Mohammad Kujjahمثقفو حلب
( بين مانديلا ومهاتير محمد )
اعيد نشر هذا المقال بمناسبة ذكرى ميلاد الزعيم الوطني الإفريقي " نلسون مانديلا "
18 _ 7 _ 1918
وكنت قد نشرته عام 2003 في أجواء العدوان الأمريكي الهمجي التدميري على العراق العربي العظيم .
وذلك لعرض شهادة هذين الزعيمين مانديلا ومهاتير بالعدوان الأمريكي.
من أقصى جنوب القارة الافريقية يرتفع صوت الوطني المناضل "نلسون مانديلا" ليتردد صدى هذا الصوت في أقصى جنوب شرق آسيا لدى الرجل القدير"مهاتير محمد".
يمثل نلسون مانديلا الروح النقيّة للقارة الافريقية المناضلة، وقد غدا بسلوكه الإنساني والنضالي رمزاً لتلك القارة، فقد تمكن أن يقود من زنزانته المنفردة نضال شعبه خلال سبعة وعشرين عاماً. وخرج من السجن ليتسلم رئاسة الجمهورية بعد انتخابات حرّة مثالية.
أصبح مانديلا موضع إعجاب الجميع من مؤيدين ومعارضين، واستطاع ببراعة سياسية فائقة أن يضع مجتمع جنوب افريقيا على طريق التحرر الوطني والعمل الديموقراطي رغم قضايا التمييز العنصري والتركة القاسية للاستعمار البريطاني وسرقة ثروات البلاد.
تنبع أهمية جمهورية افريقيا من موقعها الاستراتيجي الممسك بزوايا القارة الافريقية الجنوبية، حيث رأس الرجاء الصالح على الطريق إلى الهند والصين. وهي بلاد غنية بمواردها ومعادنها النادرة وأحجارها الكريمة. ولقد كانت عبر خمسة قرون موضع أطماع البرتغاليين ثم الهولنديين وأخيراً الانكليز الذين تقاسموا القارة مع الفرنسيين.
*****
تزيد مساحة البلاد على مليون ومائتي ألف كيلو متر مربع، ويقترب سكانها من خمسين مليوناً. وقد قام مانديلا بخطوة رائدة في السلوك الديموقراطي حينما رفض إعادة ترشيحه للرئاسة وترك ذلك لغيره، ولم يلتصق بكرسي الرئاسة كما يفعل كثيرون غيره ممن يخلدون على الكرسي بصورة مشروعة أو غير مشروعة. وقد تحول بذلك من رئيس يمارس الحكم إلى رمز وطني لبلاده وللنضال الافريقي عامة، بل للنضال الإنساني ضد الظلم.
ولهذا فحينما يرتفع صوت هذا الرجل العظيم مندداً بالحرب المدمرة على العراق فإن هذا الصوت يصبح ذا قيمة عالية.
لقد قال مانديلا: إن الولايات المتحدة تمارس سياسة بدائية تعود بنا إلى عصور الغاب حيث لاقانون ولا أعراف، وإن هذا السلوك يدل على الطيش والرعونة وقصر النظر لدى الإدارة التي تخطط لهذه السياسة. وإن هذا السلوك سوف يدمر المنظمات الدولية ويعود بنا إلى نقطة الصفر، حينما يقوم زعيم قوي العضلات فيفرض نفسه "فتوة" على أهل الحارة يلغي قانونهم ويملي عليهم قانون الأقوى والأشرس.
هذا بعض ماقاله مانديلا.. وهو لم يأبه بانزعاج إدارة بوش أو بلير أو الصغير "أزنار" وإنما كان يتكلم بصدق وعفوية وشفافية.
*****
هذا الصدى سمعناه يتردد عبر آلاف الأميال في "ماليزيا" التي تعتبر تاج القارة الآسيوية سكانياً وحضارياً واقتصادياً.
ففي مدينة "كوالا لامبور" الجميلة والساحرة والنظيفة، اجتمع رؤساء الدول التي تمثل دول عدم الانحياز. وهي تزيد على مائة دولة، ولقد وقف "مهاتير محمد" رئيس وزراء ماليزيا المنتخب ديموقراطياً، والسياسي الواعي المحنك.
وقف يدعو باسم مجموعة دول عدم الانحياز إلى وقف العدوان على العراق، وركز على النقاط التالية:
إن جريمة الحرب التي يتم ارتكابها ليس لها مايبررها سياسياً وأخلاقياً .
