الشفاه إلى بطون فارغة، دخان يتصاعد ويهبط، نشرة أخبار بالعربية، نشرة أخبار بالفرنسية...
دشن، ترأس، زار، استقبل...
ركن المفتي،
كارتون،
وقليل من فرجة درامية.
اقترب منه صديقه المفضل "ع"، ألصق الشفة بالأذن:
"— هذا الأسبوع ستنظم مباراة للمعلمين المؤقتين.
— تمزح؟
— الإعلان منشور على جدار المدرسة الابتدائية.
— أعانهم الله.
— نجتازها.
— اضحك على نفسك.
— نتسلى.
— الليلة ورق وقهوة رخيصة، وغداً قهوة رخيصة وورق.
— لن أترشح وحدي.
— لا تهمني مباراتك، وزّع الورق يا معلم".
«يتبع».
عبد الرحمن بو طيب