خربشات غسان
حلم للبيع
رأيته جالسا على ذلك الكرسي من الجلد الأسود وهو غائر متكور لولا بروز شعره الأبيض كقمة جمل يكسوه الثلج لما ميزته ولا كانت رأيته.
يجلس مواجها له ثلاثة رجال أحدهم خلف مكتبه الذي يوحي بمظهر ثراء فاحش وهو يرتدي طقما من تلك المعروضة بأفخم محلات الثياب.
نقاش حاد وحديث يتمحور بكامله حول قطعة أرض بقمة جبل... كم تساوي ...ماقيمتها المادية هذا يقول:
هي بعيدة لاطريق يصلها
وآخر :
لا يوجد طريق ولا أشجار هي عبارة عن كتلة صخور .
وكل يلقي بدلوه ولاهم لهم سوى إظهار مساوئ وهمية والإبخاس بقيمتها.
نهض من مجلسه محني الرأس تائها يسير مترنحا لاطاقة لقدميه على حمله محني الظهر حتى قارب أن يلامس الأرض برأسه
اقتربت منه أمسكت بساعده وسرنا سوية لم ينبس أي منا بكلمة حتى وصلنا إلى تلك الحديقة كانت خالية جلس على مقعد تحت ظل شجرة أخفى رأسه بطرف ثوبه ليعلو صوت بكائه كطفل صغير فقد إحدى ألعابه المفضلة لديه.
انتظرته حتى هدأ لأسأله :
ماذا كنت تفعل بين مجموعة الرجال تلك
نظر إلي بعينيه الدامعتين وكم هو قاس أن ترى دموع رجل مسن تجاوز السبعين عاما فهي دموع تحرق موضعها :
...كنت أبيع حلم
..ماذا حلم
...أجل حلم ...
تلك أرض بقمة الجبل بقريتي إن وقفت بها ستشعر أنك تحلق بطائرة فوق المدينة وبحرها
هي قطعة من رياض الجنة
يقولون أن بها صخور رغم أنهم لم يروها هي عدة صخور أخرجتها لأضعها على حدودها كي أحميها من المعتدين...
بقعة منبسطة بقمة الجبل لن تحلم بنوع من الفاكهة أو الثمار التي تنبت بمنطقتنا إلا وستجدها مزروعة فيها...
منذ صغري وأنا أرعاها ...كم مرة تشققت يداي لأنظفها من الصخر والأشواك...حلم عمر مضى
حلمت أني وفي يوم عجزي سأبني فيها كوخا لأقضي آخر أيامي وعندها أنسى تعب السنين...
حلم كنت اعيش على أمل تحقيقه أن أبنائي هم من سينشئ فيها مسكنا لهم بقربي ليحتضنني دفئهم وحنان وحب أحفادي ...
أجل صديقي أبيع حلما لاقيمة مادية له فهو أغلا من كنوز العالم.
نظرت له مستغربا :
إذا لم تبيعها
عاد الدمع ليجري منسكبا من عيناه:
...لأن حلمي غادرني ...
حلمي ذلك الحلم الذي كان يمنحني الأمل والحياة مات وغادرني.
..كيف ذلك
...إبني الأكبر وهو طبيب استشهد بمعركة الشرف وأنا فخور به كان بساح المعركة يبذل المستحيل لينقذ رفاقه المصابين...
وشقيقه الأصغر مدرس بترت ساقاه بلغم وهو يقوم بواجبه بتحرير إحدى القرى مغ رفاق السلاح
وها هم أحفادي الصغار لم يعد لديهم من يعيلهم ...
مدارس وثياب وطعام وأنا لم أعتد على الصدقات هذا إن وجدت...
من رأيتني معهم هم من كانوا بشبابهم يمتهنون النصب والإحتيال بقريتنا ...
هم من كان يخجل أهل القرية أن يذكروهم فلا علم ولا رادع لبطشهم وتعديهم على الناس...
هم اليوم من أعلام المنطقة كما ترى ذهبوا للمعركة ليستغلو ظروفها ولم يكن لهم عمل سوى السرقة والنهب واليوم تراهم أصحاب رؤوس الأموال ورجال أعمال ...
كبيرهم كنت أحاول تذكيره أن الشهيد أنقذه مرتين من إصابة خطرة ...
وها هو يرد الجميل بأن يساومني على حلمي ...
على تلك الأرض التي شربت من دمائي وعرقي ...
يساومني ليمنحني بضعة دراهم ثمن حلم حجمه بحجم كنوز الأرض...
