عمر أبو ريشة : بصمات مميّزة في الساحتين العربيّة والعالميّة ... دراســـــة تســـبر أغــــوار الشــــعر وتحليله فنيـّاً وتبحث عن جماليّاتِ تكوينه المعرفيّ والثقافيّ
قليلة هي الدراسات التي تدخلُ في إطار المواضيع التي تهتمُّ بسبر أغوار الشعر وتحليله فنيا ، ومن الدراسات التي قدمت مؤخرا لنيل شهادة الماجستير في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة البعث دراسة قدمتها الشاعرة سلام التركماني عن الشاعر عمر أبي ريشة فقالت: أملت أن تكونَ بمنزلةِ إضاءةٍ جديدةٍ سُلِّطَت فيها الضوء على المنتجِ الشعريّ للشاعرِ السوريِّ الكبيرِ (عمر أبو ريشة)- رحمه الله-، الشاعرِ الموسوعيِّ الذي مثّل وطنه بحقيبَتين: الحقيبةُ الدبلوماسيّةُ سفيراً لسوريّة في عدد من دولِ العالم، والحقيبةُ الأدبيّةُ التي امتلأت بخزينتهِ الثقافيّةِ ومعارفِه الموسوعيّةِ، جمعها بدقّةٍ ووعيٍ طوالَ مسيرةِ حياته، والذي تركَ بصماتٍ مميّزةً في الساحتين العربيّة والعالميّة، استحقت أن تكون جديرةً بالبحث، فاتجهتُ بدراستي نحو إعادةِ النّظرِ في نتاجهِ الشعريِّ لتقديمِ رؤيةٍ جديدةٍ لا تقتصرُ على البناءِ الفنيّ للقصيدةِ فقط، وإنّما تتعداهُ إلى المكوّناتِ أيضاً.
قسّمْت الدراسةَ إلى ثلاثةِ فصولٍ، عنونتُ أوّلها بــ ( الثقافةُ العربيّةُ في شعرِ عمر أبو ريشة)، وتناولنا فيه تفصيلاً لحضور مصادرِ الثقافةِ العربيّةِ في شعره، في خمسةِ بنودٍ:
1-استحضاره للدين وتعاليمهِ ومبادئه وحظي هذا الاستحضارُ اهتماماً ملحوظاً واستخداماً فنيّاً جديداً ابتعد فيه عن الابتذال والمبالغة
2- استحضاره للتاريخ العربيّ (أحداثاً وشخصيّاتٍ وأماكنَ) لعبت دورها بجدارة في قصيدته فكانت محرّكاً للحدث الشعريّ فيها.
3- استحضاره للأدب العربيّ، وقد ظهر ذلك من خلال محاكاته لبعض رموز الأدب العربيّ، حيث قلّد النابغةَ الذبيانيّ فصدّقه السامعون، وتفلسف بحكمة المعرّي فأصاب فيها، وأشاد بثقةٍ شبيهةٍ بثقة المتنبي، وقدّم انطباعاتهِ النقديّةَ التي التقت مع آراءِ العقّاد والمازنيّ.
4- استحضاره للشخصيّات العربيّة وقسّمت الدارسة هذا البند إلى ثلاثةِ أنواعٍ، اعتمدت فيه على قواسمَ مشتركةٍ معيّنةٍ في نوعِ الشخصيّة المستحضَرةِ في شعره.
الأوّل (الشخصيّات الفنيّة) التي حضرت في شعره مشكّلة جوقة متنوّعةَ المستوياتِ والانتماءاتِ طوّع استخدامَها في خدمةِ شعره إمّا فكرةً أو رمزاً أو وصفاً، من هذه الشخصيّات (المعرّي، المتنبي، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، رشاد رويحة، ديك الجنّ الحمصيّ، أحمد الصافي النجفيّ، الأخطل الصغير، أمين الريحاني وكميل شمبير) والثاني (الشخصيّات التاريخيّة) استعنا في تبويبها على تقسيم أورده الكاتب علي عشري زايد في كتابه (استدعاء الشخصيّاتِ التراثيّةِ في الشعر العربيّ المعاصر).
وكان التقسيم على الشكل التالي:أبطال فتوحات ومعارك عربيّة: (خالد بن الوليد، هنانو، سعيد العاص، صلاح الدين الأيوبيّ، طارق بن زياد) وشخصيّات تمثّل الوجه المضيء للتاريخ العربيّ: (عدنان المالكيّ، عبد الرحمن الشهبندر، سعد الله الجابريّ) وأمراءُ وحكّامٌ يمثلون الوجه المظلم للتاريخ العربيّ: (كافور) .
