أنماط المعيشة
تتباين أنماط المعيشة في مدن أمريكا اللاتينية تباينًا جذريًا عن مثيلاتها في المناطق الريفية. تسير الحياة في المدينة بسرعة والمدن الكبرى هي مراكز الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية. وتتوفر في هذه المدن تشكيلة من الأنشطة الثقافية والترفيهية المفعمة بالإثارة المتنوعة. وعلى الرغم من أن أعدادًا كبيرة من سكان المدن فقراء إلا أن أعدادًا متزايدة منهم تتمتع بمستوى معيشي جيد. أما في المناطق الريفية فإن التغيير كان محدودًا جدًا طوال القرون الماضية. تمتلك أقلية من الأثرياء أو من المؤسسات الكبيرة غالبية الأراضي الزراعية في معظم أقطار أمريكا اللاتينية. ويعمل معظم السكان الريفيين الساعات الطويلة في المزارع الكبرى نظير أجور منخفضة. ويعيش كثير منهم في فقر مدقع.
حياة المدن:
في عام 1940م، كان حوالي 65% من سكان أمريكا اللاتينية يعيشون في مناطق ريفية. أما اليوم فإن حوالي 70% منهم يعيشون في مناطق حضرية. وتصنف أربع مدن وضواحيها في أمريكا اللاتينية ضمن أكبر المراكز الحضرية في العالم. والمدن هي: مكسيكو سيتي في المكسيك وساو باولو في البرازيل، وبوينس إيريس في الأرجنتين وريو دي جانيرو في البرازيل.
وتشبه المدن الكبيرة في أمريكا اللاتينية ـ من زوايا متعددة ـ مدن غرب أوروبا وأمريكا الشمالية. وترتفع ناطحات السحاب الضخمة في المناطق التجارية والمالية النشطة. كما تصطف العمارات السكنية العالية على جانبي الشوارع العريضة ذات الأشجار العالية على الجانبين. وتجتذب المحلات الأنيقة والمطاعم والحانات والأندية الليلية أعدادًا كبيرة من الرواد. وتزدحم الطرق الواسعة في ساعات الذروة نتيجة الأعداد الكبيرة من السيارات. وتنقل الحافلات الجديدة وقطارات مترو الأنفاق ملايين السكان من أعمالهم وإليها.
وتصطف المباني ذات النمط الأسباني في الشوارع الضيقة المرصوفة بالأحجار، وفي الأقسام القديمة لكثير من مدن أمريكا اللاتينية. ومعظم المباني في هذه المناطق مبنية بالأحجار أو بالطين، كما أن نوافذ هذه المنازل مغطاة بالشبكات الحديدية. اشترت بعض المصالح الحكومية عددًا من هذه المنازل وقامت بصيانتها لكي تُستخدم كمتاحف للمعمار القديم.
تضم مجموعة أثرياء سكان المدن في أمريكا اللاتينية المصرفيين ورجال الصناعة والقادة العسكريين والسياسيين وملاك المشاريع الزراعية الكبرى الذين يفضلون الحياة في المدن. ويمثل هؤلاء الناس نسبة مئوية قليلة من السكان ولكنهم يتحكمون تمامًا في النظم الاقتصادية والسياسية في معظم الأقطار. ويعيش الأثرياء في شقق فخمة داخل المدينة أو يمتلكون قصورًا واسعة بها أحواض سباحة في الضواحي. ويسافر عدد كبير من الأثرياء كثيرًا إلى مختلف أنحاء العالم ويرسلون أبناءهم إلى الخارج للدراسة بالجامعات الأجنبية المشهورة.
وفي كل من مدن أمريكا اللاتينية طبقة وسطى أعدادها في تزايد مستمر. وتتكون هذه الطبقة من المهنيين وموظفي الدولة والعمال المهرة في المكاتب والمصانع والذين يملكون مشروعات الأعمال الصغيرة. تعيش معظم عائلات الطبقة الوسطى في شقق مريحة أو بيوت الأسر الصغيرة في الضواحي. وتستطيع هذه العائلات أن تمتلك سيارة وملابس أنيقة وتستمتع بالسفر في العطلات.
تواجه مدن أمريكا اللاتينية الكبيرة مثل المدن الكبرى في العالم مشاكل خطيرة مثل تلوث الهواء والمياه والازدحام السكاني ونسبة الجريمة المرتفعة، كما ينتشر الفقر والبطالة في مدن أمريكا اللاتينية فنتج عن ذلك زحف الملايين من فقراء الريف إلى المدن بحثًا عن العمل. ولا ينجح الكثير من هؤلاء المهاجرين في العثور على وظائف لأنهم يفتقدون الخبرات الضرورية والتعليم. كما أن معظم الذين يجدون وظائف يحصلون على دخول منخفضة.
يعيش معظم سكان المدن في الأحياء الفقيرة، وتتكدس معظم العائلات في أكواخ من الكرتون والخشب والصفيح يقيمونها في أراض ٍلا يملكونها، وتفتقر معظم هذه الأحياء الفقيرة إلى الكهرباء والمياه الصالحة للشرب والمجاري. هجر الآباء ملايين من أبنائهم لأنهم لا يستطيعون إطعامهم أو شراء الملابس لهم. ويجوب هؤلاء الأطفال المشردون الشوارع ولا يجدون أمامهم وسيلة للعيش إلا الشحاذة أو السرقة أو ممارسة مهن شاذة.
قامت عدة حكومات في أمريكا اللاتينية بهدم الأحياء الفقيرة واستبدلت بها مساكن قليلة التكلفة على نفقة الدولة. ولكن جهود البناء هذه لاتستطيع في مدن كثيرة أن تتماشى مع الأعداد الكبيرة من سكان المدن المتزايدة دائمًا. وتحاول حكومات كثيرة أن تشجع نمو الصناعة في المدن الصغيرة لكي تقلل ضغط السكان على المدن الكبيرة. وتحاول مراكز الشباب أن تقدم الملجأ لهؤلاء الأطفال. لكن تظل الأحياء الفقيرة والازدحام والفقر بمثابة المشاكل الخطيرة في هذه البلاد.
