فلاسكيز رسام الحقيقة:
قراءة جمالية،
مثله ككافة الفنانين الأسبان الذين لم يُعرفوا إلاّ بعد وفاتهم فـ "دييجو فلاسكيز1599-1660م" المولود بأشبيليه أسبانيا الذي جاء فاصلا بين عوالم عديدة؛ فقد وُلِد بين زمانين –قرنين- ,ومكانين-يابس وماء - ,وعالمي الفن الكلاسيكي والواقعي.
تتلمذ فلاسكيز على يد أكثر من أستاذ ,ولقي عدة انتقادات كانت أكثرها قساوة كلمة أستاذه باتشكو حين رأى لوحته "صلب المسيح" عندما رسمها وهو في العاشرة من عمره فقال له "لوحتك هذه برهنت أن الجنود الرومان لم يصلبوا المسيح ,أنت الذي صلبته"،
ولكن بعد ممارسات عديدة جدا وتجارب طويلة أصبح رساما للبلاط، حيث رسم الملك فليب الرابع مرات عديدة بعد ما أعجب الملك برسمه حيث حدث مرة وأن دخل الملك لغرفة رئيس الحرس وأخذ يتحدث إليه، فقال له فلاسكيز سيدي رئيس الحرس خرج للتو من هنا وهذه صورة بالحجم الطبيعي له. بعدها عمل رساما للكنائس والبورتريهات المهمة، مسيرة حتى أصبح من أهم الفنانين الأسبان وأصبح يرسم بكل حرية حتى صار فوق مستوى النقد.
لم يكن معروفا آنذاك بفعل عوامل عديدة إلاّ بعد وفاته بمئة وخمسين سنة، حين دخل جنود نابليون غازون أسبانيا، وسرق جوزيف بونابرت -أخو نابليون - مجموعة هائلة من الأعمال الفنية وأرسلها إلى فرنسا ومن بينها أعمال فلاسكيز , وعندما رآها الفنانون شعروا بأنهم أمام أعمال أعظم فنان عرفته البشرية, حيث أسّس فلاسكيز في تصوري أثناء حياته ثورة تصويرية لأجيال عديدة من فناني المستقبل، حيث تجاوزت رسوماته العصر الذي يعيشه بمئتي عام على الأقل.
وتعتبر رحلت فلاسكيز لإيطاليا من أهم محطات حياته) فتنقل بين مدنها وتعرّف على فنانيها وشاهد أهم الإنجازات الفنية لأعظم راميها ونحاتيها, وتركت في نفسه هذه الأعمال آثارا كبيرة وساعدت على نموه الفني ونضجه التشكيلي وعمّقت من رؤيته ومفهومه للفن فتشبع بالواقعية الطبيعية حتى أصبح يرسم الحقيقة.
في لوحة بائع الماء التي رسمها فلاسكيز أول حياته عام 1619م,والتي تجبر أي إنسان يزعم بأن لديه أدنى حد للإحساس بالجمال أن يقف أمامها خمس دقائق على الأقل لما تتضمنه من قيما جمالية وفنية وتعبيرية وإبداعية, انظر إلى قوة التكوين المغلق المستند على رسم الأشكال وبنائها وفق النموذج الهرمي الذي يجذب النظر إلى داخل العمل. شاهد كيف رسم الأشكال بإخلاص شديد فرسمها كما هي في طبيعتها بخامتها وملمسها المعروف بعين ثاقبة ونقلها بيد قوية وبخبرة عميقة. أعطى فيها الظل والنور عنصرا دراميا للوحة فمن خلال تفاعلهما وتصارعهما كثنائيات ومتناقضات ومتناغمات داخل اللوحة وبحثهما عن علاقات جمالية تربطهما ببعض تجذب العين إلى العمل وتنقلها من جزء إلى آخر بكل يسر وسهولة وبألوان جذابة قوية مصنوعة جيدا تأخذ العين من أمام اللوحة إلى خلفيتها بكل انشراح وتدرج مثير.
فالذي يقف أمام العمل الأصلي يجد قوة الفنان في إظهار ملمس الأشياء التي يرسمها، لاحظ قوة إظهاره لملمس الفخار والقماش والجلد والشعر والزجاج بشكل مبهر , ورسم العلاقات الإنسانية بكل ما فيها من تعقيدات، مما يجعلنا جميعا ننطق بأن فلاسكيز هو الفنان الأول.