5- استحضاره للأماكن العربيّة، قُسّمتْ تبعاً لأربعة أهداف وهي الإشادة بأمجاد التاريخ العربيّ(نينوى – بابل – أوغاريت) وموقفه من القضيّة الفلسطينيّة (القدس)
والاعتزاز بالانتماء إلى العروبة ( لبنان – بغداد) .
ثاني الفصول عنونتهُ بـــ (الحضارة العالميّة في شعر عمر أبو ريشة)، وجاءَ فيه الوقوف على أهمّ ملامحِ الحضارةِ العالميّةِ في شعره، التي هيّأت له ظروف حياته المشظّاة بين أصقاع الدنيا، مشارقها ومغاربها، وطبيعة عمله كدبلوماسيّ حيث زار دولاً متعّددةً، وعاش مع شعوبها، وتعرّف إلى ثقافاتها وتقاليدها واستطاع أن يجمعها لتشكّل لديه مخزوناً معرفيّاً يعيد إنتاجه بطريقةٍ شعريّةٍ فريدةٍ من نوعها، ويُسقِطُ تفاصيلَهُ بالزمان والمكان المناسبَين في سياقِ قصيدته.
وقسّمت استلهامه للحضارة العالميّة في أربعةِ بنود: استلهامه الأساطيرَ العالميّة، فقد استطاع ببراعته الشعريّة وبرصيده الثقافيّ أن يحوّل الأسطورة إلى إشعاعٍ يرفد قصيدته بضوءٍ معرفيّ ينير طريق وعي القارئ لما يقرأ، من هذه الأساطير (شمشون ودليلة، ليدا، الإله شيفا، والعنقاء)، واستلهامه للأدب العالميّ: قسّمت تأثّره بالآداب العالمية إلى ثلاثِ مراحلَ ارتبطت بعامل السفر إلى بلاد الغرب، حيث أتاحت له ظروف الإقامة في الدول الغربيّة أن يصادق عدداً من شعرائهم ومفكريهم وأدبائهم، ويطلع على الآداب الأخرى باللغات الأمّ، انطلاقاً من رأيه أنّ الترجمة تضيع كثيراً من جماليّات النصّ المترجَم ، وعرّجت الدارسة أيضاً على موضوع كتابته الشعرَ بلغات أخرى، وعمله أيضاً في مجال الترجمة، فقد ترجم عدداً من الكتب الأدبيّة والمسرحيّات إلى اللغة العربيّة، كلّ هذه العوامل ساعدت على وصول نسمات الآداب العالميّة إلى شعره لتشترك مع عناصرِ قصيدة عمر أبو ريشة في عمليتي التكوين والبناء.
3- استلهامه للشخصيّات العالميّة حيث كانت قليلة قياساً إلى استحضاره 30 شخصيةً عربيّةً، فهو لم يذكر إلا شخصيّتين هما (كسرى وجان دارك البطلةُ الفرنسيّة).
4- استلهامه للأماكن العالميّة: جاء استلهامه هنا من خلال مجالين:
الأوّل: المكان محورٌ أساس للقصيدة من مثل استلهامه (معبد كاجوراو في الهند، صروح رومانيّة، قمّة إفرست)، والثاني: المكان محورٌ حاضن لحدث القصيدة من مثل استلهامه (فيينا، باريس، كتمندو).
وفي الفصل الثالث المعنوّن بــ (جماليّة الرّمز في شعر عمر أبو ريشة)، قدّمنا لهذا الفصل بمهاد نظريّ عن ماهيّة الرمز لغة واصطلاحاً، وبوّبنا استخدامَ عمر أبو ريشة للرمز في ثلاثة أنواع وهي الرمز الطبيعيّ والرمز الدينيّ والرمز التاريخيّ وحللت جماليّةَ استخدامِ هذه الأنواع في قصيدته، في كونه استطاع أن يجعل منها نسقاً بنائيّاً ونسيجاً مندمجاً في شبكة العلاقات التي ينتجها نصّه الشعريّ، ساعده في ذلك موسوعيةُ ثقافتهِ التي أتاحت له قطفَ رموز تراثيّةٍ وتاريخيّةٍ تناسب أهدافَهُ السَّاميةَ في نصوصه.
