التاريخ السري لـ ( مئة عام من العزلة ) ( 3 / 4 )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التاريخ السري لـ ( مئة عام من العزلة ) ( 3 / 4 )

    قراءات
    ـــــــــــــــــــ
    التاريخ السري لـ ( مئة عام من العزلة ) ( 3 / 4 )
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
    بول إيلي
    ترجمة : تقوى مساعدة
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
    هذا المقال كتبه و نشره المحرر الثقافي الأمريكي " بول إيلي " في موقع مجلة ( فانيتي فير ) الشهرية الأمريكية بتاريخ 9 ديسمبر / كانون الأول عام 2015 ، ثم أُعيد نشره ورقياً في الحادي و الثلاثين من الشهر ذاته ، و ذلك بمناسبة مرور خمسين عاماً على نشر رواية ( مئة عام من العزلة ) الشهيرة للكاتب الكولومبي الأبرز في القرن العشرين " غابرييل غارسيا ماركيز " ( 1927 ـ 2014 ) و التي نال عنها جائزة نوبل للآداب عام 1982 ، و قد كتبها في المكسيك ، و طبعها في الأرجنتين ، و تجاوز عدد نسخها المطبوعة لاحقاً الخمسين مليون نسخة ، فيما تُرجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة ، و تُعَد الرواية الأكثر قراءة ً في العالم .
    و هذا المقال يقودنا في سياحة ثقافية ممتعة الى عالم " ماركيز " و ما صاحب الرواية من وقائع و تاريخ مزدحم تمخض عن هذا العمل المذهل . و لأن المقال طويل ، و قد وددتُ إشراككم في قراءته ، فقد كان عليّ أن أجزّئَهُ الى أجزاء .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    المصدر العربي للمقال : موقع ( حبر )
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    3 ـ 4
    سافر " غابرييل غارسيا ماركيز " إلى الأرجنتين و إلى بيرو و فنزويلا ممثلاً عن روايته ، و في كاراكاس طلب من مضيفيه أن يعلقوا يافطة كُتب عليها بخط اليد : ممنوع الحديث عن مئة عام من العزلة . قدّمت النساء أنفسهنّ لـ " ماركيز" ، منهن من قدمت نفسها وجهاً لوجه و منهن من قدّمت نفسها بالصورة .
    و ليتجنب التشويش نقل عائلته إلى برشلونة ، وعندما التقى به " بابلو نيرودا " هناك كتَبَ عنه قصيدة ، و في جامعة مدريد كتب " ماريو بارغاس يوسا " - الذي كان حينها قد صار روائياً مشهوراً بعد روايته ( البيت الأخضر ) - رسالة دكتوراه عن كتب " غابرييل غارسيا ماركيز " ، وحازت الرسالة على أرفع الجوائز الأدبية في إيطاليا و فرنسا .
    بدا و كأنه أول كتاب يوحّد الثقافة الأدبية الناطقة بالإسبانية التي لطالما كانت مقسّمة بين إسبانيا و أمريكا اللاتينية ، و بين المدينة و القرية و بين المُستَعمِر والمُسْتَعمَر .
    " غريغوري راباسا " اشترى الكتاب من مانهاتن و قرأه مباشرة و افتتن به . كان " راباسا " – و هو أستاذ اللغات الرومانسية في كلية كوينز - قد أنهى مؤخراً ترجمة رواية ( الحجلة ) لـ " خوليو كورتاثار " ، و فازت هذه الترجمة بجائزة الكتاب الوطنية . و كان قد عمل كمحلل شيفرة في مكتب الخدمات الاستراتيجية خلال الحرب . كان قد رقص مع " مارلين ديتريخ " عندما كانت تأتي لتسلية الجنود ، و كان من أولئك الذين يميزون الأشياء الحقيقية فور رؤيتها .
