هشام كفارنة مسرحي سوري يعود إلى الشعر بعد خمسة وثلاثين عاما

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هشام كفارنة مسرحي سوري يعود إلى الشعر بعد خمسة وثلاثين عاما



    هشام كفارنة مسرحي سوري يعود إلى الشعر بعد خمسة وثلاثين عاما
    نضال قوشحة

    لا يموت الشعر في روح المبدع مهما طال عليه الزمن، ومعظم المبدعين بدؤوا خطواتهم في الشعر، لكن غالبا ما يتراجع حضور الشعر عند المبدعين بعد أن يتلمسوا دروب فنون أخرى مثل السينما والمسرح والتمثيل والغناء وغيرها. لكن الشعر يبقى في الوجدان ولا يموت. ويعتبر هشام كفارنة الشاعر والمسرحي السوري أحد هؤلاء، وقد قدم ديوانه الشعري الأول قبل خمسة وثلاثين عاما، ويقدم الآن ديوانه الثاني.




    منذ عقود وضع الفنان الشعبي السوري سعدو الذيب أغنية عن حوران قال فيها: عالبال بعدك يا سهل حوران/ شرشف ذهب ومطرز بنيسان. عرسك صبايا ولمتك خلان/ وأنا غريب أبحث عن الرفقة. قدم الأغنية حينها الفنان السوري الشهير فهد بلان، وصارت جزءا من التراث الشعبي السوري الأصيل، ويعرف الأغنية كل السوريين ويحفظون مقاطع منها.

    حوران (درعا) منطقة سورية غنية بالحياة، تمتد على مساحة كبيرة بين جنوب سورية وشمال الأردن ولها دور حضاري كبير في المنطقة. كان منها عظماء ومشاهير منهم فيليب العربي إمبراطور روما وابن قيم الجوزية والإمام النووي والمفسر ابن كثير والشاعر الكبير أبوتمام الذي ولد في قرية جاسم. وفيها دارت معركة اليرموك ومنها انطلق صلاح الدين إلى معركة حطين في القدس.

    إلى هذه البيئة الخصبة بإرثها الحضاري ينتمي هشام كفارنة، الفنان الذي درس المسرح وتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق عام 1982. كان الشعر أول خطواته في الإبداع، ورغم العمل بالمسرح سنوات طوال، ما زال هاجس الشعر ساكنا في وجدانه.
    الشعر يبقى


    الديوان كتب على امتداد فترة طويلة قدم فيه كفارنة الشعر الذي يدور في فضاء الوزن والموسيقى الشعريين




    قبل خمسة وثلاثين عاما نشر هشام كفارنة ديوانه الأول “قمرٌ حالك الليل المتباطئ”، ومنذ أيام أصدر ديوانه الثاني “واحكم علي بما تشا” عن دار كنعان للدراسات والنشر بدمشق. واستضافت نقابة الفنانين هذا الإصدار الجديد، حيث اجتمع عدد من محبي الشعر والفن منهم نقيب الفنانين محسن غازي للاحتفاء بالديوان الجديد للشاعر والفنان.

    في ديوانه الجديد قدم كفارنة قصائد في عدة محاور منها الشام والحب والغزل وقصائد لوالديه وأبنائه ألمى وريهام ورائد وخص الشاعر محمود درويش بقصيدة. لذا كانت نصوص الديوان منوعة المواضيع فيما خالفت في شكلها الشعر الحديث، والتزمت بمنظومة الأوزان الشعرية.

    هشام كفارنة وبعد تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية عمل فيه مدرسا ووكيلا علميا ثم مديرا للمسرح القومي بدمشق، وقدم عبر حياته العديد من المسرحيات منها “بيت بلا شرفات”، “عبلة وعنترة”، “الزنزانة”، “البيت ذو الشرفات السبع”، “طبق الأصل”، “بيت الدمى”، “الحلاق الخاص” ”شوباش” و “الأشجار تموت واقفة”، كما قدم أعمالا في الدراما التلفزيونية في سوريا وغيرها.

