Saad Alkassem
الإضافات والمداخلات (المشكورة) على الحلقة السابقة من متحف الوطن الافتراضي عن النحات الرائد جاك وردة (1986-1913) استوجبت العودة للحديث عنه في محاولة ثانية لإضاءة الغموض، فهي قد أوضحت بعض الروايات المختلف عليها، وقدمت إضافات تساهم في إضاءة بعض ما هو غامض في سيرته الحياتية والإبداعية.
تمت الإشارة في الحلقة الماضية أننا لا نعرف شيئاً عن طفولة ونشأة جاك وردة سوى أنه ولد في قرية ماردين التي كانت تتبع لحلب حينذاك. وقد حاولت التواصل - دون نجاح - مع ابن شقيقته المقيم في باريس لأجل ذلك. وأقدم ما نعرفه عنه انه في عام 1930 سافر إلى باريس من أجل دراسة فن النحت فيها، ولكنه عاد إلى سورية دون إكمال دراسته. ولا نجد بعد ذلك معلومات عنه على امتداد العقدين الفاصلين بين عودته من باريس، ومشاركته لأول مرة في المعرض السنوي عام 1951 والذي نال فيه الجائزة الثالثة عن منحوتته (الأمومة) الموجودة حالياً في مدرسة بضواحي دمشق.
غير أن جاك وردة يظهر في صورة ملتقطة عام 1949 في مرسم شورى مع الأديب سعد صائب ونصير شورى وعبد العزيز نشواتي وفنانين آخرين، على الأرجح أنهما من أوربا الشرقية. بما يشير إلى حضوره في الساحة التشكيلية قبل مشاركته الأولى. وهو حضور يتأكد من صورة ثانية ملتقطة عام 1952 لأعضاء جمعية محبي الفنون الجميلة وتضم جاك وردة ونصير شورى، وميشيل كرشة، وميشيل المير، ومحمود حماد، وناظم الجعفري، وروبير ملكي، واليانور شطي، ومنور موره لي، وعدنان جباصيني. كما يتأكد من ذكريات بعض أبناء فناني جيله فقد تحدث الدكتور عبد الرزاق معاذ عن صداقة جمعت جاك وردة مع والده خالد معاذ: «كان أحد أبرز جلساء الجلسة المسائية التي كانت تنعقد في بيت خالد معاذ في شارع 29 ايار والتي كان يرتادها مثقفون وفنانون مثل عزمي موره لي وحسيب كيالي الذي لم يكن يرق دائما لجاك وردة بسبب اسلوبه الشعبي أحيانا. من المؤكد انه كان من الظرفاء وزاده ظرفاً شكله الغريب او الطريف، وكان يروي دائما قصصا طريفة او مقالب ظريفة قام بها بحق اصدقائه» وذكرت الدكتورة ندى قصيباتي إلى أنه «كان انساناً اجتماعياً ومرحاً جداً ويحب المزاح، عرفته عن قرب حيث كان صديقاً مقرباً لوالدي رشاد قصيباتي، وقد زارنا عدة مرات في البيت وكان بغاية الحيوية والاقبال على الحياة. كاناً متحدثاً بارعاً وذو حضور محبب، يمازح الكبار والصغار ويروي قصصاً مضحكة عن كلبه كيكي الذي كان يحب الشوكولا. لا اذكر الكثير لأني كنت صغيرة ولكن شخصيته الفريدة والمحببة بقيت في ذاكرتي. اعماله الفنية رائعة للأسف انه هاجر وخسرنا فنه وابداعه». واستعاد النحات مجيد جمول ذكرياته عن معرض جاك وردة الذي «نظم في مبنى مركز الفنون في الشهبندر (منتصف الستينات) بحضور جمهور غفير وكان الفنان يومها نجماً، وعند عودتي من دراستي في الخارج لم أعد أسمع عنه شيئاً وكأنه لم يكن».
لماذا هاجر جاك وردة؟
يرى الدكتور معاذ سببين لمغادرة جاك وردة لسورية، وهجره النحت للأبد. الأهم منهما «الغاء عقده في كلية الفنون واستبداله بأستاذ بلغاري» ثم «صدمة عودة اعماله محطمة من المانيا». لم يكن إقصاء جاك وردة عن كلية الفنون يتعلق لخلاف في وجهات نظر فنية أو تدريسية متباينة، وإنما كان إثر خلاف مع عمادة الكلية بحكم مفاهيم اجتماعية متعارضة. وعلى هذا لم يكن لإنهاء عقده مع الكلية أي علاقة بصدام مع أساتذة قسم النحت، الذين كانت لهم – بطبيعة الحال – مفاهيم وأساليب مختلفة، لكنها ما كانت لتؤدي إلى الإقصاء. ويقول المعمار شارل كساب «درسنا الاستاذ جاك وردة مادة النحت في السنة الاعدادية بقسم العمارة، وكان هو والاستاذ جلال من يتولون تدريسنا مادة النحت، وكان متميزا عن الاستاذ جلال بحسب ملاحظاته وتعديلاته التي كان يطلبها منا». ويذكر الأستاذ فايز الحمصي أن جاك وردة قام بتدريس مادة النحت في المعهد العالي للفنون الجميلة (والذي أصبح فيما بعد كلية الفنون الجميلة) منذ عام 1960 وحتى عام 1964 : «أتذكر الأستاذ جاك وردة، واستفسرت أيضا من النحات نشأت رعدون الذي أكد انه عاصره خلال دراسته في قسم النحت بالمعهد العالي، بينما انا كنت في نفس الفترة ادرس في قسم العمارة».
