دراسة نقدية للأديب والناقد المغربي الأستاذ حميد المعروفي.
[ دراسة في رواية "حرائق المائة عام" للكاتب عبد الله عدالي الزياني، ابن مدينة الفقيه بن صالح ]
"حرائق المائة عام " رواية استهلالية و باكورة لمسار سردي غرس بذرته الأولى الروائي "عبد الله عدالي الزياني" ، الكاتب العصامي الذي تتلمذ على يد الثقافة الأمريكية ، تقع الرواية في 280 صفحة من الحجم الكبير الصادرة عن مطبعة ديماكروف بالدار البيضاء سنة 2011 .
الكاتب عبد الله عدالي الزياني يتحذر من ضواحي مدينة الفقيه بن صالح و بالضبط قرية اولاد زيان . عاش عبد الله لأكثر من عشرين سنة تقريبا بالديار الأمريكية ، صنع فيها نفسه و بنى شخوص المتخيل السردي و ملامح و أوصاف الأمكنة ، متخذا من الرواية قاطرة لتنمية الاقتصاد السردي و تأهيل بنيته التحتية الإبداعية .
الرواية التفاتة إلى الوراء استحضرت زمن الطفولة المغتصبة التي عاشها الكاتب بحمولتها الغرائبية، وذلك ضمن كرونولوجيا تاريخية حافلة بأشد أشكال العذابات و الفواجع و الإكراهات الحتمية الاجتماعية ، و أيضا استحضار الزمن القاسي من تاريخ المغرب زمن الأمراض و الأوبئة ممزوجة بمرارة الفقر و الجوع و الجهل و السيبة ...
ما يشغل حالنا في هذا المنجز السردي هو عامل الموروث الثقافي الشعبي بكل تمظهراته الخفية و الجلية ، فإذا كان "وليام أوجبرن" يفرق بين الثقافة المادية و المتكيفة . فالأولى مجموع الأشياء و أدوات العمل و الثاني الجانب الاجتماعي كالعقائد و العادات و التقاليد و الأفكار و اللغة ... فإن هذا الجانب الاجتماعي هو الذي يعكس سلوك الأفراد شخصيات هذه الرواية ، هذا ما يميز العمل الفني للكاتب الماتع أي حضور المرجعية التاريخية ذاتيا و موضوعيا بقوة ، نهل وقائعه من واقع تلونت حرائقه الموجعة و الموغلة في أعماق الجسد و الروح .
هو واقع اختفى تقريبا و لكنه حاضر في ذاكرة الكاتب / السارد و يأبى النسيان . و اعتبار المؤلف سيرة ذاتية يختصر مرحلة زمنية من عمر الإنسان المغربي مادة و موضوعا بكل تناقضاته و آماله و طموحاته المجهضة .
و المتدبر في رواية "حرائق المائة عام " يجد نفسه قسرا إزاء موروث ثقافي شعبي شفوي، أسس لثقافة خاطئة ، كانت سائدة في ذلك الوقت و لا تزال و هي ذات خلفية اجتماعية و دينية، تحكمت فيها لغة الهدم من خلال استحضار و عي مغلوط صادم عشش في دهن الأسلاف و الآباء هو عامل الجهل و الأمية ، حيث تأفل الحقيقة و تتمظهر مقابلها الغيبيات و عوالم اللامحسوسات كالجن و العفاريت و السحر و الشعوذة و التمائم... و تصير الروحانيات ذات شأن عظيم في واقع تبخرت فيه العلوم و اختفى فيه الفقه و التحليل و تحكيم سلطة العقل و المنطق.
و السارد إذ يستحضر هذا الزمن السالب لحرية الفكر فإنه يعزو ذلك إلى معياري الجهل و الأمية يقول السارد:"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" ص 15 . إنه تاريخ حيث "بلارج" كان وليا من أولياء الله بدون ضريح و حيث الشجرة تعلق عليها التمائم لتخليص المرضى والمصابين بالجن والبرص و الفقر و اليأس.