حياة الريف:
يسكن حوالي 30% من سكان أمريكا اللاتينية في المناطق الريفية، وغالبية هؤلاء السكان من المزارعين الفقراء الذين يسمون كَامبِسيِنو باللغة الأسبانية. يعيش معظم هؤلاء الكامبسينو حياة بائسة في المزارع الكبيرة التي يمتلكها الأثرياء أو الشركات الخاصة. وتسمى الواحدة من هذه المزارع هاسييندا في الأقطار التي تتكلم الأسبانية وتسمى فازيندا في البرازيل التي تتكلم البرتغالية. ويعمل هؤلاء في مزارع الموز وقصب السكر أو القطن. ينتمي معظم الكامبسينو الذين يعيشون في داخل القارة الخاضعة إلى فئة المستيزو (المولدين). ويعمل البعض الآخر في مزارع البن بينما يستأجر البعض أو يمتلك القليل منهم قطعًا صغيرة من الأرض الزراعية يزرعون فيها المحاصيل أو يربون الماشية من أجل توفير لقمة العيش لأسرهم وأطفالهم. ولا يستطيع معظم هؤلاء المزارعين مواجهة تكلفة المعدات الزراعية الحديثة، ولهذا فإنهم يستخدمون المعدات اليدوية.
تعيش غالبية الكامبسينو في قرى صغيرة. وفي الصباح الباكر يمشون على أرجلهم أو يركبون الحافلات أو الشاحنات من منازلهم القروية إلى حقولهم. وتتكون بعض القرى من عدد صغير من المنازل تتكدس بجوار بعضها البعض. أما القرى الكبرى فتوجد بها كنائس وعدد قليل من المحلات التجارية والمباني الحكومية حول ميدان يسمى البلازا.
يتجمع الناس في البلازا للتآنس والتسلية أيام الاحتفالات. ونجد في كثير من القرى أسواقًا مفتوحة يتجمع فيها الناس في نهاية الأسبوع لبيع أو شراء الطعام والمصنوعات اليدوية وتبادل الأخبار.
لا يوجد في معظم المنازل الريفية في أمريكا اللاتينية إلا غرفة واحدة أو غرفتان، وفي المناطق الاستوائية تقام حوائط المنازل من الخشب أو تبُنى من الطين وأعواد القش وتظل أرضية الغرف ترابية، وتغطى الأسقف بالقش والقصب أو بالصفيح. أما في القرى الجبلية فإن معظم المنازل تُبْنَى من الحجر أو الطوب ولها أسقف من القرميد الأحمر. ويعيش ملاك الأرض الأثرياء في قصور فاخرة يبنونها في مزارعهم الكبيرة. ولكن عددًا كبيرًا من ملاك الأرض يستأجرون مديرين لإدارة هذه المزارع بينما يقضون معظم أوقاتهم في المدن الكبيرة.
على العموم فإن مستوى حياة الريفيين أدنى كثيرًا من مستوى حياة سكان المدن. ولا تمتلك معظم الأسر الريفية الوسائل المريحة مثل الكهرباء أو المياه داخل المنازل أو الهاتف بالإضافة إلى هذا فإن قرى كثيرة تفتقر إلى المدارس والخدمات الاجتماعية. وقد أدى التوزيع غير المتساوي للثروة في المناطق الريفية في أمريكا اللاتينية إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة. وفي معظم أقطار أمريكا اللاتينية يمتلك عدد قليل من الأثرياء تقريبًا معظم الأراضي الزراعية الجيدة. ومعظم هذه الأراضي كان يمتلكها في الأصل أجداد هؤلاء الملاك من المستعمرين الذين هاجروا لهذه البلاد. وتستخدم الأرض لزراعة الموز والبن والذرة الشامية وقصب السكر والمحاصيل الأخرى التي تُزرع بهدف التصدير. ولا يمتلك غالبية الكامبسينو أراضي زراعية، أما الأقلية التي تمكنت من امتلاك أو استئجار قطع صغيرة من الأرض فإنهم يحصلون على مايقيم أودهم بشق الأنفس من الأرض ذات التربة الفقيرة. وقد اندفعت أعداد كبيرة من فقراء الريف إلى المدن بحثًا عن عمل بعد أن يئست من أن تعيش حياة معقولة في القرى.
حاولت كثير من حكومات أمريكا اللاتينية منذ منتصف هذا القرن أن تحسِّن الحياة في الريف حتى لا ينتقل الناس إلى المدن التي تعاني من الازدحام. وقد تبنت بعض الحكومات برامج الإصلاح الزراعي وذلك بشراء المزارع الكبرى وتقسيمها إلى مزارع صغيرة لتوزيعها على فقراء الفلاحين. كما قامت كثير من الحكومات ببناء الطرق ومد شبكات التيار الكهربائي، والخدمات الحديثة إلى اَلاف المدن الصغيرة والقرى. وفتحت الطرق المحسنة للوصول إلى المناطق النائية والاستقرار فيها. انتقلت كثير من الأسر منذ الستينيات من المناطق الريفية الفقيرة إلى المناطق الجديدة. ولكن عددًا من هذه الأماكن الجديدة، فشلت نظرًا للتكلفة المرتفعة لعمليات إصلاح الأرض المجدبة.
الحياة العائلية:
كانت العائلة ومازالت دائمًا ذات أهمية فائقة في ثقافة وتقاليد أمريكا اللاتينية. إن شعورًا قويًا بالولاء والتعاون يربط الجميع لا الأباء وأبناءهم فقط، بل يتعداه إلى الأجداد والعمات والخالات والأعمام والأخوال وأولاد وبنات الأعمام والأخوال كذلك. وغالبًا ما نجد هذه المشاعر مشتركة بين الأصدقاء وشركاء العمل والتجارة ويتعلم الأطفال طاعة وإجلال والديهم.كما يظهر الأطفال والكبار الاحترام لمن هم أكبر منهم سنًا. وتقدم هذه الأسرة الممتدة إلى أعضائها المساعدة المالية والأمن والأمان والحياة الاجتماعية.
يتكون النمط التقليدي للأسرة في أمريكا اللاتينية من الوالدين والأبناء والأجداد وقد يتكون أعضاء الأسرة من آخرين. وعادة ما يكون الرجل الذي يقدم أكبر إسهام مادي هو رب الأسرة. ولكن مع ذلك فإن النساء هن اللائي يقمن باتخاذ القرارات التي تخص الأسرة ومازالت معظم النساء ـ وخاصة في الريف ـ تتبع هذا التقليد. ولكن منذ بداية الخمسينيات من القرن العشرين توفرت فرص أكثر في التعليم والعمل للنساء. ونتيجة لهذا الأمر فإن أعدادًا أكبر من النساء وخاصة في المناطق الحضرية بدأت في الارتباط بأعمال خارج المنزل. ومنذ بداية الستينيات من هذا القرن فإن النساء في كل أقطار أمريكا اللاتينية حصلن على حق التصويت في الانتخابات. كما أن بعض النساء اخترن المشاركة في الحياة السياسية في البلاد، وتقلدت بعضهن وظائف حكومية قيادية في عدد كبير من أقطار أمريكا اللاتينية.
