ابن الباشا.. رسام الفلاحين
سعد القاسم
عودة إلى التشكيلي المصري الراحل محمود سعيد الذي تحدثت زاوية الأسبوع الفائت عن شهرته (الطارئة) بين الجمهور العربي، بعد أن بيعت لوحته (الشواديف) في مزاد علني بمبلغ تجاوز المليونين وأربعمئة ألف دولار. وهو مبلغ تخطى قيمتها التقديرية بأكثر من عشرة أضعاف، مما يقود الحديث باتجاه أساليب المسوقين وصالات العرض والمزادات في بيع المقتنيات الفنية، خاصة حين يكون المشتري مجهولاً، وهو موضوع واسع ومتشعب يؤدي التورط فيه إلى الانشغال بما هو أقل أهمية، وأعني التحدث عن العمل الفني كسلعة عادية تكتسب أهميتها من سعر بيعها، بدلاً من الحديث عن قيمته الإبداعية والثقافية، وحتى التاريخية.
يعد محمود سعيد رائد فن التصوير المصري الحديث، كما يعد محمود مختار رائد فن النحت الحديث في مصر، ويختلف الاثنان في جذورهما الاجتماعية، إلا أنهما يلتقيان عند استلهام البيئة المحلية بعملهما الإبداعي بما تتضمنه تلك البيئة من خصوصية الطبيعة وحياة الناس ضمنها. ولد عام 1897 بمدينة الإسكندرية منتمياَ لعائلة ثرية فألحقه والده محمد باشا سعيد، رئيس وزراء مصر حينذاك، بالمدارس الأجنبية ثم بالمدرسة السعيدية بالقاهرة لمدة عام واحد، ثم بمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية حتى حصوله على شهادة البكالوريا عام 1915. حيث أنتسب إلى كلية الحقوق وتخرج منها عام 1919 وسافر لباريس لاستكمال دراسته العليا للقانون فأغتنم هذه الفرصة ودرس بالقسم الحر بأكاديمية جراند شومبير ومرسم الكوخ الكبير وأكاديمية جوليان بباريس وانشغل بتأمل ومشاهده الثروات الفنية في متاحف باريس ومعارضها، وبالقراءة حول تاريخ الفن في كل من ايطاليا وفرنسا وبريطانيا. ثم عاد لمصر عام 1922 للعمل بالسلك القضائي وترقى به حتى وصل لمنصب مستشار بمحكمة الاستئناف ولكنه قرر اعتزال العمل القضائي عام 1947والتفرغ التام للإبداع الفني وحده. وتوفي عام 1964 في نفس يوم ميلاده بعد 67 عاماً حافلة بالعمل في سلك القضاء وبالإبداع الفني والتجوال في أنحاء العالم والشهرة العريضة.
لم يحل منبته الاجتماعي من اهتمامه بالطبقات الشعبية في مصر حيث صور الحياة في شوارع مدينته الإسكندرية وحاراتها، كما صور نساءها في عدة لوحات شهيرة مؤكداً على القيمة الجمالية الخاصة التي تميز وجوههن وقوامهن وشكل ثيابهن. وفي الوقت ذاته استحوذت حياة الفلاحين على إعجابه فصورها في عدد كبير من اللوحات كان منها لوحة (الشواديف) التي أشير إليها سابقاً، وهي نوع من مضخات الماء المحلية يرفع بها الفلاحون المصريون مياه النيل لري أراضيهم.
كان لمشاهد الطبيعة حيز واسع من اهتمامه فصور النيل عند أسوان، ومناطق عدة من لبنان وأوربا. وبالمقابل صور الوجه الآخر للحياة في مدينته فكانت لوحات السابحات في البحر والمرقص ووجهيات (بورتريهات) أبناء الطبقة الثرية. ومع أنه كان يرسم لوحات الطبيعة في مرسمه، فقد جاءت تلك اللوحات وافرة الحيوية أهم ما يميزها الضوء الغامر المتقن الذي يحدد معالمها حتى يصح وصفه بفنان الضوء.
إحدى أشهر لوحاته (حفل افتتاح قناة السويس) التي أنجزها عام 1947 وصور فيها الخديوي وضيوفه الملوك والأمراء، لكن هذه اللوحة - وسواها- لم تكن لتحوله إلى رسام للقصر بنظر ثورة 23 يوليو (تموز)، فكان أول فنان تشكيلي ينال جائزة الدولة التقديرية للفنون، وسلمه إياها عام 1960 الرئيس جمال عبد الناصر.
