الشاعر الذي نجح في تحويل برْكة ماء صغيرة الى أسطورة
لم تكن تشبه البواكير المتعثرة في شيء , لأنها حملت بصمته الخاصة على قماشة اللغة , وأظهرت براعته الفائقة في الدمج بين المهارة والبساطة , بقدر ما أفصحت عن امتلائه بأسئلة الوجود الكبرى , كالحب والصداقة والتراث والوطن والحياة والزمن والحرب والموت
Eklas July 8, 2022
حسن عبدالله يعود الى كنف ” الدردارة “
شوقي بزيع
شوقي بزيع
ليس حسن عبدالله مجرد تفصيل عابر في الحياة الثقافية اللبنانية , لكي أستحضر للحديث عنه , ما تيسر العثور عليه من متوفر القول ومفردات الرثاء العادي , بل هو الشاعر الاستثنائي الذي أضاف الى فرادة موهبته , فرادة مماثلة في التواضع والنزاهة والحضور المحبب . وأنا على يقين تام من أن الشطر القليل من العمرالذي تبقى لنا , نحن أصدقاءه وأترابه ومجايليه , بعد غيابه, لن يكون أبداً مماثلاً لما عشناه , في ظل حضوره الوارف وروحه المرحة ولغته الآسرة . صحيح أن رحلة حسن مع المرض كانت طويلة وشاقة , وقد اضطُر الى العيش بثلث رئتيه , بعد أن فتك السرطان بالثلثين الآخرين , وأن الحياة التي أحبها حتى الثمالة باتت عبئه الثقيل لا متعته الكبرى , ولكن من يعرفونه عن قرب , لم يكونوا ليتصوروا أبداً حياتهم من دونه , أو يركنوا الى كرة أرضية خالية من مروره الخفيف على أديمها المثقل بالمتاعب
أتذكر الآن وأنا أعود خمسين عاماً الى الوراء , الطريقة الطريفة والمشوقة التي زف لنا الشاعر محمد العبدالله بواسطتها , نحن الشبان القادمين من قرى الجنوب ودساكره للإلتحاق بكلية التربية , نبأ وصول قريبه وصديقه حسن الى بيروت , لإحياء أمسيته الشعرية الأولى في أحد منتدياتها الثقافية . قال محمد يومها إن قريبه ليس شاعراً متمكناً من أدواته فحسب , بل هو شخص لماح وبالغ الذكاء , ليضيف بابتسامة ماكرة بأن لديه سحره الفريد في علاقته مع النساء , وأننا محظوظون تماماً
وأننا محظوظون تماماً لأن قدومه الى بيروت سيقتصر على أيام معدودة , يعود بعدها الى صيدا , التي وفد إليها من بلدته الخيام , ليعمل مدرساٍ في ثانويتها الرسمية
” أنّى رحلتَ فسوف تتبعك الخيام “, هتف حسن عبدالله بالطفل الذي كانه , في نهاية أمسيته الرائعة التي فاجأ بها الحضور , موهبةً وطرافةً وبراعة في الإلقاء . وكان علينا أن ننتظر بعدها سنوات عدة , لكي يُكمل حسن زحفه البطيء و” المدروس ” باتجاه بيروت , التي لن يغادرها بعد ذلك إلا على متن سيارة الاسعاف التي أقلته في رحلة العودة الأخيرة الى الخيام