نشيد الزقورة ..عند الفنان الموسيقى حسن بريسم لا تقدم إثارة حسية وتزول بل تساؤلاً.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نشيد الزقورة ..عند الفنان الموسيقى حسن بريسم لا تقدم إثارة حسية وتزول بل تساؤلاً.


    Mohamad Alqassim Art

    أمس الساعة ‏١٢:٠٣ ص‏ ·
    حسن بريسم نشيد الزقورة
    حين تتكلم معه بدرجة معينة من الصوت، وتحكي إليه عن مسالة ما فهو يجيبك بنفس الدرجة ( التون )، وكأنه يبني جملة نغمية , حسن بريسم الغارق في ملاحظة الأشياء العابرة والمارة من حوله، يتصورها أنغام ويقوم ببنائها عبر حنجرته التي تجاوزت في حزنها وهارمونيتها افتراضات المكان .
    الموسيقى عند الفنان حسن بريسم لا تقدم إثارة حسية وتزول, بل هي تكشف عن تساؤل وإمكانية خلق الكثير من الأجوبة عن قيمة النغمة، والانتقال من سلم موسيقي إلى آخر , قد لا يتآلف معه , إلا أن بريسم يصنع له قيمة لحنية عبر ممرات صوته الجمالية, و خبرة سنين من التجريب والاستماع إلى موسيقى الجنوب،. فمن داخل حسن إلى مسعود العمارتلي إلى حضيري أبو عزيز، وتوظيف جماليات الأغنية العربية من عبد الوهاب إلى فيروز، حتى انه قام بهذه الفكرة حين غنى فيروز مع داخل حسن , وعمل على التحاور مع تلك الجمل الموسيقية المختلفة مكانيا , إلا إنها صيغت وانصهرت لخلق شكل غنائي له ميزات تختلف عن مرجعياته الأولى، فهذا تداخل بين فيروز وداخل حسن صنعهُ بريسم بصوته وإحساسه، لتختلط الأنغام عنده، فاقدةً أسسها والبيئة التي خلقت فيها، لتلتقي في ذلك التخيل الصانع للوجود، مثلما تبين سوزان لانجر أن الموسيقى تقوم بترجمة ما لايمكن أن نعلن عنه بالكلمة وتكشف عن حياتنا الداخلية التي تبقى مشوشة ما لم نقوم بصياغتها بشكل، وبهذا فان بريسم قادر على أداء أغنية فرنسية أو اسبانية يبين من خلالها التفاصيل الجمالية ، بعد أن يقوم بإذابتها في ذلك الحس الكوني .
    حين تستمع إليه لا تعرف ما الذي ستكون عليه النغمة القادمة في صوته ، حتى وان كنت موسيقيا أو عارفا بجمل الموسيقى وأنغامها ومقاماتها ، فهو يحسن الانتقال كأنه يتنفس , بهدوء وبحزن يكاد يختنق . انه لا يغني بقدر ما هو يحلم ويريد الاستمرار بذلك الحلم، بغض النظر عن الكلمة، ترى بصوته حزن المشاحيف وبيوت طينية وقصب، وامتلاك المعرفة قدرة على أكساء أغنياته ثياب تولد من الاهوار، و بريسم ذاته لا يبصر العالم المرئي بموجوداته العيانية بقدر إبصاره ذاكرة ممتلئة بسحر الجنوب .
    إن الإنسان وتجاربه ليس مجرد عنصرين متجاورين في المكان، بل إنهما يعبران إلى منطقة الخيال نحو الحلم، لاكتساب فكرة الوجود وهزم الانكسارات بالموسيقى أو الأدب والفن عموما، وهكذا نشعر بالطمأنينة حين نقوم برسم عالمنا المتخيل وليس ترديد واقع، ذلك ان الفن يمنح الأشياء حياة، ليجعلها تنفتح على الخيال، فالبيوت والمدن التي تسجننا بتراتبها كأنها مقابر، يستلزم أن نتخلص من صورة تلك القيود بسلطة التخيل القادر على الخلق والإبداع ، فليس المكان هو الذي يصنع الإنسان، بل ما نصبغه من تصورات على العالم بوجوده الفيزيائي ونقوم بترحيله إلى المخيلة، القادرة على إنتاج آلاف الصور المنفلتة من قانون الجاذبية .
    أن تنصت الى صوت حسن بريسم القادم من مدن ملونه بالقصب، فإنك تستحضر ألواح نذرية تقدم إلى المعبد السومري، متمردة على حسيتها متجردة في جمل موسيقية لا يمكن لأحد أن يقوم بتنويطها، انها تشابه الطيور المهاجرة المتحركة مع الريح, النغمة هنا لا تعلن عن تسميتها إن كانت تنتمي لسلم مقام الكورد أو البيات فهي متداخلة لتنتج نغمة ( المْحَيّر )، وتنفصل عن السلالم الموسيقية وقوانينها الأرضية سابحة في عالم غير مرئي، ليولد من هذا التناقض مقام ( المخالف ) بكل تاريخه معلناً أول نشيد تصدحُ به أبنية الزقورة، مؤرخا بذلك لحظة الوجود, لا يمكن أن تستنسخ هذه الموسيقى فهي تملك الكثير من الزخارف اللحنية المضافة إليها أنها قادمة من رحلات كلكامش في بحثه عن الخلود
يعمل...
X