لِڤ أولمان
”حين وقفت خلف الكاميرا عرفت تماماً أهمية أن تكون ممثلاً“!.
ترجمة وتقديم علي كامل
”شيء رائع أن تذهب لمشاهدة فيلم لغرض التسلية. لكن في بعض الأحيان شيء رائع أيضاً أن تذهب لا لكي تتسلى فقط بقدر ما تُثار داخلياً، لتخرج من قاعة العرض وتقول: (ماذا يعني هذا الفيلم؟ ما هي القيم التي يطرحها؟) أو من الممكن أن تغضب وتنزعج أو ربما تهدأ وتقول: (سوف أصمت قليلاً ولن أتكلم لبعض الوقت). وهذا هو بالضبط ما ينبغي على المُشاهد أن يفعله إزاء الفيلم. ينبغي أن يكون مبدعاً أيضاً وعليه أن يعثر على أشياء في الفيلم لم يفكر بها الكاتب أو المخرج أو الممثل مطلقاً“ لِڤ أولمان
(لِڤ أولمان مخرجة)!
إن آخر دور لعبته لِڤ أولمان كممثلة هو شخصية الجّدة في فيلم ”عبر زجاج معتم“ ٢٠٠8 (إخراج جيسبار نيلسون) وهو مسك الختام لممثلة أمضت ستة وأربعين عاماً تقف أمام الكاميرا لتنتقل إلى الوقوف خلفها هذه المرة ليس كممثلة إنما كمخرجة. تقول أولمان في هذا الصدد: ”حين وقفت خلف الكاميرا عرفت تماماً أهمية أن تكون ممثلاً“!.
بوصفها مخرجة، أنجزت أولمان خمسة أفلام روائية هي:
ـ حُبْ (١٩٨٢) سيناريو وإخراج.
ـ صوفيا (١٩٩٢) سيناريو وإخراج.
ـ كريستين لافرانسداتار (١٩٩٦) سيناريو وإخراج.
ـ اعترافات خاصة. مسلسل تلفزيوني (١٩٩٦) عن مخطوطة لبيرگمان.
ـ الخائن (٢٠٠٠) عن مخطوطة سيناريو لبيرگمان.
أما في ميدان الإخراج المسرحي فقد أنجزت عام ٢٠٠٩ عرضاً مميزاً لمسرحية تينيسي وليامز ”عربة اسمها الرغبة“ لعبت فيها كل من الممثلة الاسترالية كيت بلانشيت والبريطانية كيت وينسل الدورين الرئيسيين. الجدير بالذكر أن أولمان كانت قد لعبت الدور الرئيسي في هذه المسرحية لأول مرة عام ١٩٧٥على مسارح برودواي.
الحفاظ على الثقة!.
هذا نص المقابلة التي أجراها أليكس سيمون مع أولمان في صفحة هوليوود إنترفيو في مجلة ”فينيسيا وبسايت“
أنا لا أسير تحت ظلال بيرگمان إنما أستنير بضيائه (**)
القسم الثاني
(استكمال المقابلة)
س: لقد تحدّثتِ عن الشجار المستديم بين أنگريد بيرگمان وإنگمار بيرگمان بشأن النص. كيف تعاملتِ كمخرجة مع المخطوطة التي كتبها أنگمار لفيلم ”الخائن“؟
لِڤ: لم أغيّر كلمةً واحدة منه. لكن ثمة الكثير من الاشياء تم استبعادها بالطبع وإلا سيستغرق طول الفيلم ستة ساعات. كنت أتمتع بحرية مطلقة في عملي مع النص، إلا إنني لم أغيّر كلمة واحدة منه. وبما إنني لست المؤلفة، لذا لم يكن لزاماً علّيّ الدفاع عن تلك الكلمات لأنها كانت موجودة أصلاً في النص.
أما بشأن ما كان يحدث بين أنگريد وأنگمار من مشاحنات حول النص، فأظن أن أنگمار ربما كان يشعر بالألم حين كانت تتحدث أنگريد معه بتلك الطريقة. أما بالنسبة لي، فقد كنت أتمتع بكامل حريتي في كتابة السيناريو التنفيذي (shooting Script) لنص الفيلم لأن النص الذي كتبه بيرگمان كان عبارة عن مونولوغ واحد طويل.
لقد أراد مني هو أن أكتب السيناريو التنفيذي، وهذا ما فعلته تماما مثلما جُسّد في الفيلم، لأنه أراد شخصية المرأة أن تطرح وجهة نظرها حول ما جرى له في الماضي. لقد سمحت لنفسي أن أنعم بحريتي كاملة وليس لأسأله عما إذا كنتُ قد فعلت ما كان يريده.
س: هل حضر إلى موقع التصوير؟
لِڤ: جاء فقط في اليوم الأخير من التصوير والتقط بعض الصور الفوتوغرافية. كان ذلك شيئاً رائعاً منه، شيئاً مفعماً بالثقة تماماً. لقد استغرقتْ المرحلة التي سبقت تصوير الفيلم (pre-production) عاماً تقريباً، لكنه مع ذلك لم يسأل عن أي شيء مطلقاً. لم يأتِ إلى موقع التصوير أو إلى طاولة المونتاج وهذا ما أثار إعجابي به.