سعد القاسم
عودة إلى التشكيلي المصري الراحل محمود سعيد الذي تحدثت زاوية الأسبوع الفائت عن شهرته (الطارئة) بين الجمهور العربي، بعد أن بيعت لوحته (الشواديف) في مزاد علني بمبلغ تجاوز المليونين وأربعمئة ألف دولار. وهو مبلغ تخطى قيمتها التقديرية بأكثر من عشرة أضعاف، مما يقود الحديث باتجاه أساليب المسوقين وصالات العرض والمزادات في بيع المقتنيات الفنية، خاصة حين يكون المشتري مجهولاً، وهو موضوع واسع ومتشعب يؤدي التورط فيه إلى الانشغال بما هو أقل أهمية، وأعني التحدث عن العمل الفني كسلعة عادية تكتسب أهميتها من سعر بيعها، بدلاً من الحديث عن قيمته الإبداعية والثقافية، وحتى التاريخية.
يعد محمود سعيد رائد فن التصوير المصري الحديث، كما يعد محمود مختار رائد فن النحت الحديث في مصر، ويختلف الاثنان في جذورهما الاجتماعية، إلا أنهما يلتقيان عند استلهام البيئة المحلية بعملهما الإبداعي بما تتضمنه تلك البيئة من خصوصية الطبيعة وحياة الناس ضمنها. ولد عام 1897 بمدينة الإسكندرية منتمياَ لعائلة ثرية فألحقه والده محمد باشا سعيد، رئيس وزراء مصر حينذاك، بالمدارس الأجنبية ثم بالمدرسة السعيدية بالقاهرة لمدة عام واحد، ثم بمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية حتى حصوله على شهادة البكالوريا عام 1915. حيث أنتسب إلى كلية الحقوق وتخرج منها عام 1919 وسافر لباريس لاستكمال دراسته العليا للقانون فأغتنم هذه الفرصة ودرس بالقسم الحر بأكاديمية جراند شومبير ومرسم الكوخ الكبير وأكاديمية جوليان بباريس وانشغل بتأمل ومشاهده الثروات الفنية في متاحف باريس ومعارضها، وبالقراءة حول تاريخ الفن في كل من ايطاليا وفرنسا وبريطانيا. ثم عاد لمصر عام 1922 للعمل بالسلك القضائي وترقى به حتى وصل لمنصب مستشار بمحكمة الاستئناف ولكنه قرر اعتزال العمل القضائي عام 1947والتفرغ التام للإبداع الفني وحده. وتوفي عام 1964 في نفس يوم ميلاده بعد 67 عاماً حافلة بالعمل في سلك القضاء وبالإبداع الفني والتجوال في أنحاء العالم والشهرة العريضة.
لم يحل منبته الاجتماعي من اهتمامه بالطبقات الشعبية في مصر حيث صور الحياة في شوارع مدينته الإسكندرية وحاراتها، كما صور نساءها في عدة لوحات شهيرة مؤكداً على القيمة الجمالية الخاصة التي تميز وجوههن وقوامهن وشكل ثيابهن. وفي الوقت ذاته استحوذت حياة الفلاحين على إعجابه فصورها في عدد كبير من اللوحات كان منها لوحة (الشواديف) التي أشير إليها سابقاً، وهي نوع من مضخات الماء المحلية يرفع بها الفلاحون المصريون مياه النيل لري أراضيهم.
كان لمشاهد الطبيعة حيز واسع من اهتمامه فصور النيل عند أسوان، ومناطق عدة من لبنان وأوربا. وبالمقابل صور الوجه الآخر للحياة في مدينته فكانت لوحات السابحات في البحر والمرقص ووجهيات (بورتريهات) أبناء الطبقة الثرية. ومع أنه كان يرسم لوحات الطبيعة في مرسمه، فقد جاءت تلك اللوحات وافرة الحيوية أهم ما يميزها الضوء الغامر المتقن الذي يحدد معالمها حتى يصح وصفه بفنان الضوء.
إحدى أشهر لوحاته (حفل افتتاح قناة السويس) التي أنجزها عام 1947 وصور فيها الخديوي وضيوفه الملوك والأمراء، لكن هذه اللوحة - وسواها- لم تكن لتحوله إلى رسام للقصر بنظر ثورة 23 يوليو (تموز)، فكان أول فنان تشكيلي ينال جائزة الدولة التقديرية للفنون، وسلمه إياها عام 1960 الرئيس جمال عبد الناصر.