فيلم _رجلُ السكة الحديد The Railway Man

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيلم _رجلُ السكة الحديد The Railway Man

    رجلُ السكة الحديد The Railway Man

    يتناول هذا الفيلم ، الذي أخرجه الأسترالي " جوناثان تبليتزكي " ، قصة الجندي البريطاني ــ سكوتلندي الأصل " إيريك لوماكس " ، من كتيبة الإتصال اللاسلكي في الجيش البريطاني الذي هُزم و استسلم للجيش الياباني في سنگافورة عام 1942 أثناء الحرب العالمية الثانية ، بعد معركة طاحنة استمرت من الثامن الى الخامس عشر من شهر فبراير / شباط ، أسر خلالها اليابانيون 130 ألفاً من الجيش البريطاني ، في مرحلتين ، وهم جنودٌ بريطانيون و أستراليون و هنود ، و من بين هؤلاء الأسرى كان " ايريك لوماكس " ، الذي كان قد وُضِع اول الأمر في سجن معسكر ( چانجي ) ثم نُقل مع ستة من رفاقه المتهمين بالتخابر مع أعداء اليابان الى سجن معسكر ( كانچانابوري ) في ثايلاند ، التي كان الأسرى قد تم تسخيرهم فيها لبناء سكة الحديد الموصلة بين ثايلاند و بورما ( التي تُسمى " ماينمار " حالياً ) ، و قد سُمّيت تلك السكة ( سكة الموت ) ، و يبلغ طولها 481 ميلاً ، فضلاً عن تسخيرهم لبناء جسر على نهر ( كواي ) الذي يقع غرب ثايلاند . و ثمة فيلم من إخراج " ديڤيد لين " ــ عام 1957 ــ عن هذا الجسر بإسم ( جسر على نهر كواي ) مأخوذ عن رواية للكاتب الفرنسي " بيير پول " بالعنوان ذاته .. يتناول سيرة أولئك الأسرى و تسخيرهم في بناء ذلك الجسر ، حيث الجوع و الأمراض و إحتمالات التعرض للقصف .
    و هذا الفيلمُ يعتمد مذكرات " لوماكس " ، التي نشرها عام 1995 ، و تحمل ذات العنوان ( رجل السكة الحديد ) ، و فيها دوّن تفاصيل رحلة العذاب التي عاشها منذ أن وقع في الأسر ، و قد لعب دوره في تلك المرحلة " جيريمي إيرڤين " . فقد وُجّهت الى " لوماكس " و ستة من رفاقه تهمة الإتصال بأعداء اليابان ، كونهم صنـّعوا من الخردة جهاز ( إستقبال ) البث عبر الهواء لتلقي أخبار الحرب ، فإعتبر اليابانيون ذلك الجهاز جهازَ ( إرسال ) ، و عندما شهِدَ " لوماكس " أولَ تعذيب لأحد رفاقه تبرع و إعترف بأنه هو الذي صنّع الجهاز ، فنال النصيب الأكبر من التعذيب .
    و كان المشرف على التعذيب ـ مباشرةً ـ عسكريٌ ياباني يعمل في الأصل مترجماً فورياً ، ولكنه أزاح دورَه كمترجم و تحول الى جلاّدٍ أذاق " لوماكس " مُرّ العذاب ، إنه " تاكاشي ناگاسي " ـ لعب دوره ” تانروه آييشيدا ” ـ . و من أساليب تعذيبه : كان يربطه من يديه و قدميه الى سطح المنضدة التي يجعلها مائلة من جهة الرأس فيغطي رأسه بقطعة قماش ثم يسكب عليه الماء الغزير بتدفق متقطع لينزل في فمه و مناخيره فيعيش حالة الغرق . و كان و رفاقه الستة يتعرضون الى أنواع أخرى من التعذيب ، فقد كان يتم إجبارهم في النهار على الوقوف لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة ، و في الليل يتم تقييدهم و حشرهم في أقفاص مغطاة بالبراز حتى الذقون . و على هذا المنوال من سلسلة العذابات و سُخرة بناء السكة الحديد عاش " لوماكس " حتى انتهت الحرب بهزيمة اليابان و استسلامها .. فعاد الى بلاده كأسير حرب .
