قصة حياة مؤيد العظم بطلة هذا المقال..سامي مروان مبيض

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصة حياة مؤيد العظم بطلة هذا المقال..سامي مروان مبيض


    Raseef22 رصيفــ22

    ‏١٧ يوليو‏، الساعة ‏٧:٤٥ م‏ ·
    كانت تقود سيارتها بنفسها، محدثة صدمة كبيرة في المجتمع السوري المحافظ، تعبر القارات بسيارتها وحدها، وتُخفي مسدساً تحت مقعدها للدفاع عن نفسها من قاطعي الطريق...
    سامي مروان مبيض


    الثلاثاء 12 يوليو 202212:15 م

    في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، وبعدما كانت مدينة بيروت قد شُطرت مدينة إلى قسمين، جاءت سيدة سورية من دمشق لتعبر خطوط التماس، بهدف زيارة ابنتها. على الرغم من تقدمها في السن، حيث كانت قد تعدت عتبة السبعين، إلا أنها ظلّت تلفت الأنظار بسبب جرأتها وأناقتها وطولها الشاهق. أوقفها أحد المسلحين على حاجز تابع لحزب الكتائب، طالباً هويتها للتأكد إن كانت مُسلمة أم مسيحية. كانت هذه السيدة الدمشقية علمانية الهوى والتفكير، لا نفرق أبداً بين الأديان، فرفضت الانصياع لمطلب الشاب وقالت له بحزم: "شو الفرق...وشو دخلك أنت بديني؟" غضب الشاب من كلامها ورفع سلاحه في وجهها، فأبعدت البندقية عن وجهها ببطء ونظرت إلى الصليب المذهب المعلّق على جيده، قائلة: "اخلع الطوق عن رقبتك أيها الرجل، وأنزل بندقيتك لكي نتفاهم بهدوء."


    معظم الكتب والدراسات عن تاريخ الحركة النسائية في سورية تتمحور حول سيدتان سوريتان، هما ماري عجمي ونازك العابد. الأولى كانت بنت عائلة مسيحية دمشقية معروفة، درست التمريض في جامعة بيروت الأميركية ثم عملت في التدريس والصحافة وأسست أول مجلة نسائية في سورية، "العروس" سنة 1910. أما نازك العابد، فهي من عائلة مسلمة عريقة، وكان والدها مصطفى باشا العابد والياً على الموصل، وعمها أحمد عزت باشا العابد أميناً لسر السلطان عبد الحميد الثاني. درست العابد في جامعة إسطنبول الأميركية، ونشطت في الحركات النسائية المبكرة، رئيساً مؤسساً لجمعية نور الفيحاء وجمعية يقظة المرأة الشامية. شاركت نازك العابد مع وزير الحربية يوسف العظمة في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، بصفتها رئيساً لجمعية النجمة الحمراء، المعنية بجرحى الحرب، وخرجت إلى ميدان القتال سافرة الرأس والوجه، ما ألهم العديد من السيدات السوريات، ومنهن حياة مؤيد العظم، بطلة هذا المقال.
    البداية والمنشأ


    ولدت حياة في إسطنبول سنة 1905 حيث كان والدها بديع مؤيد العظم يعمل في الإدارة العثمانية، قبل انتخابه نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان. حقق الأب شهرة واسعة في عالم السياسة، وهو من عائلة سياسية عريقة حكمت دمشق طوال معظم سنوات القرن الثامن عشر. بعد النيابة، تم تعينه والدها رئيساً لمجلس الشورى في عهد الملك فيصل الأول سنة 1919، ثم وزيراً للعدل في مطلع مرحلة الانتداب الفرنسي. عاشت حياة في كنف والدها، متنقلة بين سورية ولبنان وتركيا، حيث تأثرت بكمال أتاتورك وبالكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار. أرسلها والدها إلى مدرسة راهبات خاصة في لبنان، وكانت ترغب السفر إلى إيطاليا لدراسة الفنون، ولكن زواجاً مبكراً منعها من ذلك. ولكن هذا الزواج لم يستمر وتزوجت ثانية من الوجيه تحسين بك العظم، وهو رجل متنور ومنفتح، كان قد ساهم في إدخال لعبة كرة القدم إلى دمشق قبيل الحرب العالمية الأولى، خلال دراسته في جامعة بيروت الأميركية.
    كانت تمشي في شوارع دمشق سافرة وتوقف أي سيدة محجبة تمر من أمامها لمناقشتها بموضوع الحجاب، مع اللجوء إلى القرآن في المحاججة وإلى سيرة زوجات النبي... قصة سوريا في حياة مؤيد العظم
    حياة والحجاب