أنا شخصياً لا أستطيع فعل ذلك، لكنه فعلها.!. لقد كان شجاعاً وكريماً في اظهار تلك الثقة بي. وأنا بدوري، كنت مخلصة وأمينة للنص، ولم أفعل أشياءً كنت أعتقد أنها ستكون ضد نواياه.
س: لنتحّدث الآن عن فيلم ”الخائن“. الفيلم يعالج الكثير من الموضوعات التي سبق لبيرگمان أن تناولها في أفلام أخرى لا سيما تلك العلاقات المحكوم عليها بالإخفاق بين الرجال والنساء. ما رأيك؟
لِڤ: نعم. وأوّد أن يشمل ذلك جميع أنواع العلاقات، ليس علاقات الرجال بالنساء فحسب، إنما علاقات الرجال بالرجال، النساء بالنساء، علاقات الأطفال بالآباء...إلخ.
القضية تكمن في الخيارات، وإذا لم ننظر إلى تلك الخيارات بعمق فإن معظم العلاقات محكوم عليها بالإخفاق، حتى لو بقي الناس يعيشون معاً تحت سقف واحد.
إذا كنت لا تتحمل مسؤولية الشخص الآخر، وإذا لم تفكر مطلقاً بأي شيء تشارك فيه الآخرين فسيكون ثمة حاجزاً حتماً. إذا لم تستطع فصل ذلك الحاجز وواصلت عمل الشيء نفسه في علاقاتك اللاحقة فإنك ستفاقم الأمر أكثر فأكثر.
إن سبب فشل علاقات كهذه ليس لأن الشخص الآخر لا يطاق، إنما لأنك لم تلحظ الخطأ الذي قمت به، أو ربما لأنك سمحت للشخص الآخر أن يفعل بك ما لا تريد. أعتقد أن أمراً كهذا كان أسهل بكثير في الماضي قياساً بوقتنا الراهن، بسبب وجود الكثير من القيم آنذاك. كنا نعتقد إننا إذا قمنا بفعل سيء فثمة
عواقب ما تنتظرنا، لأننا نؤمن أن هناك إله أو قيماً أخلاقية أو ربما لأننا عشنا فترة طويلة تحت سلطة الوالدين.
لقد فقدنا الكثير من تلك القيم الآن. أعتقد أن الخطر اليوم هو أنَّ حتى أطفالنا يفتقدون إلى وجود قيم لديهم بشأن حياة الآخرين، بل هم لا يدركون أن الحياة هي نعمة عظيمة وإن كلَّ إنسان فيها هو شيء فريد من نوعه.
هذه الأمور جميعاً مصدرها السينما والتلفزيون والكتب ووسائل الاعلام. بوسعك مشاهدة الانتخابات الرئاسية لكنك لا تستطيع تصوّر الرؤساء المتسابقين على السلطة كبشر مطلقاً. لقد تعوّدنا كثيراً على سماع الأكاذيب. الناس يخفون أكاذيبهم في التسجيلات الصوتية والجميع يشتري تلك التسجيلات. لهذا أعتقد أن العلاقات ستكون عسيرة لحين العودة إلى تلك القيم مرة أخرى.
س: يبدو أن ثيمة الفيلم شُيّدت على حدث حقيقي جرى في حياة بيرگمان منذ وقت طويل. أليس كذلك؟
لِڤ: نعم، على الرغم من أنها ليست عني (تضحك) لأن الكثير سألوني عن ذلك. لقد حدث ذلك قبل أن نتعّرف على بعضنا البعض. القصة لا تستند كلها على واقعة حقيقية. ربما جزء منها فقط، وهو ما بحثه بيرگمان في أحد كتبه. فالمرأة التي كتب عنها في مخطوطته (السكريبت) هي امرأة كانت له علاقة حب بها عام ١٩٤٩ وكل ما جرى له معها حدث بشكل واقعي. فقد ذهبا معاً إلى باريس وطلقّتْ هي زوجها وأنجبا طفلاً، لكنه هجرها فيما بعد هي والطفل من أجل امرأة أصغر سناً. هذا ليس سراً، فقد كتب هو نفسه عن هذا الموضوع. المهم في المسألة هو استجابات الشباب ممن هم تحت سن الخمسين إزاء الفيلم، لا سيما الرجال منهم، الذين كانوا أنفسهم أطفالاً لوالدين مطّلقين. لقد جاءني أحدهم يوماً وقال لي:”هذا ما حدث لي بالضبط، ولن أدع ذلك يحدث لأطفالي“. لقد أحّب إنگمار أطفاله ولكنه أصبح أباً في وقت لم يكن الرجال فيه يتعلقون كثيراً بأطفالهم.
س: هل فكرّ بيرگمان أن يُخرج هذا الفيلم بنفسه في وقت ما؟
لِڤ: كلا. لقد أعطى النص لي، وقد كان نصاً رائعاً، إلا أنه شخصي جداً!. قلت له:”ينبغي أن تخرجه أنت بنفسك“ لكنه لم يرد ذلك، والسبب كما أظن هو نوع من الإحساس بالذنب.