    تحدّث إلينا " راباسا " في شقته في الشارع 72 . عمره الآن 93 ، هشٌّ الجسد ولكنه سريع الذهن و ما يزال يحضر اجتماعات الناجين من جواسيس مكتب الخدمات الاستراتيجية ، قال : ( لقد قرأت الكتاب دون أيّ نية لترجمته ، كنت معتاداً على أسلوب القصّ المضمون . آه .. فقد ترجمت أعمال " كورتاثار " ، وأعرف أعمال " بورخيس " ، فإذا وضعت الإثنين معاً تحصل على شيء آخر: تحصل على " غابرييل غارسيا ماركيز " ) .
    مدير ( دار هاربر آند رو ) للنشر " كاس كانفيلد " كان قد حصل على حقوق الكتب الأربعة السابقة بألف دولار ، حصل هذه المرة على حقوق الكتاب الجديد بخمسة آلاف دولار تُدفع لـ ( وكالة بالثيس ) على دفعات . وعندما طلب " ماركيز " نصيحة صديقه " خوليو كورتاثار " لاختيار مترجم ، قال له " كورتاثار " : ( عليك بـ " راباسا " ) .
    وفي سنة 1969 في بيتٍ في ( هامبتون بيز ) في ولاية لونغ آيلاند بدأ " راباسا " يترجم الرواية ، بادئاً بجملته ثلاثية الإيقاع العصية على النسيان ( بعد سنوات طويلة ، و أمام فصيل الإعدام ، سيتذكّر الكولونيل أوريليانو بوينديا ذلك المساء البعيد الذي أخذه فيه أبوه ليكتشف الثلج ) .
    وضع " راباسا " بعض القواعد ( كان عليّ أن أضمن أن الأب هو دائماً خوسيه أركاديو بوينديا ، و ألاّ يكون مطلقًا أيّاً من النسخ المبتورة ، بنفس الطريقة في رواية « الفستق » عندما كان " شارلي براون " لا ينادى بأي اسم عدا " شارلي براون " ) .
    المحرر " ريتشارد لوك " اطّلع على الكتاب لأول مرة سنة 1968 بعد أن دله عليه الروائي " توماس مكغوين " عندما كان في زيارةٍ له في مونتانا . يقول ( كان " توماس " قارئاً ممتازاً إلى حد بعيد ، و قال أن هذا هو الرجل الذي يتحدث عنه الجميع ) .
    وفي الوقت الذي أرسلت فيه ( دار هاربر آند رو ) للنشر نسخ الرواية للتدقيق في بدايات سنة 1970 ، كان " لوك " قد أصبح محرر الملحق الأدبي الأسبوعي لجريدة النيويورك تايمز، و يستذكر " لوك " وصول الرواية :
    ( عندما وصلت أدركت أن هذا كتاب بالغ الأهمية ، كتبه أديبٌ من نوعٍ مختلف ، و بشكل مختلف لم يسبق لنا أن رأيناه ، و هكذا كتبت عنها تقريراً متحمساً ) .
    وفي هذه الأثناء كان " كانفيلد " قد أفضى بكل ما عنده لمراسل من جريدة التايمز ، و نُشرت حينها مراجعة لكل أدب أمريكا اللاتينية الجديد المترجم إلى الإنجليزية و كان " غابرييل غارثيا ماركيز " أول الأسماء التي تناولتها المراجعة . ( نحن متأكدون أن " غابرييل غارسيا ماركيز " سيتسبب بأثر شبيه على المشهد الأدبي الأمريكي بالأثر الذي تسبب به الأدباء الفرنسيون و الألمان بعد الحرب ) يقول " كانفيلد " .
