من يتذكّر بطلة فيلم (سايكو).. جانيت لي!؟
علي كامل
أكانت هي قيلولتها الأخيرة في تلك الظهيرة الباردة من أكتوبر؟ أهكذا بعد كل وهج ذلك الضوء ولمعان تلك المرايا وصخب تلك الموسيقى، تسدل "جانيت لي" جفنيها هكذا بهدوء وسلام، ومن دون ضجيج، لتغفو غفوتها الطويلة الأخيرة؟
هكذا توقف فجأة قلب الممثلة مس لي "كما كان يحلو لمعجبيها أن يسمونها" تلك الظهيرة الباردة في 3 أكتوبر عام 2004 في منزلها الكائن في حي بيفرلي هيلز في كاليفورنيا هناك حيث كان يجلس الى سرير موتها روبرت برانت زوجها ونجمتان مضيئتان تبعتا مدارها ومدار والدهما توني كيرتس، الممثلتان جيمي لي كيرتس وشقيقتها كيلي كيرتس.
انطفأت شمعة في المنزل وساد صمت الموت والغياب، وانتهى فصل طويل كان مليئاً بالضوء والضحك والعشق والضجيج والموسيقى.
تهاوى عمود آخر من أعمدة تلك القلعة الأسطورية "هوليوود" ليُدوّن اسم آخر في سجلها الحافل بالذكريات.
في كتاب سيرتها الذاتية الموسوم "كانت هوليوود حقاً" 1984 كتبت جانيت لي.. كانت عائلتي فقيرة. كنت الطفل الوحيد لأهلي. كان والدي يتنقل بنا من مكان لآخر بحثاً عن لقمة العيش، لحين جاءت السينما وانتشلتني من تلك العتمة وحلّقت بي الى الأعالي، وأرتني أماكن وأماكن لا تُصدَّق.. كنت جنجر روجرز.. نورما شيرر.. وكنت جوان كرافورد.
لقد استطعت أن أغني .. أرقص .. كنت أعرف، منذ صغري، أنني أريد أن أكون نجمة في هذا الفضاء الرحب "السينما" وكان ذلك هو أمنيتي الوحيدة في هذا العالم..).
ولدت جانيت لي واسمها الحقيقي هو جينيتا هيلين موريسون، عام 1927 في كاليفورنيا، في عائلة عمالية فقيرة، حيث كان والدها يتنقل من مهنة لأخرى ومدينة إلى مدينة بحثاً عن عمل.
وحدها الصدفة هي التي كشفت عن موهبة تلك الفتاة الجميلة ذو التسعة عشر عاماً، والتي تُذكّرنا بذات الصدفة التي أُكتشفت فيها النجمة الهوليودية آنا تورنر.
لقد صادف وأن رأت نورما شيرر، نجمة هوليود في العشرينات والثلاثينات، صورة الفتاة الشابة معلّقة في مكتب استعلامات الفندق الذي كان يعمل فيه والد جوليت الخرف، فأخذت تلك الصورة وأعطتها الى وكيل أعمالها الذي قدمها بدوره الى ستوديو "ميترو غولدوين ماير" ومن هناك ابتدأت رحلتها الطويلة.
لقد اجتازت جانيت الامتحان بتفوق واقتحمت وهج الأضواء وهي ابنة التسعة عشر ربيعاً. أما حكاية تغيير اسمها، فقد كان أن رآها المنتج السينمائي لويس . ب . ماير، وأُعجب بتلك الفتاة الشقراء، فأبدل اسمها بـ "جانيت لي" وشرع أمامها الباب واسعاً لتحلّق عالياً، نجمة ألقة في سماوات هوليود.
كان ظهورها الأو ل في عالم السينما في فيلم " The Romance Of Rosy Ridge " عام 1947 حيث لعبت الدور الرئيسي فيه أمام الممثل فان جونسون، وكذلك في فيلم "عالمَ الموسيقى" الذي لعبت فيه الدور الرئيسي أيضاً بمصاحبة جودي غارلند وميكي روني.