حين إطلعّت على السكريبت أولاً، قلت له:”لماذا لم يكن لديك أي شيء من التسامح نحو شخصية الكاتب؟“. قال:”إن الثيمة بمجملها تتحدث عن التسامح“. وهذا سبب آخر، كما أظن، حال دون قيامه في إخراجه. وبما أنني كنت حرة في التعامل مع النص فقد غفرتُ لتلك الشخصية في الفيلم. أعتقد أن من بين الأشياء العظيمة التي كتبها بيرگمان يعتبر هذا النص هو الأفضل. الحوار فيه مدروس بشكل دقيق للغاية. إنه مثل عمل شكسبيري حقاً.
س: لقد أعجبني أسلوب معالجة ثيمة الفيلم وهي تتكشف ما بين شخصية الكاتب وملهمته.
لِڤ: لقد قلتُ لجميع الممثلين أنهم سيلاحظون أن كل ما يحدث داخل ورشة العمل بين الكاتب وملهمته هو السعي الدائم لتلك المرأة الملهمة في اثبات وجهة نظرها. فقد كانت تقول دائماً أشياء مثل ”أوه، نعم، ولكنهما عاشا فيما بعد بشكل جيد، وقد كانا سعيدين“ وهذا ما كان يتعارض تماماً مع رؤية الكاتب الذي يجيبها بدوره: ”نعم، لبعض الوقت. ولكن بعد ذلك....“ وتصبح الحالة أكثر قتامة وعتمة.
المرأة الملهمة تغادر في الآخِر لأنها لا تريد أن تصبح جزءاً من القصة على الإطلاق. وهذا هو تفسيري لذلك على أية حال، وقد كان الممثلون متفقون جميعاً معي في هذا التأويل.
وهكذا كنا نعمل بهذه الطريقة. أنا لا أعرف فيما إذا كان ذلك هو هدف بيرگمان، لأننا لم نناقش السكريبت منذ استلامي إياه. إلا أنه كان مهّتماً جداً بتجربة المرأة ورؤيتها تماماً مثلما هو الكاتب في الفيلم. لقد قال لي مرة: ”الشيء المثير بالنسبة لي هو أنني لا أعرف ماذا ستفعلينه بهذا الشأن“ ولم نتحدث بعدها قط عن الفيلم.
س: شخصية المخرج ديفيد في الفيلم شخصية أقل عاطفية وتملقاً قياساً بالصورة التي رسمها له بيرگمان في النص.
لِڤ: أنت تعلم أن البعض يُظهرون أنفسهم في كتبهم وأفلامهم وفنونهم أنهم غير عاطفيين، لكن يمكن أن يكون لديهم إحساس آخر مغاير تماماً في الحياة. وثمة البعض الآخر من الناس أخفّ وطأة وألطف في الحياة لكنهم لا يعكسون ذلك في نتاجاتهم الإبداعية.
الشيء المهم هو أن يكون لديك هذا ”التسامح الذاتي“ في حياتك وليس في عملك فقط. بيرگمان لم يستطع أن يغفر لنفسه عن بعض الأشياء التي فعلها في الماضي، ولهذا السبب أظن أن بوسعه أن يغفر لشخصية ديفيد في هذا الشأن.
س: على الرغم من وجود الكثير من الأحداث المرعبة التي جرت في نهاية الفيلم لكنني مع ذلك لا زلت أشعر بالتفاؤل.
لِڤ: لقد أحسست أنا شخصياً بالتفاؤل والأمل من أجل الطفلة إيزابيل فقط. أعتقد أنها ستذلل الصعاب وستستخدم كل تلك الخبرة بطريقة إيجابية. إنها
تمتلك كل تلك الأسرار التي اكتسبتها من هؤلاء الكبار والتي ينبغي عليها أن تضطلع بها.
أعتقد أن إيزابيل ونحن المتفرجون أيضاً، نعرف جيداً إن ما فعله هؤلاء الكبار كان شيئاً خاطئاً، وينبغي أن نعتبره نوعاً من التحذير، على الرغم من أننا نأمل أن لا تكون حياتنا دراماتيكية تماماً هكذا. (تضحك).
إذا لم يكن لديك حرصاً على الناس الذين يجاورونك ويحيطون بك سوف يتقوض شيء ما في أعماقك. لهذا ينبغي على المرء أن يُحّب بإجلال هائل، وأن تكون لديه اعتبارات خاصة جداً لهذا الحُّب.
س: هل كان لديك فكرة حول صعوبة الكيفية التي سيصّور فيها سيناريو كهذا، فهو يبدو كما لو إنه نص مسرحي في نواحي كثيرة.
لِڤ: النص صعب وشائك حقاً لأنه عبارة عن سلسلة من المونولوجات لا غير. لقد أنفقت أكثر من عام في العمل عليه قبل أن أصل إلى معرفة الطريقة التي سأنجزه بها.
كان يصعب عليّ في بعض الأحيان حتى أن أفسر للممثلين الكيفية التي أتخيلها عنه، لأنه كان معقداً جداً، إلا إنهم رغم كل ذلك قد وضعوا ثقتهم فيّ حقاً، وساعدوني على إنجاحه.