    نُشرت النسخة الإنجليزية من ( مئة عام من العزلة ) في شهر آذار سنة 1970 و جاء غلافها الأخضر الوارف و خطها الذي لم يوفَ حقه من التقدير ، ليخفيا كل ذلك الشغف الذي تضمه الرواية . مراجعات التايمز للمبيعات و الجوائز كانت و ما تزال هي المراجعات الأهم ، حيث كتب " جون لينارد " في النسخة اليومية من التايمز ( سِفر تكوينٍ أمريكي جنوبي ، قطعة دنيوية من السحر ) ، و لم يكتفِ بذلك بل كتب أيضاً : ( تنبعث من هذه الرواية المدهشة كمن ينبعث من حلم ، و ذهنك يتأجج ) واختتم : ( بقفزة واحدة ، صعد " غابرييل غارسيا ماركيز " إلى ذات المنصة جنباً إلى جنب مع " غنتر غراس " و " فلاديمير نابوكوف " ، شهيته هائلة كهول خياله ، و إيمانه بالقدر أعظم من إيمان كليهما . مُبهر ) .
    بعد توقيعه على مبلغ خمسة آلاف دولار بناءً على« عقد خرائي » باع الكتاب خمسين مليون نسخة في كل أنحاء العالم ، و شغل مكاناً على قائمة الكتب المنشورة سابقاً التي يُعاد طبعها كل عام .
    راقب " غريغوري راباسا " المشهد بخليطٍ من الفخر و الامتعاض ، بينما أصبح عمله الذي تقاضى عنه دفعةً واحدة ألف دولار تقريباً كعمل بُستانيّ ينثر الروث على حقلٍ فاره ، العمل المُتَرجم الأبرز و الأكثر شهرة .
    قرأ " ماركيز " نفسه النسخة الإنجليزية من ( مئة عام من العزلة ) التي نشرتها ( دار هاربر آند رو للنشر ) و صرّح أنها أفضل من الأصل الذي كتبه بالإسبانية ، و وصف " راباسا " بأنه ( أفضل كاتب أمريكي لاتيني باللغة الإنجليزية ) .
    المشادّة
    ــــــــــــــــــــــ
    منّى الكثيرون أنفسهم بفكرة تحويل ( مئة عام من العزلة ) إلى فيلم ، إلا أن أيّاً منهم لم يقترب من تحقيق هذه الأمنية . فربما أن الوكيلة و الكاتب كانا يطلبان مبالغ خيالية مقابل الحقوق . و كان " غابو " قد قال لـ " هارفي واينستين " أنه سيعطيه هو و " غيسيب تورناتور " الحقوق بشرط أن يُصنع الفيلم على طريقته . يستعيد " واينستين " ما قاله " غابو " ( يجب علينا أن نصوّر الكتاب كاملًا كفيلم ولكننا لا نطلق منه إلا جزءاً مدته دقيقتان كل عام طوال مئة عام ) .
    و بدلاً من تحويل الرواية إلى فيلم ، كان هنالك الكثير من الأعمال التي أبدت تقديرها للكتاب ، كتبها روائيون آخرون ، منها أعمال صريحة كالروايات المضخّمة التي كتبها " أوسكار إخويلوس " عن كوبا الأمريكية ، و منها أعمال غير مباشرة و خفية كرواية " ويليام كينيدي " ( نبتة الفيرنونيا ) و التي يتكلّم فيها طفل ميت من قبره مع والده . أما " أليس ووكر " فقد خرقت حدود المعقول في روايتها ( اللون القرمزي ) حيث كانت الرسائل المُرسلة إلى الله تجلب إجاباتٍ حقيقية . و" إيزابيل أليندي " قريبة الرئيس التشيلي المذبوح " سالفادور أليندي " ( وهي واحدة من الكتّاب الذين تمثلهم " كارمن بالثيس " ) قصّت قصة تشيلي الحديثة من خلال ملحمة عائلة في روايتها ( بيت الأرواح ) .
    و تروي المحررة " توني موريسون" و التي كانت قد نشرت حينها كتابين من تأليفها :
    ( كنتُ جالسة في مكتبي في دار راندوم هاوس أقّلب صفحات « مئة عام من العزلة » ، كان هنالك شيء بالغ الألفة في الرواية ، شيء كان بإمكاني تمييزه . كان هنالك نوعٌ خاصٌ من الحرية ، حرية بنيوية ، شكلٌ مختلفٌ من البداية و الوسط و النهاية . ثقافياً ، كنت أشعر بالحميمية معه لأنه كان يخلط الأحياء بالأموات بسعادة . شخصياته كانت متعايشة بحميمية مع العالم الخارق للطبيعة ، و هذه هي الطريقة التي كانت تُحكى فيها الحكايات في بيتي ) .