إنّ تجربة فذّةً كتجربة عمر أبو ريشة الشعريّة تستحق البحث والتقصّي والدراسة، لأنّها ببساطة تجربةٌ مكتنزةٌ بالظواهرِ الفنيّةِ الجذّابةِ للتذوّق الأدبيّ.
وأهمّ ما توصّلت إليه الدارسة من نتائجَ :
• براعة الشاعر (عمر أبو ريشة) في تحويل ملامح الثقافة العربيّة التي اكتسبها عبر مراحل حياته، إلى مكوّنات فنيّة تخدم نصوصه الشعريّة.
• مقدرة الشاعر (عمر أبو ريشة) الفنيّة على صهر معالم الحضارات العالميّة التي اكتسبها وفق ظروف عمله وشغفه بمعرفة الآخر في نصوصه الشعريّة.
• مقدرة الشاعر (عمر أبو ريشة) الكبيرة على خلق سياق شعريّ متوازن يجمع فيه كلّاً من ملامح الثقافة العربيّة ومعالم الحضارة العالميّة.
•اطلاعه الدقيق على ثقافة الشعوب الأخرى ساعده على رفد نصوصه الشعريّة بفيض من المعاني الغنيّة بثقافة جديدة.
• نجاحه في إسقاط مكوّنات الثقافة العربيّة بجدارة على نصوصه الشعريّة، وإن وجدنا بعض التكثيف لهذه المكوّنات في بعض المواضع.
• تكراره لاستحضار الأماكن العالميّة بالطريقة ذاتها والظروف عينها.
• أصالته العربيّة حلّقت في نصوصه عالياً، ظهر هذا التحليق جليّاً في افتخاره بالعروبة وأمجادها ورموزها.
• إيثاره الشخصيّات العربيّة على العالميّة، دلّ على ذلك كثرتها وتنوّعها.،وإكثاره من استحضار الأماكن العالميّة قياساً باستحضاره العربيّةَ واتخذ الرمز عند الشاعر مسالك شتّى منها الطبيعيّ والدينيّ والتاريخيّ ,وشكّل الرمز عند الشاعر نسقاً بنائياً ونسيجاً مندمجاً في شبكة العلاقات التي أنتجها نصّه الشعريّ،والرمز عند الشاعر يمثل معادلاً موضوعياً لتجربته الشعورية، ولاسيما فيما يخص هموم الأمّة العربيّة.
عبد الحكيم مرزوق
قليلة هي الدراسات التي تدخلُ في إطار المواضيع التي تهتمُّ بسبر أغوار الشعر وتحليله فنيا ، ومن الدراسات التي قدمت مؤخرا لنيل شهادة الماجستير في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة البعث دراسة قدمتها الشاعرة سلام التركماني عن الشاعر عمر أبي ريشة فقالت: أملت أن تكونَ بمنزلةِ إضاءةٍ جديدةٍ سُلِّطَت فيها الضوء على المنتجِ الشعريّ للشاعرِ السوريِّ الكبيرِ (عمر أبو ريشة)- رحمه الله-، الشاعرِ الموسوعيِّ الذي مثّل وطنه بحقيبَتين: الحقيبةُ الدبلوماسيّةُ سفيراً لسوريّة في عدد من دولِ العالم، والحقيبةُ الأدبيّةُ التي امتلأت بخزينتهِ الثقافيّةِ ومعارفِه الموسوعيّةِ، جمعها بدقّةٍ ووعيٍ طوالَ مسيرةِ حياته، والذي تركَ بصماتٍ مميّزةً في الساحتين العربيّة والعالميّة، استحقت أن تكون جديرةً بالبحث، فاتجهتُ بدراستي نحو إعادةِ النّظرِ في نتاجهِ الشعريِّ لتقديمِ رؤيةٍ جديدةٍ لا تقتصرُ على البناءِ الفنيّ للقصيدةِ فقط، وإنّما تتعداهُ إلى المكوّناتِ أيضاً.
قسّمْت الدراسةَ إلى ثلاثةِ فصولٍ، عنونتُ أوّلها بــ ( الثقافةُ العربيّةُ في شعرِ عمر أبو ريشة)، وتناولنا فيه تفصيلاً لحضور مصادرِ الثقافةِ العربيّةِ في شعره، في خمسةِ بنودٍ:
1-استحضاره للدين وتعاليمهِ ومبادئه وحظي هذا الاستحضارُ اهتماماً ملحوظاً واستخداماً فنيّاً جديداً ابتعد فيه عن الابتذال والمبالغة
2- استحضاره للتاريخ العربيّ (أحداثاً وشخصيّاتٍ وأماكنَ) لعبت دورها بجدارة في قصيدته فكانت محرّكاً للحدث الشعريّ فيها.
