بوستر الدورة الخمسين للمهرجان
الدورة الخمسون لمهرجان "كارلوفي فاري"
٢ يوليو ٢٠١٥
قيس قاسم – كارلوفي فاري (التشيك)
بفكرة مبتكرة تدلّ على حيويته، قرر مهرجان "كارلوفي فاري السينمائي الدولي" تكريس مسابقة دورته الخمسين للمخرجين الشباب، وبذلك دخل تاريخ المهرجانات السينمائية بوصفه أول مهرجان من فئة "أ" لم تتجاوز معدلات أعمار المتسابقين على جوائزه 39 عاماً.
كما وفرّت الدورة ولأول مرة فرصة للموهوبين من طلاب السينما، حيث ستعرض لهم عشرة أفلام اختارها أساتذتهم في الجامعات والمعاهد السينمائية الأوروبية. أفكار جديدة ما انفك يقدمها منذ تأسيسه عام 1946 ليميّز بها نفسه باعتباره مهرجاناً جمع غرب أوروبا بشرقها، ووازن رغم التقلبات السياسية بينها طيلة سبعة عقود شهدت حروباً باردة وساخنة تورطت فيها مهرجانات أخرى، فيما حافظ "كارلوفي فاري" على استقلاليته وانحيازه للسينما فظلّ لهذا واحداً من بين أبرز المهرجانات العالمية.
سبعة أفلام في عرض عالمي أول وستة لم تعرض من قبل إلا في موطنها، ستتنافس كلها للحصول على "كرة الكريستال" (قيمتها 25 ألف دولار أمريكي)، ومن الآن بدأت التوقعات تميل إلى أسماء بعينها وجلها أوروبية مثل الألماني ديتريتش بروغمان الذي قدّم في الدورة قبل الأخيرة لمهرجان برلين السينمائي فيلماً رائعاً بعنوان "دروب الصليب" تناول فيه موضوع شديد الحساسية يتعلق بالتشدُّد الديني المسيحي عبر تجربة صبية قررت الانتحار وتقديم نفسها قرباناً لإيمانها. عمله السينمائي وحواراته جعلت منه عملاً طليعياً على مستوى النقاش المتسِّع حول ظاهرة التطرف الديني في العالم، والمأخوذ هذه المرة من زاوية أوروبية، ربما ليست ببعيدة عن موضوع فيلمه الجديد "خلاص" الذي يعالج فيه بأسلوب كوميدي ساخر ظاهرة النازية الجديدة في ألمانيا وانعكاستها السياسية والاجتماعية، فيما يُطرح اسم الدنماركي "دانييل دنيك" بقوة، على خلفية منجزه الأول "ساحل الذهب" الذي يقدِّم خلاله فصلاً من التاريخ الاستعماري الأوروبي في أفريقيا.
ومن جانبه يكرس"فيردناندو تشيتو فيلومارينو" بفيلمه عن الشاعرة أنطونيا بوتسي (1918 ـ 1938)، حضور السينما الإيطالية، والذي كان لافتا في دورة كانّ الأخيرة، من خلال فيلمين مهمين حرص منظموا الدورة على ضمهما للبرنامج: الأول فيلم "الشباب" لباولو سورنتينو والثاني "حكاية الحكايات" لماتيو جاروني. أما من شرق أوروبا فهناك "العنكبوت الأحمر" للبولندية مارسين كوزاكا و"باباي" للمخرج الكوسوفي الواعد فيسار مورينا، حين حاول رسم صورة أوروبا اليوم والعلاقة بين بلدانها بعيون صبي رافق والده في رحلة دراماتيكية بين كوسوفو وألمانيا.
لقطة من فيلم الافتتاح
وكعادته يفسح المهرجان مجالاً للسينمائيات داخل مسابقته الرسمية فضم إليها هذا العام الأوكرانية أيفا نيمان وفيلمها "أغنية الأغاني" إلى جانب الرومانية أنكا داميان التي تقارب في فيلمها "الجبل الساحر" تجربة متسلق الجبال والمصور الفوتوغرافي آدم وينكلر وانضمامه للقتال إلى جانب الأفغان في مجابهتم القوات الروسية المحتلة لبلدهم. في عملها الجديد تستعين داميان بالتقنيات الحديثة والرسوم المتحركة لتسجل بها تجربته المثيرة سينمائياً.
ولثقلها الإنتاجي تكسر السينما الأمريكية هيمنة أوروبا المطلقة على المسابقة بفيلم المخرج دييغو أونغارو المعنون "بوب والأشجار" كما سيكون لكندا حضور عبر فيلم شاعري عنوانه "أصوات الشجر" من عمل فرنسوا بيلوكا، فيما يشغل البلد المضيف المساحة المخصصه له داخل المسابقة بفيلمين "رعاية منزلية" لسلافيك هوراك و"أخوة الثعبان" للمخرج يان بروشينوفيسكي.
على أهمية المسابقة الرسمية تظل مسابقة "شرق من غرب" الأقرب إلى قلب المهرجان كونها تعبر وبأفضل شكل عن طبيعته التواقة للمزاوجة بين سينما شرق أوروبا وغربها وتوفيرها مساحة جيدة لسينما فرصها التجارية قليلة بخاصة في القسم الشرقي من القارة التي تبتكر وسائل تعابيرها السينمائية بطريقتها الخاصة، مثل التي يقدمها "الطريق إلى روما" وحكايته التي صاغها توماس ميلنيك بروح كوميدية مشبعة بموروث الثقافة البوهيمية، كما المجري "طفل الأربعاء" الذي تقارب فيه ليل هورفاث المليودراميات الإنسانية من خلال قصة طفل تتركه والدته في بيت أيتام ثم تعود للبحث عنه ثانية. الحكاية تؤطِّر بسرد ينبع من طبيعة العلاقة التي تجمع الطفل بوالدته ومن جهة ثانية بالقيم الأخلاقية للمجتمع المجري، في حين نجد البولندي باتريك بروكوبوفيتش يتناول ومن منظور فلسفي العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة في فيلم أطلق عليه اسم مُعبِّر: "كيمياء".
