بمناسبة وفاة الرسامة الأمريكية " مارگريت كين " في 26 يونيو / حزيران 2022 .. عن 94 عاماً
هادي ياسين
عيون واسعةBig Eyes
هذا الفيلم يستند الى القصة الحقيقية للمحنة التي مرّت بها الرسامة الأمريكية " مرگريت كين " خلال السنوات العشر من علاقتها بزوجها المخادع " والتر كين " الذي سلبها شخصيتها و هويتها ، بمراوغاته و حِيَلهِ ، حين راح يقدّم لوحاتها في المعارض و يجني من ورائها الأموال على أنها أعماله هو ، خصوصاً و أنه دفعها الى أن توقع هذه الأعمال بإسم ( كين ) فقط و ليس بإسمها السابق " مارگريت أوليبرك " ، ما يذكرنا بتغييب " بيكاسو " لزوجته الفنانة الفرنسية " فرانسواز جيلو" التي دفعها الى الظل فيما تقدم هو المشهد على حسابها ، فنشرت حكايتها معه في كتابها ( حياتي مع بيكاسو ) ، الذي ترجمته الى العربية الأديبة و المترجمة العراقية الأستاذة " مي مظفر " . ولكن " بيكاسو" كان فناناً حقيقياً ، فيما " والتر كين " منتحل . كما تذكرنا هذه القصة بالفنانة الأمريكية " جورجيا أوكيف " ( 1887 ــ 1986 ) و حكايتها مع زوجها رائد التصوير الفوتواغرافي المعاصر في أمريكا " الفريد ستيغليز " ( 1864 ــ 1946 ) كما قدمها فيلم ( جورجيا أوكيف ) عام 2009 ، من إخراج " بوب بالابان " و تمثيل " جوان ألن " و " جيمي ايرونز " ، ولكن مشكلة " أوكيف " مع زوجها كانت تتمثل بكثرة خياناته الزوجية لها ، و التي لم تنته إلا بوفاته عام 1946 . و في كل هذه القصص كان العامل الذكوري هو المتسيد و المتحكم بمقدرات هؤلاء الفنانات .
استغل " والتر كين " نقطة ضعف اجتماعية لدى زوجته الفنانة ، تمثلت في كون المجتمع الأمريكي ، في فترة الخمسينيات من القرن العشرين ، لم يألف و لم يحبذ أن يرى امرأة تبيع لوحاتها ، كما استغل نقطة ضعف شخصية لدى " مرغريت " و هي أنها كانت تريد أن تعيل إبنتها " جيني " بأي شكل من الأشكال بعد أن انفصلت عن زوجها السابق ، المُعقد ، و فرّت بالإبنة من كاليفورونيا ، عام 1958 ، لتقيم عند صديقتها " ديدري " ريثما تتدبر أمرها . و هناك تضطر الى عرض لوحاتها في الشارع ، فتبيعها بثمن بخس ، فينتبه اليها " والتر كين " الذي كان يبيع ( لوحاته ) بأثمان عالية ، و هذه اللوحات تمثل الشوارع ، يزعم أنه سافر الى باريس و رسمها هناك .
تجد " مرغريت " في " والتر " رجلاً لطيفاً عذبَ اللسان ، فتقبل الخروج معه ، وعندما يصلها إخطار من زوجها يهددها فيه بأخذ إبنته منها ، لعدم قدرتها على إعالتها ، يقترح عليها " والتر " الزواج منه ، فتوافق .. لتبدأ رحلة متاعبها معه و التي تتنامى يوماً بعد يوم ، فتكتشف أنه ليس رساماً و لا علاقة له بالرسم و أن اللوحات التي يبيعها إنما هي لرسام إسمه " سينيك " يقوم " والتر " بطلاء إسم الرسام و يوقّع اللوحة بإسمه . بل إنه يقيم معرضاً لأعمالها ، ولكنه يتصرف و كأنها أعماله هو ، دون أن ينتبه أحد للفرق بين أسلوب اللوحات التي يبيعها و الأسلوب الذي ترسم به " مرگريت " ، ولكن ناقداً جريئاً طرح أمام الجميع رأياً حاداً في هذه الأعمال ، ما أثار غضب " والتر " الذي أقدم على الإعتداء عليه لولا أن الناقد مسك يده في اللحظة الأخيرة .