ومن أدوارها الجميلة الأخرى دورها الرئيسي في فيلم "الفتاة الحلوة"، ودورها المميز في فيلم "النساء الصغيرات" الذي ظهرت فيه الى جانب إليزابيث تايلور ، جون أليسون ومارغريت أوبرين أما "أختي إيلين" 1955 فقد كان واحداً من أفلامها الجميلة التي لا تُنسى.
تزوجت مس لي عام 1942 من جون كارليل، إلا أن تلك الزيجة لم تدم طويلاً، فتزوجت ثانية من ستانلي ريميس عام 1948 إلا أنها طلقته بعد عامين. أما زواجها الثالث 1951 فكان هذه المرة من وسيم الشاشة الشهير توني كيرتس، وهو الزواج الرومانسي السعيد الذي دام أحد عشر عاماً، ظهرا خلالها معاً في خمسة افلام امتدت من عام 1951 وحتى عام 1960:
Houdini , The Black Shield of Falworth ,The Vikings , The Perfect Furlough , Who was that lady ?
تطلقّت جانيت لي من كيرتس عام 1962 بعد أن أنجبت منه نجمتان لامعتان، وتزوجت من روبرت برانت بعد عامين، وهو الزواج الذي دام الى الآخر حتى ساعة وفاتها.
في سيرتها الذاتية كتبت جانيت لي:".. توني وأنا أمضينا أوقاتاً رائعة وجميلة معاً. كانت حقبة ساحرة ومثيرة في هوليوود. لقد حدثت أشياء عظيمة كثيرة، لكن الأعظم هو: طفلتان فاتنتان.".
مثلّت جانيت لي ما يقرب الستين فيلماً، لعبت فيها أدواراً رئيسية مع جهابذة التمثيل في السينما، أمثال روبيرت متشوم، جيمس ستيوارت، جون ويـن، فكتور ماتور، غاري كوبر، سيناترا وسواهم.
ومن بين أفلامها الشهيرة والجميلة الأخرى أيضاً، فيلم Scaramouche عام 1952، و The naked spur عام 1953 الذي لعب فيه الدور الرئيسي معها جيمس ستيوارت، كذلك فيلم Bye Bye Birdie عام 1963 وفيلم Harper عام 1966 الذي لعب معها فيه الدور الرئيسي بول نيومان. إلا أن "مس لي" كانت تعشق من بين كل تلك الأفلام ثلاثة أفلام هي قريبة الى قلبها، بل أنها تشعر بالفخر في أدائها، على حد قولها، وهي حقاً أفضل الأفلام في كل زمان، وهي حسب تسلسلها التأريخي وليس أهميتها: فيلم "لمسة الشيطان" لأورسن ويلز 1958 وكان لعب الدور معها تشارلتون هلتون وأورسن ويلز. وفيلم "سايكو" لألفريد هيتشكوك الى جانب الممثل الممسوس أنتوني بيركنز. والفيلم الثالث وهو فيلم سياسي يتناول موضوع المكارثية والشيوعية في ظل الحرب الباردة، والذي شاركها فيه الممثل والمغني الشهير فرانك سيناترا وهو بعنوان "مرشح منشوريا" الذي أخرجه جون فرانكينيمر عام 1962.
ومن بين مشاهد أفلامها الستين جميعاً، يبرز مشهد القتل الشهير، الذي تجري أحداثه في حوض الاستحمام في فيلم (سايكو)، ذلك المشهد الذي عذب مخيلة المتفرجين منذ عرضه الأول وحتى وقتنا الراهن، والذي يعتبر، حقاً، من أعنف المشاهد في تأريخ السينما في العالم.
