زراعة الأعلاف.. استثمار "منسي" وصعوبات قائمة
بغداد - العالم الجديد
بعد رفض العرض السعودي قبل نحو عامين، برزت زراعة الأعلاف الحيوانية، بوصفها استثمارا "منسيا" في العراق، رغم الحاجة المحلية إليها وارتفاع أسعارها وحاجة دول الجوار إليها، وسط تحديات جسيمة تتمثل بانعدام الخطط وشح المياه وخطورة استهلاك المياه الجوفية.
ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف لـ"العالم الجديد"، إن "كل منظومة الأعلاف تحتاج الى مياه، سواء البرسيم أو غيره، والعراق يواجه أزمة مياه يجب تقنينها، وبالتالي فالمساحات المخصصة للجت والبرسيم ستكون محدودة، لكن الحديث عن زراعة مساحات كبيرة لغرض التصدير يحتاج الى نظام إروائي خاص، وبما أن المياه والخطط الزراعية محدودة فلا يمكن تطبيق هذه الفكرة".
يشار إلى أن الفلاحين في العراق، شكوا سابقا عبر تقارير لـ"العالم الجديد"، من ارتفاع أسعار الأعلاف، ما انعكس سلبا على واقع الثروة الحيوانية ومنتجاتها، وتسبب برفع أسعار كافة المواد، خاصة في ظل عدم رفع وزارة الزراعة دعمها للأعلاف كما كان يجري سابقا.
ويضيف النايف، أن "لزراعة الجت والبرسيم فوائد عديدة، فهي جيدة للتربة وتصلح المتردية منها وتعطيها حيوية أكثر، وفيها فوائد كبيرة لقطاع الثروة الحيوانية، لكن بالمقابل نصطدم بعدم وجود مياه كافية لزراعة هذه الأعلاف"، مبينا "هذه ليست محاصيل استراتيجية بل علفية، وزراعتها تكون عند الحاجة كما أن أي شخص لديه حيوانات يقوم بزراعتها لتغذية حيواناته، حيث أن أسعار الأعلاف اليوم مرتفعة جدا في السوق المحلية".
يذكر أن مشروع استثمار السعودية للصحراء الغربية في العراق، الممتدة من الأنبار الى المثنى، قد برز للواجهة عام 2020، بعد إصدار الأمانة العامة لمجلس الوزراء قرارا بمنحها 150 ألف دونم من صحراء المثنى من أجل استثمارها كخطوة أولى، ضمن مشروع يمتد لمدة 50 عاما، وهو ما أثار في حينه ردود أفعال رافضة، أخذت طابعا سياسيا واقتصاديا، وانطوى على تهديد فصائل مسلحة دخلت على الخط، وهدد بحمل السلاح في حال بدء السعودية الاستثمار في صحراء العراق.
وقد أثير في حينها موضوع المياه الجوفية، وما قد تتركه زراعة "البرسيم" من آثار سلبية عليها، حيث أشار حينها المدير العام لزراعة المثنى عامر جبار، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، وفي العام 2020 تحديدا، أن هناك عملا متكاملا لهذا الموضوع وهو الاعتماد على السقي باحدث التقنيات.
ويلفت الى أن "السعودية أبدت رغبتها في استثمار نحو مليون دونم في محافظة المثنى، لكنها اصطدمت بشحة المياه على المدى البعيد، لاسيما وأن الاستثمار كان مخطط له على مدى 25 عاما، فضلا عن إيجاد محطات لتربية الأبقار ضمن المشروع أيضا، وكل هذه تحتاج الى مياه وفيرة، في حين لم يعد يوجد في تلك المنطقة الصحراوية سوى المياه الجوفية التي ستتعرض للاستنزاف بالكامل".
ويوضح أن "الاعتماد على المياه الجوفية غير مجد، لأنها خزين للأجيال اللاحقة ولا يمكن التفريط بها الآن، وعليه طلبنا من هيئة الاستثمار البحث عن أماكن أخرى لتنفيذ المشاريع".
جدير بالذكر، أنه منذ حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، بدأ التخطيط للاستثمار السعودي في صحراء العراق، خاصة مع الاتفاقية التي أبرمت بين البلدين وتأسيس مجلس التنسيق العراقي- السعودي، وشهدت هذه الاتفاقية فتورا في حكومة عادل عبد المهدي، بسبب رفض العراق لتفعيلها.
ويشهد العراق منذ أعوام، أزمة مائية كبيرة، بلغت ذروتها خلال العامين الماضيين، ما دفع وزارتي الزراعة والموارد المائية الى تقنين الخطط الزراعية الى النصف، والغاء زراعة بعض المحاصيل، خاصة بعد قطع إيران لكافة الأنهر الواصلة للعراق، بالإضافة الى تقليل تركيا نسبة الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات.
