قراءات ومواقف في النقد الادبي
ينجو الشعر من الخطابيّة ومن الغنائية -التي تحيط الدلالة بسياج البُعد الواحد - باعتماده على القدرة التصويرية ، أو الصورة ، بصفتها نشاطا تركيبيا ، تتحققُ طبيعتُها - وغاياتها - بارتكازها على الرمز والأسطورة والقناع ، و...فضلا عن تعدد أنماط - أو أشكال - هذه الصورة ، ما بين : المُتنامية ، والمُجزَّأة ، والتشكيلية ، والسريالية ، و...!
وقد اعتمد - كثيرٌ من - شعرائنا المعاصرين على طاقات النشاط التركيبي في تجربته الشعرية ، ومن هؤلاء أحمد عبد المعطي حجازي ، الذي نقف وقفةً قصيرة مع قصيدته " أنا والمدينة " لنشير - إشارة موجزة - إلى ما تتمتع به هذه القصيدة من توالٍ عضويٍ ، وتكثيفٍ ، وبراعة في تصوير الموضوع الأكثر إلحاحا على عموم تجربته ، وهو : الاغتراب . فعلى الرغم من أنّ هذه القصيدة تعود لعام 1957م - فهي من ديوانه " مدينة بلا قلب " - إلّا أنها ما تزال قادرة على جذب التلقّي القرائي والنقدي ، باعتمادها على المعادل الفني في تصوير اغتراب ذات الشاعر . يقول حجازي :
هذا أنا ،
وهذه مدينتي ،
عند انتصاف الليل
رحابةُ الميدان ، والجدران تلْ
تبين ثم تختفي وراء تلّ
وريقةٌ في الريح دارت ، ثم حطتْ ، ثم
ضاعت في الدروب ،
ظل يذوب
يمتد ظل
وعينُ مصباح فضولي ممل
دُستُ على شعاعه لّما مررت
وجاش وجداني بمقطع حزين
بدأتُه ، ثم سكتْ
من أنت يا .. من أنتْ ؟
الحارس الغبيّ لا يعي حكايتي
لقد طُردت اليوم
من غرفتي
وصرتُ ضائعا بدون اسم
هذا أنا ،
وهذه مدينتي !
------------
إنّ " الوريقة " التي صوّرها الشاعر في مطلع القصيدة متطوحةً بفعل الرياح ، هي المعادل الفني لذاته التي أرهقتها الوحشةُ في المدينة ، وأرهبتها الجدران ورحابة الميدان ، وبدا لها كلُ اتساع في المدينة مُوحشا مخيفا . هذه الوريقة هيّنة ضعيفة في يد الرياح ، لذلك جعلها الشاعر " وريقة " ، لا ورقة ، كما أخضعها لمراحل البَدد التي كابدَها في هذه المدينة ، فهذه الورقة ، و وفق ترتيب الأفعال في القصيدة : دارت ْ ، حطّتْ ، ثم ضاعتْ في الدروب . كذلك ذات الشاعر التي انتهت تجربتُها في المدينة على هذا النحو الذي يُمثلُ الذروة الدرامية : " طُردتُ اليوم من غرفتي " ، ثم " صرتُ ضائعا بدون اسمٍ " .
# من تحليل مُطوّل في كتابي " القصيدة العربية المعاصرة " . 2007م
د. كاميليا عبد الفتاح
ينجو الشعر من الخطابيّة ومن الغنائية -التي تحيط الدلالة بسياج البُعد الواحد - باعتماده على القدرة التصويرية ، أو الصورة ، بصفتها نشاطا تركيبيا ، تتحققُ طبيعتُها - وغاياتها - بارتكازها على الرمز والأسطورة والقناع ، و...فضلا عن تعدد أنماط - أو أشكال - هذه الصورة ، ما بين : المُتنامية ، والمُجزَّأة ، والتشكيلية ، والسريالية ، و...!
وقد اعتمد - كثيرٌ من - شعرائنا المعاصرين على طاقات النشاط التركيبي في تجربته الشعرية ، ومن هؤلاء أحمد عبد المعطي حجازي ، الذي نقف وقفةً قصيرة مع قصيدته " أنا والمدينة " لنشير - إشارة موجزة - إلى ما تتمتع به هذه القصيدة من توالٍ عضويٍ ، وتكثيفٍ ، وبراعة في تصوير الموضوع الأكثر إلحاحا على عموم تجربته ، وهو : الاغتراب . فعلى الرغم من أنّ هذه القصيدة تعود لعام 1957م - فهي من ديوانه " مدينة بلا قلب " - إلّا أنها ما تزال قادرة على جذب التلقّي القرائي والنقدي ، باعتمادها على المعادل الفني في تصوير اغتراب ذات الشاعر . يقول حجازي :
هذا أنا ،
وهذه مدينتي ،
عند انتصاف الليل
رحابةُ الميدان ، والجدران تلْ
تبين ثم تختفي وراء تلّ
وريقةٌ في الريح دارت ، ثم حطتْ ، ثم
ضاعت في الدروب ،
ظل يذوب
يمتد ظل
وعينُ مصباح فضولي ممل
دُستُ على شعاعه لّما مررت
وجاش وجداني بمقطع حزين
بدأتُه ، ثم سكتْ
من أنت يا .. من أنتْ ؟
الحارس الغبيّ لا يعي حكايتي
لقد طُردت اليوم
من غرفتي
وصرتُ ضائعا بدون اسم
هذا أنا ،
وهذه مدينتي !
------------
إنّ " الوريقة " التي صوّرها الشاعر في مطلع القصيدة متطوحةً بفعل الرياح ، هي المعادل الفني لذاته التي أرهقتها الوحشةُ في المدينة ، وأرهبتها الجدران ورحابة الميدان ، وبدا لها كلُ اتساع في المدينة مُوحشا مخيفا . هذه الوريقة هيّنة ضعيفة في يد الرياح ، لذلك جعلها الشاعر " وريقة " ، لا ورقة ، كما أخضعها لمراحل البَدد التي كابدَها في هذه المدينة ، فهذه الورقة ، و وفق ترتيب الأفعال في القصيدة : دارت ْ ، حطّتْ ، ثم ضاعتْ في الدروب . كذلك ذات الشاعر التي انتهت تجربتُها في المدينة على هذا النحو الذي يُمثلُ الذروة الدرامية : " طُردتُ اليوم من غرفتي " ، ثم " صرتُ ضائعا بدون اسمٍ " .
# من تحليل مُطوّل في كتابي " القصيدة العربية المعاصرة " . 2007م
د. كاميليا عبد الفتاح