لقد صور هيتشكوك ذلك المشهد في سبعين لقطة عَبر سبعين زاوية للكاميرا، وكانت مدة كل لقطة على الشاشة تستغرق ثانيتين أو ثلاثة بتوليف حاد، قاس وسريع. هل يمكننا نسيان ذلك التقطيع الصوري، الذي كان يصحبه زعيق آلات كمان موسيقى بيرنارد هيرمان المتقطع الرهيب، ومؤثرات سكين تُغمد في الجسد، تقابلها صرخات الموت التي تطلقها الضحية جانيت لي؟
تقول جانيت في هذا الصدد:
"ظل هذا المشهد يلازمني طوال حياتي. لقد أرعبني الفيلم بعد المونتاج. إن تمثيل المشهد ومشاهدته، هما شيئان مختلفان. بتلك الموسيقى المتقطعة وومضات السكين، تُحس أن السكين متجهة نحوك مباشرة لتُغرز في جسدك. لم أكن أعرف أن هيتشكوك سيقلب كل شيء على عقب في مرحلة المونتاج . لقد صُوّر المشهد في سبعة أيام، سبعة أيام وأنا داخل حوض الاستحمام، ولا أعرف ماذا يحدث وراء الكاميرا. لقد صوّر هيتشكوك سبعين لقطة، عَبر سبعين زاوية نظر للكاميرا، وحين انتهينا من التصوير وبدأ المونتاج، ورأيت النسخة النهائية، صُعقت، وسألت نفسي: كيف وافقت على أداء دور بهذا العنف وتلك الوحشية؟لم أستطع، حقاً، بعد مشاهدتي الفيلم أخذ حمام دوش ثانية أبداً. كنت أغتسل في البانيو فقط، صدقوني، وهذا الشيء أقوله ليس من باب الإثارة أو الدعاية. أقسم بالله إن ما أقوله حقيقة..".
الجدير بالملاحظة أن هيتشكوك صّور الفيلم بالأسود والأبيض عمداً لتوخي أن يُحدث لون الدم صدمة قوية عند الجمهور. أما مشهد القتل فقد ولد حقاً في غرفة المونتاج.
ما قالته جانيت لي، بشأن حمام الدوش يذكّرني حقاً بقصة طريفة مشابهة، رواها هيتشكوك في كتابه عن سايكو يقول فيها أنه تسلّم ذات يوم رسالة من امرأة تشكوه من أن ابنتها قد امتنعت عن أن تغتسل في البانيو بعد مشاهدتها لقطة الغرق في حوض الاغتسال في فيلم "الشرير" *، أما بعد مشاهدتها فيلم سايكو، فقد امتنعت هذه المرة من أن تأخذ حمام دوش مرة أخرى. ثم سألته بعد ذلك، ماذا عليها أن تفعل؟ فأجابها هيتشكوك وبديهته تقدح طرافة، قائلاً:"أنصحكِ أن تإخذيها الى ماكنة لغسل وتنظيف الملابس!!"..
إن الخمس وأربعين دقيقة التي لعبتها الممثلة جانيت لي في فيلم سايكو، ذلك المشهد الذي يُتّوج بموت دراماتيكي بطعنات السكين المرعبة، نالت عليه جائزة الكرة الأرضية الذهبية، وكذلك الأوسكار، وأيضاً شرفة في تأريخ هوليوود.
سأُلت مرة عن شعورها وهي تُسأل دائماً عن مشهد القتل في البانيو، على الرغم من أهمية أفلامها الستين الباقية، أجابت:".. أن يتذكّر المرء مشهداً واحداً عظيماً، هو أفضل بكثير من أن يتوقف عند الكثير من الأفلام التي تخلو من هذه الصفة..".
لقد عاشت جانيت لي حياة حافلة بالأحداث على صعيد السينما وعلى الصعيد الشخصي . فقد كانت نجمة هوليوود الألقة في الخمسينات والستينات، و كانت أيضاً إنسانة متوقدة الذكاء وهزلية ومسلية في حياتها العادية خارج الشاشة.