    خمسة وثلاثون عاما غاب فيها نشر الشعر، لكن الشعر لم يغب عنه، فكان على الدوام حاضرا في جذوة الإبداع، يبين كفارنة في حديثه لـ”العرب” أنه “لا يمكن للشعر أن يغيب، من عام 1988 أكتب العديد من القصائد، وأودعها مكتبتي ليأتي يوم وتنشر فيه، وقد أتى، في ديواني الثاني قصائد كتبت على امتداد فترة طويلة، قدمت فيه الشعر الذي يدور في فضاء الوزن والموسيقى ولم أقدم نصوصا نثرية أو شعرا نبطيا عاميا، وكان للشام حضور خاص فيه”.

    وما ترجم حضور الشام القوي في الديوان احتواؤه على العديد من القصائد، التي استخدم فيها كلمة الشام وليس دمشق، وهو يعني بها كل الشام الطبيعية التي عاشها وعاشته منطقة قدم فيها أعماله في المسرح والشعر والدراما التلفزيونية ولا شك أن دمشق، المدينة التي ولد فيها تحظى بمساحة أكبر مما عناه بالشام.

    يقول كفارنة في قصيدة من كتابه الجديد: “هنا في الشام ما ضيعت بوصلتي/ وما نالت خطوب الحرب من شيمي/ سأشعل شمس باصرتي لأفديكم/ من الأحزان والظلام والسقم/ فكن يا عيد ما يهوى أحبتنا/ جزيل هوى وأنهارا من الكرم”.

    قصائد تستفيد من الشعر الكلاسيكي وتقيم تناصا مع النص الديني والصوفية وشعراء آخرين علاوة على بصمتها الخاصة




    وفي قصيدة ثانية عن الشام حملت عنوان “وسقت الريح” يتحدث عنها وروحه التي تعلقت بها والشجن الذي يسكنه تجاهها، يقول:

    “ألا يا شام قد فاضت شجوني/ فغضي الطرف عن هذا الجنون/ أنا للحب قد أسلمت روحي/ فكان لظاه بعضا من ظنوني/ حنانك يا شآم إذا تمادى/ لهيب الشوق مع لفح المجون/ ألا يا شام قد فاضت شجوني/ فغضي الطرف عفوك عن جنوني”.

    الشاعر يهوى الشام بكل أحوالها وناسها وبيوتها وحتى في حبها البلدي الشعبي البسيط، يقول في نص آخر “في الشام أحلامي على قدي/ قد صنعتها من طافح الوجد/ ورويتها من عذب قافيتي/ فنمت براعمها على كبدي/ في الشام كم في الشام من ألق/ حتى الهوى في شامنا بلدي”.

    ولا يبتعد جذر هشام كفارنة في حوران عن الظهور في قصيدة عن الشام أي دمشق، فهو المفتون بها، وهو القادم مندوبا لحوران ليكون سفيرها في محبة الشام، إذ يقول : “قد كان لي في الشام ألف غزالة/ علمتهن الشعر والتقبيلا/ ونخبت من حوران مندوب الهوى/ وبعثت منها للشآم رسولا/ وبسطت للعشاق نبع محبتي/ وجعلته للظامئين سبيلا/ فوجدتكم أدرى بسحر شعابها/ أتقنتم التفسير والتأويلا/ فسللت من روحي السلام عليكم/ أنى أقمتم بكرة وأصيلا”.
    موسيقى وخيال



    هشام كفارنة شاعر يهوى الشام بكل أحوالها وناسها وبيوتها


    لم يبتعد كفارنة في ديوانه الجديد عن أقانيم الشعر التقليدي، فحافظ على وجود الموسيقى والخيال، وكتب نصوصه بين البنية العمودية والتفعيلة، معتمدا أحيانا على مجزوءات في بعض بحور الشعر وأحيانا أخرى على بنية قصيدة التفعيلة، ودائما كانت الموسيقى والخيال حاضرين مخالفا بذلك معظم ما ينشر في الشعر الحديث من حيث اعتماده على قصيدة النثر أو الحر التي تترك الوزن والصورة.

    يقول الشاعر والمسرحي في نص مشبع بموسيقى الشعر العربي العابرة للأزمان “روحي فداك كذا دمي/ فاستبشري وتبسمي/ قد قيل إني ظالم/ فلتنظري بتظلمي/ ولتحكمي لا تأبهي/ راض أنا فتقحمي/ حتى وإن ضيعتني/ لا تحزني أو تندمي”.