س: الممثل إيرلاند جوزيفسون لعب معكِ أدواراً كممثلة في معظم أفلام بيرگمان ومن بعد لعب أدواراً في أفلامك كمخرجة. ما هي نوعية التجربة التي خضتها معه في كلا الميدانين التمثيل والإخراج؟
لِڤ: حسناً، إيرلاند هو واحد من أعز أصدقائي، ونحن نعرف بعضنا البعض منذ خمسة وثلاثين عاماً إن لم يكن أكثر. وهو الوحيد الذي أثار خوفي وقلقي حين لعبتُ دور المخرجة معه، لأننا كنا قد تعودنا حين كنا نمثل معاً على التحدث عن المخرج بشكل سيء في فترات الاستراحة، وكنا نتقاسم كل تلك الأسرار الصغيرة الرائعة. لا أعرف فيما إذا كانوا يتحدثون الآن عني بسوء أنا أيضاً. المهم، فجأة أنا المخرجة و إيرلاند جوزفينسون الممثل.
على كل حال، كان إيرلاند كعادته رائعاً معي كممثل، وقد تحوّل في كثير من الأدوار التي لعبها معي، كمخرجة، إلى مصغٍ ودودْ. لقد كان أداؤه جديداً ويختلف تماماً عن الطريقة التي كان يؤدي بها حين كنا نمثّل معاً.
لقد لعب في جميع الأفلام الأربعة التي أخرجتها، وأنا لا أستطيع حقاً رؤية موقع التصوير بدونه. إنه إنسان رائع جداً. لقد كان كل شيء يسير بشكل رائع بسببه. أن يلعب إيرلاند في أفلامي هو شيء أفخر به حقاً.
س: مَن مِن المخرجين الآخرين الذين تركوا بصماتهم على أفلامك عدا بيرگمان؟
لِڤ: ”جان ترول“ (**) بالطبع هو مخرجي المفضل بعد بيرگمان لأنه كان يجمع بين كونه مصوراً سينمائياً ومخرج في نفس الوقت. جان لا يتكلم كثيراً لكنه حين يشتغل المشهد يبدو لك كما لو أنه يكتب شعراً عبر كاميرته. إنه يمنح ممثله كامل الحرية أثناء العمل، وبعدها ينتقي ما يشاء. إنه شخص قد كرّس نفسه لهذا الفن وهو إنسان وفنان لا يُصَّدق. ليس لديه أي طموح سوى أن يُنجز فيلماً مميزاً ورائعاً. لهذا السبب، أظن، أنه لم يستطع إخراج أفلاماً كثيرة في هوليوود. ومع ذلك فهو لازال يعمل الكثير من الأفلام في السويد. لكن الشيء الغريب الذي أثار دهشتي كثيراً بالطبع هو أن أسمع الكثير في السويد يتحدثون عن فيلم”الخائن“
أنه فيلم يتضمن بصمات كثيرة من جان ترول!. ومع ذلك، دعني أكرّر ما قلته لك قبل قليل أنني تعلمّت من حفنة من المخرجين الرديئين الذين عملت معهم أكثر بكثير مما تعلمته من أي شيء آخر.
س: هل لديكِ مشروع ما في الوقت الراهن؟
لِڤ: لديَّ مخطوطات عديدة ترقد هناك، وأود أخذ فترة استراحة لأرى ما أريد القيام به. أظن أن الفكرة الأكثر قرباً لي الآن هي عمل فيلم مقتبس عن مسرحية ”بيت الدمية“ لهنريك إبسن.
س: في الختام، ما هي المشورة التي يمكن أن تسديها إلى المخرج السينمائي المبتدىء؟
لِڤ: أقول له، عليك أن تؤمن بنفسك أولاً ولا تدع الآخرين يؤثرون عليك. ثمة الكثير ممن حولك من يحاول أن يثبط عزيمتك، ليمنح نفسه القوة والسيطرة، فلا تصغي له. ثق بنفسك حقاً. إن أكثر الناس الذين سيقفون إلى جانبك هم الممثلون، ولذا عليك أن تكسبهم إلى صفك، لأن عكس ذلك سيكون المستحيل.
الشيء الآخر هو أن عليك أن تنتقي أفضل المصورين قدر ما تستطيع. لا تدع أحداً ما يحاول أن يسير فوقك. الشيء الأول الذي يفعلونه حين تكون مبتدئاً، وهذه قد مررت بها أنا شخصياً، هو أنهم يحاولون أن يجلسوا فوقك. تذّكر فقط أن تُظهر للممثلين أنهم الأّهم في موقع التصوير. أن تمنحهم فسحة واسعة كي يبدعوا، وأن لا تكون عبداً لما خططت له أو فكرت به في المنزل. احترمهم وكن معجباً بهم، بل كن أفضل متفرج وأفضل عاشق لهم، وسوف لن تفشل!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
(*)
هوليوود إنترفيو. مجلة فينيسيا ويبسايت. لِڤ أولمان: الحفاظ على الثقة!..أليكس سيمون
(**)
جان غوستاف ترول (١٩٣١)
مخرج ومصور سينمائي سويدي لعبت ليف أولمان دور كريستينا في فيلمه (المهاجرون) ١٩٧١. عُرف عن ترول أنه عادة ما يقوم بكتابة سيناريوهات أفلامه ثم تصويرها وإخراجها. الصفة التي وسمت أفلامه الواقعية هو شعريتها التي تُبرز سحر الطبيعة وهي التي وضعته في الصف الأول من المخرجين السينمائيين جنبا إلى جنب بيرگمان وبوديربيرغ.