إن المنطق الأمريكي التي تدار به الأزمة إنما يمثل منطق الخروج على القانون، ومنطق "القبضاي القرصان" الذي يشهر مسدسه لأتفه سبب، ويجد من العار أن يغمد مسدسه قبل أن يطلق النار. وهذا المنطق عفّى عليه الزمن منذ الإبادة المتوحشة التي مارسها الإنسان الأبيض الأوربي ضد الهنود الحمر أصحاب البلاد الأصليين في أمريكا.
3- إن الشكل المرسوم للحرب القذرة يذكر بالحروب البدائية التي كانت تتم في العصور الوسطى، حيث تمنح القوة الغاشمة نفسها حق التصرف كما تشاء بعيداً عن روح القانون الدولي.
4- إن رائحة الامبراطورية العظمى التي تسعى إليها أمريكا تفوح من السلوك المتغطرس للإدارة الأمريكية التي تريد وضع يدها كاملاً على الخليج العربي بعد أن وضعتها على أجزاء أخرى في الشرق الأوسط . وهي بذلك تنهي الوجود السياسي للعرب وتخرجهم تماماً من التاريخ، وفي الوقت نفسه تمسك بخناق أوروبا وروسيا والصين وتضعها تحت رحمة البترول الذي كان عربياً والذي أصبح أمريكياً بقوة الدبابة.
5- من المؤسف أن العرب لايستعملون سلاح النفط، وهو سلاح مشروع، وذلك من خلال التلويح بإنقاص الإنتاج أو وقفه أو رفع الأسعار. ولكن هذا الاقتراح الذي طرحه "مهاتير محمد" لقي الاستهجان وعدم القبول من عدد من عرب النفط المتأمركين!!!
6- أوضح مهاتير محمد أن صراع القوى السياسية يتم على أساس تكافؤ القوى. ولا يتم بالصراخ والصياح. وبمقدار مانستخدم من أوراق القوة في أيدينا يمكننا أن نشكل ضغطاً على القرار العالمي.. هذا القرار الذي يفهم لغة المصالح، وليس لغة الأخلاق أو الصداقات. ومن هنا فإن الضغط على مصالح أمريكا يجبرها على إعادة النظر في مخططاتها.
لقد كان مهاتير محمد عربياً أكثر من العرب الذين حضروا مؤتمر عدم الانحياز، وهم في الحقيقة منحازون حتى أعناقهم وغارقون حتى أنوفهم في المستنقع الأمريكي، بل إنهم يمولون القواعد العسكرية التي يقيمها العدو على أراضيهم، وينفقون على وجود هذا العدو. إنه أمر يعجب منه مهاتير محمد، وهو يرى كيف أن أكثر الأنظمة العربية تهرول نحو واشنطن معلنة الطاعة العمياء، بل مهرولة إلى تل أبيب في فلسطين المحتلة ، وهي تهرق المزيد من التنازلات.
ومهاتير محمد رئيس وزراء منتخب ديموقراطياً في دولة ماليزيا الاتحادية التي تقترب مساحتها من مساحة ألمانيا، ويسكنها حوالي 25 مليون من السكان هم خليط من الملايو والصين والهند وسواهم. ويغلب عليهم الدين الإسلامي الذي وصل المنطقة عبر التجار والمراسلات.
*****
إن العجب العُجاب الذي يعيشه العرب اليوم يجعلهم في قاع التاريخ البشري بحيث يهتم الآخرون بقضاياهم وهم غارقون في سباتهم العميق المخدر. لقد هبت أوروبا تتظاهر بالملايين، واجتمعت القمة الأوروبية لترفض العدوان على العراق. وهبت المدن في آسيا وافريقيا، واجتمعت قمة افريقية في باريس، وقمة عدم انحياز في ماليزيا … وحتى المدن الأمريكية هبت تعترض… إلا نحن العرب - فلا نزال ندخن النرجيلة الكسولة، ولا نزال نمضغ الأكاذيب التي يقدمها لنا الإعلام المتخلف الذي لم يستطع مواكبة العصر، ولا تزال أنظمتنا تكبت كل نفس فينا.
هل سوف تنطبق علينا كلمات كليمانصو الفرنسي قبل قرن: أيها العرب عليكم أن تغادروا التاريخ. أم تنطبق كلمات جيمس بيكر الامريكي في مؤتمر مدريد: أيها العرب اخرجوا من التاريخ البشري كما خرجتم من غرناطة قبل خمسة قرون.