    وقدم شعراء العربية محاولات منذ عصر الشعر الجاهلي في تكرار بعض الجمل أو الكلمات، وكان أسلوبا يقدم منهجية شكلية مختلفة لأهداف يريدها هؤلاء الشعراء، رغم أنها كانت وسيلة لبعض من قليلي الموهبة يتحصنون بها، عندما يقدمون الشعر العمودي الموزون، لما تقدمه من فائدة في تجاوز مخاطر الإمساك بالوزن، فإن هذا الأسلوب له سحر خاص.

    إمرؤ القيس قدم أسلوب التكرار اللفظي في قصيدته الشهيرة تعلق قلبي التي غنت قسما منها هيام يونس. فقال “وكاف وكفكاف وكفي بكفها/ وكاف كفوف الودق من كفها انهمل/ فلو لو ثم لو لو ولو ولو/ دنا دار سلمى كنت أول من وصل”. كذلك قدم شاعر تونس أبوالقاسم الشابي قصيدة كرر فيها حرف التشبيه الكاف: “عذبة أنت كالطفولة كالأحـلام كاللحن كالصباح الجديد، كالليلة القمراء، كالورد، كابتسام الوليد”. كما كرر الشاعر اللبناني ميخائيل نعيمة بيتا شعريا كاملا حيث كرر في قصيدته بيت “سـقف بيتي حديد/ ركـن بيتي حجر” كاملا.

    خمسة وثلاثون عاما غاب فيها هشام كفارنة عن نشر الشعر، لكن الشعر لم يغب عنه، فكان على الدوام حاضرا في جذوة الإبداع




    وفي هذا المذهب قدم كفارنة في قصيدته “وأحكم علي” تكرارا في عدة أحرف، مثلا يقول “صل صل ولا تتجاهلنْ/ دع كل تخمين وظنْ/ صلني وكن لي موطنًا/ لتحوز من روحي وطنْ/ لا تحسبن بأنني أسلوكِ لالا تحسبنْ/ يا حلو كم عذبتني من قول لا.. لم ولم ولنْ”.

    ولا يغيب الحاضر القاسي الذي يعيشه السوريون عن مساحة قصائد الديوان، ففي قصيدة “صبابة” يتحدث الشاعر عن العيد وصحبة الأصدقاء والحنين إليهم وإلى الحدائق والبيوت التي افتقدها، فيكتب عنهم في العيد: “لا عيد يبدو في غيابكم هنا/ فالأفق مسدود وهذا الجو خانقْ/ يا زينة الدنيا ويا حبق البراري والخمائل والحدائق/ أعييت أتلو غربتي/ فصبابتي أضحت خيالات تحوم على المنازل والمفارقْ/ الشوق أضناني وعفر شيبتي/ ونحلتُ حتى قيل بي/ يا قوم إن الشيخ عاشقْ”.

    وحملت قصائد الديوان تناصا بين بعض الأفكار والكلمات التي وردت في سياقاته، فاستخدم كفارنة معاني وألفاظا وتراكيب نصية قرآنية وأحيانا شعرية شهيرة ووضعها في متون شعره. يقول الشاعر “سبحان من أسرى بروحي/ كي تحط على بحار السحر في آلاء ما كانوا بنوره يكفرون/ فدعا لبرك عاشقاً قلبي أنا”. ويقول في قصيدة “نزق”: “لو كنت أعلم ما قدرتِ لها/ لكفيت روحي محنة الغرقْ/ عيناك من آيات سحرهما/ قلبي يرتل سورة الفلق”.

    وفي قصيدة “ظمأ” يقدم تناصا مع شطر بيت شهير من شعر المتنبي، “لك يا منازل في القلوب منازل”، يقول :”لا يسلمن من الغرام العاقل/ أو ينجو من الندامة جاهل/ فلتنشدن وإن ظمئت على الجوى/ ‘لك يا منازل في القلوب منازل‘”.

    يقارب كفارنة في قصائده كذلك معاني تتقاطع مع الصوفية. فيقول في نص “فسرى وعم سبحانه”: “قد خصني من جُوده بضيائهِ/ فشكرتُ ما أبصرتُ بي/ من دون جل جلاله ربا ليا/ سبحانه هو خالقي/ وأنا أسبح باسمه سبحانه/ في حُبِه روحي تذوب وها تدَفقَ نورْه منها ليغمرَ خافقي”.
يعمل...
X