لقطة من فيلم "23 كيلو متر"
للاحتفالات اليوبيلية اشتراطاتها على المهرجانات وبخاصة تلك التي تنشد الارتقاء والتميُز مثل "كارلوفي فاري"، لهذا وقع على عاتق الفريق المكلف بمهمة إعداد "السينما المستقلة" حمل ثقيل بسبب قلة الأفلام المختصة بهذا التوجه السينمائي، فيظلّ انتقاء أفضل ما فيه أمراً عسيرا ومع هذا فما جمعه فريق العمل يكفي للتباهي به لأنه لم يحصر عمله بالقارة الأوربية فحسب بل عمّمها على القارات كلها فأحضر أفلاماً من البرازيل والفيلبين وكوستاريكا واليابان وغيرها.
ولأنه مهرجان جماهيري بامتياز يحرص منظموه على جلب أهم الأفلام، الفائزة في المهرجانات العالمية أو تلك التي تحظى بقبول نقدي كبير، إلى جمهوره الذي ينتظره كل عام على أحرّ من الجمر، وهذا ما لا تُخطأه عين زائر. اعتاد كارلوفي فاري برمجة هذه النوعية من الأفلام ضمن قسم "بانوراما" كي يُقدِّم من خلالها صورة عامة عن جديد السينما. من بين تلك الأفلام التي سيشاهدها الجمهور التشيكي "قلوب جائعة"، للإيطالي سافيريو كستاتز والفرنسي "قانون السوق" والبريطاني "سرطان البحر" والأمريكي "الغرب البطئ" إلى جانب الروماني "عفارم" الحاصل على جائزة الإخراج في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين، حيث يعود فيه صاحبه رادو جودي إلى عام 1835 ومنه ينطلق لقراءة بعض من تاريخ شعوب منطقة البلقان وما جاورها وموقفهم من الغجر الذين كانوا يستعبدونهم، ويكشف لنا بالأبيض والأسود جوانب من التداخل والتصادم بين أقوامها وثقافاتها ودياناتها المختلفة (الروسية والتركية – اليهودية والمسيحية ـ الرومانية والهنغارية) والتي تفسِّر بدورها جزءاً من الصراع العرقي والقومي الذي تشهده بلدانها الآن.
وفي حقل الوثائقي وكعادته يتميز "كارلوفي فاري" بتقديم منجز فرصة انتشاره أقل من مثيلاته في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية وبهذا فهو يسهم في التعريف بها عالمياً ويفتح لها طريقاً تجارياً.
وثائقيات هذه الدورة كثيرة ومنوعة من بينها فيلم اللبنانية نورا كيفوركيان "23 كيلو متراً" والإسباني "نهاية اللعبة" و"أنا بلفاست" للأيرلندي مارك كوزينز والفيلم الألماني الفنلندي البلغاري المشترك "مرة في حلم ـ رحلة في آخر أفلام الغرب السباكيتي".
على عادته التي بدأها عام 2001 وقع الاختيار هذا العام على الممثل الأمريكي ريتشارد جير ليكون شخصية الدورة وسينال على ضوئها "كرة الكريستال" تكريماً لمجمل إنجازه الإبداعي وتميُّزه، وسيعرض بوجوده فيلم الافتتاح الذي يلعب بطولته؛ "زمن خارج الذهن".
وفي حضور لافت قبل الممثل الأمريكي ميل جيبسون لعب دور بطولة "مقدمة" الدورة الحالية والتي جرت العادة أن يقوم بتمثيلها كبار الممثلين العالميين من التشيك وغيرهم.
كما تقرّر الاحتفاء بالممثلين جون كازالي وكريس بِن وتنظيم "استعادة" لأعمال الفنانة الأوكرانية الإيرانية الأصل والمتعدِّدة المواهب في حقول؛ الإخراج والكتابة والتمثيل لارسيا شبيتكو برفقة مجموعة من أعمالها التي أنجزتها خلال حقبة الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
أما مفاجأة الدورة الخمسين فعربية، حيث كرّست للسينما اللبنانية برنامجاً منفرداً أسمته "أسبوع السينما اللبنانية" أرادت من خلاله إلقاء نظرة واسعة على تاريخ البلاد، بوصفها مرآة عاكسة لطبيعته الاجتماعية والسياسية وبشكل خاص انعكاسات الحرب عليه، لهذا فجلها يمسّ بطريقة ما موضوعات الحرب مع تباين الأساليب كفيلم مارون بغدادي "خاج الحياة" 1991، و"بيروت الغربية" لزياد دويري و"تحت القصف" لفيليب عرقتنجي وللسينمائيات اللبنانيات خُصِّص حيزا من الأسبوع حيث سيعرض للمخرجة ليان الراهب "ليالي بلا نوم" ولكورين شاوي "E Mute" وفي محاولة لعرض آخر النتاجات اللبنانية أدرج ضمن الأسبوع فيلم غسان سلهب "الوادي" أما خارجه فسيكون هناك فيلم الأردني ناجي أبو نوّار "ذيب" الذي سبق له أن نال الكثير من الجوائز العربية والعالمية.