    ساهم كل من الزوج تحسين العظم والأب بديع مؤيد العظم بشكل محوري في تحرر حياة من كل القيود الاجتماعية السائدة في المجتمع السوري يومها. رفضت ارتداء الحجاب، وصارت تمشي في شوارع دمشق سافرة وتوقف أي سيدة محجبة تمر من أمامها لمناقشتها بموضوع الحجاب، مع اللجوء إلى القرآن الكريم في المحاججة وإلى سيرة زوجات النبي في معارك المسلمين الأوائل. شاركت في مظاهرات السفور أمام السراي الكبير في ساحة المرجة وتأثرت كثيراً بنازك العابد، كما تشاركت معها في تأسيس جمعية يقظة المرأة الشامية، وعملت مع سيدة سورية الأولى زهراء يوسف العابد (زوجة الرئيس محمد علي العابد) في تأسيس جمعية نقطة الحليب، المخصصة لجمع الحليب الطازج وتوزيعه على الفقراء خلال الحرب العالمية الثانية.
    حياة وفلسطين


    كما أنها نشطت في صفوف الهلال الأحمر السوري، وعند اندلاع حرب فلسطين، خرجت إلى ميدان المعركة مع الجنود، تماماً كما فعلت نازك العابد قبل 28 سنة. نازك العابد تولّت إسعاف جرحة معركة ميسلون مع يوسف العظمة، وعملت حياة مع فوزي القاوقجي على إسعاف جرحى جيش الإنقاذ، من سوريين وفلسطينيين وعراقيين ولبنانيين، الذين دخلوا الأراضي الفلسطينية بعد صدور قرار تقسيم فلسطين في تشرين الثاني 1947.
    كانت تقود سيارتها بنفسها، محدثة صدمة كبيرة في المجتمع السوري المحافظ، تعبر القارات بسيارتها وحدها، وتُخفي مسدساً تحت مقعدها للدفاع عن نفسها من قاطعي الطريق... قصة بلد في قصة امرأة

    ولكن النقلة النوعية جاءت بعد الحرب، عندما بدأت حياة تقود سيارتها بنفسها، محدثة صدمة كبيرة في المجتمع السوري المحافظ. شاركت في تأسيس نادي السيارات السوري سنة 1950، كما عبرت القارات بسيارتها البويك السوداء، من سورية إلى فرنسا، لتُصبح عضواً في نادي السيارات الأسترالي والإيطالي والفرنسي. كانت تسافر وحدها بسيارتها وتُخفي مسدساً تحت مقعدها للدفاع عن نفسها من النشالين واللصوص وقاطعي الطريق.

    مع ذلك، لم يأتي أحد من المؤرخين على ذكرها، باستثناء نعمة زيدان، الذي أورد ترجمة موجزة عنها في كتاب "عالمنا العربي: سورية ولبنان" الصادر في بيروت عام 1956. نشطت حياة مؤيد العظم في صفوف "حلقة الزهراء الأدبية،" التي كانت تقيمها زهراء يوسف العابد في دارها حتى نهاية الخمسينيات، وظلّت تتردد على منزل صديقتها وملهمتها نازك العابد في بيروت، التي توفيت عام 1959. غابت عن المشهد العام مع انتهاء الوحدة السورية المصرية عام 1961، وتوفيت في بيروت عن عمر ناهز 73 عاماً سنة 1978.


    الاثنين 27 يونيو 202209:41 ص

    كلما تقدّم الإنسان في العمر، وأصبح لديه متسع من الوقت للتأمل، كلما راودته خواطر وأفكار لم تشغل باله من قبل أو تتطرق إلى ذهنه، خواطر وأفكار يتعلق معظمها بمراجعة تجربته لمحاولة فهم أعمق لمعنى الحياة وجوهرها لعله يستطيع أن يوجه فكره وجهده إلى ما ينفعه أكثر وينفع الناس.
    ولعل أولى مستلزمات الكرامة الإنسانية هي قدرة كل أفراد المجتمع على العيش معاً في مأمن من أي عنف أو تعدٍّ جسدي أو لفظي من أي نوع.

    العديد من تلك التأملات يدور حول غاية واحدة: كيف يمكن لكل إنسان أن يعيش في أمان وسلام مع نفسه وفي تضامن وتماسك مع مجتمعه بالرغم من كل ما يصادفه في الحياة من تحديات ومشكلات وصعوبات وآلام؟ ومهما حاولت البحث في الجوانب المختلفة لتلك الإشكالية، فإني دائماً ما أصل إلى النتيجة نفسها: كرامة الانسان وقدرته على التعبير عن نفسه وتحقيق ذاته بحرية في مجتمع يكفل له احتياجاته الأساسية ويضمن له ولغيره الحقوق والواجبات نفسها على أساس من العدل والمساواة، هي المنطلق والركيزة لحياة يسودها السلام والاستقرار والرقي على المستوى الفردي والجمعي.

    ولعل أولى مستلزمات الكرامة الإنسانية هي قدرة كل أفراد المجتمع على العيش معاً في مأمن من أي عنف أو تعدٍّ جسدي أو لفظي من أي نوع.

