سوفت بوكس
عضّ قلبي ولا تعضّ فكري
سلافة سعد الفريح
تفتقت موهبتها مبكرا، عشقت القلم والأوراق منذ أن تعلمت أبجديات الحروف ، وراحت تخطّ بأناملها الصغيرة رسائل الشوق لأبيها المسافر دائماً ؛ تكتب له عباراته المخملية التي لطالما شنّفت مسامعها فاستقرت في قلبها وعلى لسانها وتحت أسنّة أقلامها. لم تنس يوما توبيخ معلمة العربي لها في الصف الرابع الابتدائي تتهمها أن أحدا ما يكتب لها مواضيع الإنشاء! ولم تصدق قَسَمها بأن لم يساعدها أحد، ولم ترحم دموعها التي حرقت خديها الناعمين كأوراق الورد ؛ بل ترد عليها مزمجرة ساخرة: "أنا المعلمة لا أعرف أكتب مثل هذه الكتابة!"
كبرت الصغيرة ووصلت المرحلة الثانوية وزاد شغفها بالشعر والأدب وقراءة الروايات والقصص القصيرة لكبار الكتاب، ولكنه كان الأكثر ملامسة لقلبها وعينيها ؛ إنه الأستاذ الأديب الكبير من أكبر الأدباء مقاما في تلك الفترة. كانت تتلذذ بكتابة قصصٍ تنحو في أسلوبها منحى كتاباته وطريقته. فقررت أن تستنير برأيه وتطلعه على "قصصها الصغيرة". ومنذ أن أرسلت له عددا من قصصها المتسلسلة لم تذق النوم من هوس الانتظار! تنتظر رده عليها عبر صندوق البريد (حينما كان الإنترنت حلما لم يحلم به أحد).
ومرت الأيام وهي لازالت تتابع كتاباته في تلك المجلة الخليجية الأسبوعية. وذات مساء فتحت المجلة أول مافتحت على صفحته وتصعقها المفاجأة "إنها القصة التي أرسلتها له ليحكم على جودتها" منشورة بإسمه تتخللها أحداث لاعلاقة لها بالقصة!! ظلت تبكي وتصرخ وتخبئ وجهها بين ذراعيها ألًما وقهرًا. ورغم حداثة سنها بحثت عن رقم مكتبه لمحادثته شخصيا وكانت الصاعقة المزدوجة ؛ حينما واجهته بسرقته عنفها بشدة وسخر منها وأقفل الخط!! وبعد أيام أرسل لها حزمة الأوراق التي أرسلتها له مع رسالة بخط يده ابتدأها ب "إلى الكاتبة المبدعة الصغيرة" وأخبرها بأن حلقات القصة قد أرسلها للمجلة وأصبحت ملكا لها أما الحلقات المتبقية فليس فيها من قصتها شيئا.
تلك الفترة كان الناس يعيشون داخل قمقم إعلامي ذكوري؛ فأنّى لفتاة مراهقة الادعاء على كاتب مشهور بسرقة قصتها ومن سيصدقها؟ ورغم ذلك لم تسكت وقررت أن تكشف كذبته في المجلة الخليجية بطلب المساعدة من كاتبة خليجية بعد أن أثبتت لها ما يؤكد روايتها ؛ فكتبت "فضيحة الكاتب والمراهقة" ولكن بالتلميح الذكي غير الصريح.
انتهت قصتها مع الكاتب وظل جرحه غائرا في قلبها الغض ، اهتزت ثقتها بكل أهل الأدب والإعلام ، وتوقفت قراءاتها وشحبت كتاباتها ونضب خيالها ؛ وقررت أن لا تعاود التفكير بنشر أي سطر تكتبه. وبقيت أطلال كتاباتها حبيسة ظلمات الأدراج حتى تخرجت من قسم البلاغة والنقد وعملت في التدريس. ولما اشتد عودها وأصبحت قادرة على مواجهته ؛ كان قد هرم سِنُّه واعتلّت صحته ، فتحول جرحها القديم إلى "ندبة" ولم يعد موجعا كما كان.
كبُرَتْ ؛ بل كبرتْ "كثيرا" ووجد مخزونها الأدبي متنفسا عبر الضوء فعشقت التصوير عشقها للكلمة وقررت أن تكتب للضوء في جريدة الرياض في صفحة أسمتها "قصائد ضوئية"!
إنها تجربتي باختصار ولست وحدي بالتأكيد، فكم من أناملٍ كُسِرتْ! وكم من أحلامٍ وئِدتْ! وكم من إبداعاتٍ دُفِنتْ! "عضّ قلبي ولا تعضّ فكري" فقد أهَبُك قلبي وأقاسمك رغيفي ولكن فكري .. هو ملكي وحدي!