ظهرت جانيت لي في السنوات الأخيرة مع ابنتها الممثلة جيمي لي في فيلم بعنوان " الضباب " عام 1980.
لعبت جيمي لي عام 1998 دور البطولة في سلسلة أفلام شهيرة تدعى "هالاوين" وظهرت والدتها في واحد من تلك السلسلة من الأفلام، وهو "هالاوين H20" ..
كانت جانيت لي تتمتع بصحة جيدة حتى آخر عام من حياتها، لكنها سقطت ضحية لمرض التهاب أنسجة الأوعية الدموية الذي لازمها عاماً كاملاً، منهياً حياتها في الثالث من أكتوبر 2004 حيث توفيت في منزلها الكائن في حي بيفرلي هيلز في كاليفورنيا عن عمر ناهز السابعة والسبعين عاماً، تاركة ورائها أثراً مميزاً منقوشاً في تأريخ السينما يصعب محوه.
في وصيتها طلبت أن يُمنح إرثها جميعه الى ”مؤسسة الصور المتحركة والتلفزيون“. فضلاً عن
ذلك، وكما يقول ممثلها لشؤون الإعلام جون فريزر، أن الممثلة جانيت لي كانت أسست جمعية اجتماعية، نظمت من خلالها صندوقاً خيرياً لجمع التبرعات من ألمع نجوم السينما من المخرجين السينمائيين في العالم، هدفها تقديم الرعاية الصحية والعلاج الطبي لأولئك الذين يعملون في صناعة السينما والتلفزيون....
***
هامش :
* فيلم "الشّرير" أُنتج عام 1955 (أي قبل إنتاج فيلم سايكو) والذي أخرجه الفرنسي هنري جورج كلوست.
يتحّدث الفيلم عن جريمة قتل ترتكبها امرأة إزاء زوجها السادي عن طريق إغراقه في حوض البانيو.
-------------------
إليكم رابط مشهد الحماّم!
https://youtu.be/cWo6e1xUL0o
علي كامل
أكانت هي قيلولتها الأخيرة في تلك الظهيرة الباردة من أكتوبر؟ أهكذا بعد كل وهج ذلك الضوء ولمعان تلك المرايا وصخب تلك الموسيقى، تسدل "جانيت لي" جفنيها هكذا بهدوء وسلام، ومن دون ضجيج، لتغفو غفوتها الطويلة الأخيرة؟
هكذا توقف فجأة قلب الممثلة مس لي "كما كان يحلو لمعجبيها أن يسمونها" تلك الظهيرة الباردة في 3 أكتوبر عام 2004 في منزلها الكائن في حي بيفرلي هيلز في كاليفورنيا هناك حيث كان يجلس الى سرير موتها روبرت برانت زوجها ونجمتان مضيئتان تبعتا مدارها ومدار والدهما توني كيرتس، الممثلتان جيمي لي كيرتس وشقيقتها كيلي كيرتس.
انطفأت شمعة في المنزل وساد صمت الموت والغياب، وانتهى فصل طويل كان مليئاً بالضوء والضحك والعشق والضجيج والموسيقى.
تهاوى عمود آخر من أعمدة تلك القلعة الأسطورية "هوليوود" ليُدوّن اسم آخر في سجلها الحافل بالذكريات.
في كتاب سيرتها الذاتية الموسوم "كانت هوليوود حقاً" 1984 كتبت جانيت لي.. كانت عائلتي فقيرة. كنت الطفل الوحيد لأهلي. كان والدي يتنقل بنا من مكان لآخر بحثاً عن لقمة العيش، لحين جاءت السينما وانتشلتني من تلك العتمة وحلّقت بي الى الأعالي، وأرتني أماكن وأماكن لا تُصدَّق.. كنت جنجر روجرز.. نورما شيرر.. وكنت جوان كرافورد.