3- استحضاره للأدب العربيّ، وقد ظهر ذلك من خلال محاكاته لبعض رموز الأدب العربيّ، حيث قلّد النابغةَ الذبيانيّ فصدّقه السامعون، وتفلسف بحكمة المعرّي فأصاب فيها، وأشاد بثقةٍ شبيهةٍ بثقة المتنبي، وقدّم انطباعاتهِ النقديّةَ التي التقت مع آراءِ العقّاد والمازنيّ.
4- استحضاره للشخصيّات العربيّة وقسّمت الدارسة هذا البند إلى ثلاثةِ أنواعٍ، اعتمدت فيه على قواسمَ مشتركةٍ معيّنةٍ في نوعِ الشخصيّة المستحضَرةِ في شعره.
الأوّل (الشخصيّات الفنيّة) التي حضرت في شعره مشكّلة جوقة متنوّعةَ المستوياتِ والانتماءاتِ طوّع استخدامَها في خدمةِ شعره إمّا فكرةً أو رمزاً أو وصفاً، من هذه الشخصيّات (المعرّي، المتنبي، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، رشاد رويحة، ديك الجنّ الحمصيّ، أحمد الصافي النجفيّ، الأخطل الصغير، أمين الريحاني وكميل شمبير) والثاني (الشخصيّات التاريخيّة) استعنا في تبويبها على تقسيم أورده الكاتب علي عشري زايد في كتابه (استدعاء الشخصيّاتِ التراثيّةِ في الشعر العربيّ المعاصر).
وكان التقسيم على الشكل التالي:أبطال فتوحات ومعارك عربيّة: (خالد بن الوليد، هنانو، سعيد العاص، صلاح الدين الأيوبيّ، طارق بن زياد) وشخصيّات تمثّل الوجه المضيء للتاريخ العربيّ: (عدنان المالكيّ، عبد الرحمن الشهبندر، سعد الله الجابريّ) وأمراءُ وحكّامٌ يمثلون الوجه المظلم للتاريخ العربيّ: (كافور) .
5- استحضاره للأماكن العربيّة، قُسّمتْ تبعاً لأربعة أهداف وهي الإشادة بأمجاد التاريخ العربيّ(نينوى – بابل – أوغاريت) وموقفه من القضيّة الفلسطينيّة (القدس)
والاعتزاز بالانتماء إلى العروبة ( لبنان – بغداد) .
ثاني الفصول عنونتهُ بـــ (الحضارة العالميّة في شعر عمر أبو ريشة)، وجاءَ فيه الوقوف على أهمّ ملامحِ الحضارةِ العالميّةِ في شعره، التي هيّأت له ظروف حياته المشظّاة بين أصقاع الدنيا، مشارقها ومغاربها، وطبيعة عمله كدبلوماسيّ حيث زار دولاً متعّددةً، وعاش مع شعوبها، وتعرّف إلى ثقافاتها وتقاليدها واستطاع أن يجمعها لتشكّل لديه مخزوناً معرفيّاً يعيد إنتاجه بطريقةٍ شعريّةٍ فريدةٍ من نوعها، ويُسقِطُ تفاصيلَهُ بالزمان والمكان المناسبَين في سياقِ قصيدته.
وقسّمت استلهامه للحضارة العالميّة في أربعةِ بنود: استلهامه الأساطيرَ العالميّة، فقد استطاع ببراعته الشعريّة وبرصيده الثقافيّ أن يحوّل الأسطورة إلى إشعاعٍ يرفد قصيدته بضوءٍ معرفيّ ينير طريق وعي القارئ لما يقرأ، من هذه الأساطير (شمشون ودليلة، ليدا، الإله شيفا، والعنقاء)، واستلهامه للأدب العالميّ: قسّمت تأثّره بالآداب العالمية إلى ثلاثِ مراحلَ ارتبطت بعامل السفر إلى بلاد الغرب، حيث أتاحت له ظروف الإقامة في الدول الغربيّة أن يصادق عدداً من شعرائهم ومفكريهم وأدبائهم، ويطلع على الآداب الأخرى باللغات الأمّ، انطلاقاً من رأيه أنّ الترجمة تضيع كثيراً من جماليّات النصّ المترجَم ، وعرّجت الدارسة أيضاً على موضوع كتابته الشعرَ بلغات أخرى، وعمله أيضاً في مجال الترجمة، فقد ترجم عدداً من الكتب الأدبيّة والمسرحيّات إلى اللغة العربيّة، كلّ هذه العوامل ساعدت على وصول نسمات الآداب العالميّة إلى شعره لتشترك مع عناصرِ قصيدة عمر أبو ريشة في عمليتي التكوين والبناء.
