اضاءة على تجربة الرسامة يسرى العبادي –

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اضاءة على تجربة الرسامة يسرى العبادي –

    منابع الذاكرة تطلق التعبير عن الوجدان الابداعي –
    اضاءة على تجربة الرسامة يسرى العبادي –

    فاروق سلوم

    تأملت اشتغالات الرسامة يسرى العبادي - Yusra Alabadiوكأني امام متراكم ابداعي مذهل من ثروة اللاوعي تطلقها الرسامة في اعمالها الباهرة . انها تستعيد من مخيال الطفولة كل منابع التعبير الحر الخلاق الذي ارادت "التعبيرية" أن يتعلمه الفنان ليتقن التعبير الذاتي الأصيل كمرآة الفنان ذاته وهو يتخيل العالم او يرسمه .
    ومع تجربة الرسامة العبادي تذكرت ايضا جمهرة من اعظم رسامي العصر الذين منحتهم الطفولة طريقة عملهم وابداعهم " مثل - كاندينسكي ، وبول كلي ، وماتيس ، وبيكاسو ، وميرو ، ودوبوفيت – واندي وارهول واخرون من معماريين ومصورين ورسامين ، حيث الهمتهم الطفولة حين درسوا التغييرات او "التشويهات" العفوية والمتعمدة لرسوم الأطفال كما لو أنهم ، مثل الأحلام ، يختارون طريقًا رفيعا إلى اللاوعي حيث يمكن استعادة فطرة الأبداع ونقائه المفقود وبصيرته البيضاء .
    وذكرتني ايضا اعمال الرسامة العبادي بما كتبه ماتيس يوما وهو يقدم معرضه الأستعادي في الخمسينات من القرن الماضي بعنوان "النظر إلى الحياة بعيون طفل". قائلا : "على الفنان أن ينظر إلى كل شيء كما لو أنه يرآه لأول مرة : عليه أن ينظر إلى الحياة كما كان يفعل عندما كان طفلاً ، وإذا فقد تلك القوة ، فلن يتمكن بطريقة شخصية من التعبير عن نفسه بفن أصيل" ..
    *
    لكن الرسامة العبادي هنا استطاعت ان تبتكر اسلوبها في النظر الى الأشياء او استعادتها برؤية حذرة ومتنبهه الى ماتفعله على سطح لوحتها . انها تستعيد البراءة الخلاقة في زمن افتقد لكل براءة وكأن اللوحة التي ترسمها تطلق حالتي سلام ومتعة مفتقدتين في عالمنا اليوم ويبدو ذلك اننا نحتاج مايعيده الينا مثل هذا الفن .
    وحين نتأمل عناصر الرسم في لوحتها ، نجد انها تمتلك " براءة العين" كما يسميها جون روسكين وهي تلتقط من مصادرها ، في الذاكرة او استعاداتها مصادر الحداثة التي حكى عنها بودلير في "رسام الحياة الحديثة "في القرن التاسع عشر .
    ان يسرى العبادي في اعمالها الباهرة تعبر عن امتلاكها النعمة البصرية التي تجعل من تجريبيتها منهجا واسلوبا يبلغ مدركات شخصيتها الفنية وبعد ذلك تكريس اسلوبيتها كمنجز ذاتي يشي بثقافتها وهويتها وحرفيتها المكرسة ونظرتها الى العالم الذي ترسمه .
    لو استعدنا مع الرسامة اسس التعبيرية في الرسم وكيف اقترحت هذه المدرسة، الحرية والبراءة في التعبير عن الوجدان لرأينا كيف ان العبادي لم تكتفي بتلك الحرية او البراءة انما ذهبت ابعد من ذلك حين تبدو شخوصها ولوحاتها في حالات ومواقف تطلق علامات المعنى الذي تنطوي عليه مواقف الرسامة . هنا حيث المرأة وطفولتها وجدلية وجودها في عالم نقدي صارم وصادم ايضا . لكن الميزة الأكثر حضورا في اعمال العبادي هي العناصر الجمالية التي تضفيها على اللوحة في التقنيات والتنويعات اللونية واسلوبيتها في اغناء عناصر بصرية تثري اللوحة وعناصر الرسم ودلالاته في عملها الفني .
    وكلما حاولت مام اعمال يسرى العبادي ان اتحدث عن " البدائية البصرية" التي تخلق الفن وتطلقه كمادة جمالية حديثة ، تذكرت مقولة الناقد بيتر شيلدال - Peter Schijeldahl- من ان "النقد الفني هو عقبة مهنية " حيث يعني ان الناقد او الكاتب لاينبغي ان يحل محل الفنان فهو لايفسر الفن الذي ينتجه كما انه لايعبر عن ارائه وليس من واجبه الدفاع عن الفنان . لكننا في حالة الرسامة العبادي نجد انفسنا ممتلئين بطاقة ابداعية تعيد الينا دور هذه الحرية وهذه البراءة في تأكيد " العناصر واللبنات الأساسية للحداثة ،" كما عبر عنها رسامون ومعماريون منذ وقت مبكر للباوهاوس وما اعقبها من متغيرات في الرسم والتصميم مثل براك ،و موندريان ، كاندينسكي وبول كلي ،و لو كوربوزييه وفرانك لويد رايت وغيرهم كثيرون .
    الأشارات الاثنوغرافية العميقة لشخصيات واعمال العبادي تشير الى دراسة ثقافية معمقة للغة الجسد والبيئة التي تحيط بالعمل ومكوناته وترسم انعكاسات مايحيط بتلك الشخصيات من ظروف بطريقة تحافظ فيه على الخصائص الفنية لأسلوبها الذي ابتكرته طوال مسيرتها الفنية .
    ان الأثنوغرافيها كمنهج لدراسة المجموعات و الأصول البشرية وثقافاتها ومايحيط بها من ظروف مادية وروحية ، لا تبدو هنا متقصده في حالات الأستعادة الغنية التي تقوم بها الرسامة من خلال المرأة كشريحة اجتماعية انما هي نتاج نظرتنا الى الفن الذي تنتجه العبادي عندما يبدو النقد " العقبة المهنية" التي يمثلها دور النقد او القاريء لتجربة الرسام & الرسامة ودلالاتها المعرفية والأبداعية .
    انا شخصيا لااستطيع الكتابة عن عمل دون ان احبه ، واعترف انني مأخوذ بما بلغته الرسامة العراقية يسرى العبادي بعد تجارب طويلة في الدراسة والعروض والمشاركات من ملامح اصيلة في الهوية الثقافية والأسلوب ومنهجية اختيار موضوعاتها وشخوصها وطريقة استعادة العوالم الغائبة والمفقودة .
    تبدو العبادي وكأنها تصنع لنا عالما جماليا نحتاجه بحق ، عالما يحتمل رضانا ودهشتنا وانشغالنا بما تعرضه لنا، والأكثر وضوحا ان ماتعكسه الجوانب الروحية والأنسانية في شخصية الرسامة عبر التفاصيل الدقيقة ، انما يمنح اعمالها ولوحاتها وعناصرها الفنية كل معاني الهوية الخاصة والتكريس الأسلوبي والرؤية الفنية الحاضرة .
    اضاءات فنية – فاروق سلوم
يعمل...
X