لقد استطعت أن أغني .. أرقص .. كنت أعرف، منذ صغري، أنني أريد أن أكون نجمة في هذا الفضاء الرحب "السينما" وكان ذلك هو أمنيتي الوحيدة في هذا العالم..).
ولدت جانيت لي واسمها الحقيقي هو جينيتا هيلين موريسون، عام 1927 في كاليفورنيا، في عائلة عمالية فقيرة، حيث كان والدها يتنقل من مهنة لأخرى ومدينة إلى مدينة بحثاً عن عمل.
وحدها الصدفة هي التي كشفت عن موهبة تلك الفتاة الجميلة ذو التسعة عشر عاماً، والتي تُذكّرنا بذات الصدفة التي أُكتشفت فيها النجمة الهوليودية آنا تورنر.
لقد صادف وأن رأت نورما شيرر، نجمة هوليود في العشرينات والثلاثينات، صورة الفتاة الشابة معلّقة في مكتب استعلامات الفندق الذي كان يعمل فيه والد جوليت الخرف، فأخذت تلك الصورة وأعطتها الى وكيل أعمالها الذي قدمها بدوره الى ستوديو "ميترو غولدوين ماير" ومن هناك ابتدأت رحلتها الطويلة.
لقد اجتازت جانيت الامتحان بتفوق واقتحمت وهج الأضواء وهي ابنة التسعة عشر ربيعاً. أما حكاية تغيير اسمها، فقد كان أن رآها المنتج السينمائي لويس . ب . ماير، وأُعجب بتلك الفتاة الشقراء، فأبدل اسمها بـ "جانيت لي" وشرع أمامها الباب واسعاً لتحلّق عالياً، نجمة ألقة في سماوات هوليود.
كان ظهورها الأو ل في عالم السينما في فيلم " The Romance Of Rosy Ridge " عام 1947 حيث لعبت الدور الرئيسي فيه أمام الممثل فان جونسون، وكذلك في فيلم "عالمَ الموسيقى" الذي لعبت فيه الدور الرئيسي أيضاً بمصاحبة جودي غارلند وميكي روني.
ومن أدوارها الجميلة الأخرى دورها الرئيسي في فيلم "الفتاة الحلوة"، ودورها المميز في فيلم "النساء الصغيرات" الذي ظهرت فيه الى جانب إليزابيث تايلور ، جون أليسون ومارغريت أوبرين أما "أختي إيلين" 1955 فقد كان واحداً من أفلامها الجميلة التي لا تُنسى.
تزوجت مس لي عام 1942 من جون كارليل، إلا أن تلك الزيجة لم تدم طويلاً، فتزوجت ثانية من ستانلي ريميس عام 1948 إلا أنها طلقته بعد عامين. أما زواجها الثالث 1951 فكان هذه المرة من وسيم الشاشة الشهير توني كيرتس، وهو الزواج الرومانسي السعيد الذي دام أحد عشر عاماً، ظهرا خلالها معاً في خمسة افلام امتدت من عام 1951 وحتى عام 1960:
Houdini , The Black Shield of Falworth ,The Vikings , The Perfect Furlough , Who was that lady ?
تطلقّت جانيت لي من كيرتس عام 1962 بعد أن أنجبت منه نجمتان لامعتان، وتزوجت من روبرت برانت بعد عامين، وهو الزواج الذي دام الى الآخر حتى ساعة وفاتها.
في سيرتها الذاتية كتبت جانيت لي:".. توني وأنا أمضينا أوقاتاً رائعة وجميلة معاً. كانت حقبة ساحرة ومثيرة في هوليوود. لقد حدثت أشياء عظيمة كثيرة، لكن الأعظم هو: طفلتان فاتنتان.".
مثلّت جانيت لي ما يقرب الستين فيلماً، لعبت فيها أدواراً رئيسية مع جهابذة التمثيل في السينما، أمثال روبيرت متشوم، جيمس ستيوارت، جون ويـن، فكتور ماتور، غاري كوبر، سيناترا وسواهم.
