حمص قصة عشق لاتنتهي
رامي الدويري · أمس الساعة ٤:٣٦ م ·
علم من أعلام العزف والتلحين الموسيقية أمير البزق محمد عبد الكريم رحمه الله
في أحد أيام عام 1911، في حي الخضر، أحد الأحياء الشعبية في حمص، ولد الطفل عبد الكريم مرعي في بيت محب للموسيقا والغناء. فوالده علي مرعي كان عازفاً على البزق. وأمه عماشة ذات صوت جميل. وما إن كبر الطفل عبد الكريم قليلاً حتى بدأ يتلقى دروس العزف على يده والده، وما لبث أن انضم إلى الفرقة الموسيقية الصغيرة المكونة من والده ووالدته و شقيقيه سليم ومحمد. وبدأ خياله الموسيقي ينمو حين ثبت مسمارين على قطعة خشب و شد بينهما وتراً و راح يعزف عليها. وبدأت مواهبه في العزف و الغناء، من خلال مشاركته مع فرقة أسرته في إحياء الأفراح في حمص، سواء بالعزف على البزق أو بالغناء، إذ كان يؤدي أغنيات أم كلثوم. وتوفي والده، فتولى شقيقه الأكبر سليم رعايته وألحقه بالمدرسة الابتدائية. لكنه لم يتابع دراسته. لأنه تعرض لحادث مؤلم ألحق أضراراً بالغة في عموده الفقري وأعصابه. فتوقف نموه وطوله عند ثمانية وتسعين سنتمتراً. إلا أن ذاك الحادث لم يؤثر على عبقريته الموسيقية فواصل مسيرته مع الموسيقا.فواصل مسيرته مع الموسيقا .
و بدأت شهرة الطفل ابن السابعة من العمر تنتشر في مدينة حمص. فبدأ يعزف ويغني على مسارحها. وزار حمص المطرب المصري محمد بخيت، فشاركه عبد الكريم العزف ضمن فرقته الموسيقية. كما عزف ضمن الفرقة الموسيقية للمطرب المصري أحمد إدريس الذي كان يرأس فرقته الموسيقية كميل شامبير. و خلال ذلك كله انكب على قراءة الكتب الموسيقية، الأمر الذي ساعده على امتلاك ثقافة موسيقية.
هو أفضل عازف على آلة البزق في القرن العشرين. فقد كان بارعاً في عزفه مبدعاً في ألحانه. تجاوز كل عازفي البزق الذين عاصروه، والذين كان في مقدمتهم محيي الدين بعيون ومطر محمد. ووصلت براعته إلى درجة أن محيي الدين بعيون أفضل عازفي البزق في النصف الأول من القرن العشرين، عندما سمع عزف محمد عبد الكريم، قرر اعتزال العزف، لأنه رأى مستقبل آلة البزق بين يدي هذا العازف الموهوب. بل إن الموسيقار محمد عبد الوهاب اختصر بعبارة موجزة لكنها بليغة المكانة التي وصل إليها محمد عبد الكريم في العزف على البزق حين قال )إذا كانت الموسيقا الغربية تفتخر بباغانيني كأشهر عازف للكمان، فإن الموسيقا الشرقية تفتخر بمحمد عبد الكريم كأشهر عازف للبزق). ومحمد عبد الكريم جمع بين الموهبة الخارقة في العزف وموهبة التلحين، إلى جانب ثقافته الموسيقية التي ساعدته على تنمية هذه الموهبة والتعبير عنها بشكل علمي.
لم تعد حمص تتسع لطموحات عبد الكريم الموسيقية فانتقل مع والدته إلى دمشق ولما يتجاوز العاشرة من عمره. وكان يلح على والدته أن تشتري له آلة البزق. لكن ضيق ذات الحال كان يمنعها من ذلك. وذات يوم كان يسير مع والدته في منطقة باب الجابية بدمشق ـ وكان عمره قد أصبح اثني عشر عاماً ــ فشاهد على بعد أمتار محلاً لبيع الآلات الموسيقية. وفجأة أفلت من يد أمه و تمدد على سكة الترام. وهدد أمه أنه سينتحر تحت عجلات الترام إذا لم تحقق له حلمه بشراء بزق جديد . وكان صاحب محل بيع الآلات الموسيقية، واسمه جميل القوتلي يشاهد المنظر. فخاطب الطفل محمد عبد الكريم: «إذا استطعت أن تعزف على البزق بشكل جيد، فسأقدمه لك هدية». وبالفعل عزف الطفل على البزق موسيقا أغنية (هزي محرمتك). فأعطاه البائع الآلة هدية. وكان لصاحب المحل فرقة موسيقية صغيرة تضم زوجته وابنته، فضمه إلى الفرقة التي كانت تقيم الحفلات في المنازل الدمشقية. وفي نفس الوقت عمل مع أبي شاكر (الكركوزاتي) في مقهى النوفرة. وكان أبو شاكر يقدم فقرات (كركوز وعيواظ)، وكان الطفل يرافقه في العزف. وخلال ذلك تعرف على الزعيم الوطني فخري البارودي الذي قدم له كل رعاية. وأتاح له التعرف على المجتمع الدمشقي. واختار له اسماً فنياً (محمد عبد الكريم) ليعرف منذ ذاك اليوم بهذا الاسم. ولتبدأ انطلاقته الموسيقية على مسارح دمشق.
ولم تعد آلة البزق بوضعها القديم تلبي طموحاته الموسيقية، ولا تساعده على إظهار مهارته في العزف. فقام بإجراء تعديلات هامة عليها. فقام بزيادة حبسات الزند (الدساتين) من سبع عشرة حبسة إلى ثمان وثلاثين. مما زاد في القدرة الموسيقية للآلة. وأصبحت قادرة على أداء جميع النغمات.
أتاح له التعرف على فخري البارودي الاطلاع على الكتب الموسيقية الكثيرة الغربية منها والشرقية. فتزود بالعلوم الموسيقية بالقدر الذي يؤهله ليكون موسيقياً كبيراً. وانطلق يقيم الحفلات على مسارح دمشق.
حمص قصة عشق لا تنتهي
رامي الدويري عضو الجمعية التاريخية السورية
Hani Alshalabi، أيمن السقا
- رشيد الحكيم
ومن روائع ما لحن:رقة حسنك وسمارك...لنجاح سلام