لبنى شاكر- 30 حزيران 2022م
- قبل الحرب وبعدها.. ألمانيّة تنقل مُطرّزات "جبل الحص" إلى العالم
دمشق
لم تعرف "هايكا فيبر" الفنانة الألمانية المُقيمة في سورية منذ عام 1982، شيئاً عن "جبل الحص"، قبل زيارتها حلب، لحضور مؤتمر سيدات الأعمال هناك، ولقائها مصادفةً عدداً من العاملين في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، في الفترة التي أنهوا فيها مشاريعهم، في عددٍ من المناطق، واستعدوا للمُغادرة، رغم تخوفهم من عدم قدرة الناس على متابعة ما أنجزوه، ولا سيما ما يتعلق بالنساء، فطلبوا من السيدة الخبيرة في التطريز، وهي صاحبة كتابٍ يُوثّق للفنون في سورية أيضاً، متابعة العمل، وسرعان ما أعلنت موافقتها.
عام 2003، كانت تزور المنطقة الواقعة في الجنوب الشرقي من حلب، مرة كل شهر، وتعمل مع 6 قرى فيها، بشكلٍ يُراعي نماذج التطريز المختلفة في كل قرية. تقول فيبر في حديثٍ إلى "مدوّنة وطن": القُطبة المُستخدمة في "جبل الحص" عموماً، تُسمى بالإنكليزية "بُخاريستيش"، أغلب الظن أنّ جذورها تعود إلى مدينة "بُخارى" في أوزباكستان، السيدات كنّ يُطرزن لبيوتهن أغطيةً للفرشات واللحف، على شكل غطاءٍ أبيض كبير، يضعن عليه وردةً أو جملاً أو عروساً، على شكل بقع، كما ورثن عن جداتهن.
حين أرادت السيدات بيع ما يطرزنه للضيفة الألمانية، أخبرتهن بأنّ أشياءهن غير مرغوبة، خارج منطقتهن، لذلك لن يجدن من يشتريها، إذا لمن يقمن بتعديلها، وقدمت لهن ملاحظاتٍ وإرشاداتٍ لمدة عامٍ كامل، فكانت النتيجة منتجات جديدة أجمل وأصغر حجماً، كالحقائب و(الجزادين) واللوحات وبطاقات المعايدة، تضيف فيبر: السيدات تعجبهن الألوان الفاقعة، ربما لأن قراهن خالية من أي لون، حتى أنها أقرب للصحراء، لا مياه ولا أشجار، فقط حجارة كبيرة ورياح قوية، كنّ يطلبن مني خيوطاً برتقالية وصفراء وقرمزية.
أثناء العمل في جبل الحص
أقامت فيبر أول معرضٍ لأعمال سيدات "جبل الحص"، في المركز الثقافي الألماني عام 2005، وفيه قدّمن لوحاتٍ تحكي عن حياتهن من عدة زوايا، من ذلك زراعة العدس والكمون والشعير، في أرض الوادي الرطبة، والأسقف المدوّرة على شكل قبب، إضافةً إلى ما علمتهن إياه، تحكي للمدوّنة: قلت لهن، انظرن إلى منطقتكن جيداً، لديكن حبال غسيل، وخِراف، وجبل تتباين درجات لونه البني، حسب وقوع الشمس عليها، راقبن حبة القمح كيف تظهر وتتغير إلى أن تصبح رغيفاً، ولا تنسين الفصول الثلاثة الواضحة عندكن، الربيع والصيف والشتاء، انتبهن إلى شكل الأرض والجو فيها، ولا تنسين مراقبة حركة الماء والنار.
خلال مراحل العمل الممتدة عبر سنوات، كانت فيبر تدفع إلى السيدات ثمن أعمالهن مباشرة، بغض النظر عن الجودة، لكنها مع تطورهن في العمل، لم تعد تقبل بالمُنتج غير المُتقن، وفي الوقت نفسه ضاعفت لهن الأجرة، واقترحت على قاطنات قرية "حوير الحص"، إيداع نصفها في صندوقٍ خاص، للاستفادة منه في نهاية العام، في مشروعٍ يخدم الجميع، لكنهن فضلن أخذ أموالهن، التي كانت مبالغ كبيرة بالنسبة لهن، استخدمنها لسداد الديون وشراء حاجيات البيوت، عددٌ منهن اشترين خرافاً، وإحداهن فتحت دكاناً.
الفنانة الألمانية هايكا فيبر