    يقول الكاتب الچيلي المنفي " أرييل دورفمان " الذي التقى " لوماكس " لغرض كتابة سيناريو مسلسل عنه لصالح هيئة الإذاعة البريطانية ( BBC ) ، أن " لوماكس " أخبره بعد ساعات من الصمت (عن قصة مؤلمة لا تُصّدق . فعندما عاد إلى انجلترا على متن السفينة كأسير حرب ، اكتشف مباشرةً ، وقبل نزوله من السفينة ، أن الجيش البريطاني قد استقطع من مُرتبه تكلفة الحذاء الذي فقده أثناء أسره ) . و لم يكن أحدٌ يعلم بأمر أسر " لوماكس " سوى والده الذي كتب إليه مرةً واحدة بأنه تزوج لأن والدته قد توفيت . يقول " لوماكس " : ( ماتت والدتي معتقدة أنني مت . لقد كنت أكتب إليها طَوالَ ذلك الوقت و هي ميتة ) .
    و منذ أن إستقر " لوماكس " بعد الحرب ، راح يتعقب مُعذبَهُ الياباني " تاكاشي ناگاسي " على مدى أربعين عاماً حتى تعرف عليه و بدأ الإتصال بينهما لسنوات ، ولكن خلال هذه الفترة الطويلة تلاشى جبل الكراهية من صدر " لوماكس " تجاه جلاده و تحول الى التسامح فالتقيا ، هما و زوجتاهما ، في مدينة ( كانچانابوري ) نفسها التي سُجن ” لوماكس ” في سجن معسكرها .
    رُبعُ الساعة الأولى من الفيلم يوهم المُشاهد ، أو يجعله يعتقد ، بأنه أمام فيلم إجتماعي ذي صبغة رومانسية ، حين يجمع مقعدان في قطار بين " ايريك لوماكس " ( كولين فيرث ) القادم من مزاد الكتب في بلدة ( تشيستر ) ـ غرب بريطانيا ـ و بين " پاتريسا " ( نيكول كيدمان ) ، و هي كما أظهرها الفيلم ، إمرأة في منتصف العمر كانت تعمل في التمريض سابقاً ، ولكنها مولعة بالكتب أيضاً . غير أنه إبتداءً من الدقيقة 15 نجد أن الفيلم ينقلنا بصورة حادة من أجواء الرومانسية الى حالة من التوتر النفسي الحاد لدى " ايريك " ، و قد صُدمت به " پاتريسا " ، ليُحيلنا الفيلم الى تراجيديا الحرب العالمية الثانية فنطّلع على الخلفية البعيدة و العميقة لحال " ايريك لوماكس " .
    كان " لوماكس ” قد عايش سكك الحديد لعشرات السنين . يقول " فينالي " في الفيلم ــ لعب دوره " ستيلاّن سكارسگارد " ــ لـ " پاتريسا " أن ( حياته بأكملها كانت عبارةً عن رحلةٍ بين القطارات ) . و لعل مشهد اللقاء الأول بين " إيريك " و " پاتريسا " في القطار كان مدخلاً للربط بين تلك المرحلة الطويلة في حياة ” لوماكس ” و بين السكة الحديد التي سُخر أسرى الحرب الإنجليز في إنشائها ، و هي المرحلة التي خلقت الصدمة في حياة " إيريك " ، و التي تمثل جوهرَ الحكاية في الفيلم ، و بالتالي فهي تُحيل الى ظاهرة الصدمات التي يتعرّض لها الجنودُ أثناءَ أو بَعد الحرب بشتى الأنواع و الأسباب و القصص التي هي خارج مساحة الحياة الطبيعية السوية للإنسان .
    يبدأ الفيلم بالمناجاة :
    ( في بداية الوقت
    الساعة دقت الواحدة
    ثم هطل الندى و الساعةُ دقت الثانية
    من قطرة الندى نَمَت الشجرة و الساعةُ دقت الثالثة
    و من الشجرة صُنعت بابٌ و الساعةُ دقت الرابعة
    ثم وُلِدَ إنسانٌ و الساعةُ دقت الخامسة ..