د. عصام عسيري
المصدر
جريةالمدينة المملكة العربية السعودية
قراءة جمالية،
مثله ككافة الفنانين الأسبان الذين لم يُعرفوا إلاّ بعد وفاتهم فـ "دييجو فلاسكيز1599-1660م" المولود بأشبيليه أسبانيا الذي جاء فاصلا بين عوالم عديدة؛ فقد وُلِد بين زمانين –قرنين- ,ومكانين-يابس وماء - ,وعالمي الفن الكلاسيكي والواقعي.
تتلمذ فلاسكيز على يد أكثر من أستاذ ,ولقي عدة انتقادات كانت أكثرها قساوة كلمة أستاذه باتشكو حين رأى لوحته "صلب المسيح" عندما رسمها وهو في العاشرة من عمره فقال له "لوحتك هذه برهنت أن الجنود الرومان لم يصلبوا المسيح ,أنت الذي صلبته"،
ولكن بعد ممارسات عديدة جدا وتجارب طويلة أصبح رساما للبلاط، حيث رسم الملك فليب الرابع مرات عديدة بعد ما أعجب الملك برسمه حيث حدث مرة وأن دخل الملك لغرفة رئيس الحرس وأخذ يتحدث إليه، فقال له فلاسكيز سيدي رئيس الحرس خرج للتو من هنا وهذه صورة بالحجم الطبيعي له. بعدها عمل رساما للكنائس والبورتريهات المهمة، مسيرة حتى أصبح من أهم الفنانين الأسبان وأصبح يرسم بكل حرية حتى صار فوق مستوى النقد.
لم يكن معروفا آنذاك بفعل عوامل عديدة إلاّ بعد وفاته بمئة وخمسين سنة، حين دخل جنود نابليون غازون أسبانيا، وسرق جوزيف بونابرت -أخو نابليون - مجموعة هائلة من الأعمال الفنية وأرسلها إلى فرنسا ومن بينها أعمال فلاسكيز , وعندما رآها الفنانون شعروا بأنهم أمام أعمال أعظم فنان عرفته البشرية, حيث أسّس فلاسكيز في تصوري أثناء حياته ثورة تصويرية لأجيال عديدة من فناني المستقبل، حيث تجاوزت رسوماته العصر الذي يعيشه بمئتي عام على الأقل.
وتعتبر رحلت فلاسكيز لإيطاليا من أهم محطات حياته) فتنقل بين مدنها وتعرّف على فنانيها وشاهد أهم الإنجازات الفنية لأعظم راميها ونحاتيها, وتركت في نفسه هذه الأعمال آثارا كبيرة وساعدت على نموه الفني ونضجه التشكيلي وعمّقت من رؤيته ومفهومه للفن فتشبع بالواقعية الطبيعية حتى أصبح يرسم الحقيقة.
في لوحة بائع الماء التي رسمها فلاسكيز أول حياته عام 1619م,والتي تجبر أي إنسان يزعم بأن لديه أدنى حد للإحساس بالجمال أن يقف أمامها خمس دقائق على الأقل لما تتضمنه من قيما جمالية وفنية وتعبيرية وإبداعية, انظر إلى قوة التكوين المغلق المستند على رسم الأشكال وبنائها وفق النموذج الهرمي الذي يجذب النظر إلى داخل العمل. شاهد كيف رسم الأشكال بإخلاص شديد فرسمها كما هي في طبيعتها بخامتها وملمسها المعروف بعين ثاقبة ونقلها بيد قوية وبخبرة عميقة. أعطى فيها الظل والنور عنصرا دراميا للوحة فمن خلال تفاعلهما وتصارعهما كثنائيات ومتناقضات ومتناغمات داخل اللوحة وبحثهما عن علاقات جمالية تربطهما ببعض تجذب العين إلى العمل وتنقلها من جزء إلى آخر بكل يسر وسهولة وبألوان جذابة قوية مصنوعة جيدا تأخذ العين من أمام اللوحة إلى خلفيتها بكل انشراح وتدرج مثير.
فالذي يقف أمام العمل الأصلي يجد قوة الفنان في إظهار ملمس الأشياء التي يرسمها، لاحظ قوة إظهاره لملمس الفخار والقماش والجلد والشعر والزجاج بشكل مبهر , ورسم العلاقات الإنسانية بكل ما فيها من تعقيدات، مما يجعلنا جميعا ننطق بأن فلاسكيز هو الفنان الأول.
د. عصام عسيري
المصدر
جريةالمدينة المملكة العربية السعودية