تموضعات الواقع وتشظيات اللون قراءة في لوحات الفنان رياض نعمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تموضعات الواقع وتشظيات اللون قراءة في لوحات الفنان رياض نعمة

    الفنان رياض نعمة
    ومجموعة من اعماله

    تموضعات الواقع وتشظيات اللون
    قراءة في لوحات الفنان رياض نعمة

    نصير الشيخ

    شاعر وناقدعراقي

    ـــ هل يقودنا الإنفعال شديد الخصوصية وعلى الدوام للنظر عميقا ل" الواقعة" عبرمسارنا العيني لتحديد أشياء تلامس ذواتنا وذائقتنا وبالتالي تمكننا من الحصول على لذة جمالية تكرس فهمنا للفن ودوره الفاعل ذاتياً وموضوعياً.وربما يسبقنا المفهوم المعرف على أن الفنان هو" ذلك الشخص الذي يفكرويحس من خلال وسيط فني معين".وإذ نستعير الكثير من الكلام عن الواقع وأحداثه فأننا نلتمس تجلياته في ذات الفنان للحصول على " أشكالٍ خالصة" تصل الينا عبر الخطوط والألوان محملة بأسئلتها ودوالها ورموزها، تاركة ذائقة المتلقي في بحث دائبٍ عن أجوبة نهائية.

    وتحضرهنا لوحات الفنان " رياض نعمة" بوصفها تجسدات عينيةٍ لواقعٍ محتدمٍ لامس الوجود البشري للفنان أولا،ومن ثم تحسس أوتارالإبداع في ذاته للنهوض بمهمة الخلق على أتم وجه، وللذاكرة سطوتها في إعادة انتاج مامرّ،ممتزجاً بحاضرٍيمتلك حركيته وبكل تداعياتها. وتشكل الهيئات المجسدة/ الشخوص القاسم المشترك في اعمال الفنان في حضورها النوعي بكل آهابها في المشهد البصري الذي اتخذ منه الفنان مساحة تعبيرية تغترف من بئر الهواجس تارة ومن فجائعية الصورة العيانية تاراتٍ آخر..عبركل هذا يستثمرالفنان رياض نعمة اللون بطاقته الخلاقة بتوزيعٍ هارموني يتبلورفي تكوينات خاصة توازن البعد الشكلي للكتل المرسومة.وللون الأسود هيمنته الباذخة على مساحة النص البصري الذي تمثله لوحات رياض عبر إشغاله الفضاء اللوني برمته،مبرزاً قدرته التعبيرية ــ أي اللون ــ ناطقاً بسيكولوجيته المستثيرة للحزن والقتامة.

    في لوحته " الصبية /الأولاد" حيث هما ذاهبان نحو أفق يبدو مسدوداً،يمثله جداراً ملطخاً بالسواد أو لنقل "سخام" يغطي في فوضاه ماكتب قبل واقعة ما احتلت الجدارذات يوم، الجو العام للوحة بتدرجاته ينحدر نحوزرقة داكنةٍ مع خلفية background)) يطغي عليها السواد، فيما يظل القميص الأبيض للولد نقطة توهج للوحة،بل ومصدر جذب لوني لعين الرائي، وكأن الفنان هنا يعيد توازن الأشياء باعثاً نقطة ضوءٍ عبر أفقٍ معتم.

    أحسبُ إشتغالات الفنان رياض نعمة من محفزاتِ إنتاج العمل الفني،أولها قراءة مأساوية المشهد العياني برمته وتنويعاته في عذابات الانسان، ذلك ما شهدته حياتنا وماتشهده من تحولات أزماننا كمشاهد تراجيدية يكفي غربلتها وأستخلاص ثيم لوحات واعمال تشتبك مع عناصر الفن لتمدنا بتكوينات وهيئات ونصوص بصرية من مفردت وتكنيك.ففي أكثر من لوحة يقابلنا " الوجه" بآدميته وتكوينه الهندسي وأبعاده الإنسانية حين نقتفي هيئتهُ في مساحة العمل الفني لدى رياض، لكن الوجه هو الجزء الظاهرمن تكوين جسدي غاطس في محنتهِ وإن شابتْهُ الوان مبهرة وعملت عليه ضرباة الفرشاة التي كثفت حمرة لونها على " الفم" في إشارة واضحة المعالم والدلاله حيث الصرخة ومديات أجوائها المكبوتة..!