”حين وقفت خلف الكاميرا عرفت تماماً أهمية أن تكون ممثلاً“!.
ترجمة وتقديم علي كامل
”شيء رائع أن تذهب لمشاهدة فيلم لغرض التسلية. لكن في بعض الأحيان شيء رائع أيضاً أن تذهب لا لكي تتسلى فقط بقدر ما تُثار داخلياً، لتخرج من قاعة العرض وتقول: (ماذا يعني هذا الفيلم؟ ما هي القيم التي يطرحها؟) أو من الممكن أن تغضب وتنزعج أو ربما تهدأ وتقول: (سوف أصمت قليلاً ولن أتكلم لبعض الوقت). وهذا هو بالضبط ما ينبغي على المُشاهد أن يفعله إزاء الفيلم. ينبغي أن يكون مبدعاً أيضاً وعليه أن يعثر على أشياء في الفيلم لم يفكر بها الكاتب أو المخرج أو الممثل مطلقاً“ لِڤ أولمان
(لِڤ أولمان مخرجة)!
إن آخر دور لعبته لِڤ أولمان كممثلة هو شخصية الجّدة في فيلم ”عبر زجاج معتم“ ٢٠٠8 (إخراج جيسبار نيلسون) وهو مسك الختام لممثلة أمضت ستة وأربعين عاماً تقف أمام الكاميرا لتنتقل إلى الوقوف خلفها هذه المرة ليس كممثلة إنما كمخرجة. تقول أولمان في هذا الصدد: ”حين وقفت خلف الكاميرا عرفت تماماً أهمية أن تكون ممثلاً“!.
بوصفها مخرجة، أنجزت أولمان خمسة أفلام روائية هي:
ـ حُبْ (١٩٨٢) سيناريو وإخراج.
ـ صوفيا (١٩٩٢) سيناريو وإخراج.
ـ كريستين لافرانسداتار (١٩٩٦) سيناريو وإخراج.
ـ اعترافات خاصة. مسلسل تلفزيوني (١٩٩٦) عن مخطوطة لبيرگمان.
ـ الخائن (٢٠٠٠) عن مخطوطة سيناريو لبيرگمان.
أما في ميدان الإخراج المسرحي فقد أنجزت عام ٢٠٠٩ عرضاً مميزاً لمسرحية تينيسي وليامز ”عربة اسمها الرغبة“ لعبت فيها كل من الممثلة الاسترالية كيت بلانشيت والبريطانية كيت وينسل الدورين الرئيسيين. الجدير بالذكر أن أولمان كانت قد لعبت الدور الرئيسي في هذه المسرحية لأول مرة عام ١٩٧٥على مسارح برودواي.
الحفاظ على الثقة!.
هذا نص المقابلة التي أجراها أليكس سيمون مع أولمان في صفحة هوليوود إنترفيو في مجلة ”فينيسيا وبسايت“
أنا لا أسير تحت ظلال بيرگمان إنما أستنير بضيائه (**)
القسم الثاني
(استكمال المقابلة)
س: لقد تحدّثتِ عن الشجار المستديم بين أنگريد بيرگمان وإنگمار بيرگمان بشأن النص. كيف تعاملتِ كمخرجة مع المخطوطة التي كتبها أنگمار لفيلم ”الخائن“؟
لِڤ: لم أغيّر كلمةً واحدة منه. لكن ثمة الكثير من الاشياء تم استبعادها بالطبع وإلا سيستغرق طول الفيلم ستة ساعات. كنت أتمتع بحرية مطلقة في عملي مع النص، إلا إنني لم أغيّر كلمة واحدة منه. وبما إنني لست المؤلفة، لذا لم يكن لزاماً علّيّ الدفاع عن تلك الكلمات لأنها كانت موجودة أصلاً في النص.
أما بشأن ما كان يحدث بين أنگريد وأنگمار من مشاحنات حول النص، فأظن أن أنگمار ربما كان يشعر بالألم حين كانت تتحدث أنگريد معه بتلك الطريقة. أما بالنسبة لي، فقد كنت أتمتع بكامل حريتي في كتابة السيناريو التنفيذي (shooting Script) لنص الفيلم لأن النص الذي كتبه بيرگمان كان عبارة عن مونولوغ واحد طويل.
لقد أراد مني هو أن أكتب السيناريو التنفيذي، وهذا ما فعلته تماما مثلما جُسّد في الفيلم، لأنه أراد شخصية المرأة أن تطرح وجهة نظرها حول ما جرى له في الماضي. لقد سمحت لنفسي أن أنعم بحريتي كاملة وليس لأسأله عما إذا كنتُ قد فعلت ما كان يريده.
س: هل حضر إلى موقع التصوير؟
لِڤ: جاء فقط في اليوم الأخير من التصوير والتقط بعض الصور الفوتوغرافية. كان ذلك شيئاً رائعاً منه، شيئاً مفعماً بالثقة تماماً. لقد استغرقتْ المرحلة التي سبقت تصوير الفيلم (pre-production) عاماً تقريباً، لكنه مع ذلك لم يسأل عن أي شيء مطلقاً. لم يأتِ إلى موقع التصوير أو إلى طاولة المونتاج وهذا ما أثار إعجابي به.