يمتد الشعور بالولاء والقرابة عميقًا بين الأفراد في أوساط الهنود والسود في أمريكا اللاتينية إلى مستويات تتعدى نطاق الأسرة لتشمل مجتمع كل من هاتين الجماعتين. إن معظم زنوج وهنود أمريكا اللاتينية يعتزون جدًا بتراثهم العرقي، فأعداد منهم يعيشون في مجتمعات صغيرة ويهبون حياتهم للعمل من أجل تحقيق الأهداف المشتركة لمجتمعاتهم بدلاً من العمل من أجل مغانم شخصية. إن كثيرًا من السود والهنود يظهرون اعتزازًا بكونهم ينتمون إلى مجموعاتهم العرقية أو قبائلهم أكثر من أعتزازهم بأنهم مواطنون ينتمون إلى الدولة.
الملابس:
. تتباين أزياء اللباس الوطني في أمريكا اللاتينية من منطقة إلى أخرى تبعًا لتباين كل من المناخ والتقاليد. يرتدي الكثير من سكان المدن ملابس مثل تلك التي يرتديها الناس في أوروبا وأمريكا الشمالية. ولكن يفضل كثير من الريفيين الملابس التقليدية. أما في الأعياد والمناسبات الخاصة الأخرى فإن سكان أمريكا اللاتينية يرتدون الملابس التقليدية، التي تمتاز عادة بالألوان البراقة والأزياء الصارخة. وللاطلاع على صورة لهذه الأزياء التقليدية. ★ تَصَفح: الملابس.
يفضل سكان الريف في أمريكا اللاتينية الذين يعيشون في مناخ استوائي أن يلبسوا الملابس القطنية الخفيفة، ويرتدي الرجال قمصانًا واسعة فضفاضة، وترتدي النساء تنورات طويلة وصديريات ذات أكمام طويلة، ويحتاج سكان القرى الجبلية ملابس ثقيلة للوقاية من البرد. ويلبس كل من الرجال والنساء البونشو وهو بطانية ذات فتحة مستديرة في منتصفها لإدخال الرأس. وتلبس النساء أيضًا تنورات كاملة وصديريات ذات أكمام طويلة ويتلفَّعَن عادة بشالات زاهية الألوان حول أكتافهن، ويلبس الفلاحون قبعات من القش أو اللباد للحماية من أشعة الشمس أثناء العمل في الحقول. ويمشي سكان الريف في العادة حفاة أو يلبسون الخفاف وكثير منهم لا يلبسون إلا خفًا صنعوه من إطارات السيارات القديمة.
يمتاز سكان بعض مناطق أمريكا اللاتينية بارتداء أزياء مميزة إلى حد بعيد. فعلى سبيل المثال ترتدي الهنديات اللاتي يعشن في مرتفعات بوليفيا قبعات سوداء مستديرة. كذلك يرتدي رعاة البقر الغاوشو في الأرجنتين وأروجواي البنشو وسراويل فضفاضة يُدخلون أطرافها السفلى في أطراف الأحذية ذات الرقبة المنخفضة ويلبسون كذلك القبعات ذات الحافة الواسعة. ويلبس كثير من الهنود ملابس زاهية الألوان ذات أشكال تقليدية. ووسط كل هذه المجموعات، فإن لكل قرية ألوانًا وتصميمات ملابس خاصة تستخدمها منذ مئات السنين. وكثير من الهنديات يرتدين حول خصورهن أحزمة خاصة مجدولة، وتستخدم النساء هذه الأحزمة في كثير من الأحيان كنطاق للرأس يثبتن بها الحزم أو الصرر التي يحملنها فوق رؤوسهن.
الطعام والشراب:
يعد القمح الغذاء الرئيسي لمعظم سكان أمريكا اللاتينية، ويقدم كثير من سكان المكسيك وأمريكا الوسطى التورتيا وهو رغيف خبز مفرود مصنوع من دقيق الذرة الشامية أو القمح في معظم الوجبات، وتشكل الفاصوليا والأرز الجانب الرئيسي من طعام معظم الزنوج الذين يسكنون جزر الهند الغربية. إن سكان المناطق الجبلية في أمريكا الجنوبية يأكلون عادة البطاطس، أما سكان المناطق الاستوائية فيأكلون المينهوت (الكسافا) وهو طعام يصنع من درنات نباتات تحتوي على نسبة عالية من النشويات. أما سكان الأرجنتين وأروجواي فإنهم يأكلون أنواعًا عديدة من أطعمة تُصنع من القمح ويأكل معظم سكان أمريكا اللاتينية القليل من اللحوم لأنهم لا يقدرون على أسعارها العالية. غير أن سكان الأرجنتين وأروجواي يستهلكون كميات كبيرة من اللحوم حيث أنهم يعيشون في بلاد تتوفر فيها أعداد كبيرة من الأبقار. كما أن الناس الذين يعيشون على شواطئ الأنهار أو بالقرب من سواحل المحيطات يأكلون في العادة الأسماك والمحاريات. وتتبل عدة من أطباق الطعام السائدة في أمريكا اللاتينية بالبصل والفلفل.
يأكل الناس في المناطق الاستوائية أنواعًا من الفواكه الاستوائية مثل الموز والمانجو والبرتقال والأناناس. كما أن سكان أمريكا اللاتينية يشربون القهوة وأنواعًا متنوعة من عصير الفواكه ونوعًا من الشاي يسمونه الماتيه، كما يتعاطون المشروبات الكحولية المتنوعة.
يستمتع أفراد الطبقتين الوسطى والعليا بأنواع متعددة مما هو فوق قدرة الطبقات الفقيرة. فهم يأكلون بانتظام أنواعًا متعددة من اللحوم، بالإضافة إلى أنواع من الطعام مصنعة وطازجة. إن غذاء معظم فقراء أمريكا اللاتينية يتكون من النشويات ويفتقر إلى عناصر التغذية المهمة، ويعاني كثير من الفقراء في المناطق الريفية والأحياء الفقيرة في المدن من سوء التغذية.
الترويح:
يستمتع سكان أمريكا اللاتينية بتشكيلة كبيرة من الأنشطة التي تمارس في الهواء الطلق. إن لعبة كرة القدم هي أكثر الألعاب شعبية في القارة. ويبدأ كثير من الأولاد والبنات في ممارسة كرة القدم بمجرد أن يتعلموا المشي. ويحتشد مئات الآلاف من المتفرجين في الملاعب الضخمة في كل مدن أمريكا اللاتينية لمشاهدة اللاعبين المحترفين في مباريات كرة القدم. وقد أصبح نجوم كرة القدم أبطالاً قوميين وقد حصل النجم البرازيلي بيليه على الشهرة كأعظم لاعب كرة قدم في العالم في الستينيات من القرن العشرين.
