- تصوير: سلطان الغامدي
سلافة سعد الفريح
ليلة انطفأ فيها القمر
انتصفَ الشهرُ واستدار القمر
وعيناي تسبحُ كل ليلةٍ في الفضاءِ البعيد
تتعلقُ بذوائبِ السماء
تهفو إليك .. وترقبُ عودتك
أذوبُ حنينا لأحتضنك بمَلءِ جفوني
شهرٌ يمرُّ تلو الشهر
ومذاقُك الشهيُّ يتغلغلني
رغم المسافات
والكواكبِ والنجومِ والمجرات
ذبذباتُك تسكنُني !
قوتُك الكامنة تأسِرُني
ضوؤك اللؤلؤيُّ الساحرُ يجذبني
يتحكمُ في مَدّي وجزْري
سكوني وثورتي
لو تعلم كم أنت محظوظٌ بحب عاشقةٍ مثلي
أيها القمر
ولمّا اقتربَ الموعدُ وانتصفَ الشهر
واستحكم الشوقُ وفاضتْ عيناهُ بالخضوع
أرسلتُ قوافلَ اللهفةِ تناديك
تحتفلُ بقدوم شهريار
حتى وإن كانت آخر ليلة من ليال العمر
لا يهم إن قتلتني شنقا أو حرقا
أو بنوبات القهر !
بعدما أرتشفُك بحواسي
اقتلني
عروسا بيضاء .. من النحر إلى النحر
توسلتُ حضورَك
وأشعلتُ كرنفالا من عطر
نثرتُ وسائدَ الحرير
وأضأتُ أسرابَ الشموع
وبللّتُ بتلاتِ الزهر
وانتظرتُك .. انتظرتُك
وخُسِف القمر!
فلم أعُدْ أدري .. أيُّكما القمر ؟
حالتْ الأرضُ بينك وبيني
ألقتْ بظلالِها على عينيك
وحجبتْ نورَ الشمس
فلم تقاومْها .. وانطفأ القمر!
عاثتْ عناكبُ الظلامِ بأوردتي
وأقيمتْ مراسمُ العزاءِ في حفلي المنتظر
ناحتْ الشموع
ومزّقَ الحريرُ أطرافه
واحدوْدبَ الزهر
عبقريٌّ أنت حتى في خسوفك
تختفي رويدا رويدا
حتى تغيبَ عن النظر
ما أشْبَه الليلةَ بالبارحة
وما أشبهني بالقمر!
احمرَّ وجهُه خجلا
وأسدل ستائرَه على عشقٍ
بيديك انتحر
أئنُّ تحت سياطِ الذكريات
تلسعُني !
كنا هنا ليلتين من ليالي السهر
ضحك لنا القمر وأنار واستدار
هنك في الشاطئ البعيد
ركضنا حُفاةً تحت زخّاتِ المطر
" وضحكنا ضحك طفلين معا "
عصرتَ من أضلُعِك سُلافا
وأذبته على فمي
وسألتني
أيعقل أن يُجمعَ جمالُ الكونِ ويحلو القدر؟
أنتِ وأنا
وقمرٌ وبحرٌ ومطر ؟
ونامَ الليلُ .. واستيقظَ الصبح
وودّع الشاطئُ لمساتِ القمر
افترقنا
فاحترقَ السلافُ .. وتبدّد الأثر !
وهذه الليلة
نفسُ المكانِ الذي تضوّعتْ منه همساتِنا
وحباتُ الرملِ التي رسمتْ خطواتِنا
ونسائمُ الليلِ التي كتمتْ أسرارَنا
عاد القمر
عثرَ عليّ مكوّمةً تحت أنقاضِ كبريائي
ك فرسٍ أثخنتها رماح البشر
أتجرّعُ غصّاتي .. وألوكُ وحدتي
أشتَمُّ رائحةَ كفيك الملتصقةَ بجلدي
كمدمنٍ يلعقُ آخرَ جرعةٍ سُكبتْ على الحجر
عادَ ليضيءَ لنا الشاطئ
فنظر إليّ .. ورحل دون أن يسل
أعلمتَ الآن بأبي أنت وأمي
لماذا خُسِفَ القمر ؟
إنْ كان لنور القمرِ قصائدٌ .. فأنت شاعرُها
وإنْ ماتت أجنّةُ قصائده .. فأنت قاتُلها !
فيا شاعرَ نور القمر
ويا قاتلَ فلذاتِ الشعر
كيف يلذّ نومك
ويداك ملطختان بأنين القهر ؟
- تصوير: يزيد الخليفي
- تصوير: جبر العمران
- تصوير: عوض الهمزاني
- تصوير: بشر العبادي
- تصوير: سلطان الغامدي
- تصوير: سلافة الفريح
- تصوير: سليمان عبدالله العودة