أنا شخصياً لا أستطيع فعل ذلك، لكنه فعلها.!. لقد كان شجاعاً وكريماً في اظهار تلك الثقة بي. وأنا بدوري، كنت مخلصة وأمينة للنص، ولم أفعل أشياءً كنت أعتقد أنها ستكون ضد نواياه.
س: لنتحّدث الآن عن فيلم ”الخائن“. الفيلم يعالج الكثير من الموضوعات التي سبق لبيرگمان أن تناولها في أفلام أخرى لا سيما تلك العلاقات المحكوم عليها بالإخفاق بين الرجال والنساء. ما رأيك؟
لِڤ: نعم. وأوّد أن يشمل ذلك جميع أنواع العلاقات، ليس علاقات الرجال بالنساء فحسب، إنما علاقات الرجال بالرجال، النساء بالنساء، علاقات الأطفال بالآباء...إلخ.
القضية تكمن في الخيارات، وإذا لم ننظر إلى تلك الخيارات بعمق فإن معظم العلاقات محكوم عليها بالإخفاق، حتى لو بقي الناس يعيشون معاً تحت سقف واحد.
إذا كنت لا تتحمل مسؤولية الشخص الآخر، وإذا لم تفكر مطلقاً بأي شيء تشارك فيه الآخرين فسيكون ثمة حاجزاً حتماً. إذا لم تستطع فصل ذلك الحاجز وواصلت عمل الشيء نفسه في علاقاتك اللاحقة فإنك ستفاقم الأمر أكثر فأكثر.
إن سبب فشل علاقات كهذه ليس لأن الشخص الآخر لا يطاق، إنما لأنك لم تلحظ الخطأ الذي قمت به، أو ربما لأنك سمحت للشخص الآخر أن يفعل بك ما لا تريد. أعتقد أن أمراً كهذا كان أسهل بكثير في الماضي قياساً بوقتنا الراهن، بسبب وجود الكثير من القيم آنذاك. كنا نعتقد إننا إذا قمنا بفعل سيء فثمة
عواقب ما تنتظرنا، لأننا نؤمن أن هناك إله أو قيماً أخلاقية أو ربما لأننا عشنا فترة طويلة تحت سلطة الوالدين.
لقد فقدنا الكثير من تلك القيم الآن. أعتقد أن الخطر اليوم هو أنَّ حتى أطفالنا يفتقدون إلى وجود قيم لديهم بشأن حياة الآخرين، بل هم لا يدركون أن الحياة هي نعمة عظيمة وإن كلَّ إنسان فيها هو شيء فريد من نوعه.
هذه الأمور جميعاً مصدرها السينما والتلفزيون والكتب ووسائل الاعلام. بوسعك مشاهدة الانتخابات الرئاسية لكنك لا تستطيع تصوّر الرؤساء المتسابقين على السلطة كبشر مطلقاً. لقد تعوّدنا كثيراً على سماع الأكاذيب. الناس يخفون أكاذيبهم في التسجيلات الصوتية والجميع يشتري تلك التسجيلات. لهذا أعتقد أن العلاقات ستكون عسيرة لحين العودة إلى تلك القيم مرة أخرى.
س: يبدو أن ثيمة الفيلم شُيّدت على حدث حقيقي جرى في حياة بيرگمان منذ وقت طويل. أليس كذلك؟
لِڤ: نعم، على الرغم من أنها ليست عني (تضحك) لأن الكثير سألوني عن ذلك. لقد حدث ذلك قبل أن نتعّرف على بعضنا البعض. القصة لا تستند كلها على واقعة حقيقية. ربما جزء منها فقط، وهو ما بحثه بيرگمان في أحد كتبه. فالمرأة التي كتب عنها في مخطوطته (السكريبت) هي امرأة كانت له علاقة حب بها عام ١٩٤٩ وكل ما جرى له معها حدث بشكل واقعي. فقد ذهبا معاً إلى باريس وطلقّتْ هي زوجها وأنجبا طفلاً، لكنه هجرها فيما بعد هي والطفل من أجل امرأة أصغر سناً. هذا ليس سراً، فقد كتب هو نفسه عن هذا الموضوع. المهم في المسألة هو استجابات الشباب ممن هم تحت سن الخمسين إزاء الفيلم، لا سيما الرجال منهم، الذين كانوا أنفسهم أطفالاً لوالدين مطّلقين. لقد جاءني أحدهم يوماً وقال لي:”هذا ما حدث لي بالضبط، ولن أدع ذلك يحدث لأطفالي“. لقد أحّب إنگمار أطفاله ولكنه أصبح أباً في وقت لم يكن الرجال فيه يتعلقون كثيراً بأطفالهم.
س: هل فكرّ بيرگمان أن يُخرج هذا الفيلم بنفسه في وقت ما؟
لِڤ: كلا. لقد أعطى النص لي، وقد كان نصاً رائعاً، إلا أنه شخصي جداً!. قلت له:”ينبغي أن تخرجه أنت بنفسك“ لكنه لم يرد ذلك، والسبب كما أظن هو نوع من الإحساس بالذنب.