يتميز أسلوب " مرگريت " برسم العيون الواسعة منذ بداية مشوارها ، و تبرر الفنانة ذلك بأنها أصيبت لفترة من الزمن بالصمم عندما كانت صبية فراحت تحدق في عيون الآخرين كي تفهم ما يقولون ، و تعبّر عن ذلك بقولها أن العيون هي نافذة الروح . هذا التعبير التقطه " والتر " و راح يقوله أمام الآخرين ، فانتبهت الى أنه بات يسلبها كل شيء ، و عندما يظهر في مقابلة تلفزيونية يكون قد غيّبها تماماً ، فتتوقد لديها نار الغضب و تبدأ بالتفكير في استرداد شخصيتها و وضع الناس أمام الحقيقة ، لكن " والتر " يواجه موقف " مرگريت " برد فعل عنيف يتمثل بمحاولته حرقها و إبنتها في المرسم ، فتهرب منه ، ولكن الى هاواي هذه المرة ، غير أن " والتر " يرفع عليها دعوى ، و يساومها على رسم مئة لوحة له ، و في المحكمة يجد الرأي العام و القاضي أنه أمام قضية غريبة لم تمر على قاضٍ من قبل .
لقد اختار المخرج " تيم برتون " ممثلاً مناسباً تماماً لتمثيل شخصية " والتر كين " المحتال المراوغ ، هو الممثل الآلماني ـ المولود في النمسا ـ " كريستوف ڤالتز " . و هذا الممثل لم يكن معروفاً في هوليوود قبل عام 2009 ، إلا بعد أن قدّمه المخرج المشاكس " كوينتن تراتينو " في فيلم ( أوغاد مجهولون ) الذي من بطولة " براد بيت " ، فظهر " ڤالتز " في شخصية الضابط النازي المراوغ الذي تخفي ابتسامتُهُ الماكرة شخصية ً شرسة ، هو الكولونيل " هانز لاندا " ، فإذا به يخطف جائزة الأوسكار كأفضل ممثل مساعد . ثم عاد " كوينتين تراتينو " فقدمه في فيلم ( جانگو الحر ) في شخصية الدكتور " كينج شولتز " صياد الجوائز المحتال المراوغ ، فخطف جائزة الأوسكار مرة ثانية عام 2012 ، كأفضل ممثل مساعد أيضاً ، فباتت لديه حظوة و تقدير كبيرَين لدى النقاد و جمهور السينما ، و ها هو المخرج " تيم برتون " يقدمه بطلاً رئيساً في فيلم ( عيون واسعة ) كشخصية مراوغة محتالة ، و هي الشخصية التي بات " كريستوف ڤالتز " أفضل من يجيد أداءها كما يبدو.
ولكن " تيم برتون " قدم نفسه في هذا الفيلم كمخرج مختلف عن سجله الحافل بالأفلام ذات الطابع الفانتازي الغرائبي ، ابتداءً من عام 1985 بفيلمه ( مغامرة بي ـ واي الكبيرة ) ، مروراً بـ ( الرجل الوطواط ) و ( عودة باتمان ) و ( كوكب القرود ) و ( السمكة الكبيرة ) و غيرها من سلسة أفلامه الغرائبية التي تحمل بصمته الخاصة في السينما .. إنتهاءً بفيلم ( فرانكنويني ) . ولكن فيلم ( عيون واسعة ) جاء مختلفاً عن جميع أفلام " برتون " المميزة و الكثيرة التي جعلت منه صاحب مدرسة خاصة لا يشبه فيها أيَّ مخرج و لا يشبهه أحد ، فيلمٌ جاء على طريقة السرد التقليدية في السينما و قد كتب له السيناريو صديقاه الأثيران " سكوت الكسندر " و " لاري كاراسزويسكي " اللذان أخذا الإذن من الفنانة " مرگريت كين " أولاً ، قبل الشروع بالكتابة التي استمرت فترة طويلة ، كما أن المخرج اختار صديقه الحميم " داني إلفمان " لوضع الموسيقى التصويرية ، ما يعني أنه عمل مع فريق متعاون ، و له معه صلات وصل ، و على هذا الأساس توقع النقاد و متابعو السينما أن يحصد الفيلم الجوائز و أن يكون أشد الأفلام المرشحة لجائزة الأوسكار 2015 . ولكن الذي حصل هو أن الفيلم لم يحصد غير جائزة ( گولدن گلوب ) للممثلة " ايمي آدمز " عن تمثيلها البارع في دور الفنانة " مرگريت كين " و جائزة ( اختيار النقاد للأفلام ) لأغنية الفيلم.