اكتسبت لعبة كرة القاعدة (البيسبول) شعبية كبيرة خاصة في جزر الهند الغربية وفي الأقطار التي تقع على البحر الكاريبي وأصبح عدد من لاعبي المنطقة نجومًا في فرق البيسبول في الولايات المتحدة وكندا. كما أن للعبة الكريكيت شعبية في جزر البهاما وجامايكا وترينيداد وتوباجو. كما تجتذب مصارعة الثيران أعدادا ضخمة من المتفرجين في كولومبيا والمكسيك وبيرو وفنزويلا. وتشمل الألعاب المشهورة الأخرى سباق السيارات وكرة السلة وسباق الخيل وكرة الشبكة.
أما في المناطق الساحلية فإن جموعًا غفيرة تذهب بانتظام إلى الشواطئ في عطلة نهاية الأسبوع. وتشمل الأنشطة المفضلة ركوب الزوارق، وصيد السمك، والسباحة، وركوب الأمواج والتزحلق على سطح البحر. وتذهب كثير من العائلات لقضاء الليل في رحلات خيام يقيمونها في الغابات. وخلال شهور الشتاء تتمتع الأسر الغنية بالتزلج على الجليد في المنتجعات الجبلية. وتعد زيارة الأهل والأصدقاء من النشاطات الترفيهية الرئيسية، ويستمتع كثير من الناس بالاستماع إلى المذياع أو مشاهدة التلفاز. أما في المدن فإن النشاطات الترفيهية الشائعة تشمل الذهاب إلى الحدائق والمتاحف وحضور المسرحيات والحفلات الموسيقية والسينما. ويساهم عدد كبير من سكان أمريكا اللاتينية في المهرجانات البهيجة التي تعقد في المناسبات الوطنية والدينية. وتتضمن كثير من هذه المهرجانات استعراضات يحمل فيها الناس أعلامًا ذات ألوان بهيجة ويملأ الراقصون الذين يلبسون ملابس تقليدية مميزة، الشوارع ويعزفون موسيقى جميلة ويقيمون مباريات وألعابًا نارية.
الدين:
غالبية سكان أمريكا اللاتينية مسيحيون. والأغلبية المطلقة منهم ينتمون إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. ولكن من ينتمون إلى الكنائس البروتستانتية في تزايد مستمر. وتضمن قوانين معظم أقطار أمريكا اللاتينية حرية العقيدة، على الرغم من أن بعض الدول تدعم رسميًا الكنيسة الكاثوليكية. وهناك مجموعات دينية أخرى في أمريكا اللاتينية تشمل المسلمين والبوذيين والهندوس واليهود. كما أن بعض الزنوج وهنود أمريكا الأصليين مازالوا يعبدون اَلهة دياناتهم وثقافتهم القديمة.
الكنيسة الكاثوليكية. لقد نشر المكتشفون الأسبان والبرتغاليون الديانة الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية ونجحوا في إقناع أو إرغام عدد كبير من السكان الأصليين على اعتناق الكاثوليكية. وينتمي حوالي 80 % من السكان إلى الكنيسة الكاثوليكية. مع ذلك فإن عدد الكاثوليك الذين يمارسون شعائر الدين فعلاً يختلف من قطر إلى اَخر. إن كثيرًا من الذين ينتمون إلى أصول هندية أو إفريقية يمزجون الشعائر الكاثوليكية مع العقائد الروحية لثقافاتهم التقليدية. وتمارس الكنيسة الكاثوليكية تأثيرًا كبيرًا على حياة الناس اليومية في بعض أقطار أمريكا اللاتينية. يمثل موظفو الكنيسة مختلف الأفكار السياسية ويشاركون في كل مستويات النشاط الحكومي، ولهم دور فعال في مجالس الإدارة للهيئات المختصة بكل التخطيط والأعمال الخيرية. وبالإضافة إلى قيامهم بممارسة واجبات شعائرهم الدينية. فإن قساوسة الأحياء والقرى يعملون من أجل الإصلاح الاجتماعي بالنيابة عن الفقراء في مناطقهم.
مارست الكنيسة الكاثوليكية سلطة سياسية كبيرة أثناء الحكم الاستعماري الأوروبي في كل بلاد أمريكا اللاتينية. وقد سيطرت الكنيسة على التعليم وامتلكت ضيعات شاسعة المساحة، وممتلكات غيرها. وقد حصلت كثير من مستعمرات أمريكا اللاتينية على الاستقلال في بداية القرن التاسع عشر الميلادي. أيد بعض رجال الدين حركات الاستقلال هذه، ولكن عددًا كبيرًا منهم عارض هذه الحركات. ولهذا فإن كثيرًا من الحكومات المستقلة حديثًا اتخذت خطوات لتقليل سلطات ونفوذ الكنيسة الكاثوليكية. قامت هذه الحكومات بمصادرة كثير من أملاك الكنيسة الكاثوليكية كما قامت بتقليل سيطرتهم على التعليم، والمستشفيات، والمقابر ولجان جمع التبرعات العامة، كما أن بعض الحكومات قامت بإلغاء هذه السيطرة تمامًا.
في بداية القرن العشرين ارتبطت الكنيسة الكاثوليكية ارتباطًا وثيقًا بالقيادات العسكرية والأثرياء من كبار ملاك الأراضي الذين تحكموا في كثير من حكومات أمريكا اللاتينية. ولكن مع ذلك ومنذ نهاية الستينيات من القرن العشرين ازداد نشاط الكنيسة في النضال من أجل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. وقد قام كثير من قيادات الكنيسة بنقد حكومات أمريكا اللاتينية بشدة لفشلها في توفير الخدمات المناسبة للفقراء. وقد أدى هذا النقد إلى صدامات خطيرة بين القيادات الدينية والقيادات السياسية في عدد من الأقطار.
البروتستانتية. يصل عدد البروتستانت في أمريكا اللاتينية إلى حوالي 5% من سكان المنطقة، ويتكونون من أتباع الكنيسة المعمدانية، والكنيسة الأسقفية (الأبسكوبية)، والكنيسة اللوثرية، والكنيسة المنهجية (الميثودية). ويعيش معظم البروتستانت في جزر الهند الغربية التي كانت بريطانيا تحكمها سابقًا وفي جزر الأنتيل التي كانت تحكمها هولندا.
منذ أواخر الستينيات من القرن العشرين بدأ ملايين من سكان أمريكا اللاتينية في الانضمام إلى أعداد متنوعة من الكنائس اعتمادًا على البنتكوستالية وهي شكل عاطفي من الطقوس النصرانية التي تركز على الصلاة. ومعظم الأعضاء الجدد في الكنائس البنتكوستالية كانوا أعضاء سابقين في الكنيسة الكاثوليكية ثم تخلوا عنها. وقد اختلف كثير منهم مع الكنيسة الكاثوليكية بسبب ارتباطها النشط بحركات الإصلاح الاجتماعي، كما اكتسبت كنيسة يسوع المسيح للقديسين العصريين عددًا كبيرًا من الأتباع، ويعتبر أعضاء هذه الكنيسة وكنائس البنتكوستالية المجموعات الأكثر نموًا وانتشارًا في أمريكا اللاتينية الآن.