*****
Mohammad Kujjahمثقفو حلب
( بين مانديلا ومهاتير محمد )
اعيد نشر هذا المقال بمناسبة ذكرى ميلاد الزعيم الوطني الإفريقي " نلسون مانديلا "
18 _ 7 _ 1918
وكنت قد نشرته عام 2003 في أجواء العدوان الأمريكي الهمجي التدميري على العراق العربي العظيم .
وذلك لعرض شهادة هذين الزعيمين مانديلا ومهاتير بالعدوان الأمريكي.
من أقصى جنوب القارة الافريقية يرتفع صوت الوطني المناضل "نلسون مانديلا" ليتردد صدى هذا الصوت في أقصى جنوب شرق آسيا لدى الرجل القدير"مهاتير محمد".
يمثل نلسون مانديلا الروح النقيّة للقارة الافريقية المناضلة، وقد غدا بسلوكه الإنساني والنضالي رمزاً لتلك القارة، فقد تمكن أن يقود من زنزانته المنفردة نضال شعبه خلال سبعة وعشرين عاماً. وخرج من السجن ليتسلم رئاسة الجمهورية بعد انتخابات حرّة مثالية.
أصبح مانديلا موضع إعجاب الجميع من مؤيدين ومعارضين، واستطاع ببراعة سياسية فائقة أن يضع مجتمع جنوب افريقيا على طريق التحرر الوطني والعمل الديموقراطي رغم قضايا التمييز العنصري والتركة القاسية للاستعمار البريطاني وسرقة ثروات البلاد.
تنبع أهمية جمهورية افريقيا من موقعها الاستراتيجي الممسك بزوايا القارة الافريقية الجنوبية، حيث رأس الرجاء الصالح على الطريق إلى الهند والصين. وهي بلاد غنية بمواردها ومعادنها النادرة وأحجارها الكريمة. ولقد كانت عبر خمسة قرون موضع أطماع البرتغاليين ثم الهولنديين وأخيراً الانكليز الذين تقاسموا القارة مع الفرنسيين.
*****
تزيد مساحة البلاد على مليون ومائتي ألف كيلو متر مربع، ويقترب سكانها من خمسين مليوناً. وقد قام مانديلا بخطوة رائدة في السلوك الديموقراطي حينما رفض إعادة ترشيحه للرئاسة وترك ذلك لغيره، ولم يلتصق بكرسي الرئاسة كما يفعل كثيرون غيره ممن يخلدون على الكرسي بصورة مشروعة أو غير مشروعة. وقد تحول بذلك من رئيس يمارس الحكم إلى رمز وطني لبلاده وللنضال الافريقي عامة، بل للنضال الإنساني ضد الظلم.
ولهذا فحينما يرتفع صوت هذا الرجل العظيم مندداً بالحرب المدمرة على العراق فإن هذا الصوت يصبح ذا قيمة عالية.
لقد قال مانديلا: إن الولايات المتحدة تمارس سياسة بدائية تعود بنا إلى عصور الغاب حيث لاقانون ولا أعراف، وإن هذا السلوك يدل على الطيش والرعونة وقصر النظر لدى الإدارة التي تخطط لهذه السياسة. وإن هذا السلوك سوف يدمر المنظمات الدولية ويعود بنا إلى نقطة الصفر، حينما يقوم زعيم قوي العضلات فيفرض نفسه "فتوة" على أهل الحارة يلغي قانونهم ويملي عليهم قانون الأقوى والأشرس.
هذا بعض ماقاله مانديلا.. وهو لم يأبه بانزعاج إدارة بوش أو بلير أو الصغير "أزنار" وإنما كان يتكلم بصدق وعفوية وشفافية.
*****
هذا الصدى سمعناه يتردد عبر آلاف الأميال في "ماليزيا" التي تعتبر تاج القارة الآسيوية سكانياً وحضارياً واقتصادياً.
ففي مدينة "كوالا لامبور" الجميلة والساحرة والنظيفة، اجتمع رؤساء الدول التي تمثل دول عدم الانحياز. وهي تزيد على مائة دولة، ولقد وقف "مهاتير محمد" رئيس وزراء ماليزيا المنتخب ديموقراطياً، والسياسي الواعي المحنك.
وقف يدعو باسم مجموعة دول عدم الانحياز إلى وقف العدوان على العراق، وركز على النقاط التالية:
إن جريمة الحرب التي يتم ارتكابها ليس لها مايبررها سياسياً وأخلاقياً .
