Osama Silwadi
في طفولتي المبكرة كنت مثل عصفور الدوري أحط على الأغصان والتقط حبات التوت الأحمر والعنب، ولمّا كبرت قليلًا صرت ولدًا شقيًا مثل قط بري أقضي جُل يومي في الجبال والحقول.. لا تتسع لي الأرض ولا تكفيني ساعات النهار، وعندما بلغت سن الشباب المبكر أضحيت مثل غزال الجبل الفلسطيني؛ رشيق و سريع الحركة أقطع الأرض عرضًا وطولًا ، ولا أجد نفسي إلا في أعالي الجبال، ورئتي تعشق هواء المرتفعات، ولما غدوت في الأربعينات من عمري صرت مثل الجمل أكثر احتمالًا وصبرًا.. وصار عقلي يسبق يدي… قد ولكن أسامح ولا أنسى من أساء لي بكلمة أو نظرة أو موقف .. أفضل الصمت علو الكلام، والرد العملي بدل الكلام .. ما زال يغلبني الطفل الذي في قلبي المتعلق بأغصان شجرة التوت الحمراء، وما زالت روحي لا تسكن إلا في القمم العالية حيث عش النسر، وأحيانًا أعود ذلك الطفل الضئيل الذي يكاد يطير عن الأرض وأسمع صوت أمي رحمها الله تقول "اجا الفراشة" كلما رأتني قادم من بعيد .