3- استلهامه للشخصيّات العالميّة حيث كانت قليلة قياساً إلى استحضاره 30 شخصيةً عربيّةً، فهو لم يذكر إلا شخصيّتين هما (كسرى وجان دارك البطلةُ الفرنسيّة).
4- استلهامه للأماكن العالميّة: جاء استلهامه هنا من خلال مجالين:
الأوّل: المكان محورٌ أساس للقصيدة من مثل استلهامه (معبد كاجوراو في الهند، صروح رومانيّة، قمّة إفرست)، والثاني: المكان محورٌ حاضن لحدث القصيدة من مثل استلهامه (فيينا، باريس، كتمندو).
وفي الفصل الثالث المعنوّن بــ (جماليّة الرّمز في شعر عمر أبو ريشة)، قدّمنا لهذا الفصل بمهاد نظريّ عن ماهيّة الرمز لغة واصطلاحاً، وبوّبنا استخدامَ عمر أبو ريشة للرمز في ثلاثة أنواع وهي الرمز الطبيعيّ والرمز الدينيّ والرمز التاريخيّ وحللت جماليّةَ استخدامِ هذه الأنواع في قصيدته، في كونه استطاع أن يجعل منها نسقاً بنائيّاً ونسيجاً مندمجاً في شبكة العلاقات التي ينتجها نصّه الشعريّ، ساعده في ذلك موسوعيةُ ثقافتهِ التي أتاحت له قطفَ رموز تراثيّةٍ وتاريخيّةٍ تناسب أهدافَهُ السَّاميةَ في نصوصه.
إنّ تجربة فذّةً كتجربة عمر أبو ريشة الشعريّة تستحق البحث والتقصّي والدراسة، لأنّها ببساطة تجربةٌ مكتنزةٌ بالظواهرِ الفنيّةِ الجذّابةِ للتذوّق الأدبيّ.
وأهمّ ما توصّلت إليه الدارسة من نتائجَ :
• براعة الشاعر (عمر أبو ريشة) في تحويل ملامح الثقافة العربيّة التي اكتسبها عبر مراحل حياته، إلى مكوّنات فنيّة تخدم نصوصه الشعريّة.
• مقدرة الشاعر (عمر أبو ريشة) الفنيّة على صهر معالم الحضارات العالميّة التي اكتسبها وفق ظروف عمله وشغفه بمعرفة الآخر في نصوصه الشعريّة.
• مقدرة الشاعر (عمر أبو ريشة) الكبيرة على خلق سياق شعريّ متوازن يجمع فيه كلّاً من ملامح الثقافة العربيّة ومعالم الحضارة العالميّة.
•اطلاعه الدقيق على ثقافة الشعوب الأخرى ساعده على رفد نصوصه الشعريّة بفيض من المعاني الغنيّة بثقافة جديدة.
• نجاحه في إسقاط مكوّنات الثقافة العربيّة بجدارة على نصوصه الشعريّة، وإن وجدنا بعض التكثيف لهذه المكوّنات في بعض المواضع.
• تكراره لاستحضار الأماكن العالميّة بالطريقة ذاتها والظروف عينها.
• أصالته العربيّة حلّقت في نصوصه عالياً، ظهر هذا التحليق جليّاً في افتخاره بالعروبة وأمجادها ورموزها.
• إيثاره الشخصيّات العربيّة على العالميّة، دلّ على ذلك كثرتها وتنوّعها.،وإكثاره من استحضار الأماكن العالميّة قياساً باستحضاره العربيّةَ واتخذ الرمز عند الشاعر مسالك شتّى منها الطبيعيّ والدينيّ والتاريخيّ ,وشكّل الرمز عند الشاعر نسقاً بنائياً ونسيجاً مندمجاً في شبكة العلاقات التي أنتجها نصّه الشعريّ،والرمز عند الشاعر يمثل معادلاً موضوعياً لتجربته الشعورية، ولاسيما فيما يخص هموم الأمّة العربيّة.
عبد الحكيم مرزوق