دراسة للناقد التشكيلي غاي عانا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دراسة للناقد التشكيلي غاي عانا

    نبل الحجر يبوح بسر الحكاية
    ما بين "قاشا" والبومة ودونكيخوت ..

    غازي عانا


    في معرضه الأول العام 1989(التصوير والمنحوتات والحلي الحجرية) بصالة "أورنينا" بدمشق، كان قدم فيه الفنان جميل قاشا مجموعة من الأعمال الفنية التي أدهشت من وقتها جمهور كبير من المتابعين والمهتمين، وقد توزعت الأعمال كتقنية ومواد بين هذه الأشكال من التعبير، ما بين أمس واليوم زمن من الممارسة قدّم خلاله عديد من المشاركات والمعارض الهامة وخبرة كان حصّلها باجتهاد ومثابرة ميّزت تجربته وأسّست لها مبكّراً حضوراً لائقاً وبهياً في المشهد التشكيلي السوري المعاصر.
    في هذا المعرض بصالة جورج كامل يقدم الفنان جميل قاشا عصارة تجربته تلك في كل من التصوير والنحت والحلي الحجرية التي اكثر ما تظهر في المنحوتات التي انتقى حجارتها بعناية فائقة وكأنها لقى او تحف من الطبيعة السخيّة بعطائها وصياغاتها البديعة التي وكأنها تكوّنت بشروط معقّدة عبر أزمنة سحيقة لتلتقطها ذائقة هذا الجميل فيعيد بعض صياغاتها مكملاً باللون وما توفّر من مواد على اختلافها هذا الشكل لسمكة متحجّرة، أو ما بقي من وجه لإنسان من تلك الحقب، بالإضافة إلى اهتمامه القديم الجديد بالبومة الطائر الذي يفيض بالرموز والألغاز التي تتباين بمدلولاتها في أكثر من منطقة في العالم، هذا الموضوع الذي بقي مفضّلاً كتناول ومعالجة بصياغات ووضعيات ملفتة ومتنوّعة مبدعاّ في تقديمه كحالة تعبيرية مدهشة بجمالياتها على حساب الشكل الذي يكتفي بالنهاية بالدلالة إليه، رغم بساطته وهو (يعتبر طائر البوم “البومة” مقدَّسة بالنسبة لآلهة المعرفة الإغريقية أثينا، كما أنها قد صُوّرت على العملة الإغريقية اليونانية كرمز للرفعة والنباهة والرخاء بطبيعة الأمر.).
    ​​
    الفنان جميل قاشا ينحت من وجهة نظر خاصة به بعيداً عن المذاهب والأساليب وكل ما هو تقليدي في الفن، هو أكثر ما يهتم بروح الأشياء وأدبياتها، مثلما تغريه البساطة بدهشتها الأولى في الفن والحياة، فهو يهتم بشكل ولون الحجر بغضّ النظر عن مدى قساوته واستحالة نحته ربما، حيث يكتفي أحياناً بمرحلة ما قد ترضي غروره مكملاً الحكاية ببعض التزيين واللون أحياناً والإكسسوارات المناسبة التي جمع منها كميات كبيرة في أوقات مختلفة ليشكّل منها في كثير من الأحيان أعمالاً مكتملة (إعادة تدوير)، وهو الأقدر في هذا الشكل من التعبير الذي أول من قدّمه كعمل فني مكتمل منذ بداية التسعينات.

    الموضوع الآخر الذي اهتم بتقديمه هذه المرة أيضاً (دونكيخوت)، دون كيشوت.. قصة الأحمق الذي ظن نفسه في مهمة مقدسة التي بدأت مع عصر النهضة الأوربية ولن تنتهي فصولها قبل نهاية العالم، الفارس المتجوّل الذي حارب طواحين الهواء يبحث عن المدينة الفاضلة التي كانت في غير زمنه، ففقد صوابه وخلط بين أوهامه والواقع، هذا الخلط أجاد الفنان صياغته في مجموعة أعمال دون كيشوت ما بين الواقع الافتراضي المتعارف عليه كمحارب مغفّل، وتجسيده هو لشخصية ذلك البطل الأسطوري من الخردة أو تشكيله بالمعدن المباشر بتوليفة محكمة وإخراج لافت لجميل قاشا الفنان المقتدر والممسك بأدوات تعبيره والمواد التي خبرها جيدا وطوّعها لخدمة موضوعاته دائماً بشكل يميّزه بالأداء وطريقة التفكير.