    عندما توفي والد " موريسون " كانت تفكر بكتابة رواية جديدة ، كل أبطالها رجال و كان هذا شيئاً جديداً عليها ، ( ترددتُ قبل الكتابة عن هؤلاء الرجال ، أما الآن ، و لأنني قرأت « مئة عام من العزلة » لم أعد أتردد ، فـ " ماركيز " أعطاني الإذن ) . الإذن لكتابة ( نشيد الإنشاد ) التي كانت الرواية الأولى من سلسلة روايات عظيمة و جسورة . و بعد عدة سنوات دُرّست " موريسون " و " ماركيز " معاً لطلبة الماجستير في جامعة برينتستون ، كان هذا في سنة 1998 التي تصفها " موريسون " بأنها « السنة التي ظهرت فيها الفياغرا » . و تستذكر ( كنت آخذه في الصباح من الفندق الذي كان يقيم فيه مع " مرسيدس " ، و كان يقول بإنجليزية مكسورة ( الحُبيّبة .. الحُبببة ليست لنا نحن الرجال ، إنها لكنّ ، إنها للنساء ، نحن لا نحتاجها ، ولكننا نريد أن نرضيكنّ ) .
    " جون إيرفينغ " كان يدرّس الأدب و يدرّب على المصارعة في كلية ويندهام في فيرمونت ، و كان أحد خريجي ورشة كتابة أيوا المبهورين بـ " غنتر غراس " ، قد أذهله كتاب " ماركيز " كما أذهلته رواية ( طبل الصفيح ) لـ " غراس " ، أذهلته بسعتها و ثقتها التقليديتين ، يقول " إيرفينغ " : ( إنه رجلٌ يقصّ القصص على طريقة القرن التاسع عشر ولكنه يعمل الآن ، إنه يخلق الشخصيات و يجعلك تحبها . عندما يكتب عن ما هو خارقٌ للطبيعة يكتبه بطريقة تفوق المعتاد ، لا يكتب بطريقة اعتيادية . عندما يكتب عن سِفاح الأقارب و عن الزواج المختلط فإن كل هذا مقدّر سلفاً ، كما هو الحال في كتابات " توماس هاردي " ) .
    بالنسبة لـ " جونوت دياث " ، وهو الأصغر بجيل ، فإنه يرى " غابو " دليلاً لأشكال الواقع الحالية . قرأ " دياث " الرواية أثناء شهوره الأولى في جامعة روتغرز سنة 1988. يقول " دياث " : ( تحوّل العالم من الأبيض والأسود إلى عالمٍ بالألوان . كنت كاتباً شاباً لاتينياً أمريكياً كاريبياً يبحث باستماتة عن قدوة . اجتاحتني هذه الرواية كالصاعقة : دخلت عبر جمجمتي و هبطت إلى أخمص قدميّ ، يرجع صداها بداخلي خلال العقود اللاحقة ، و حتى اللحظة ) .
    أذهله أن ( مئة عام من العزلة ) كُتبت سنة 1965 و هي نفس السنة التي اجتاح فيها الجنود الأمريكيون بلده الدومينيكان ، و هكذا بات يرى في الواقعية السحرية أداة سياسية ( تمكّن الشعب الكاريبي من رؤية الأشياء في عالمهم بوضوح ، عالمهم السوريالي حيث الموتى أكثر من الأحياء ، و حيث المحو و الصمت يفوق المنطوق . هنالك سبعة أجيال من عائلة بوينديا ، و نحن الجيل الثامن ، نحن أبناء ماكوندو ) .
    ( يتبع )
يعمل...
X