الموسيقار "رياض البندك".. رحلة الإبداع من "بيت لحم" إلى "دمشق"
إدريس مراد
- 8 حزيران 2022
تعلّق "رياض البندك" بالموسيقا وهو على مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية، حيث أصرّ على تعلم الموسيقا رغم معارضة شديدة من والده الذي قام بتحطيم آلته الموسيقية "العود" لأكثر من مرة، لكنه تابع مشواره ليغدو فيما بعد موسيقياً مرموقاً له مكانته في الساحة الفنية العربية.
عائلة عريقة
نشأ "البندك" ضمن عائلة عريقة، اجتماعياً وسياسياً، وذلك حسب حديث "نزيه أسعد" قائد أوركسترا "السورية للموسيقا العربية" والمدرّس في المعهد "العالي للموسيقا بـ "دمشق.
يقول "أسعد" : "والده "عيسى البندك" صاحب أول جريدة في المنطقة وهي جريدة "صوت الشعب"، التي صدرت عام 1922 في "فلسطين"، في صغره شارك "البندك" في جوقة المدرسة وبرزت موهبته، وعندما علم والده بنشاطات ابنه وصولاته وجولاته الموسيقية قام بكسر آلته العود وتهديده، ولكن"رياض" اشترى آلة عود أخرى، ليكسرها الوالد مرة ثانية وعاقبه بإرساله إلى مدرسة النهضة الداخلية في "البقعة"، وهناك تابع نشاطاته الموسيقية".
مع طاقم إذاعة الشرق الأدنى - يافا 1948العودة إلى "دمشق"
مع بعض من أعضاء فرقته
يضيف "أسعد": دخل "البندك" فيما بعد إلى إذاعة "القدس" على يد الموسيقي "يحيى اللبابيدي" مدير الإذاعة وصاحب لحن أغنية "يا ريتني طير لأطير حواليك" التي أداها "فريد الأطرش"، ولكن وقف الأب مرة أخرى حاجزاً أمام هذه الخطوة، وعندما اندلعت الثورة في "فلسطين" عام 1938 ضد الاستعمار البريطاني، وكان أبوه مشاركاً فيها، ألقت السلطات البريطانية القبض عليه ونفته إلى "اليونان" بسبب دعمه للثورة، وأصبح "رياض" مسؤولاً مثله مثل باقي أفراد أسرته عن العائلة، فترك الدراسة ليقوم بمساعدة الأهل، وفي الوقت نفسه استغل هذا الوضع رغم حزنه وألمه على مصير أبيه، لينطلق في رحاب الفن، فأتقن العزف على آلة "العود"، وبعد دراسة عميقة استطاع أن يدخل إذاعة "الشرق الأدنى" ومقرها حينها في مدينة "جنين"، جاء "رياض البندك" إلى "دمشق" عام 1948 وهو في ريعان شبابه، ليقدم بعض ألحانه في الإذاعة السورية الفتية، وأصبح مراقباً فنياً فيها، وفي الوقت ذاته تم تعيينه رئيساً لقسم الموسيقا في الإذاعة اللبنانية، ومن هناك وتحديداً في عام 1950 سافر إلى "قبرص" ليقود الفرقة الموسيقية الخاصة بإذاعة "الشرق الأدنى"، ولكنه لم يمكث فيها إلا عاماً واحداً ليعود إلى "دمشق".
ألحان وأغانٍ
لحّن "رياض البندك" في أغلب ألوان الغناء، وغنّى ألحانه المشاهير، أدت له "فايزة أحمد" اغنيتين هما "الربيع يا قلبي، حنين"، وغنت له "فاتن حناوي" قصائد عديدة منها "الفت حرك، يا من سقانا، الذكرى" للشاعر الكبير "بدوي الجبل"، وقصيدة "أترى يذكرونه" للشاعر "الأخطل الصغير"، وغنى له في مجال الأغنية الدارجة والشعبية عدد كبير من المطربين والمطربات منهم "سميرة توفيق"، التي غنت له "ويلك مني" وهي من نظم "فؤاد شحادة"، كما غنى له المطرب "عبد الرزاق محمد" أغنية "صبية في الحي" للشاعر "حسين حمزة"، وغنى من ألحانه "ماري جبران، كروان، زكية حمدان، نور الهدى، سعاد محمد"، وهنا ينهي المايسترو "نزيه أسعد" قوله: "لعبت ألحان "رياض البندك" دوراً في تشكيل شخصية المطرب، ويمكن بسهولة ملاحظة بصماته في شخصية المطربين الذين أدوا ألحانه، هذا ما حدث مع "عليا التونسية" في لحن "لا ملامة" وهو أفضل لحن غنته "عليا" في حياتها بشهادة "رياض السنباطي"، كما لعبت الأغنية الأولى لـ"جورج وسوف "وهي "سهرت الليل" في ترسيخ شخصية الفنان "وسوف" في اختياره طريق الطرب الأصيل، وكذلك الأمر عند "لطفي بوشناق" و"فايزة أحمد" وبدرجة أقل عند كل من "نصري شمس الدين، فهد بلان، ملحم بركات، نهاد طربيه، ماري جبران".
استقباله من قبل الرئيس الراحل عبد الناصرالمحب للقصيدة
يقول الباحث الموسيقي "صميم الشريف" في كتابه "الموسيقا في "سورية" – أعلام وتاريخ": قلما تجد في مؤلفات وألحان "رياض البندك" عملاً يخالف التقاليد الموسيقية المتبعة ولا سيما في المقامات وفي انتقاله من الأصل إلى الفروع، فهو في هذا يحترم أسلافه والأعلام الكبار، وهو صارم جداً تجاه نفسه قبل الآخرين، ونلمس ذلك منذ بداياته وفي أعماله المبكرة، ولا سيما في القصيدة التي يهوى تلحينها أكثر من الألوان الأخرى، لأنها الأقرب والأرقى عند المتلقي لغة لحناً وطرباً، ولأنها الأقوى في الوصول إلى المستمع العربي من اللغة المحكية".
بين الشعر والموسيقا
ومن الأغاني الدارجة في السبعينيات التي لحنها قصيدة "همسات" و"عاشق الليل" أداهما المطرب "محمد غازي"، كذلك غنى له "توفيق غريب" أغنيتي "خصام الحب، زمن الحب"، والمطرب "فؤاد إبراهيم" قصيدة "زهرة الصباح"، وكتب "رياض" الشعر أيضاً ومن أشعاره وألحانه "سهرت الليل" التي غناها المطرب "جورج وسوف" في صباه، وفي الثمانينيات كرس "البندك" جزءاً من وقته في تأليف أعمال موسيقية آلية كلاسيكية عربية، وهو الأمر الذي حلم به طوال حياته، فألف عملاً ضخماً بعنوان "من حطين إلى تشرين" وعملاً آخر بعنوان "فلسطين"، وقد وضع فيهما كل خبرته حيث استغل بأسلوبه الرائع المقامات الموسيقية الشرقية ومزجها بفلسفة الموسيقا الآلية.
يشار إلى أنّ "رياض البندك" من مواليد "بيت لحم" الفلسطينية عام 1922، توفي في بيته بـ"دمشق" عام 2003. تاركاً خلفه إرثاً موسيقياً هائلاً.