مدينة أحمد خلف في ... البهلوان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مدينة أحمد خلف في ... البهلوان


    مدينة أحمد خلف في ... البهلوان
    دراسة نقدية يوسف عبود جويعد

    يبدو لنا ومن خلال متابعتنا لرواية (البهلوان) للروائي أحمد خلف، وتجاربه السردية الروائية السابقة، التي قبلها رواية (الذئاب على الأبواب)، أن الروائي قد يكون مختلفاً عن مجايليه، بأنه يعد كل الأدوات والعناصر الفنية، التي يحتاجها لقيامه بصناعة روايته، قبل أن يشرع بالكتابة، ويضع لها مخططاً وخارطة، وأسلوباً، كما أنه يجمع نسيج الحكايات التي تدخل ضمن مبنى السرد، ليكون مهيّأ بشكل تام على الخوض في غمار العمل الفني الروائي، دون أي عائق، أو شيء آخر يحول دون إتمام مهمته، وتلك صفات حميدة تؤشر لصالح الروائي، أي أن الرواية تكون جاهزة بكل تقنياتها داخل مخيلته، وبهذا تسهل عليه مهمة التدوين، بخلاف الكثير من كتاب الرواية، الذين يكتبون الأحداث دون اكتمالها، ويتعرضون للكثير من التوقفات الحرجة، أو قد تتوقف الاحداث في أي موطن من مواطنها فيضطرون إلى معالجتها، وكلها أمور تعيق انسيابية العمل الفني الروائي، وكما لاحظنا سابقاً في روايته (الذئاب على الأبواب) أسلوبه الفني في التدوين، حيث ظهر لنا وبشكل جلي، أن الرواية اعتمدت على ثلاثة مسارات تسير نحو الرافد الاخير لتشكيل وتكوين البؤرة المركزية الرئيسة، فإن هذه الرواية التي نحن بصدد تحليلها وأعني بها رواية (البهلوان)، فإن الروائي اعتمد على خطوط عمل مغايرة ومختلفة، ولكنه ظل محافظاً على طريقة عمله الفني، عند شروعه بكتابة الرواية، فتبين لنا وكأننا ندخل مدينة أحمد خلف، كما أشار في مقدمته التي استهلت هذا النص السردي الروائي، وتلك المدينة لها باب، هو بطلها الرئيس (طه جواد) الذي سيمنحنا الفرصة للولوج الى عالمه الحكائي، ويقول الروائي في هذا المستهل:
    (أن تكتب رواية حديثة بمواصفات عالية الجودة، هذا يعني أنك تشيد مدينة بعينها، أعني مدينتك التي تأمل أن تمضي بقية العمر في مساكنها، وشوارعها، وأزقتها، وأسواقها، ومقاهيها، وحدائقها، وتمارس حياتك على أعلى درجات الكمال والرقي.) ( ص 5 )
    ومن هنا يتضح لنا أهمية العمل الفني الروائي، ومدى التصاق الروائي بمادته السردية، وعندما تتاح لنا هذه الفرصة للدخول، سنكتشف العالم الحكائي للروائي، حيث نبدأ بحياة (طه جواد) وهو يهرب من قريته، بعد أن سرق أربعة أقراص من الخبز، من منزل الشيخ، عندما كانت زوجة الشيخ تخبز الخبز في التنور، واعتبر ذلك تجاوز على هيبة الشيخ، وسرقة يستحق عليها (طه جواد) قطع يده، كقصاص للسارق، وهكذا يقودنا (طه جواد) الى مدينة الروائي الحكائية، عندما يصل بغداد، ويعمل في بيع الملابس المستعملة، ثم يعمل في البناء، ويتعرف على صديقه (سالم علوان) ليتفرع من هذا الجذع غصن يحمل حكايته، ثم يتزوج (أم غايب) وتطلق على هذه الصفة للمرأة التي ليس لها قدرة على الانجاب، وهكذا يتفرع غصن آخر من حكاية (طه جواد) ليشكل ويكون حكاية(أم غايب) التي سنشهد تفاصيل شيقة ومهمة عن حياتها، وخاصة بعد أن يتزوج (طه جواد) زوجة ثانية، هي (بلقيس) التي ستكون حكايتها غصن آخر يتفرع من جذع شجرة (طه جواد)، لتكون أمامنا الصورة واضحة لشجرة تنمو بشكل تدريجي، وتظهر منها أغصان حكائية متفرعة تخضر وتنمو مع حركة السرد، ونلاحظ أن حركة الأحداث في تلك الحكايات، هي حركة مشابهة لحركة البؤرة الرئيسة، التي يقودها بطل الرواية (طه جواد)، أي أنها تحتوي على كل الادوات السردية لعملية البناء السردي الروائي، أضافة الى أنها متممة لحركة السرد الرئيسي ومتفاعلة معه، بل أنها جزء منه، ثم يظهر لنا الصراع الذي جاء بشكل طبيعي، بعد أن يكبر عمل (طه جواد) في المعمار، ويصبح مقاولاً معروفاً، لندخل في عالم الحيتان، وعالم الفساد في تلك المقاولات، وكيف يتم الاتفاق في الخفاء لإدخال مقاول ثانوي يقوم بمهمة العمل في تلك المشاريع الكبيرة، ليأخذ المقاول الاول حصة الأسد من الحكومة، وكذلك يفعل المقاول الثانوي، وكل ذلك يعود بالضرر على تلك المشاريع ومتانتها، وحسن ادائها، ويظهر في هذا الصراع (الاسطة) الذي كان سبب في دخول (طه جواد) هذا المعترك، وكما يشتد أوار الاحداث، وتحتدم في البؤرة المركزية، فأن نمو الاحداث في بقية الحكايات تنمو وتداخل مع بعضها، حيث سنشهد تفاصيل، مثل العالم الاحمر بين الزوج وزوجته، وخيانة (أم غايب) لزوجها مع سائق (طه جواد)، (فؤاد)، ومقتل الحارس الشخصي، للاسطة، وانجاب طفلة من قبل الزوجة الثانية (بلقيس)، بينما تتبنى (أم غايب) طفلة، لتعوض فراغ الامومة لديها، وهكذا يسير بنا الروائي بالأحداث بانسيابية وايقاع متواصل وغير متقطع، والسبب في ذلك أنه أنشأ مدينته الروائية الحكائية، بعد أن اعد كل ادواتها، لكي تسير الاحداث دون تلكؤ، أو توقف، كما أن الروائي عمد الى جعل الاحداث متصلة متواصلة مستمر، دون تقطيعها الى فصول، كما هو معروف في عالم السرد، أن الرواية تحتاج الى تقطيع، واستراحة، ومشاهد، واختزال، من أجل عدم ارباك المتلقي، واعطائه فرصة لاستيعاب الاحداث، الا أن الروائي أحمد خلف، بخبرته الطويلة في مجال السرد، استطاع أن يوفر هذه الادوات، دون الحاجة اليها، لأنه عمل على أن يبقي القارئ، متابعاً للأحداث، وهيمن على حواسه، من أجل الاستمرار في متابعة الاحداث.
    رواية ( البهلوان) للروائي أحمد خلف، عمل فني كبير، ودرس من الدروس التي يحتاجها الروائي، في تدوين روايته، وتؤكد خبرته التي اكتسبها من سنواته الطوال في هذا المجال.
    من اصدارات دار النخبة للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة لعام 2021
يعمل...
X