تصوير - ناصر الحربي
سلافة الفريح
من ذكريات والدي مع الملك سلمان
الفقد كلمة موجعة تحيطك بهالة من الفراغ الموحش وكأن ثقبا عميقا حفر نفسه داخل قلبك وحلّ محله من حيث لا تدري. وأشدّ الفقد مرارةً هو وفاة الأب المعلقمة بالوجع وغياب الإحساس بالأمان. لوهلة تشعر أن الجبل الذي يثبّت أرضك ويحمي أركانك يهوي بعيداً بعيداً عنك إلى أن تسمع دوي ارتطامه يهز أرجاء حواسك. ذلك كان خبر رحيل والدنا والد الوطن الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي بكاه الملايين بحرقة وحب حقيقي ومشاعر صادقة وولاء بنى دعائمه خلال فترة حكمه بإنسانية وسماحة لامست قلوب الشعب والتحمت به حد الأبوة الفسيولوجية. ورغم التباين الفكري والعلمي والطبقي في المجتمع السعودي إلا أن الجميع توشح بالحزن والألم. رحمه الله وغفر له عدد ما مشى ضيوف الرحمن في الحرمين الشريفين وأسكنه الفردوس الأعلى آمين.
وعلى ذكر الفقد والوالد يستدرجني الحديث عن والدي الحبيب المخرج الراحل سعد الفريح رحمه الله الذي وافته المنية أثناء قيامه بعمل أوبريت «أسفرت وأنورت» بمناسبة زيارة الملك الراحل إلى مدينة حائل؛ حيث توفي قبل الحفل بيومين إثر الإجهاد الشديد والعمل المتواصل لإخراج الأوبريت بالشكل الذي يليق باستقبال جلالته. غرس أبي بداخلي الولاء وحب الوطن والعمل لأجله كما غرس حب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في قلبي الذي كان آنذاك أميراً للرياض. كان رحمه الله مولعاً ب»الأمير» سلمان وشديد الإعجاب بعبقريته وشخصيته الفذة وحنكته وتوقد ذهنه ودماثته المتمثلة بأخلاق الفرسان النبلاء. أخبرني عن قامته الشامخة في السياسة والثقافة والفكر والأدب والتاريخ ومتابعته الدقيقة لكل ما يحدث حوله داخلياً وخارجياً وعلى المستوى الإعلامي والفني والثقافي بشكل خاص وفتح أبوابه للعلماء والمفكرين والأدباء والإعلاميين والمثقفين يستمع إليهم ويتفقد أحوالهم كما كان أيضاً يتفقد حال العامة والبسطاء. وكان أبي رحمه الله حين يسرد لي قصصه وذكرياته القديمة يحكي لي عن مواقف «الأمير» سلمان النبيلة معه حين أعاده للوطن بعد أن غادره غاضباً بسبب إجباره على قص شعره في أواخر الستينيات!، ثارت كرامته وقرر الهجرة إلى بريطانيا؛ وعمل في قناة ال BBC البريطانية وحين علم «الأمير» فهد بن عبدالعزيز و»الأمير» سلمان بن عبدالعزيز أثناء زيارتهما لبريطانيا آنذاك بأن مخرجاً سعودياً يعمل في لندن التقيا به وأصرّا عليه أن يعود لأرض الوطن معززاً مكرماً؛ وعاد فعلاً في طائرة الملك فهد الخاصة.
ومنذ ذلك اليوم و»الأمير» سلمان حفظه الله داعماً لأبي الذي يمثل التلفزيون السعودي في عام٩٢ هجرية تقريباً. وبدأت العلاقة تقوى بحكم عمل أبي في التلفزيون وتنفيذه العديد من الأعمال التي لاقت استحسان الملك سلمان وكان الأخير جزءاً منها. من ضمنها لقاء خاص مع الملك سلمان في مطلع الثمانينات ميلادية أثناء إخراجه عملاً عن مدارس الرياض. وزادت العلاقة قوة حينما قام بالإخراج التلفزيوني لمعرض الرياض بين «الأمس واليوم» في ألمانيا؛ وكان أول معرض يقام عن السعودية في الخارج و»الأمير» سلمان هو من افتتحه. حصلت قصة طريفة حينما أراد أحد العاملين رفع علم السعودية في المعرض عند افتتاحه، أخذ سعد الفريح يصرخ بأن لا يرفعوه فشدّ «الأمير» سلمان الصوت! وقال من يصرخ؟! قالوا سعد! قال لماذا يغضب؟! فرد سعد لتكون أنت أول سعودي يقوم برفع علم المملكة في ألمانيا! فأعجب «الأمير» جداً بالفكرة وبسعد إضافةً لإعجابه السابق. والكثير من المواقف أختم بها ما حكاها لي أخي عبدالعزيز الفريح: كنت وأبي سهرانين ليلة الجمعة وإذا باتصال الساعه ١٢ ليلاً، فجأة غير أبي جلسته ونهض! سمعته يقول سم طال عمرك..إلخ فكان الأمير سلمان! لأن أبي سبق وأعطاه نسخة من فيلمه الوثائقي «أسماء في الذاكرة» عن الملك عبدالعزيز. وحينما ذهب «الأمير» لمزرعته في الخرج قام بمشاهدته واتصل بأبي فوراً بعد مشاهدته للفيلم وأخذ يشكره ويثني على العمل وقال أعتقد أن هناك خطأ بتاريخ فتح القصيم وطلب من والدي الاتصال بفهد السماري رئيس دارة الملك عبدالعزيز للتنسيق معه بخصوص التواريخ ودقة المعلومات.
هناك الكثير من القصص التي لا يتسع المقام لذكرها تدل على تميز شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ومتابعته ومناقشته لأدق التفاصيل وبعد النظر والحكمة وسعة الأفق. وقف عليها والدي شخصياً خلال أعمال كثيرة للرياض بمباركة ودعم من سموه الكريم. حيث كان في أي عمل وطني يسلط الضوء على الملك المحبوب «سلمان» ويضع لقطات كثيرة له إيماناً منه بدوره الفاعل والقوي في الإمارة والإعلام والوطن. وبسبب دعم سموه اللا محدود للإعلام بشكل عام ولأبي بشكل خاص بلغ التلفزيون السعودي في السبعينيات الهجرية عصره الذهبي. وهذا ما يشهد له الكثيرون ممن عاصروا الفريح في التلفزيون والأمير سلمان في الإمارة. وحتى حين وارى أبي الثرى اتصل حفظه الله على أخي في حائل وقدم له العزاء بحرارة وطلب من إخوتي زيارته حين عودتهما للرياض فأخذ ينعى أبي ويعدد محاسنه. وهذه رسالة لمن يطعنون في حب الشعب للحكام وتنتفخ أوداجهم لهذا التلاحم الكبير بين الشعب وقيادته؛ ويتهمون غيرهم بالتملق والنفاق للسلطة ولا يعلمون عن سر حب وتعلق الشعب بالحكام وعمق العلاقات الودية التي تكونت خلال عشرات السنين بين الطرفين وقربهم الحقيقي من الشعب وحرصهم الدؤوب لمصلحة الوطن والتآخي مع المواطنين. وهذا غيض من فيض مما عرفته شخصياً عن صفات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله وأطال في عمره وسدده التي تجعلني بكل حب أبايع الملك سلمان على السمع والطاعة كما أمرنا الله تعالى وكما علمني والدي ملِكُ قلبي، وبما أن مليكي سلمان أصبح والدي، فلا عجب أن تكون كل فتاة بمليكها معجبة.
تصوير - فواز الرصيص