تتباين أنماط المعيشة في مدن أمريكا اللاتينية تباينًا جذريًا عن مثيلاتها في المناطق الريفية. تسير الحياة في المدينة بسرعة والمدن الكبرى هي مراكز الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية. وتتوفر في هذه المدن تشكيلة من الأنشطة الثقافية والترفيهية المفعمة بالإثارة المتنوعة. وعلى الرغم من أن أعدادًا كبيرة من سكان المدن فقراء إلا أن أعدادًا متزايدة منهم تتمتع بمستوى معيشي جيد. أما في المناطق الريفية فإن التغيير كان محدودًا جدًا طوال القرون الماضية. تمتلك أقلية من الأثرياء أو من المؤسسات الكبيرة غالبية الأراضي الزراعية في معظم أقطار أمريكا اللاتينية. ويعمل معظم السكان الريفيين الساعات الطويلة في المزارع الكبرى نظير أجور منخفضة. ويعيش كثير منهم في فقر مدقع.
حياة المدن:
في عام 1940م، كان حوالي 65% من سكان أمريكا اللاتينية يعيشون في مناطق ريفية. أما اليوم فإن حوالي 70% منهم يعيشون في مناطق حضرية. وتصنف أربع مدن وضواحيها في أمريكا اللاتينية ضمن أكبر المراكز الحضرية في العالم. والمدن هي: مكسيكو سيتي في المكسيك وساو باولو في البرازيل، وبوينس إيريس في الأرجنتين وريو دي جانيرو في البرازيل.
وتشبه المدن الكبيرة في أمريكا اللاتينية ـ من زوايا متعددة ـ مدن غرب أوروبا وأمريكا الشمالية. وترتفع ناطحات السحاب الضخمة في المناطق التجارية والمالية النشطة. كما تصطف العمارات السكنية العالية على جانبي الشوارع العريضة ذات الأشجار العالية على الجانبين. وتجتذب المحلات الأنيقة والمطاعم والحانات والأندية الليلية أعدادًا كبيرة من الرواد. وتزدحم الطرق الواسعة في ساعات الذروة نتيجة الأعداد الكبيرة من السيارات. وتنقل الحافلات الجديدة وقطارات مترو الأنفاق ملايين السكان من أعمالهم وإليها.
إسكان الطبقة الوسطى في أمريكا اللاتينية يتكون من شقق بعمارات حديثة أو بيوت مريحة تصلح لأسرة واحدة. وهذه الصورة لحي من أحياء الطبقة الوسطى في مدينة لاباز في بوليفيا والذي يتكون من شقق صغيرة وأخرى كبيرة. |
تضم مجموعة أثرياء سكان المدن في أمريكا اللاتينية المصرفيين ورجال الصناعة والقادة العسكريين والسياسيين وملاك المشاريع الزراعية الكبرى الذين يفضلون الحياة في المدن. ويمثل هؤلاء الناس نسبة مئوية قليلة من السكان ولكنهم يتحكمون تمامًا في النظم الاقتصادية والسياسية في معظم الأقطار. ويعيش الأثرياء في شقق فخمة داخل المدينة أو يمتلكون قصورًا واسعة بها أحواض سباحة في الضواحي. ويسافر عدد كبير من الأثرياء كثيرًا إلى مختلف أنحاء العالم ويرسلون أبناءهم إلى الخارج للدراسة بالجامعات الأجنبية المشهورة.
وفي كل من مدن أمريكا اللاتينية طبقة وسطى أعدادها في تزايد مستمر. وتتكون هذه الطبقة من المهنيين وموظفي الدولة والعمال المهرة في المكاتب والمصانع والذين يملكون مشروعات الأعمال الصغيرة. تعيش معظم عائلات الطبقة الوسطى في شقق مريحة أو بيوت الأسر الصغيرة في الضواحي. وتستطيع هذه العائلات أن تمتلك سيارة وملابس أنيقة وتستمتع بالسفر في العطلات.
تواجه مدن أمريكا اللاتينية الكبيرة مثل المدن الكبرى في العالم مشاكل خطيرة مثل تلوث الهواء والمياه والازدحام السكاني ونسبة الجريمة المرتفعة، كما ينتشر الفقر والبطالة في مدن أمريكا اللاتينية فنتج عن ذلك زحف الملايين من فقراء الريف إلى المدن بحثًا عن العمل. ولا ينجح الكثير من هؤلاء المهاجرين في العثور على وظائف لأنهم يفتقدون الخبرات الضرورية والتعليم. كما أن معظم الذين يجدون وظائف يحصلون على دخول منخفضة.
الأحياء الفقيرة المنتشرة حول مدن أمريكا اللاتينية الكبيرة. وقد توسعت هذه المناطق نتيجة زحف ملايين الفقراء من الريف بحثًا عن حياة أفضل. وتوضح الصورة كيف أن العديد من الأسر الفقيرة تتكدس في أكواخ خشبية بائسة في أحد أحياء ساو باولو الفقيرة في البرازي |
قامت عدة حكومات في أمريكا اللاتينية بهدم الأحياء الفقيرة واستبدلت بها مساكن قليلة التكلفة على نفقة الدولة. ولكن جهود البناء هذه لاتستطيع في مدن كثيرة أن تتماشى مع الأعداد الكبيرة من سكان المدن المتزايدة دائمًا. وتحاول حكومات كثيرة أن تشجع نمو الصناعة في المدن الصغيرة لكي تقلل ضغط السكان على المدن الكبيرة. وتحاول مراكز الشباب أن تقدم الملجأ لهؤلاء الأطفال. لكن تظل الأحياء الفقيرة والازدحام والفقر بمثابة المشاكل الخطيرة في هذه البلاد.
حياة الريف:
يسكن حوالي 30% من سكان أمريكا اللاتينية في المناطق الريفية، وغالبية هؤلاء السكان من المزارعين الفقراء الذين يسمون كَامبِسيِنو باللغة الأسبانية. يعيش معظم هؤلاء الكامبسينو حياة بائسة في المزارع الكبيرة التي يمتلكها الأثرياء أو الشركات الخاصة. وتسمى الواحدة من هذه المزارع هاسييندا في الأقطار التي تتكلم الأسبانية وتسمى فازيندا في البرازيل التي تتكلم البرتغالية. ويعمل هؤلاء في مزارع الموز وقصب السكر أو القطن. ينتمي معظم الكامبسينو الذين يعيشون في داخل القارة الخاضعة إلى فئة المستيزو (المولدين). ويعمل البعض الآخر في مزارع البن بينما يستأجر البعض أو يمتلك القليل منهم قطعًا صغيرة من الأرض الزراعية يزرعون فيها المحاصيل أو يربون الماشية من أجل توفير لقمة العيش لأسرهم وأطفالهم. ولا يستطيع معظم هؤلاء المزارعين مواجهة تكلفة المعدات الزراعية الحديثة، ولهذا فإنهم يستخدمون المعدات اليدوية.
