لقاء صاخب بين أورسن ويلز وإرنست همينغوي انتهى بصداقة متقلبة وحكايات مدهشة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لقاء صاخب بين أورسن ويلز وإرنست همينغوي انتهى بصداقة متقلبة وحكايات مدهشة

    لقاء صاخب بين أورسن ويلز وإرنست همينغوي انتهى بصداقة متقلبة وحكايات مدهشة

    اشتباك بين عملاقي الإبداع الأميركي وفي الخلفية الحرب الأهلية الإسبانية


    إبراهيم العريس باحث وكاتب

    هل يمكن للقارئ أن يتخيل، ومهما كان واسع المخيلة محباً للغرابة، ما الذي يمكن أن يحدث حين يلتقي اثنان من عمالقة الإبداع الأميركي حول عمل مشترك؟ هل يمكن هذا القارئ أن يتخيل، مثلاً، كيف جرى اللقاء الأول بين إرنست همينغوي وأورسن ويلز في استوديو لتصوير الصوت ذات يوم من عام 1937، بعد أن أنجز المخرج الوثائقي الهولندي الكبير فيلمه "الأرض الإسبانية"، الذي سينال شهرة كبيرة لاحقاً، وكان في ذلك الحين لا يزال في حاجة لأن يضاف إليه صوت المعلق يروي ما سيشاهده المتفرجون؟ كان الروائي الأميركي إرنست همينغوي هو كاتب التعليق الذي كان من المفترض أن يسجله ويلز بصوته الرخيم، وكان الاثنان من أنصار الديمقراطية الإسبانية الجمهورية في حربها ضد الجنرال فرانكو وفاشييه، أما الفيلم، فكان أشبه بأنشودة ملحمية تتغنى بإسبانيا وحياة شعبها وحريتها وتقدميتها.

    همينغوي كان هناك، لأنه كان هو كاتب الفيلم، هو الذي شارك في الحرب الأهلية الإسبانية على طريقته، وكتب عنها واحدة من أقوى رواياته، وكان أورسن ويلز هناك أيضاً لأنه كان من أشهر سينمائيي وفناني زمنه، وكان صوته يشكل علامة فنية فارقة برنته الشكسبيرية، ناهيك بتأييده هو الآخر للديمقراطيين الإسبان وصداقته مع جوريس إيفانس.

    لم تجرِ الأمور على ما يرام

    كان من المتوقع، طبعاً بالتالي أن تجري الأمور على خير ما يرام داخل استوديو تسجيل الصوت حيث كان همينغوي حاضراً ليراقب كيف سيحول ويلز عباراته إلى عمل فني صوتي أخاذ، ولئن كان هذا الأخير قد تأخر في الوصول بعض الشيء، فإنما كان ذلك تبعاً لما هو معهود منه وهو الذي كان يحب دائماً أن يكون الأخير في الوصول كي يستقبل باحتفالية يعشقها. وعلى هذا النحو بدا كل شيء طبيعياً، بل يبدو أن همينغوي حضر نفسه حتى كي يتجاذب أطراف الحديث مع زميله المبدع حول مصارعة الثيران التي كانت تشكل هوايتها قاسماً مشتركاً يجمعهما بالبعد الإسباني في لقائهما. ولكن، وكما ستقول الحكاية التي سيؤكدها ويلز في عديد من تصريحاته حيناً لجوزيف ماكبرايد الذي أجرى معه بعد سنين طويلة حواراً تحول إلى كتاب أيقوني، وحيناً لبيتر بوغدانوفيتش الذي كتب إحدى سيره العديدة، لم تجر الأمور كما ينبغي، بل على العكس تماماً، وها هو ويلز يروي الحكاية بنفسه، وهنا كما ترد لدى ماكبرايد تحت عنوان جامع هو "ما الذي حدث لأورسن ويلز؟".

    مزاجان ناريان

    فويلز حين سئل يوماً عن تفاصيل ما حدث بينه وبين همينغوي، ابتسم قائلاً، "في الحقيقة أن علاقتي مع همينغوي كانت تتسم دائماً بقدر ما من الغرابة. فأنا التقيته للمرة الأولى حين تم الاتفاق معي على قراءة التعليق الخاص بفيلم جوريس إيفانس، "الأرض الإسبانية"، المتحدث عن تلك الحرب التي دارت في ذلك البلد. يومها، ما إن وصلت إلى حيث كان يجلس همينغوي وأمامه زجاجة ويسكي يحتسي منها، كان يدور في خلدي أن أناقشه حول بعض سطور التعليق التي رأيتها أطول وأبطأ مما يتطلب الموقف في الفيلم، ناهيك بتصوري أنها غير ذات علاقة بأسلوب الكاتب المعروف بلغته المختصرة التي تدخل عمق الأمور مباشرة في اقتصاد قوي محبب، كانت عبارة عن سطور جوفاء منتفخة مثل "ها ثمة أمامكم وجوه رجال مستعدين للموت"، العبارة التي كان من المفترض بي أن أتلوها في لحظة تمر فيها على الشاشة وجوه رجال ونساء بالغي التألق والفصاحة. قلت له من فوري، "مستر همينغوي، قد يكون من الأفضل للمتفرج أن يشاهد هذه الوجوه من دون أي تعليق"، و"على الفور تبين لي أن الكاتب الكبير لم يحب ما قلته". قال ويلز مبتسماً. أضاف، "وبما أنني كنت يومها معروفاً بالأعمال المسرحية التي كنت أخرجها لمسرح "ماركوري" الطليعي في برودواي، بدا كلامي لهمينغوي نوعاً من تعال عليه فصرخ قائلاً، "أنتم يا صبيان المسرح المخنثين...، ما الذي تراكم تعرفونه عن الحروب؟! وكان لا بد أن تقع الواقعة".

يعمل...
X