ولكن ، على الرغم من ذلك ، فإن فيلم ( عيونٌ واسعة ) واحدٌ من أجمل أفلام السيرة الذاتية ، و لم تعد الجوائز و احتفاليات المهرجانات السينمائية و سفسطة النقاد السينمائيين ( الموظفين ) مقياساً ، فالفيلم نفسه ينتقد الصحافة و النقاد .. ضمناً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إليكم رابط الفيلم :
https://ok.ru/video/363016096496
هادي ياسين
عيون واسعةBig Eyes
هذا الفيلم يستند الى القصة الحقيقية للمحنة التي مرّت بها الرسامة الأمريكية " مرگريت كين " خلال السنوات العشر من علاقتها بزوجها المخادع " والتر كين " الذي سلبها شخصيتها و هويتها ، بمراوغاته و حِيَلهِ ، حين راح يقدّم لوحاتها في المعارض و يجني من ورائها الأموال على أنها أعماله هو ، خصوصاً و أنه دفعها الى أن توقع هذه الأعمال بإسم ( كين ) فقط و ليس بإسمها السابق " مارگريت أوليبرك " ، ما يذكرنا بتغييب " بيكاسو " لزوجته الفنانة الفرنسية " فرانسواز جيلو" التي دفعها الى الظل فيما تقدم هو المشهد على حسابها ، فنشرت حكايتها معه في كتابها ( حياتي مع بيكاسو ) ، الذي ترجمته الى العربية الأديبة و المترجمة العراقية الأستاذة " مي مظفر " . ولكن " بيكاسو" كان فناناً حقيقياً ، فيما " والتر كين " منتحل . كما تذكرنا هذه القصة بالفنانة الأمريكية " جورجيا أوكيف " ( 1887 ــ 1986 ) و حكايتها مع زوجها رائد التصوير الفوتواغرافي المعاصر في أمريكا " الفريد ستيغليز " ( 1864 ــ 1946 ) كما قدمها فيلم ( جورجيا أوكيف ) عام 2009 ، من إخراج " بوب بالابان " و تمثيل " جوان ألن " و " جيمي ايرونز " ، ولكن مشكلة " أوكيف " مع زوجها كانت تتمثل بكثرة خياناته الزوجية لها ، و التي لم تنته إلا بوفاته عام 1946 . و في كل هذه القصص كان العامل الذكوري هو المتسيد و المتحكم بمقدرات هؤلاء الفنانات .
استغل " والتر كين " نقطة ضعف اجتماعية لدى زوجته الفنانة ، تمثلت في كون المجتمع الأمريكي ، في فترة الخمسينيات من القرن العشرين ، لم يألف و لم يحبذ أن يرى امرأة تبيع لوحاتها ، كما استغل نقطة ضعف شخصية لدى " مرغريت " و هي أنها كانت تريد أن تعيل إبنتها " جيني " بأي شكل من الأشكال بعد أن انفصلت عن زوجها السابق ، المُعقد ، و فرّت بالإبنة من كاليفورونيا ، عام 1958 ، لتقيم عند صديقتها " ديدري " ريثما تتدبر أمرها . و هناك تضطر الى عرض لوحاتها في الشارع ، فتبيعها بثمن بخس ، فينتبه اليها " والتر كين " الذي كان يبيع ( لوحاته ) بأثمان عالية ، و هذه اللوحات تمثل الشوارع ، يزعم أنه سافر الى باريس و رسمها هناك .
تجد " مرغريت " في " والتر " رجلاً لطيفاً عذبَ اللسان ، فتقبل الخروج معه ، وعندما يصلها إخطار من زوجها يهددها فيه بأخذ إبنته منها ، لعدم قدرتها على إعالتها ، يقترح عليها " والتر " الزواج منه ، فتوافق .. لتبدأ رحلة متاعبها معه و التي تتنامى يوماً بعد يوم ، فتكتشف أنه ليس رساماً و لا علاقة له بالرسم و أن اللوحات التي يبيعها إنما هي لرسام إسمه " سينيك " يقوم " والتر " بطلاء إسم الرسام و يوقّع اللوحة بإسمه . بل إنه يقيم معرضاً لأعمالها ، ولكنه يتصرف و كأنها أعماله هو ، دون أن ينتبه أحد للفرق بين أسلوب اللوحات التي يبيعها و الأسلوب الذي ترسم به " مرگريت " ، ولكن ناقداً جريئاً طرح أمام الجميع رأياً حاداً في هذه الأعمال ، ما أثار غضب " والتر " الذي أقدم على الإعتداء عليه لولا أن الناقد مسك يده في اللحظة الأخيرة .