    ضم المعرض بالإضافة لما ذكرنا عدد كبير من الأعمال الصمدية الفنية والآنية الأخّاذة بلطف وبهاء حضورها وتقديمها بهذا الشكل اللافت من أناقتها وفرادة تأليفها مشكّلة تنوعاً يهمّ شريحة كبيرة من المتابعين والمهتمين بالفنون واقتناء التحف، هذا الجانب الذي شغل الفنان منذ معرضه الاول وما زال إلى اليوم يشكّل جزءاً من اهتمامه واشتغاله حتى أصبح وبلا منازع كتقنية وممارسة، المعلّم والمرجع الأكثر ثقة ومعرفة به.
    ...........................................
    وقبل أن أنهي هذا الانطباع الذي أجّلت البوح به لفترة على افتتاح المعرض، كان لا بد أن أعرّج على سطور من مداخلتين توقفت عندهما، الأولى للصديق الفنان محي الدين ملك : ( في زمن الرماد، والمادة السائلة، ينحت "جميل قاشا" أيقوناته لهذا المعرض الجديد. ويحشد فيه أسطورة الحيوان وخرافته والإشارات والاستعارات كلها، في فعلٍ فنيٍّ جماليٍّ على قسوة الزمن، إن لم يكن في سيلانه.. كأنه يدعو المتلقي أن يتأمل عبر مسار الشعر الحديث:
    يمر الزمان بنا، أو نمر به
    كضيوف على حنطة الله
    في حاضر سابقٍ، حاضر لاحقٍ
    هكذا نحن في حاجة للخرافة
    كي نحتمل عبء المسافة بين بابين../.
    أو التغلغل عبر خزائن الأساطير، وغاية المآل، فهم الصلة بين الرموز والإنسانيّ، وتحرير الفكر من الخرافة والأوهام.).

    الثانية للصديق الفنان أكسم طلّاع : (هذه الصخور النادرة يجلبها الفنان لمحترفه حيث تبدأ رواية أخرى تتمظهر بفعل ما يضاف أو يحذف من هذا الحجر .. جميل قاشا لم يكن نحاتا بل تخطي ذلك إلى الولوج في زمن الحكاية القديمة التي يرويها فعل حواسه وأدواته الذكية بعلاقة مبدعة مع هذه الأثر الطبيعي .. يصوغ مجوهرات خاصة، إنها حلية المكان التي أبدعها الزمن في طبيعة غنية بتفاصيل الأرض ..سيقارب الفنان هذا الحال من حاضره من خلال استدعاء ذاكرة من نوع خاص يؤلفها ويمنحها لأشيائه التي يصوغ منها تمائمه ونفائسه التي تتخلق بين يديه وربما تحتاج قرطا أو سلسالا من معدن ليكتمل التعبير.) .

    جميل قاشا الفنان الذي غالباً ما يشتغل على أكثر من موضوع في نفس الوقت، فبالإضافة إلى اهتمامه بتأليف أشكال جديدة ومبتكرة لكل من دونكيشوت والبومة بوضعيات ومواد مختلفة، هو عُرف أيضاً بأشكال الأسماك والثيران البديعة التي يصيغها متماهية ما بين الواقعية والسريالية، أو (القاشية) فهمه هو للصياغة والتأليف لعدد من الحيوانات أو المخلوقات الأسطورية التي يبتكرها من محض خياله ممزوجة بشدة بساطته وزهده بكل ما يحيطه من مؤثّرات حياتية، هي بالمحصّلة برأيي فلسفة جميل قاشا الفنان المختلف بكل شيء، حتى أنه بقي محافظاً على قناعاته ككنز لا يفنى، يفيض بالنقاء والعذوبة .
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	289999038_10160058427018774_1462685540472506309_n (1).jpg 
مشاهدات:	10 
الحجم:	140.6 كيلوبايت 
الهوية:	27142
    ​​​​​​​
يعمل...
X