تعيش غالبية الكامبسينو في قرى صغيرة. وفي الصباح الباكر يمشون على أرجلهم أو يركبون الحافلات أو الشاحنات من منازلهم القروية إلى حقولهم. وتتكون بعض القرى من عدد صغير من المنازل تتكدس بجوار بعضها البعض. أما القرى الكبرى فتوجد بها كنائس وعدد قليل من المحلات التجارية والمباني الحكومية حول ميدان يسمى البلازا.
يتجمع الناس في البلازا للتآنس والتسلية أيام الاحتفالات. ونجد في كثير من القرى أسواقًا مفتوحة يتجمع فيها الناس في نهاية الأسبوع لبيع أو شراء الطعام والمصنوعات اليدوية وتبادل الأخبار.
لا يوجد في معظم المنازل الريفية في أمريكا اللاتينية إلا غرفة واحدة أو غرفتان، وفي المناطق الاستوائية تقام حوائط المنازل من الخشب أو تبُنى من الطين وأعواد القش وتظل أرضية الغرف ترابية، وتغطى الأسقف بالقش والقصب أو بالصفيح. أما في القرى الجبلية فإن معظم المنازل تُبْنَى من الحجر أو الطوب ولها أسقف من القرميد الأحمر. ويعيش ملاك الأرض الأثرياء في قصور فاخرة يبنونها في مزارعهم الكبيرة. ولكن عددًا كبيرًا من ملاك الأرض يستأجرون مديرين لإدارة هذه المزارع بينما يقضون معظم أوقاتهم في المدن الكبيرة.
على العموم فإن مستوى حياة الريفيين أدنى كثيرًا من مستوى حياة سكان المدن. ولا تمتلك معظم الأسر الريفية الوسائل المريحة مثل الكهرباء أو المياه داخل المنازل أو الهاتف بالإضافة إلى هذا فإن قرى كثيرة تفتقر إلى المدارس والخدمات الاجتماعية. وقد أدى التوزيع غير المتساوي للثروة في المناطق الريفية في أمريكا اللاتينية إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة. وفي معظم أقطار أمريكا اللاتينية يمتلك عدد قليل من الأثرياء تقريبًا معظم الأراضي الزراعية الجيدة. ومعظم هذه الأراضي كان يمتلكها في الأصل أجداد هؤلاء الملاك من المستعمرين الذين هاجروا لهذه البلاد. وتستخدم الأرض لزراعة الموز والبن والذرة الشامية وقصب السكر والمحاصيل الأخرى التي تُزرع بهدف التصدير. ولا يمتلك غالبية الكامبسينو أراضي زراعية، أما الأقلية التي تمكنت من امتلاك أو استئجار قطع صغيرة من الأرض فإنهم يحصلون على مايقيم أودهم بشق الأنفس من الأرض ذات التربة الفقيرة. وقد اندفعت أعداد كبيرة من فقراء الريف إلى المدن بحثًا عن عمل بعد أن يئست من أن تعيش حياة معقولة في القرى.
حاولت كثير من حكومات أمريكا اللاتينية منذ منتصف هذا القرن أن تحسِّن الحياة في الريف حتى لا ينتقل الناس إلى المدن التي تعاني من الازدحام. وقد تبنت بعض الحكومات برامج الإصلاح الزراعي وذلك بشراء المزارع الكبرى وتقسيمها إلى مزارع صغيرة لتوزيعها على فقراء الفلاحين. كما قامت كثير من الحكومات ببناء الطرق ومد شبكات التيار الكهربائي، والخدمات الحديثة إلى اَلاف المدن الصغيرة والقرى. وفتحت الطرق المحسنة للوصول إلى المناطق النائية والاستقرار فيها. انتقلت كثير من الأسر منذ الستينيات من المناطق الريفية الفقيرة إلى المناطق الجديدة. ولكن عددًا من هذه الأماكن الجديدة، فشلت نظرًا للتكلفة المرتفعة لعمليات إصلاح الأرض المجدبة.
الحياة العائلية:
كانت العائلة ومازالت دائمًا ذات أهمية فائقة في ثقافة وتقاليد أمريكا اللاتينية. إن شعورًا قويًا بالولاء والتعاون يربط الجميع لا الأباء وأبناءهم فقط، بل يتعداه إلى الأجداد والعمات والخالات والأعمام والأخوال وأولاد وبنات الأعمام والأخوال كذلك. وغالبًا ما نجد هذه المشاعر مشتركة بين الأصدقاء وشركاء العمل والتجارة ويتعلم الأطفال طاعة وإجلال والديهم.كما يظهر الأطفال والكبار الاحترام لمن هم أكبر منهم سنًا. وتقدم هذه الأسرة الممتدة إلى أعضائها المساعدة المالية والأمن والأمان والحياة الاجتماعية.
يتكون النمط التقليدي للأسرة في أمريكا اللاتينية من الوالدين والأبناء والأجداد وقد يتكون أعضاء الأسرة من آخرين. وعادة ما يكون الرجل الذي يقدم أكبر إسهام مادي هو رب الأسرة. ولكن مع ذلك فإن النساء هن اللائي يقمن باتخاذ القرارات التي تخص الأسرة ومازالت معظم النساء ـ وخاصة في الريف ـ تتبع هذا التقليد. ولكن منذ بداية الخمسينيات من القرن العشرين توفرت فرص أكثر في التعليم والعمل للنساء. ونتيجة لهذا الأمر فإن أعدادًا أكبر من النساء وخاصة في المناطق الحضرية بدأت في الارتباط بأعمال خارج المنزل. ومنذ بداية الستينيات من هذا القرن فإن النساء في كل أقطار أمريكا اللاتينية حصلن على حق التصويت في الانتخابات. كما أن بعض النساء اخترن المشاركة في الحياة السياسية في البلاد، وتقلدت بعضهن وظائف حكومية قيادية في عدد كبير من أقطار أمريكا اللاتينية.