الى ذلك، يشير الخبير المائي عادل المختار خلال حديث لـ"العالم الجديد"، الى أن "المياه الجوفية في العراق كميتها ليست كبيرة جدا، فهي بحدود 10 مليارات متر مكعب، أي أنها تعادل ما هو موجود في سد الموصل من مياه، وهذه الكمية منتشرة في كل البلد وليس الصحراء الغربية فقط، لذلك على هذا الأساس رفضت وزارة الموارد المائية المشروع السعودي لاستثمار الصحراء وزراعة الأعلاف فيها".
ويردف المختار، أن "الطريقة المثلى لاستثمار هذه المياه في الصحراء، هي عبر الحفر ووضع صمامات، من أجل سحب المياه الجوفية المتجددة فقط، مع إبقاء الخزين، وهذه عملية صعبة جدا وتكلفتها مرتفعة أيضا"، مضيفا أن "العراق، وبدلا من منح أرضه للاستثمار، فيمكنه أن يتجه لزراعة العلف فيها، وخاصة البرسيم والجت، وذلك عبر منظومات الري الحديثة، وبهذا يساهم بتشغيل الأيدي العاملة، ويكون جهة مصدرة للدولة كافة، خاصة وأن السعودية الآن تستورد الأعلاف من اسبانيا، ويمكن أن تستوردها من العراق".
وينوه إلى أن "زراعة هذه المحاصيل ليست صعبة، كما أن السماح بتصديرها سيحقق وفرة مالية جيدة، خاصة اذا تم السماح بتصدير 75 بالمائة منها، والباقي يكون للاستهلاك المحلي، وعليه ستنخفض أسعار الأعلاف المرتفعة بشكل كبير، كما ستؤدي الى زيادة أعداد الحيوانات في العراق، التي بدأت تشهد انخفاضا، وخاصة الانهيار الكبير بأعداد الجاموس، وذلك بسبب ارتفاع اسعار الاعلاف ما يدفع المواطن الى ذبح المواشي لعدم قدرته على توفير أعلافها".
يذكر أن سفارة السعودية في بغداد، أعلنت في 1 شباط فبراير الحالي، أن اللجنة الزراعية في مجلس التنسيق السعودي العراقي وقعت خلال اجتماعات دورتها الثالثة، مذكرة تفاهم في المجالات الزراعية بين البلدين، وجاء الاعلان عقب زيارة أجراها الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي، إلى الرياض كانون الثاني يناير الماضي، لإبرام اتفاقات وتفاهمات بشأن الطاقة والزراعة
بغداد - العالم الجديد
بعد رفض العرض السعودي قبل نحو عامين، برزت زراعة الأعلاف الحيوانية، بوصفها استثمارا "منسيا" في العراق، رغم الحاجة المحلية إليها وارتفاع أسعارها وحاجة دول الجوار إليها، وسط تحديات جسيمة تتمثل بانعدام الخطط وشح المياه وخطورة استهلاك المياه الجوفية.
ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف لـ"العالم الجديد"، إن "كل منظومة الأعلاف تحتاج الى مياه، سواء البرسيم أو غيره، والعراق يواجه أزمة مياه يجب تقنينها، وبالتالي فالمساحات المخصصة للجت والبرسيم ستكون محدودة، لكن الحديث عن زراعة مساحات كبيرة لغرض التصدير يحتاج الى نظام إروائي خاص، وبما أن المياه والخطط الزراعية محدودة فلا يمكن تطبيق هذه الفكرة".
يشار إلى أن الفلاحين في العراق، شكوا سابقا عبر تقارير لـ"العالم الجديد"، من ارتفاع أسعار الأعلاف، ما انعكس سلبا على واقع الثروة الحيوانية ومنتجاتها، وتسبب برفع أسعار كافة المواد، خاصة في ظل عدم رفع وزارة الزراعة دعمها للأعلاف كما كان يجري سابقا.
ويضيف النايف، أن "لزراعة الجت والبرسيم فوائد عديدة، فهي جيدة للتربة وتصلح المتردية منها وتعطيها حيوية أكثر، وفيها فوائد كبيرة لقطاع الثروة الحيوانية، لكن بالمقابل نصطدم بعدم وجود مياه كافية لزراعة هذه الأعلاف"، مبينا "هذه ليست محاصيل استراتيجية بل علفية، وزراعتها تكون عند الحاجة كما أن أي شخص لديه حيوانات يقوم بزراعتها لتغذية حيواناته، حيث أن أسعار الأعلاف اليوم مرتفعة جدا في السوق المحلية".
يذكر أن مشروع استثمار السعودية للصحراء الغربية في العراق، الممتدة من الأنبار الى المثنى، قد برز للواجهة عام 2020، بعد إصدار الأمانة العامة لمجلس الوزراء قرارا بمنحها 150 ألف دونم من صحراء المثنى من أجل استثمارها كخطوة أولى، ضمن مشروع يمتد لمدة 50 عاما، وهو ما أثار في حينه ردود أفعال رافضة، أخذت طابعا سياسيا واقتصاديا، وانطوى على تهديد فصائل مسلحة دخلت على الخط، وهدد بحمل السلاح في حال بدء السعودية الاستثمار في صحراء العراق.