أما بالنسبة لمعرضه في المانيا. ففي الواقع لا تتوفر - حتى الآن - أي وثائق حوله، وتتباين الروايات المتعلقة بعودة أعماله من المانيا وأسباب تحطمها، ومنها من يتحدث عن انتشالها من البحر إثر غرق المركب الذي كان ينقلها. لكن ثمة اتفاق على أنها وصلت إلى مستودعات الجمارك في دمشق، ورفض جاك وردة استلامها لأنها كانت محطمة - وفقاً للدكتور معاذ – أو لأنه لم يتمكن من سداد رسومها الجمركية كما جاء في روايات غيره. لكن الأهم في الأمر ما ذكره النحات أكثم عبد الحميد عن هذه التماثيل. ففي الثمانينات حين كان مديراً لمعهد الفنون التطبيقية في قلعة دمشق لفتت انتباهه مجموعة من الصناديق الخشبية الكبيرة المهملة في باحة القلعة، وبعضها مخفي تحت الأتربة، وكانت الجرافات التي تعمل في الموقع تقوم بدحرجتها بين حين وآخر. وحين اقترب من الصناديق اكتشف أنها تضم مجموعة من تماثيل جاك وردة، وتبين فيما بعد أن الصناديق وضعت في مخازن الجمارك لسنوات طويلة، ثم ارسلت الى القلعة بسب وجود مساحات واسعة، دون علم وزارة الثقافة. فشرح الأمر للسيدة الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة حينذاك. ومن ثم قام بتكليف النحات عبد السلام قطرميز (الأستاذ في المعهد) بترميم المكسور منها، ليتفاجأ بها بعد ذلك مرمية بإهمال بإحدى زوايا حديقة المتحف الوطني، وتحطمت اجزاء منها، وبعد بضعة أشهر كُلف أكثم عبد الحميد بترميمها، ووضِعَت مغطاة في مكان آمن بحديقة المتحف. وتذكر السيدة هيام دركل أمينة قسم الفن الحديث في تلك الفترة، أنه بعد ورود التماثيل من القلعة وترميمها قامت بوضع أثنين منهما في مدخل المتحف، وهما التمثالان اللذان نشر الناقد أديب مخزوم صورتيهما في كتابه. إلا أنه تم نقلهما بعيداً في وقت لاحق من منطلق وجوب اقتصار حديقة المتحف على الأعمال الأثرية. بينما يرى النحات أكثم عبد الحميد أن «هذه الاعمال يجب ان تعرض بشكل مدروس وبقاعة خاصة بمتحف الفن الحديث لأنها تشكل جزءً مهماً من تاريخ النحت السوري». وهو محقُ في ذلك تماماً.
وفق ما يذكر الدكتور معاذ والدكتورة قصيباتي فإن جاك وردة زار سورية مرتين في الثمانينات، وفي الثانية كان قد دخل مرحلة المرض النهائي. ومع كل ما سبق فإنه ما يزال في سيرته الكثير مما يحتاج إزالة غموضه.
https://alwatan.sy/archives/311155
تعليقات الصور:
في مرسم شورى 1949
جمعية محبي الفنون الجميلة 1952
تمثال ابي فراس بعدسة الدكتورة مهى حماض 2018
التمثالان اللذان كانا في حديقة متحف دمشق
Abdalrazzaq Moaz، وMunir Jabban
- Abdalrazzaq Moaz
جهد مشكور لتقديم صورة صادقة وموضوعية عن فنان له اهميته في تاريخ الفن التشكيلي السوري الذي يستحق الكتابة فيه مرارا واضاءة الجوانب المظلمة فيه. من النقاط التي اود اضافتها هنا ان لجاك ورددة دوراساسي في تعليم عفيف بهنسي النحت الذي حفظ له الود كما ذكر لنا خلال زيارته لسورية في الثمانينيات. اشير ايضا الى أهمية الصالون الثقافي الذي كان بيت خالد معاذ في الخمسينيات والستينيات والذي كان لجاك وردة حضور بارز فيه وقصص تروى هذا الصالون كتب عنه حسن كمال وتحدثت عنه كوليت خوري مرارا والذي ضم ايضا بالاضافة للاسماء المذكورة شخصيات مثل رفيق الصبان وخليل السعداوي وشفيق امام وقد حدثني م. شارل كساب انه زار خالد معاذ برفقة فاتح المدرس في صالونه هذا في الستينيات وهي اشارة مهمة تعكس التنوع الثقافي والاتجاهات الفنية المختلفة التي كانت تلتقي رغم اختلافتها واختلافاتها ..لكم خالص الود والشكر