أنا اليوم ياصديقي أبيع حلمي فهل لديك من يشتري
غسان يوسف(سورية_طرطوس)
حلم للبيع
رأيته جالسا على ذلك الكرسي من الجلد الأسود وهو غائر متكور لولا بروز شعره الأبيض كقمة جمل يكسوه الثلج لما ميزته ولا كانت رأيته.
يجلس مواجها له ثلاثة رجال أحدهم خلف مكتبه الذي يوحي بمظهر ثراء فاحش وهو يرتدي طقما من تلك المعروضة بأفخم محلات الثياب.
نقاش حاد وحديث يتمحور بكامله حول قطعة أرض بقمة جبل... كم تساوي ...ماقيمتها المادية هذا يقول:
هي بعيدة لاطريق يصلها
وآخر :
لا يوجد طريق ولا أشجار هي عبارة عن كتلة صخور .
وكل يلقي بدلوه ولاهم لهم سوى إظهار مساوئ وهمية والإبخاس بقيمتها.
نهض من مجلسه محني الرأس تائها يسير مترنحا لاطاقة لقدميه على حمله محني الظهر حتى قارب أن يلامس الأرض برأسه
اقتربت منه أمسكت بساعده وسرنا سوية لم ينبس أي منا بكلمة حتى وصلنا إلى تلك الحديقة كانت خالية جلس على مقعد تحت ظل شجرة أخفى رأسه بطرف ثوبه ليعلو صوت بكائه كطفل صغير فقد إحدى ألعابه المفضلة لديه.
انتظرته حتى هدأ لأسأله :
ماذا كنت تفعل بين مجموعة الرجال تلك
نظر إلي بعينيه الدامعتين وكم هو قاس أن ترى دموع رجل مسن تجاوز السبعين عاما فهي دموع تحرق موضعها :
...كنت أبيع حلم
..ماذا حلم
...أجل حلم ...
تلك أرض بقمة الجبل بقريتي إن وقفت بها ستشعر أنك تحلق بطائرة فوق المدينة وبحرها
هي قطعة من رياض الجنة
يقولون أن بها صخور رغم أنهم لم يروها هي عدة صخور أخرجتها لأضعها على حدودها كي أحميها من المعتدين...
بقعة منبسطة بقمة الجبل لن تحلم بنوع من الفاكهة أو الثمار التي تنبت بمنطقتنا إلا وستجدها مزروعة فيها...
منذ صغري وأنا أرعاها ...كم مرة تشققت يداي لأنظفها من الصخر والأشواك...حلم عمر مضى
حلمت أني وفي يوم عجزي سأبني فيها كوخا لأقضي آخر أيامي وعندها أنسى تعب السنين...
حلم كنت اعيش على أمل تحقيقه أن أبنائي هم من سينشئ فيها مسكنا لهم بقربي ليحتضنني دفئهم وحنان وحب أحفادي ...
أجل صديقي أبيع حلما لاقيمة مادية له فهو أغلا من كنوز العالم.
نظرت له مستغربا :
إذا لم تبيعها
عاد الدمع ليجري منسكبا من عيناه:
...لأن حلمي غادرني ...
حلمي ذلك الحلم الذي كان يمنحني الأمل والحياة مات وغادرني.
..كيف ذلك
...إبني الأكبر وهو طبيب استشهد بمعركة الشرف وأنا فخور به كان بساح المعركة يبذل المستحيل لينقذ رفاقه المصابين...
وشقيقه الأصغر مدرس بترت ساقاه بلغم وهو يقوم بواجبه بتحرير إحدى القرى مغ رفاق السلاح
وها هم أحفادي الصغار لم يعد لديهم من يعيلهم ...
مدارس وثياب وطعام وأنا لم أعتد على الصدقات هذا إن وجدت...
من رأيتني معهم هم من كانوا بشبابهم يمتهنون النصب والإحتيال بقريتنا ...
هم من كان يخجل أهل القرية أن يذكروهم فلا علم ولا رادع لبطشهم وتعديهم على الناس...
هم اليوم من أعلام المنطقة كما ترى ذهبوا للمعركة ليستغلو ظروفها ولم يكن لهم عمل سوى السرقة والنهب واليوم تراهم أصحاب رؤوس الأموال ورجال أعمال ...
كبيرهم كنت أحاول تذكيره أن الشهيد أنقذه مرتين من إصابة خطرة ...
وها هو يرد الجميل بأن يساومني على حلمي ...
على تلك الأرض التي شربت من دمائي وعرقي ...
يساومني ليمنحني بضعة دراهم ثمن حلم حجمه بحجم كنوز الأرض...
أنا اليوم ياصديقي أبيع حلمي فهل لديك من يشتري
غسان يوسف(سورية_طرطوس)