حين إطلعّت على السكريبت أولاً، قلت له:”لماذا لم يكن لديك أي شيء من التسامح نحو شخصية الكاتب؟“. قال:”إن الثيمة بمجملها تتحدث عن التسامح“. وهذا سبب آخر، كما أظن، حال دون قيامه في إخراجه. وبما أنني كنت حرة في التعامل مع النص فقد غفرتُ لتلك الشخصية في الفيلم. أعتقد أن من بين الأشياء العظيمة التي كتبها بيرگمان يعتبر هذا النص هو الأفضل. الحوار فيه مدروس بشكل دقيق للغاية. إنه مثل عمل شكسبيري حقاً.
س: لقد أعجبني أسلوب معالجة ثيمة الفيلم وهي تتكشف ما بين شخصية الكاتب وملهمته.
لِڤ: لقد قلتُ لجميع الممثلين أنهم سيلاحظون أن كل ما يحدث داخل ورشة العمل بين الكاتب وملهمته هو السعي الدائم لتلك المرأة الملهمة في اثبات وجهة نظرها. فقد كانت تقول دائماً أشياء مثل ”أوه، نعم، ولكنهما عاشا فيما بعد بشكل جيد، وقد كانا سعيدين“ وهذا ما كان يتعارض تماماً مع رؤية الكاتب الذي يجيبها بدوره: ”نعم، لبعض الوقت. ولكن بعد ذلك....“ وتصبح الحالة أكثر قتامة وعتمة.
المرأة الملهمة تغادر في الآخِر لأنها لا تريد أن تصبح جزءاً من القصة على الإطلاق. وهذا هو تفسيري لذلك على أية حال، وقد كان الممثلون متفقون جميعاً معي في هذا التأويل.
وهكذا كنا نعمل بهذه الطريقة. أنا لا أعرف فيما إذا كان ذلك هو هدف بيرگمان، لأننا لم نناقش السكريبت منذ استلامي إياه. إلا أنه كان مهّتماً جداً بتجربة المرأة ورؤيتها تماماً مثلما هو الكاتب في الفيلم. لقد قال لي مرة: ”الشيء المثير بالنسبة لي هو أنني لا أعرف ماذا ستفعلينه بهذا الشأن“ ولم نتحدث بعدها قط عن الفيلم.
س: شخصية المخرج ديفيد في الفيلم شخصية أقل عاطفية وتملقاً قياساً بالصورة التي رسمها له بيرگمان في النص.
لِڤ: أنت تعلم أن البعض يُظهرون أنفسهم في كتبهم وأفلامهم وفنونهم أنهم غير عاطفيين، لكن يمكن أن يكون لديهم إحساس آخر مغاير تماماً في الحياة. وثمة البعض الآخر من الناس أخفّ وطأة وألطف في الحياة لكنهم لا يعكسون ذلك في نتاجاتهم الإبداعية.
الشيء المهم هو أن يكون لديك هذا ”التسامح الذاتي“ في حياتك وليس في عملك فقط. بيرگمان لم يستطع أن يغفر لنفسه عن بعض الأشياء التي فعلها في الماضي، ولهذا السبب أظن أن بوسعه أن يغفر لشخصية ديفيد في هذا الشأن.
س: على الرغم من وجود الكثير من الأحداث المرعبة التي جرت في نهاية الفيلم لكنني مع ذلك لا زلت أشعر بالتفاؤل.
لِڤ: لقد أحسست أنا شخصياً بالتفاؤل والأمل من أجل الطفلة إيزابيل فقط. أعتقد أنها ستذلل الصعاب وستستخدم كل تلك الخبرة بطريقة إيجابية. إنها
تمتلك كل تلك الأسرار التي اكتسبتها من هؤلاء الكبار والتي ينبغي عليها أن تضطلع بها.
أعتقد أن إيزابيل ونحن المتفرجون أيضاً، نعرف جيداً إن ما فعله هؤلاء الكبار كان شيئاً خاطئاً، وينبغي أن نعتبره نوعاً من التحذير، على الرغم من أننا نأمل أن لا تكون حياتنا دراماتيكية تماماً هكذا. (تضحك).
إذا لم يكن لديك حرصاً على الناس الذين يجاورونك ويحيطون بك سوف يتقوض شيء ما في أعماقك. لهذا ينبغي على المرء أن يُحّب بإجلال هائل، وأن تكون لديه اعتبارات خاصة جداً لهذا الحُّب.
س: هل كان لديك فكرة حول صعوبة الكيفية التي سيصّور فيها سيناريو كهذا، فهو يبدو كما لو إنه نص مسرحي في نواحي كثيرة.
لِڤ: النص صعب وشائك حقاً لأنه عبارة عن سلسلة من المونولوجات لا غير. لقد أنفقت أكثر من عام في العمل عليه قبل أن أصل إلى معرفة الطريقة التي سأنجزه بها.
كان يصعب عليّ في بعض الأحيان حتى أن أفسر للممثلين الكيفية التي أتخيلها عنه، لأنه كان معقداً جداً، إلا إنهم رغم كل ذلك قد وضعوا ثقتهم فيّ حقاً، وساعدوني على إنجاحه.