إن المنطق الأمريكي التي تدار به الأزمة إنما يمثل منطق الخروج على القانون، ومنطق "القبضاي القرصان" الذي يشهر مسدسه لأتفه سبب، ويجد من العار أن يغمد مسدسه قبل أن يطلق النار. وهذا المنطق عفّى عليه الزمن منذ الإبادة المتوحشة التي مارسها الإنسان الأبيض الأوربي ضد الهنود الحمر أصحاب البلاد الأصليين في أمريكا.
3- إن الشكل المرسوم للحرب القذرة يذكر بالحروب البدائية التي كانت تتم في العصور الوسطى، حيث تمنح القوة الغاشمة نفسها حق التصرف كما تشاء بعيداً عن روح القانون الدولي.
4- إن رائحة الامبراطورية العظمى التي تسعى إليها أمريكا تفوح من السلوك المتغطرس للإدارة الأمريكية التي تريد وضع يدها كاملاً على الخليج العربي بعد أن وضعتها على أجزاء أخرى في الشرق الأوسط . وهي بذلك تنهي الوجود السياسي للعرب وتخرجهم تماماً من التاريخ، وفي الوقت نفسه تمسك بخناق أوروبا وروسيا والصين وتضعها تحت رحمة البترول الذي كان عربياً والذي أصبح أمريكياً بقوة الدبابة.
5- من المؤسف أن العرب لايستعملون سلاح النفط، وهو سلاح مشروع، وذلك من خلال التلويح بإنقاص الإنتاج أو وقفه أو رفع الأسعار. ولكن هذا الاقتراح الذي طرحه "مهاتير محمد" لقي الاستهجان وعدم القبول من عدد من عرب النفط المتأمركين!!!
6- أوضح مهاتير محمد أن صراع القوى السياسية يتم على أساس تكافؤ القوى. ولا يتم بالصراخ والصياح. وبمقدار مانستخدم من أوراق القوة في أيدينا يمكننا أن نشكل ضغطاً على القرار العالمي.. هذا القرار الذي يفهم لغة المصالح، وليس لغة الأخلاق أو الصداقات. ومن هنا فإن الضغط على مصالح أمريكا يجبرها على إعادة النظر في مخططاتها.
لقد كان مهاتير محمد عربياً أكثر من العرب الذين حضروا مؤتمر عدم الانحياز، وهم في الحقيقة منحازون حتى أعناقهم وغارقون حتى أنوفهم في المستنقع الأمريكي، بل إنهم يمولون القواعد العسكرية التي يقيمها العدو على أراضيهم، وينفقون على وجود هذا العدو. إنه أمر يعجب منه مهاتير محمد، وهو يرى كيف أن أكثر الأنظمة العربية تهرول نحو واشنطن معلنة الطاعة العمياء، بل مهرولة إلى تل أبيب في فلسطين المحتلة ، وهي تهرق المزيد من التنازلات.
ومهاتير محمد رئيس وزراء منتخب ديموقراطياً في دولة ماليزيا الاتحادية التي تقترب مساحتها من مساحة ألمانيا، ويسكنها حوالي 25 مليون من السكان هم خليط من الملايو والصين والهند وسواهم. ويغلب عليهم الدين الإسلامي الذي وصل المنطقة عبر التجار والمراسلات.
*****
إن العجب العُجاب الذي يعيشه العرب اليوم يجعلهم في قاع التاريخ البشري بحيث يهتم الآخرون بقضاياهم وهم غارقون في سباتهم العميق المخدر. لقد هبت أوروبا تتظاهر بالملايين، واجتمعت القمة الأوروبية لترفض العدوان على العراق. وهبت المدن في آسيا وافريقيا، واجتمعت قمة افريقية في باريس، وقمة عدم انحياز في ماليزيا … وحتى المدن الأمريكية هبت تعترض… إلا نحن العرب - فلا نزال ندخن النرجيلة الكسولة، ولا نزال نمضغ الأكاذيب التي يقدمها لنا الإعلام المتخلف الذي لم يستطع مواكبة العصر، ولا تزال أنظمتنا تكبت كل نفس فينا.
هل سوف تنطبق علينا كلمات كليمانصو الفرنسي قبل قرن: أيها العرب عليكم أن تغادروا التاريخ. أم تنطبق كلمات جيمس بيكر الامريكي في مؤتمر مدريد: أيها العرب اخرجوا من التاريخ البشري كما خرجتم من غرناطة قبل خمسة قرون.
*****