يمتد الشعور بالولاء والقرابة عميقًا بين الأفراد في أوساط الهنود والسود في أمريكا اللاتينية إلى مستويات تتعدى نطاق الأسرة لتشمل مجتمع كل من هاتين الجماعتين. إن معظم زنوج وهنود أمريكا اللاتينية يعتزون جدًا بتراثهم العرقي، فأعداد منهم يعيشون في مجتمعات صغيرة ويهبون حياتهم للعمل من أجل تحقيق الأهداف المشتركة لمجتمعاتهم بدلاً من العمل من أجل مغانم شخصية. إن كثيرًا من السود والهنود يظهرون اعتزازًا بكونهم ينتمون إلى مجموعاتهم العرقية أو قبائلهم أكثر من أعتزازهم بأنهم مواطنون ينتمون إلى الدولة.
الملابس:
. تتباين أزياء اللباس الوطني في أمريكا اللاتينية من منطقة إلى أخرى تبعًا لتباين كل من المناخ والتقاليد. يرتدي الكثير من سكان المدن ملابس مثل تلك التي يرتديها الناس في أوروبا وأمريكا الشمالية. ولكن يفضل كثير من الريفيين الملابس التقليدية. أما في الأعياد والمناسبات الخاصة الأخرى فإن سكان أمريكا اللاتينية يرتدون الملابس التقليدية، التي تمتاز عادة بالألوان البراقة والأزياء الصارخة. وللاطلاع على صورة لهذه الأزياء التقليدية. ★ تَصَفح: الملابس.
يفضل سكان الريف في أمريكا اللاتينية الذين يعيشون في مناخ استوائي أن يلبسوا الملابس القطنية الخفيفة، ويرتدي الرجال قمصانًا واسعة فضفاضة، وترتدي النساء تنورات طويلة وصديريات ذات أكمام طويلة، ويحتاج سكان القرى الجبلية ملابس ثقيلة للوقاية من البرد. ويلبس كل من الرجال والنساء البونشو وهو بطانية ذات فتحة مستديرة في منتصفها لإدخال الرأس. وتلبس النساء أيضًا تنورات كاملة وصديريات ذات أكمام طويلة ويتلفَّعَن عادة بشالات زاهية الألوان حول أكتافهن، ويلبس الفلاحون قبعات من القش أو اللباد للحماية من أشعة الشمس أثناء العمل في الحقول. ويمشي سكان الريف في العادة حفاة أو يلبسون الخفاف وكثير منهم لا يلبسون إلا خفًا صنعوه من إطارات السيارات القديمة.
يمتاز سكان بعض مناطق أمريكا اللاتينية بارتداء أزياء مميزة إلى حد بعيد. فعلى سبيل المثال ترتدي الهنديات اللاتي يعشن في مرتفعات بوليفيا قبعات سوداء مستديرة. كذلك يرتدي رعاة البقر الغاوشو في الأرجنتين وأروجواي البنشو وسراويل فضفاضة يُدخلون أطرافها السفلى في أطراف الأحذية ذات الرقبة المنخفضة ويلبسون كذلك القبعات ذات الحافة الواسعة. ويلبس كثير من الهنود ملابس زاهية الألوان ذات أشكال تقليدية. ووسط كل هذه المجموعات، فإن لكل قرية ألوانًا وتصميمات ملابس خاصة تستخدمها منذ مئات السنين. وكثير من الهنديات يرتدين حول خصورهن أحزمة خاصة مجدولة، وتستخدم النساء هذه الأحزمة في كثير من الأحيان كنطاق للرأس يثبتن بها الحزم أو الصرر التي يحملنها فوق رؤوسهن.
إعداد التورتيا وهي رغيف خبز مفرود من الذرة الشامية والقمح يعتبر مهمة يومية لنساء المكسيك. أعداد كبيرة في المكسيك وبلاد أمريكا الوسطى يأكلون التورتيلا في كل الوجبات. والحبوب هي الغذاء الرئيسي للسكان لأنهم لا يستطيعون شراء اللحم. |
يعد القمح الغذاء الرئيسي لمعظم سكان أمريكا اللاتينية، ويقدم كثير من سكان المكسيك وأمريكا الوسطى التورتيا وهو رغيف خبز مفرود مصنوع من دقيق الذرة الشامية أو القمح في معظم الوجبات، وتشكل الفاصوليا والأرز الجانب الرئيسي من طعام معظم الزنوج الذين يسكنون جزر الهند الغربية. إن سكان المناطق الجبلية في أمريكا الجنوبية يأكلون عادة البطاطس، أما سكان المناطق الاستوائية فيأكلون المينهوت (الكسافا) وهو طعام يصنع من درنات نباتات تحتوي على نسبة عالية من النشويات. أما سكان الأرجنتين وأروجواي فإنهم يأكلون أنواعًا عديدة من أطعمة تُصنع من القمح ويأكل معظم سكان أمريكا اللاتينية القليل من اللحوم لأنهم لا يقدرون على أسعارها العالية. غير أن سكان الأرجنتين وأروجواي يستهلكون كميات كبيرة من اللحوم حيث أنهم يعيشون في بلاد تتوفر فيها أعداد كبيرة من الأبقار. كما أن الناس الذين يعيشون على شواطئ الأنهار أو بالقرب من سواحل المحيطات يأكلون في العادة الأسماك والمحاريات. وتتبل عدة من أطباق الطعام السائدة في أمريكا اللاتينية بالبصل والفلفل.
أحد الأسواق الشعبية التي تقام في الهواء الطلق. وهو سوق شعبي في ريو بامبا بالإكوادور. ويوجد مثل هذا السوق في كل أنحاء أمريكا اللاتينية. |
يستمتع أفراد الطبقتين الوسطى والعليا بأنواع متعددة مما هو فوق قدرة الطبقات الفقيرة. فهم يأكلون بانتظام أنواعًا متعددة من اللحوم، بالإضافة إلى أنواع من الطعام مصنعة وطازجة. إن غذاء معظم فقراء أمريكا اللاتينية يتكون من النشويات ويفتقر إلى عناصر التغذية المهمة، ويعاني كثير من الفقراء في المناطق الريفية والأحياء الفقيرة في المدن من سوء التغذية.
الترويح:
يستمتع سكان أمريكا اللاتينية بتشكيلة كبيرة من الأنشطة التي تمارس في الهواء الطلق. إن لعبة كرة القدم هي أكثر الألعاب شعبية في القارة. ويبدأ كثير من الأولاد والبنات في ممارسة كرة القدم بمجرد أن يتعلموا المشي. ويحتشد مئات الآلاف من المتفرجين في الملاعب الضخمة في كل مدن أمريكا اللاتينية لمشاهدة اللاعبين المحترفين في مباريات كرة القدم. وقد أصبح نجوم كرة القدم أبطالاً قوميين وقد حصل النجم البرازيلي بيليه على الشهرة كأعظم لاعب كرة قدم في العالم في الستينيات من القرن العشرين.