    لقد نشأت في مصر في مجتمع يعاني من العديد من التناقضات والكثير من المظالم الاجتماعية والاقتصادية، ولكنه كان مجتمعاً بعيداً إلى حد كبير عن العنف ويسوده الإحساس بالأمن والأمان. وأتذكر قبل عقود طويلة في أثناء إقامتي في نيويورك -المدينة التي كانت تموج بالعنف- أنني كنت أتباهى بالسلام المجتمعي في مصر، وكيف أنه كان يمكن للمرأة على سبيل المثال أن تسير بمفردها حتى في منتصف الليل من دون أن يتعرض لها أحد بأي شكل أو يمسها بأي سوء، وكيف أن الشهامة أو "الجدعنة" كانت هي الأمر المتوقع من كل أفراد المجتمع، خاصةً في حال وقوع أي طارئ.
    لقد نشأت في مصر في مجتمع يعاني من العديد من التناقضات والكثير من المظالم الاجتماعية والاقتصادية، ولكنه كان مجتمعاً بعيداً إلى حد كبير عن العنف ويسوده الإحساس بالأمن والأمان

    وقد رأيت، بعد أن انتقلت للعيش في فيينا، ما رأيته في شبابي في القاهرة وأكثر بالنسبة للأمن والأمان، إذ إنه أصبح أمراً من المسلمات لا تفكر فيه؛ الكل يتحركون بحرية من دون خوف أو حظر، ناهيك بالطبع عن أن يفكر شخص في أن يتحرش بالآخر أو يتنمر عليه، مهما كان مختلفاً عنه من حيث الشكل أو المظهر وسواء كان رجلاً أم امرأة. كل إنسان وكأنه محاط بسياج غير مرئي، ولكنه ملموس، من الخصوصية، لا يجسر أحد على أن يتعداه.
    إن الغرض من هذه الكلمات القصيرة هو أن أوجه رسالة تحذير وأعبّر عن الآلام بسبب العنف المفرط من كل جهة والذي أراه يملأ مجتمعاتنا العربية، وكيف أن قدسية الحياة أصبحت مستباحةً.

    هناك بالطبع أسباب كثيرة سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية لهذا الوضع لا يوجد هنا مجال للتعرض لها اليوم، إذ إن الغرض من هذه الكلمات القصيرة هو أن أوجه رسالة تحذير وأعبّر عن الآلام بسبب العنف المفرط من كل جهة والذي أراه يملأ مجتمعاتنا العربية، وكيف أن قدسية الحياة أصبحت مستباحةً وحرمة الخصوصية أصبحت منتهكةً، وما يزيد الطين بلّةً أننا نلجأ أحياناً إلى تبرير العنف والتعدي على الآخر بخطاب مشبع بالجهل والانحطاط القيمي مثال الاختلاف في الدين أو المذهب أو الطائفة أو حتى الملبس!

    ما رأيناه من عنف في الحروب، وتشرذم مجتمعي في الكثير من دول العالم العربي، امتد مؤخراً إلى مصر والأردن وغيرهما ليشمل جرائم قتل بشعةً وعنفاً وتحرشاً وتنمراً ضد المرأة، مما يزيد من التآكل المستمر في القيم الأساسية للتماسك المجتمعي، بما في ذلك حرمة الحياة والمساواة بين الرجل والمرأة واحترام الاختلاف والخصوصية.

    أعلم أن هناك الكثير من الإحساس بالظلم وفقدان الأمل في العديد من مجتمعاتنا العربية، ولكن التحدي الأكبر أمامنا اليوم هو أن ندرك وبسرعة أننا نختلف وسنستمر. نختلف في أشياء كبيرة وصغيرة وإنما في الوقت نفسه لن نتمكن من حل أيٍّ من تلك الخلافات عن الطريق العنف أو انتهاك كرامة الإنسان وخاصةً المرأة في مجتمعاتنا الذكورية.
    نختلف في أشياء كبيرة وصغيرة وإنما في الوقت نفسه لن نتمكن من حل أيٍّ من تلك الخلافات عن الطريق العنف أو انتهاك كرامة الإنسان وخاصةً المرأة في مجتمعاتنا الذكورية.

    لعلنا نفهم قبل فوات الأوان أن ما يجمعنا أهم وأبقى، وأن الأهم هي إنسانيتنا وحق كل منّا في الحياة وفي العيش الكريم على أساس المساواة، مهما كانت اختلافاتنا. نحن عند مفترق "طريق قيمي"؛ أحدهما ينذر بخطر داهم والآخر يستشرف مستقبلاً زاهراً. ما زال أملي قائماً بأن تكون لدينا القدرة والحكمة على التمييز بين الصواب والخطأ.

    * يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

    https://bit.ly/3aIgoDF

    ***************************
يعمل...
X