عضّ قلبي ولا تعضّ فكري
سلافة سعد الفريح
تفتقت موهبتها مبكرا، عشقت القلم والأوراق منذ أن تعلمت أبجديات الحروف ، وراحت تخطّ بأناملها الصغيرة رسائل الشوق لأبيها المسافر دائماً ؛ تكتب له عباراته المخملية التي لطالما شنّفت مسامعها فاستقرت في قلبها وعلى لسانها وتحت أسنّة أقلامها. لم تنس يوما توبيخ معلمة العربي لها في الصف الرابع الابتدائي تتهمها أن أحدا ما يكتب لها مواضيع الإنشاء! ولم تصدق قَسَمها بأن لم يساعدها أحد، ولم ترحم دموعها التي حرقت خديها الناعمين كأوراق الورد ؛ بل ترد عليها مزمجرة ساخرة: "أنا المعلمة لا أعرف أكتب مثل هذه الكتابة!"
كبرت الصغيرة ووصلت المرحلة الثانوية وزاد شغفها بالشعر والأدب وقراءة الروايات والقصص القصيرة لكبار الكتاب، ولكنه كان الأكثر ملامسة لقلبها وعينيها ؛ إنه الأستاذ الأديب الكبير من أكبر الأدباء مقاما في تلك الفترة. كانت تتلذذ بكتابة قصصٍ تنحو في أسلوبها منحى كتاباته وطريقته. فقررت أن تستنير برأيه وتطلعه على "قصصها الصغيرة". ومنذ أن أرسلت له عددا من قصصها المتسلسلة لم تذق النوم من هوس الانتظار! تنتظر رده عليها عبر صندوق البريد (حينما كان الإنترنت حلما لم يحلم به أحد).
ومرت الأيام وهي لازالت تتابع كتاباته في تلك المجلة الخليجية الأسبوعية. وذات مساء فتحت المجلة أول مافتحت على صفحته وتصعقها المفاجأة "إنها القصة التي أرسلتها له ليحكم على جودتها" منشورة بإسمه تتخللها أحداث لاعلاقة لها بالقصة!! ظلت تبكي وتصرخ وتخبئ وجهها بين ذراعيها ألًما وقهرًا. ورغم حداثة سنها بحثت عن رقم مكتبه لمحادثته شخصيا وكانت الصاعقة المزدوجة ؛ حينما واجهته بسرقته عنفها بشدة وسخر منها وأقفل الخط!! وبعد أيام أرسل لها حزمة الأوراق التي أرسلتها له مع رسالة بخط يده ابتدأها ب "إلى الكاتبة المبدعة الصغيرة" وأخبرها بأن حلقات القصة قد أرسلها للمجلة وأصبحت ملكا لها أما الحلقات المتبقية فليس فيها من قصتها شيئا.
تلك الفترة كان الناس يعيشون داخل قمقم إعلامي ذكوري؛ فأنّى لفتاة مراهقة الادعاء على كاتب مشهور بسرقة قصتها ومن سيصدقها؟ ورغم ذلك لم تسكت وقررت أن تكشف كذبته في المجلة الخليجية بطلب المساعدة من كاتبة خليجية بعد أن أثبتت لها ما يؤكد روايتها ؛ فكتبت "فضيحة الكاتب والمراهقة" ولكن بالتلميح الذكي غير الصريح.
انتهت قصتها مع الكاتب وظل جرحه غائرا في قلبها الغض ، اهتزت ثقتها بكل أهل الأدب والإعلام ، وتوقفت قراءاتها وشحبت كتاباتها ونضب خيالها ؛ وقررت أن لا تعاود التفكير بنشر أي سطر تكتبه. وبقيت أطلال كتاباتها حبيسة ظلمات الأدراج حتى تخرجت من قسم البلاغة والنقد وعملت في التدريس. ولما اشتد عودها وأصبحت قادرة على مواجهته ؛ كان قد هرم سِنُّه واعتلّت صحته ، فتحول جرحها القديم إلى "ندبة" ولم يعد موجعا كما كان.
كبُرَتْ ؛ بل كبرتْ "كثيرا" ووجد مخزونها الأدبي متنفسا عبر الضوء فعشقت التصوير عشقها للكلمة وقررت أن تكتب للضوء في جريدة الرياض في صفحة أسمتها "قصائد ضوئية"!
إنها تجربتي باختصار ولست وحدي بالتأكيد، فكم من أناملٍ كُسِرتْ! وكم من أحلامٍ وئِدتْ! وكم من إبداعاتٍ دُفِنتْ! "عضّ قلبي ولا تعضّ فكري" فقد أهَبُك قلبي وأقاسمك رغيفي ولكن فكري .. هو ملكي وحدي!