كرة القدم هي الرياضة المفضلة في أمريكا اللاتينية وتوجد ملاعبها في معظم المدن الكبرى. وهذه صورة لملعب في مدينة مكسيكو سيتي. وتجذب هذه الرياضة حشوداً من المشاهدين خاصة في منافسات البطولات. |
أما في المناطق الساحلية فإن جموعًا غفيرة تذهب بانتظام إلى الشواطئ في عطلة نهاية الأسبوع. وتشمل الأنشطة المفضلة ركوب الزوارق، وصيد السمك، والسباحة، وركوب الأمواج والتزحلق على سطح البحر. وتذهب كثير من العائلات لقضاء الليل في رحلات خيام يقيمونها في الغابات. وخلال شهور الشتاء تتمتع الأسر الغنية بالتزلج على الجليد في المنتجعات الجبلية. وتعد زيارة الأهل والأصدقاء من النشاطات الترفيهية الرئيسية، ويستمتع كثير من الناس بالاستماع إلى المذياع أو مشاهدة التلفاز. أما في المدن فإن النشاطات الترفيهية الشائعة تشمل الذهاب إلى الحدائق والمتاحف وحضور المسرحيات والحفلات الموسيقية والسينما. ويساهم عدد كبير من سكان أمريكا اللاتينية في المهرجانات البهيجة التي تعقد في المناسبات الوطنية والدينية. وتتضمن كثير من هذه المهرجانات استعراضات يحمل فيها الناس أعلامًا ذات ألوان بهيجة ويملأ الراقصون الذين يلبسون ملابس تقليدية مميزة، الشوارع ويعزفون موسيقى جميلة ويقيمون مباريات وألعابًا نارية.
الدين:
غالبية سكان أمريكا اللاتينية مسيحيون. والأغلبية المطلقة منهم ينتمون إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. ولكن من ينتمون إلى الكنائس البروتستانتية في تزايد مستمر. وتضمن قوانين معظم أقطار أمريكا اللاتينية حرية العقيدة، على الرغم من أن بعض الدول تدعم رسميًا الكنيسة الكاثوليكية. وهناك مجموعات دينية أخرى في أمريكا اللاتينية تشمل المسلمين والبوذيين والهندوس واليهود. كما أن بعض الزنوج وهنود أمريكا الأصليين مازالوا يعبدون اَلهة دياناتهم وثقافتهم القديمة.
الكنيسة الكاثوليكية. لقد نشر المكتشفون الأسبان والبرتغاليون الديانة الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية ونجحوا في إقناع أو إرغام عدد كبير من السكان الأصليين على اعتناق الكاثوليكية. وينتمي حوالي 80 % من السكان إلى الكنيسة الكاثوليكية. مع ذلك فإن عدد الكاثوليك الذين يمارسون شعائر الدين فعلاً يختلف من قطر إلى اَخر. إن كثيرًا من الذين ينتمون إلى أصول هندية أو إفريقية يمزجون الشعائر الكاثوليكية مع العقائد الروحية لثقافاتهم التقليدية. وتمارس الكنيسة الكاثوليكية تأثيرًا كبيرًا على حياة الناس اليومية في بعض أقطار أمريكا اللاتينية. يمثل موظفو الكنيسة مختلف الأفكار السياسية ويشاركون في كل مستويات النشاط الحكومي، ولهم دور فعال في مجالس الإدارة للهيئات المختصة بكل التخطيط والأعمال الخيرية. وبالإضافة إلى قيامهم بممارسة واجبات شعائرهم الدينية. فإن قساوسة الأحياء والقرى يعملون من أجل الإصلاح الاجتماعي بالنيابة عن الفقراء في مناطقهم.
مارست الكنيسة الكاثوليكية سلطة سياسية كبيرة أثناء الحكم الاستعماري الأوروبي في كل بلاد أمريكا اللاتينية. وقد سيطرت الكنيسة على التعليم وامتلكت ضيعات شاسعة المساحة، وممتلكات غيرها. وقد حصلت كثير من مستعمرات أمريكا اللاتينية على الاستقلال في بداية القرن التاسع عشر الميلادي. أيد بعض رجال الدين حركات الاستقلال هذه، ولكن عددًا كبيرًا منهم عارض هذه الحركات. ولهذا فإن كثيرًا من الحكومات المستقلة حديثًا اتخذت خطوات لتقليل سلطات ونفوذ الكنيسة الكاثوليكية. قامت هذه الحكومات بمصادرة كثير من أملاك الكنيسة الكاثوليكية كما قامت بتقليل سيطرتهم على التعليم، والمستشفيات، والمقابر ولجان جمع التبرعات العامة، كما أن بعض الحكومات قامت بإلغاء هذه السيطرة تمامًا.
في بداية القرن العشرين ارتبطت الكنيسة الكاثوليكية ارتباطًا وثيقًا بالقيادات العسكرية والأثرياء من كبار ملاك الأراضي الذين تحكموا في كثير من حكومات أمريكا اللاتينية. ولكن مع ذلك ومنذ نهاية الستينيات من القرن العشرين ازداد نشاط الكنيسة في النضال من أجل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. وقد قام كثير من قيادات الكنيسة بنقد حكومات أمريكا اللاتينية بشدة لفشلها في توفير الخدمات المناسبة للفقراء. وقد أدى هذا النقد إلى صدامات خطيرة بين القيادات الدينية والقيادات السياسية في عدد من الأقطار.
البروتستانتية. يصل عدد البروتستانت في أمريكا اللاتينية إلى حوالي 5% من سكان المنطقة، ويتكونون من أتباع الكنيسة المعمدانية، والكنيسة الأسقفية (الأبسكوبية)، والكنيسة اللوثرية، والكنيسة المنهجية (الميثودية). ويعيش معظم البروتستانت في جزر الهند الغربية التي كانت بريطانيا تحكمها سابقًا وفي جزر الأنتيل التي كانت تحكمها هولندا.
منذ أواخر الستينيات من القرن العشرين بدأ ملايين من سكان أمريكا اللاتينية في الانضمام إلى أعداد متنوعة من الكنائس اعتمادًا على البنتكوستالية وهي شكل عاطفي من الطقوس النصرانية التي تركز على الصلاة. ومعظم الأعضاء الجدد في الكنائس البنتكوستالية كانوا أعضاء سابقين في الكنيسة الكاثوليكية ثم تخلوا عنها. وقد اختلف كثير منهم مع الكنيسة الكاثوليكية بسبب ارتباطها النشط بحركات الإصلاح الاجتماعي، كما اكتسبت كنيسة يسوع المسيح للقديسين العصريين عددًا كبيرًا من الأتباع، ويعتبر أعضاء هذه الكنيسة وكنائس البنتكوستالية المجموعات الأكثر نموًا وانتشارًا في أمريكا اللاتينية الآن.