المراقبون» نموذج للعنف في أفلام صادمه للواقع
«سينماتوغراف» ـ ملكة أمينكل منا له حلمه الشخصي، أن يرتبط بهدف، أو ينتمي لمكان، أو يحقق صفات الفرسان، ولكن ما أن تبدأ ملامح هذا الحلم في الظهور، حتى نكتشف أن الصورة التي رسمناها بخيالنا بعيدة تماما عن الواقع، الذي أصبح مجالا خصبا لكل درجات الألوان، ما عدا الأبيض الذي أختفي تماما تحت الأقنعة والملابس الداكنة الحاجبة لما في الصدور، ومع الحياة الصارمة والعزلة الاختيارية عن مفردات العالم العادي، وبمواصفات الأبطال الخارقين لا يتوارى الإنسان عن طباعه الدنيوية، فهناك الأنانية والكذب والغيرة والرغبة في التسلط والقسوة والتمرد، ومن كل هذه الطباع صنع المخرج «زاك سنايدر» فيلمه «المراقبون Watchmen».ينتمي هذا العمل لنوعية السسبنس السياسي حيث يتخذ من الحرب الباردة في ثمانينيات القرن الماضي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي محورا وخلفية لمغامرات ومشاهد مطاردات يخوضها مجموعة من الأشخاص الخارقين والملثمين يخفون هوياتهم ويطلق عليهم المراقبون، ومثل كثير من الأفلام التجارية الكبرى في تكلفتها وإنتاجها ـ تكلف الفيلم 120 مليون دولار، وذلك من أجل أن يكافح هؤلاء الملثمون الجرائم التي انتشرت في الولايات المتحدة وقت اشتداد الحرب الباردة، خاصة بعد مصرع أحدهم، ويحاولون مثل أبطال هذه النوعية من الأفلام تحقيق التوازن والأمان في العالم الذي يسوده الفوضى والتهديد باستخدام الأسلحة النووية وشن حرب عالمية ثالثة أشد قسوة من سابقتيها.استعان «زاك سنايدر» في إخراجه للفيلم بنفس الفريق الفني الذي عاونه من قبل في فيلم «300» وأبرزهم منفذ الإنتاج ومدير التصوير ومصمم الأزياء، وكتب السيناريو «أليكس تسى» و«ديفيد هايتر» وهو مأخوذ عن كنتاب مصور «كوميكس» لـ«ديف غيبسون» والذي صدر ضمن سلسلة ضمت 12 كتابا وحققت نجاحا كبيرا ونشرت في عامي ٨٦ و١٩٨٧ واختارتها مجلة «تايم» عام 2005 ضمن قائمة أفضل الكتب باللغة الانجليزية منذ عام 1923 وحتى 2005.وجاء تقديم الفيلم في إطار استمرارا هوليوود لإنتاج أفلام مأخوذة عن الكتب المصورة التي تعتمد على الأبطال الخارقين، والتي حققت الأعمال المقدمة عنها نجاحا تجاريا كبيرا في جميع أنحاء العالم.وحرص «سنايدر» في تقديمه لفيلم «المراقبون» على أن تحمل تصميمات الأقنعة التي يضعها الأبطال لمسات إنسانية تدل على أنهم بشر وليسوا كائنات خارقة فقط، كما كان حريصا على أن تكون عصرية حديثة وليست منتمية لفترة الثمانينيات التي تدور فيها الأحداث كي تبدو أكثر تشويقا.قصة الفيلم تتناول مجموعة من الشخصيات الخارقة التي لها تاريخ عمل مشترك في مجال المراقبة، حيث تمت الاستعانة بهم لمساعده الحكومة الأميركية في حروبها والحفاظ علي أمنها، وأوصلتهم إلي طريق مسدود حين منعتهم من ممارسة عملهم فتفرّقوا، ليتم اغتيال أحدهم «الكوميديان ـ جيفري مورغان» الذي نعلم هويته تدريجيا وبطريقة الفلاش باك طوال مده الفيلم الذي بلغ نحو «ساعتين و43 دقيقة»، ومابين البداية والنهاية تتضح رحلة حياة أربعة شخصيات “سوبر هيرو” وتمزّقها بين رغبتها في العودة إلى ما كانت عليه وبين بحثها عن الاستمرار في حياة مدنية عادية.
أول هذه الشخصيات «الدكتور منهاتن ـ بيلي كرودب»، وهو باحث فيزيائي اكتسب قدرته في الإبحار عبر الزمن ماضيا ومستقبلا، نتيجة إغلاق باب معمل لتجارب خاصة بإكساب البشر صفات خارقة، وتكون نهايته عزله اختيارية عن الكون والذهاب للعيش بعيدا علي سطح المريخ.
والشخصية الثانية هي «وولتر كوفاكس ـ جاكي إيرل هايلي» الذي بدأ مسالما مع الأشرار إلي أن داهم رجلاً كان قد اختطف فتاة صغيرة قتلها وترك بعض بقاياها لكلابه، وهنا تتغير مفردات قانونه ليقتص من الرجل دون تقديمه للعدالة فيضرب رأسه بفأس مرات عديدة ليكون هذا منهجه مواجهه العنف بالعنف.
أما المثال الثالث فهو شخصية «دان ـ باتريك ولسون» الذي كان واحداً من المجموعة قبل أن يعيش على أنقاض ماضيه وحيداً، حيث تلجأ إليه زميلته «لوري ـ مالِن أكرمان» وهي الشخصية الرابعة يُعاملها كمجرد صديقة و تجرّه الأحداث إلى قصة حب معها لتكون النهاية في خطهما دعما للخير بعد أن تم إبادة 15 مليون نسمة من أجل الحفاظ علي البشرية.
ما الذي أراد أن يقوله فيلم «المراقبون»؟، ولماذا هذا الإصرار على العنف؟، عنف البشر الذي ساهم على مدار الزمن في فناء معظمهم، دون أن يكون هناك رادع، بل إن التبرير الأخير الذي ساقه العمل في النهاية، وهو سلام الأميركيين والسوفيت وتركهما للخلافات وتعاونهما في مواجهه الخطر الداهم، يعد ساذجا أمام النتيجة الآنية والتي أفرزت حاليا قوة واحده، تفرض هيمنتها على الجميع دون وازع، ولا يستطيع أحد نزع القناع عن وجهها الحقيقي ليفض الاشتباك القائم بين الوهم والواقع.