س: الممثل إيرلاند جوزيفسون لعب معكِ أدواراً كممثلة في معظم أفلام بيرگمان ومن بعد لعب أدواراً في أفلامك كمخرجة. ما هي نوعية التجربة التي خضتها معه في كلا الميدانين التمثيل والإخراج؟
لِڤ: حسناً، إيرلاند هو واحد من أعز أصدقائي، ونحن نعرف بعضنا البعض منذ خمسة وثلاثين عاماً إن لم يكن أكثر. وهو الوحيد الذي أثار خوفي وقلقي حين لعبتُ دور المخرجة معه، لأننا كنا قد تعودنا حين كنا نمثل معاً على التحدث عن المخرج بشكل سيء في فترات الاستراحة، وكنا نتقاسم كل تلك الأسرار الصغيرة الرائعة. لا أعرف فيما إذا كانوا يتحدثون الآن عني بسوء أنا أيضاً. المهم، فجأة أنا المخرجة و إيرلاند جوزفينسون الممثل.
على كل حال، كان إيرلاند كعادته رائعاً معي كممثل، وقد تحوّل في كثير من الأدوار التي لعبها معي، كمخرجة، إلى مصغٍ ودودْ. لقد كان أداؤه جديداً ويختلف تماماً عن الطريقة التي كان يؤدي بها حين كنا نمثّل معاً.
لقد لعب في جميع الأفلام الأربعة التي أخرجتها، وأنا لا أستطيع حقاً رؤية موقع التصوير بدونه. إنه إنسان رائع جداً. لقد كان كل شيء يسير بشكل رائع بسببه. أن يلعب إيرلاند في أفلامي هو شيء أفخر به حقاً.
س: مَن مِن المخرجين الآخرين الذين تركوا بصماتهم على أفلامك عدا بيرگمان؟
لِڤ: ”جان ترول“ (**) بالطبع هو مخرجي المفضل بعد بيرگمان لأنه كان يجمع بين كونه مصوراً سينمائياً ومخرج في نفس الوقت. جان لا يتكلم كثيراً لكنه حين يشتغل المشهد يبدو لك كما لو أنه يكتب شعراً عبر كاميرته. إنه يمنح ممثله كامل الحرية أثناء العمل، وبعدها ينتقي ما يشاء. إنه شخص قد كرّس نفسه لهذا الفن وهو إنسان وفنان لا يُصَّدق. ليس لديه أي طموح سوى أن يُنجز فيلماً مميزاً ورائعاً. لهذا السبب، أظن، أنه لم يستطع إخراج أفلاماً كثيرة في هوليوود. ومع ذلك فهو لازال يعمل الكثير من الأفلام في السويد. لكن الشيء الغريب الذي أثار دهشتي كثيراً بالطبع هو أن أسمع الكثير في السويد يتحدثون عن فيلم”الخائن“
أنه فيلم يتضمن بصمات كثيرة من جان ترول!. ومع ذلك، دعني أكرّر ما قلته لك قبل قليل أنني تعلمّت من حفنة من المخرجين الرديئين الذين عملت معهم أكثر بكثير مما تعلمته من أي شيء آخر.
س: هل لديكِ مشروع ما في الوقت الراهن؟
لِڤ: لديَّ مخطوطات عديدة ترقد هناك، وأود أخذ فترة استراحة لأرى ما أريد القيام به. أظن أن الفكرة الأكثر قرباً لي الآن هي عمل فيلم مقتبس عن مسرحية ”بيت الدمية“ لهنريك إبسن.
س: في الختام، ما هي المشورة التي يمكن أن تسديها إلى المخرج السينمائي المبتدىء؟
لِڤ: أقول له، عليك أن تؤمن بنفسك أولاً ولا تدع الآخرين يؤثرون عليك. ثمة الكثير ممن حولك من يحاول أن يثبط عزيمتك، ليمنح نفسه القوة والسيطرة، فلا تصغي له. ثق بنفسك حقاً. إن أكثر الناس الذين سيقفون إلى جانبك هم الممثلون، ولذا عليك أن تكسبهم إلى صفك، لأن عكس ذلك سيكون المستحيل.
الشيء الآخر هو أن عليك أن تنتقي أفضل المصورين قدر ما تستطيع. لا تدع أحداً ما يحاول أن يسير فوقك. الشيء الأول الذي يفعلونه حين تكون مبتدئاً، وهذه قد مررت بها أنا شخصياً، هو أنهم يحاولون أن يجلسوا فوقك. تذّكر فقط أن تُظهر للممثلين أنهم الأّهم في موقع التصوير. أن تمنحهم فسحة واسعة كي يبدعوا، وأن لا تكون عبداً لما خططت له أو فكرت به في المنزل. احترمهم وكن معجباً بهم، بل كن أفضل متفرج وأفضل عاشق لهم، وسوف لن تفشل!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
(*)
هوليوود إنترفيو. مجلة فينيسيا ويبسايت. لِڤ أولمان: الحفاظ على الثقة!..أليكس سيمون
(**)
جان غوستاف ترول (١٩٣١)
مخرج ومصور سينمائي سويدي لعبت ليف أولمان دور كريستينا في فيلمه (المهاجرون) ١٩٧١. عُرف عن ترول أنه عادة ما يقوم بكتابة سيناريوهات أفلامه ثم تصويرها وإخراجها. الصفة التي وسمت أفلامه الواقعية هو شعريتها التي تُبرز سحر الطبيعة وهي التي وضعته في الصف الأول من المخرجين السينمائيين جنبا إلى جنب بيرگمان وبوديربيرغ.