ومن بين أفلامها الشهيرة والجميلة الأخرى أيضاً، فيلم Scaramouche عام 1952، و The naked spur عام 1953 الذي لعب فيه الدور الرئيسي معها جيمس ستيوارت، كذلك فيلم Bye Bye Birdie عام 1963 وفيلم Harper عام 1966 الذي لعب معها فيه الدور الرئيسي بول نيومان. إلا أن "مس لي" كانت تعشق من بين كل تلك الأفلام ثلاثة أفلام هي قريبة الى قلبها، بل أنها تشعر بالفخر في أدائها، على حد قولها، وهي حقاً أفضل الأفلام في كل زمان، وهي حسب تسلسلها التأريخي وليس أهميتها: فيلم "لمسة الشيطان" لأورسن ويلز 1958 وكان لعب الدور معها تشارلتون هلتون وأورسن ويلز. وفيلم "سايكو" لألفريد هيتشكوك الى جانب الممثل الممسوس أنتوني بيركنز. والفيلم الثالث وهو فيلم سياسي يتناول موضوع المكارثية والشيوعية في ظل الحرب الباردة، والذي شاركها فيه الممثل والمغني الشهير فرانك سيناترا وهو بعنوان "مرشح منشوريا" الذي أخرجه جون فرانكينيمر عام 1962.
ومن بين مشاهد أفلامها الستين جميعاً، يبرز مشهد القتل الشهير، الذي تجري أحداثه في حوض الاستحمام في فيلم (سايكو)، ذلك المشهد الذي عذب مخيلة المتفرجين منذ عرضه الأول وحتى وقتنا الراهن، والذي يعتبر، حقاً، من أعنف المشاهد في تأريخ السينما في العالم.
لقد صور هيتشكوك ذلك المشهد في سبعين لقطة عَبر سبعين زاوية للكاميرا، وكانت مدة كل لقطة على الشاشة تستغرق ثانيتين أو ثلاثة بتوليف حاد، قاس وسريع. هل يمكننا نسيان ذلك التقطيع الصوري، الذي كان يصحبه زعيق آلات كمان موسيقى بيرنارد هيرمان المتقطع الرهيب، ومؤثرات سكين تُغمد في الجسد، تقابلها صرخات الموت التي تطلقها الضحية جانيت لي؟
تقول جانيت في هذا الصدد:
"ظل هذا المشهد يلازمني طوال حياتي. لقد أرعبني الفيلم بعد المونتاج. إن تمثيل المشهد ومشاهدته، هما شيئان مختلفان. بتلك الموسيقى المتقطعة وومضات السكين، تُحس أن السكين متجهة نحوك مباشرة لتُغرز في جسدك. لم أكن أعرف أن هيتشكوك سيقلب كل شيء على عقب في مرحلة المونتاج . لقد صُوّر المشهد في سبعة أيام، سبعة أيام وأنا داخل حوض الاستحمام، ولا أعرف ماذا يحدث وراء الكاميرا. لقد صوّر هيتشكوك سبعين لقطة، عَبر سبعين زاوية نظر للكاميرا، وحين انتهينا من التصوير وبدأ المونتاج، ورأيت النسخة النهائية، صُعقت، وسألت نفسي: كيف وافقت على أداء دور بهذا العنف وتلك الوحشية؟لم أستطع، حقاً، بعد مشاهدتي الفيلم أخذ حمام دوش ثانية أبداً. كنت أغتسل في البانيو فقط، صدقوني، وهذا الشيء أقوله ليس من باب الإثارة أو الدعاية. أقسم بالله إن ما أقوله حقيقة..".
الجدير بالملاحظة أن هيتشكوك صّور الفيلم بالأسود والأبيض عمداً لتوخي أن يُحدث لون الدم صدمة قوية عند الجمهور. أما مشهد القتل فقد ولد حقاً في غرفة المونتاج.