وقد أثير في حينها موضوع المياه الجوفية، وما قد تتركه زراعة "البرسيم" من آثار سلبية عليها، حيث أشار حينها المدير العام لزراعة المثنى عامر جبار، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، وفي العام 2020 تحديدا، أن هناك عملا متكاملا لهذا الموضوع وهو الاعتماد على السقي باحدث التقنيات.
ويلفت الى أن "السعودية أبدت رغبتها في استثمار نحو مليون دونم في محافظة المثنى، لكنها اصطدمت بشحة المياه على المدى البعيد، لاسيما وأن الاستثمار كان مخطط له على مدى 25 عاما، فضلا عن إيجاد محطات لتربية الأبقار ضمن المشروع أيضا، وكل هذه تحتاج الى مياه وفيرة، في حين لم يعد يوجد في تلك المنطقة الصحراوية سوى المياه الجوفية التي ستتعرض للاستنزاف بالكامل".
ويوضح أن "الاعتماد على المياه الجوفية غير مجد، لأنها خزين للأجيال اللاحقة ولا يمكن التفريط بها الآن، وعليه طلبنا من هيئة الاستثمار البحث عن أماكن أخرى لتنفيذ المشاريع".
جدير بالذكر، أنه منذ حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، بدأ التخطيط للاستثمار السعودي في صحراء العراق، خاصة مع الاتفاقية التي أبرمت بين البلدين وتأسيس مجلس التنسيق العراقي- السعودي، وشهدت هذه الاتفاقية فتورا في حكومة عادل عبد المهدي، بسبب رفض العراق لتفعيلها.
ويشهد العراق منذ أعوام، أزمة مائية كبيرة، بلغت ذروتها خلال العامين الماضيين، ما دفع وزارتي الزراعة والموارد المائية الى تقنين الخطط الزراعية الى النصف، والغاء زراعة بعض المحاصيل، خاصة بعد قطع إيران لكافة الأنهر الواصلة للعراق، بالإضافة الى تقليل تركيا نسبة الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات.
الى ذلك، يشير الخبير المائي عادل المختار خلال حديث لـ"العالم الجديد"، الى أن "المياه الجوفية في العراق كميتها ليست كبيرة جدا، فهي بحدود 10 مليارات متر مكعب، أي أنها تعادل ما هو موجود في سد الموصل من مياه، وهذه الكمية منتشرة في كل البلد وليس الصحراء الغربية فقط، لذلك على هذا الأساس رفضت وزارة الموارد المائية المشروع السعودي لاستثمار الصحراء وزراعة الأعلاف فيها".
ويردف المختار، أن "الطريقة المثلى لاستثمار هذه المياه في الصحراء، هي عبر الحفر ووضع صمامات، من أجل سحب المياه الجوفية المتجددة فقط، مع إبقاء الخزين، وهذه عملية صعبة جدا وتكلفتها مرتفعة أيضا"، مضيفا أن "العراق، وبدلا من منح أرضه للاستثمار، فيمكنه أن يتجه لزراعة العلف فيها، وخاصة البرسيم والجت، وذلك عبر منظومات الري الحديثة، وبهذا يساهم بتشغيل الأيدي العاملة، ويكون جهة مصدرة للدولة كافة، خاصة وأن السعودية الآن تستورد الأعلاف من اسبانيا، ويمكن أن تستوردها من العراق".
وينوه إلى أن "زراعة هذه المحاصيل ليست صعبة، كما أن السماح بتصديرها سيحقق وفرة مالية جيدة، خاصة اذا تم السماح بتصدير 75 بالمائة منها، والباقي يكون للاستهلاك المحلي، وعليه ستنخفض أسعار الأعلاف المرتفعة بشكل كبير، كما ستؤدي الى زيادة أعداد الحيوانات في العراق، التي بدأت تشهد انخفاضا، وخاصة الانهيار الكبير بأعداد الجاموس، وذلك بسبب ارتفاع اسعار الاعلاف ما يدفع المواطن الى ذبح المواشي لعدم قدرته على توفير أعلافها".
يذكر أن سفارة السعودية في بغداد، أعلنت في 1 شباط فبراير الحالي، أن اللجنة الزراعية في مجلس التنسيق السعودي العراقي وقعت خلال اجتماعات دورتها الثالثة، مذكرة تفاهم في المجالات الزراعية بين البلدين، وجاء الاعلان عقب زيارة أجراها الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي، إلى الرياض كانون الثاني يناير الماضي، لإبرام اتفاقات وتفاهمات بشأن الطاقة والزراعة