    ثمة ماأطلقُ عليه (( التغيّر الشيئئ)) في لوحات الفنان، ففي الوقت الذي تتعامد فيه رؤيتنا لعوالم اللوحة حاملين أحكامنا المسبقة على أن مانشاهده أمامنا هو" بورتريه"...كتشكل إيقوني وكتجسيد شخصي (رجل/ إمرأة ) ،لكن سرعان ما يفجؤنا " القَلبْ" أي دخول عناصرالمحووالتشويه على الشكل البشري (( الوجه ــ الفم ــ العينان )) ليعيدنا الإقرار ومعاني التذوق الى " جماليات القبح" البودليرية،والفن مساحتها القصوى لتجليات هذا الإشتغال.

    تبدو لنا شخصية المهرج حاضرة في لوحات رياض نعمة والذي يطلق عليه (( بائع الفرح الحزين..أوالبائع الحزين لمادة الفرح،وبداخل كل منا شئ يشبه شخصية المهرج، والهدف من هذا التمثيل هو إخفاء مايدور بدواخلنا خشية من تقاليد اجتماعية وبروتوكولات واعراف مجتمعية ودينية،وبالتالي كلنا مهرجون))..هذا ما يشي به منطوق الفنان رياض نعمة.

    كل هذا يلتئم تكويناتٍ قارة في اللوحة تبثُ لنا من شفراتها الكثيروالذي يدخل أحيانا في نفق التداعي الحر لحظة مواجهة الذات في تلقيها ودهشة العمل أمام حمولة اللوحة وأفكارها وطاقتها الجمالية، لكن هذا لايقطع بالشك جذور العمل الفني ووشائجه مع واقع متفجر عاشه الفنان عن قرب " بغداد ــ بيروت" وبما يمنح هذا الواقع من موضوعات وأسئلة متسربلة بدهشتها وغرائبيتها أحيانا،عابرة مديات الخطوط والألوان والسطوح نحو نقطة جوهرية يمثلها الهم الوجودي.ان الرسم هومحاولة إيقاد شعلة حياة جديدة مادتها مزيج الخيال والواقع، لوحات رياض هنا تتموضع حول " ذوات ومصائر" وماتبوح به،تمد نسوغها من عوالم المدينة، عوالم محددة النظر في بعدها الهندسي ومحددة حركة الأشخاص،لتبقى القيمة اللونية الموزعة على مساحة اللوحة معادلاً بصريا لمهمة إشتغال الفنان، فحيثما هناك عتمة وكتلة غائمة يقابله توهج لوني ضارب بحسيتهِ يشي بتخفيف حدة الإنقباض الذي فرضته موضوعة اللوحة وأجوائها.

    الفنان رياض نعمة لايترك لنا مساحة للأيهام البصري تحت ذريعة " التجريد" فهويشتغل بمنطقة المدرسة " الواقعية التعبيرية" التي هي الحافزالأول لانتاج اعماله.متوجها في أسلوبه الحداثي لمخاطبة الآخرعبر لغة عالمية، لغة لاتحدها حدود التقاليد والأديان.عوالم الرسم وموادها الأولية في أعمال الفنان توزعت بين " الزيت والأكلريك والقماش وريِش الرسم،وكذلك هناك مهمة الأشتغال على تقنيات الطباعة بالشبكة الحريرية " السيلك سكرين" للوصول بالصورة التوثيقية الواقعية الى مديات أوسع على مساحة اللوحة.
يعمل...
X