Mohammed Khallaf
[ دراسة في رواية "حرائق المائة عام" للكاتب عبد الله عدالي الزياني، ابن مدينة الفقيه بن صالح ]
"حرائق المائة عام " رواية استهلالية و باكورة لمسار سردي غرس بذرته الأولى الروائي "عبد الله عدالي الزياني" ، الكاتب العصامي الذي تتلمذ على يد الثقافة الأمريكية ، تقع الرواية في 280 صفحة من الحجم الكبير الصادرة عن مطبعة ديماكروف بالدار البيضاء سنة 2011 .
الكاتب عبد الله عدالي الزياني يتحذر من ضواحي مدينة الفقيه بن صالح و بالضبط قرية اولاد زيان . عاش عبد الله لأكثر من عشرين سنة تقريبا بالديار الأمريكية ، صنع فيها نفسه و بنى شخوص المتخيل السردي و ملامح و أوصاف الأمكنة ، متخذا من الرواية قاطرة لتنمية الاقتصاد السردي و تأهيل بنيته التحتية الإبداعية .
الرواية التفاتة إلى الوراء استحضرت زمن الطفولة المغتصبة التي عاشها الكاتب بحمولتها الغرائبية، وذلك ضمن كرونولوجيا تاريخية حافلة بأشد أشكال العذابات و الفواجع و الإكراهات الحتمية الاجتماعية ، و أيضا استحضار الزمن القاسي من تاريخ المغرب زمن الأمراض و الأوبئة ممزوجة بمرارة الفقر و الجوع و الجهل و السيبة ...
ما يشغل حالنا في هذا المنجز السردي هو عامل الموروث الثقافي الشعبي بكل تمظهراته الخفية و الجلية ، فإذا كان "وليام أوجبرن" يفرق بين الثقافة المادية و المتكيفة . فالأولى مجموع الأشياء و أدوات العمل و الثاني الجانب الاجتماعي كالعقائد و العادات و التقاليد و الأفكار و اللغة ... فإن هذا الجانب الاجتماعي هو الذي يعكس سلوك الأفراد شخصيات هذه الرواية ، هذا ما يميز العمل الفني للكاتب الماتع أي حضور المرجعية التاريخية ذاتيا و موضوعيا بقوة ، نهل وقائعه من واقع تلونت حرائقه الموجعة و الموغلة في أعماق الجسد و الروح .
هو واقع اختفى تقريبا و لكنه حاضر في ذاكرة الكاتب / السارد و يأبى النسيان . و اعتبار المؤلف سيرة ذاتية يختصر مرحلة زمنية من عمر الإنسان المغربي مادة و موضوعا بكل تناقضاته و آماله و طموحاته المجهضة .
و المتدبر في رواية "حرائق المائة عام " يجد نفسه قسرا إزاء موروث ثقافي شعبي شفوي، أسس لثقافة خاطئة ، كانت سائدة في ذلك الوقت و لا تزال و هي ذات خلفية اجتماعية و دينية، تحكمت فيها لغة الهدم من خلال استحضار و عي مغلوط صادم عشش في دهن الأسلاف و الآباء هو عامل الجهل و الأمية ، حيث تأفل الحقيقة و تتمظهر مقابلها الغيبيات و عوالم اللامحسوسات كالجن و العفاريت و السحر و الشعوذة و التمائم... و تصير الروحانيات ذات شأن عظيم في واقع تبخرت فيه العلوم و اختفى فيه الفقه و التحليل و تحكيم سلطة العقل و المنطق.
و السارد إذ يستحضر هذا الزمن السالب لحرية الفكر فإنه يعزو ذلك إلى معياري الجهل و الأمية يقول السارد:"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" ص 15 . إنه تاريخ حيث "بلارج" كان وليا من أولياء الله بدون ضريح و حيث الشجرة تعلق عليها التمائم لتخليص المرضى والمصابين بالجن والبرص و الفقر و اليأس.
Mohammed Khallaf