- ملامح إدانة الرجل في رواية القاصة سميرة المنصوري العزوزي "كانثي صحت لتوها".
كان أول من لفت انتباهي جمالية وعمق إيحاء العنوان الذي اختارته الكاتبة لمجموعتها القصصية " كأنثى صحت لتوها " ليعكس ملامح إذانة تتجلى بوضوح في نص "لا يهم ...المهم ان..." من المجموعة القصصية " كأنثى صحت لتوها " للقاصة المبدعة سميرة المنصوري العزيزي.
فغمرتني الرغبة العارمة لمعاينة هاته الصحوة/الإدانة والسفر على متنها الى ابعد نقطة في الذات الانثوية كما صورتها الكاتبة في مؤلفها.
فبمجرد انغماسي بين ثنايا سطور هذا الحكي الأنثوي بامتياز انتابني سؤال القضية/الفكرة والمشروع الأدبي الذي تبنته المؤلفة من خلال النصوص التاسعة عشرة التي تؤثت المؤلف.
استهلت سميرة المنصوري العزوزي حكيها بنص :" لا يهم...المهم ان..." الذي تبنت من خلال وصف دقيق يعري بلغة كثيفة ومشبعة بالايحاء عتمة الانتظار الذي ينهش الذات الانثوية على امتداد الزمكان كمسرح لمعاناة الانثى/الزوجة ( غرفة النوم وما رافقها من طقوس الاستعداد والبيت وماحاولت ان تضفي عليه من دفء انثوي لإستقبال الزوج المتخم بالسهر خارج البيت ، استقبال ارادته متميزا بمناسبة ذكرى زواجهما ...لكن مع من ؟).
ومع توالي السرد الذي اعتمدت فيه القاصة اسلوب التشويق ، يشعر القاريء بمدى عمق الجرح والوجع والصدمة والوحدة المفتوحة على مضامين لا يخبو وجهها مضيئة العتمة المتعلقة في روح الراوية/البطلة التي فقدت السند العائلي كثمن تحديها وبرودة اللامبالاة الزوج الذي. ضحت من اجله.
انه من خلال هذا النص المتفرد يلوح المشروع /القضية الذي تبنته القاصة والذي يتمحور حول مفهوم الزوجة/الانثى الخاضعة لنزوات الزوج المتسلط ومفهوم الزوجة/ المرأة التي تحاول الاستقلال بذاتها وبناء شخصيتها في علاقتها بالرجل في إطار مجتمع ابيسي مطلق.
أننا ومن خلال هذا النص كنموذج إزاء تشكل الوعي النسوي بالتمرد على الاهتمام المبالغ فيه بحضور المرأة خلف الرجل تابعة له وليس إلى جانبه كذات متساوية بكل ما تحمله هذه النظرة من دونية ومعاناة ( غياب مستمر ومتكرر دون اي اعتبار لوجودها) وتصدعات ( تعنيف مجاني و هجران وعدم اهتمام بؤنوثتها ).
ويمكن اعتبار هذا النص، الذي تحكمت فيه الكاتبة في تقنياته السردية بإتقان لغوي وتصويري لسيكولوجية الزوجة المقهورة في ذاتها الأنثوية، غاية في الابداع الحرفي (بكسر الحاء) فهو أيضا بداية لمقاومة السلطة الذكورية والتحرر من مثالبها عبر الوصول الى وضع سلطوية الرجل في قفص اتهام و محاكمته.
انه نص يسائل المرأة أيضا باعتبارها ذاتا منقسمة بين سلطة الأب والزوج والمتعطشة للارتواء الذكوري وسلطة كبريائها التواق للانطلاق .
انه نص إدانة الرجل.وتتمظهر هذه الإدانة يشكل صريح وعلني في النص الثالث الذي يحمل عنوان " عالم الرجل " تقول الكاتبة على لسان الانثى المعذبة في الأرض (ص.19) في صيغة تساؤلات وجودية :
" لماذا عالم الرجل غريب كأنه عالم أساطير اليونان ؟
لماذا الطريق إلى قلبه سراديب متاهات كأنها غابات الهند والساسان ؟
لماذا يتلون قلبه ويتشكل كأنه عجينة اطفال ؟
لماذا حبه طوفان يجرف إلى أعالي السماء ليقذف بعدها إلى مالا يعلمه إلا الله؟
من أقوال الكاتبة والقاصة سميرة المنصوري العزوزي حول الرجل:
الحب عنده -الرجل- وجبة شهية تنتهي مع آخر لقمة يمضغها..وقد يتركها قبل ان يتمها ليطلب غيرها....
الرجل يدخل عالم الحب وكأنه يلج مطعما يبحث فيه عن انثاه كما يختار وجبته من دليل المأكولات..يحبها ويشتهيها..تماما كما يشتهي وجبة معينة..وسرعان ما يعلن لها الهوى والهيام..يجري ورائها يبغي ودها يستجدي حبها..فتقع كما تقع الفريسة في الشباك، تماما كما ينتظر-وهو بالمطعم-وجبته الشهية يستعجل النادل بإعدادها واجادة تهييئها وحسن تقديمها ..حتى اذا ما اصبحت طبقا جاهزا امامه،تلقفه بنهم ولذة...
لكن ما ان تكاد علامات الشبع تظهر عليه حتى يبدأ في التافف..وربما قطع وجبته في الوسط ليطلب شيئا آخر لأنه-وياللعحب العجاب - اكتشف عيبا فيها..وما أكثر العيوب عنده عندما تكون وجبته بين يديه..وما أوفر الميزات عندما تكون هذه الوجبة مازالت قيد التحضير.
...ما أعجبك أيها الرجل وما اغربك...يا من كنت ومازلت وستبقى دائما تدعي أن عالم المرأة هو عالم الغرابة.
ص 19 و 20( كانثى صحت لتوها)
- أ. محمد أگرجوط-