    ....... )
    تلك كانت مناجاة " ايريك لوماكس " و هو مستلقٍ على ظهره ، و كأنه يسترجع تاريخَ حياةٍ من خلالِ تاريخِ نموِّ الإنسان في هذا الوجود . و عندما نتابع الفيلم نجد أن هذه المناجاة كانت بحثاً عن معنى حياته التي ضاع شبابُها في خضم الحرب .
    يبدأ المدخلُ الى الأحداث من العام 1980 ، في نادي المحاربين القدامى ، حيث يتواجد " ايريك " مع مجموعة من رفاق الحرب .. فيروي لهم حكايته ، ليتخذ الفيلم صيغة إسترجاع الأحداث ( Flashback ) ، فيسترجع اللقاء الذي بدأ في القطار بينه و بين " پاتريسا " و الذي قاد الى الزواج بعد عام ، ذلك أن " پاتريسا " كانت تبحث عن حياة آمنة في إطار أسرة ، فيما كان " ايريك " يبحث عن سلامٍ داخلي ، إذ أنه كان يعيش صراعاً داخلياً ، يفاجئنا بإنفجاره في الدقيقة 15 من الفيلم ليتغير مسار السيناريو فيه من حياة الزوجين في شقتهما الهادئة على الشاطئ الى اللحظة الحاسمة في الحرب بالنسبة لـ " ايريك " ، حين استسلم جيشُهُ للقوات اليابانية في سنگافورة .
    معروفٌ عن الجيش الياباني أنه كان من أقسى الجيوش و أكثرها إفتقاراً للرحمة و التعامل الإنساني تجاه أفراد الجيوش التي تغلب عليها ، أو تجاه سكان البلدان التي إحتلها ، ومعروفٌ أن الصين مازالت تطالب اليابان ــ حتى اليوم ــ بالإعتذار عن الجرائم الوحشية و القسوة اللامتناهية التي مارسها الجنود اليابانيون بحق الصينيين عندما احتلوا الصين خلال الحرب العالمية الثانية ، و لعل مذبحة ( نانجنگ ) مازالت شاهداً تاريخياً على جرائم اليابانيين في الحروب و قسوَتهم . و في هذا الفيلم ( رجل السكة الحديد ) تجسيدٌ لجانب من تلك القسوة في التعامل مع أسرى الحرب البريطانيين ، الذين كان " ايريك لوماكس " واحداً منهم و الذي نجد نتائجها و إفرازاتها عليه نفسياً .. كما يجسدها هذا الفيلم . و هذا الفيلم يأتي كما لو كان محاكمة ً لسجل اليابانيين الإجرامي في الحرب العالمية الثانية ، من خلال لقاء الضحية " ايريك " بجلاده " تاكاشي ناگاسي " بعد خمسين عاماً ، و قد ترك كلاهُما الحربَ خلفَ ظَهرِهِ ، ولكنّ كلـَـيهما إحتفظ بذكرياتها ، غير أن " ايريك " لم تكن لديه ذكرياتٌ غيرُ مُرّة و عذابات صنعها له " ناگاسي " الذي حين عثر عليه " ايريك " كان قد أصبح رجل دين بوذي يدين جرائم الحرب و يساعد الناس ( في الفيلم يظهر كمُرشدٍ سياحي ) .
    هذا الفيلم يترسخ في ذاكرة مشاهده ، فهو يترجم ــ سينمائياً ــ درساً في ثقافة التسامح و الإعتذار مقابل القسوة المبتذلة ، حين تسامحَ ــ في النهاية ــ الضحيةُ و الجلاد الذي كان هو نفسُهُ ضحية ً أيضاً ، من الناحية الأخلاقية ، كما يعترف لضحيته " ايريك " : ( لقد كذبوا علينا بخصوص الشرف ) و يصبحان صديقين و قد أدركا حقيقة ما جرى .
    توفي " ناگاسي تاكاشي " عام 2011 ، و في العام التالي ( 2012 ) توفي " ايريك لوماكس " عن 93 عاماً .. و دُفن الى جانب " پاتريسا " التي أحبته حباً جَمّاً و بذلت كل ما في وسعها لإخراج زوجها من محنته النفسية التي سمّمت حياته .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    إليكم رابط الفيلم :
    https://ok.ru/video/3657532574448

يعمل...
X