ما قالته جانيت لي، بشأن حمام الدوش يذكّرني حقاً بقصة طريفة مشابهة، رواها هيتشكوك في كتابه عن سايكو يقول فيها أنه تسلّم ذات يوم رسالة من امرأة تشكوه من أن ابنتها قد امتنعت عن أن تغتسل في البانيو بعد مشاهدتها لقطة الغرق في حوض الاغتسال في فيلم "الشرير" *، أما بعد مشاهدتها فيلم سايكو، فقد امتنعت هذه المرة من أن تأخذ حمام دوش مرة أخرى. ثم سألته بعد ذلك، ماذا عليها أن تفعل؟ فأجابها هيتشكوك وبديهته تقدح طرافة، قائلاً:"أنصحكِ أن تإخذيها الى ماكنة لغسل وتنظيف الملابس!!"..
إن الخمس وأربعين دقيقة التي لعبتها الممثلة جانيت لي في فيلم سايكو، ذلك المشهد الذي يُتّوج بموت دراماتيكي بطعنات السكين المرعبة، نالت عليه جائزة الكرة الأرضية الذهبية، وكذلك الأوسكار، وأيضاً شرفة في تأريخ هوليوود.
سأُلت مرة عن شعورها وهي تُسأل دائماً عن مشهد القتل في البانيو، على الرغم من أهمية أفلامها الستين الباقية، أجابت:".. أن يتذكّر المرء مشهداً واحداً عظيماً، هو أفضل بكثير من أن يتوقف عند الكثير من الأفلام التي تخلو من هذه الصفة..".
لقد عاشت جانيت لي حياة حافلة بالأحداث على صعيد السينما وعلى الصعيد الشخصي . فقد كانت نجمة هوليوود الألقة في الخمسينات والستينات، و كانت أيضاً إنسانة متوقدة الذكاء وهزلية ومسلية في حياتها العادية خارج الشاشة.
ظهرت جانيت لي في السنوات الأخيرة مع ابنتها الممثلة جيمي لي في فيلم بعنوان " الضباب " عام 1980.
لعبت جيمي لي عام 1998 دور البطولة في سلسلة أفلام شهيرة تدعى "هالاوين" وظهرت والدتها في واحد من تلك السلسلة من الأفلام، وهو "هالاوين H20" ..
كانت جانيت لي تتمتع بصحة جيدة حتى آخر عام من حياتها، لكنها سقطت ضحية لمرض التهاب أنسجة الأوعية الدموية الذي لازمها عاماً كاملاً، منهياً حياتها في الثالث من أكتوبر 2004 حيث توفيت في منزلها الكائن في حي بيفرلي هيلز في كاليفورنيا عن عمر ناهز السابعة والسبعين عاماً، تاركة ورائها أثراً مميزاً منقوشاً في تأريخ السينما يصعب محوه.
في وصيتها طلبت أن يُمنح إرثها جميعه الى ”مؤسسة الصور المتحركة والتلفزيون“. فضلاً عن
ذلك، وكما يقول ممثلها لشؤون الإعلام جون فريزر، أن الممثلة جانيت لي كانت أسست جمعية اجتماعية، نظمت من خلالها صندوقاً خيرياً لجمع التبرعات من ألمع نجوم السينما من المخرجين السينمائيين في العالم، هدفها تقديم الرعاية الصحية والعلاج الطبي لأولئك الذين يعملون في صناعة السينما والتلفزيون....
***
هامش :
* فيلم "الشّرير" أُنتج عام 1955 (أي قبل إنتاج فيلم سايكو) والذي أخرجه الفرنسي هنري جورج كلوست.
يتحّدث الفيلم عن جريمة قتل ترتكبها امرأة إزاء زوجها السادي عن طريق إغراقه في حوض البانيو.
-------------------
إليكم رابط مشهد الحماّم!
https://youtu.be/cWo6e1xUL0o