يتميز أسلوب " مرگريت " برسم العيون الواسعة منذ بداية مشوارها ، و تبرر الفنانة ذلك بأنها أصيبت لفترة من الزمن بالصمم عندما كانت صبية فراحت تحدق في عيون الآخرين كي تفهم ما يقولون ، و تعبّر عن ذلك بقولها أن العيون هي نافذة الروح . هذا التعبير التقطه " والتر " و راح يقوله أمام الآخرين ، فانتبهت الى أنه بات يسلبها كل شيء ، و عندما يظهر في مقابلة تلفزيونية يكون قد غيّبها تماماً ، فتتوقد لديها نار الغضب و تبدأ بالتفكير في استرداد شخصيتها و وضع الناس أمام الحقيقة ، لكن " والتر " يواجه موقف " مرگريت " برد فعل عنيف يتمثل بمحاولته حرقها و إبنتها في المرسم ، فتهرب منه ، ولكن الى هاواي هذه المرة ، غير أن " والتر " يرفع عليها دعوى ، و يساومها على رسم مئة لوحة له ، و في المحكمة يجد الرأي العام و القاضي أنه أمام قضية غريبة لم تمر على قاضٍ من قبل .
لقد اختار المخرج " تيم برتون " ممثلاً مناسباً تماماً لتمثيل شخصية " والتر كين " المحتال المراوغ ، هو الممثل الآلماني ـ المولود في النمسا ـ " كريستوف ڤالتز " . و هذا الممثل لم يكن معروفاً في هوليوود قبل عام 2009 ، إلا بعد أن قدّمه المخرج المشاكس " كوينتن تراتينو " في فيلم ( أوغاد مجهولون ) الذي من بطولة " براد بيت " ، فظهر " ڤالتز " في شخصية الضابط النازي المراوغ الذي تخفي ابتسامتُهُ الماكرة شخصية ً شرسة ، هو الكولونيل " هانز لاندا " ، فإذا به يخطف جائزة الأوسكار كأفضل ممثل مساعد . ثم عاد " كوينتين تراتينو " فقدمه في فيلم ( جانگو الحر ) في شخصية الدكتور " كينج شولتز " صياد الجوائز المحتال المراوغ ، فخطف جائزة الأوسكار مرة ثانية عام 2012 ، كأفضل ممثل مساعد أيضاً ، فباتت لديه حظوة و تقدير كبيرَين لدى النقاد و جمهور السينما ، و ها هو المخرج " تيم برتون " يقدمه بطلاً رئيساً في فيلم ( عيون واسعة ) كشخصية مراوغة محتالة ، و هي الشخصية التي بات " كريستوف ڤالتز " أفضل من يجيد أداءها كما يبدو.
ولكن " تيم برتون " قدم نفسه في هذا الفيلم كمخرج مختلف عن سجله الحافل بالأفلام ذات الطابع الفانتازي الغرائبي ، ابتداءً من عام 1985 بفيلمه ( مغامرة بي ـ واي الكبيرة ) ، مروراً بـ ( الرجل الوطواط ) و ( عودة باتمان ) و ( كوكب القرود ) و ( السمكة الكبيرة ) و غيرها من سلسة أفلامه الغرائبية التي تحمل بصمته الخاصة في السينما .. إنتهاءً بفيلم ( فرانكنويني ) . ولكن فيلم ( عيون واسعة ) جاء مختلفاً عن جميع أفلام " برتون " المميزة و الكثيرة التي جعلت منه صاحب مدرسة خاصة لا يشبه فيها أيَّ مخرج و لا يشبهه أحد ، فيلمٌ جاء على طريقة السرد التقليدية في السينما و قد كتب له السيناريو صديقاه الأثيران " سكوت الكسندر " و " لاري كاراسزويسكي " اللذان أخذا الإذن من الفنانة " مرگريت كين " أولاً ، قبل الشروع بالكتابة التي استمرت فترة طويلة ، كما أن المخرج اختار صديقه الحميم " داني إلفمان " لوضع الموسيقى التصويرية ، ما يعني أنه عمل مع فريق متعاون ، و له معه صلات وصل ، و على هذا الأساس توقع النقاد و متابعو السينما أن يحصد الفيلم الجوائز و أن يكون أشد الأفلام المرشحة لجائزة الأوسكار 2015 . ولكن الذي حصل هو أن الفيلم لم يحصد غير جائزة ( گولدن گلوب ) للممثلة " ايمي آدمز " عن تمثيلها البارع في دور الفنانة " مرگريت كين " و جائزة ( اختيار النقاد للأفلام ) لأغنية الفيلم.
ولكن ، على الرغم من ذلك ، فإن فيلم ( عيونٌ واسعة ) واحدٌ من أجمل أفلام السيرة الذاتية ، و لم تعد الجوائز و احتفاليات المهرجانات السينمائية و سفسطة النقاد السينمائيين ( الموظفين ) مقياساً ، فالفيلم نفسه ينتقد الصحافة و النقاد .. ضمناً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إليكم رابط الفيلم :
https://ok.ru/video/363016096496