Mohammad Kujjah - الاتحاد العربي للثقافة
أمس الساعة ١٢:٣٨ م ·
(حلب وياقوت الحموي )
1 - نحن في الربع الأخبر من القرن الهجري السادس، والربع الأول من القرن الهجري السابع (12-13م). والدولة الأيوبية تبسط نفوذها السياسي والثقافي، بعد النصر الحاسم في معركة حطين. وتعيش بلاد الشام حالة من الاستقرار والازدهار والعمران والنشاط التعليمي والثقافي.
ونجد في تلك الفترة الزمنية توسعاً كبيراً في المدارس ورجال العلم في شتى مناحي المعرفة والعلوم.
2 - في هذا الإطار التاريخي والثقافي ولد "شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي البغدادي". وتشير أغلب الدراسات إلى أن مولده كان في سنة 574هـ- 1178م. وقد أُسر صغيراً في بغداد، فاشتراه رجل يدعى "عسكر الحموي" وجعله في الكتّاب، فتعلم وتوسع تعليمه في النحو واللغة، واصطحبه مولاه في أسفاره وتجاراته بين (كيش وعُمان، والشام).
وفي سنة 596هـ أعتقه مولاه، فاشتغل نسّاخاً للكتب. ثم كلفه مولاه بتجارة إلى كيش وحين عودته كان مولاه قد توفي، فأعطى "ياقوت" أرباح التجارة إلى أولاد مولاه المتوفي بكل أمانة.
وبين عامي 613- 616هـ، يسافر "ياقوت" في رحلات طويلة، فنراه في دمشق وحلب والموصل وأربيل وخراسان وخوارزم ومرو.
3 - وحينما بدأ الهجوم المغولي بقيادة "جنكيز خان" يجتاح مشرق العالم الإسلامي، غادر "ياقوت" خوارزم عائداً إلى الموصل ثم سنجار، واستقر به المقام في حلب، وأمضى فيها بقية عمره في خان في ظاهر المدينة حتى وفاته عام 626هـ- 1229م.
وكانت هذه السنوات العشر الأخيرة من عمره فرصة لإنجاز مؤلفاته الغزيرة وأبرزها:
-معجم البلدان
-معجم الأدباء
-المقتضب من كتاب جمهرة النسب
-أخبار المتنبي (ذكره ابن العديم في بغية الطلب)
والكتابان اللذان خلّدا ذكر "ياقوت" هما معجم البلدان ومعجم الأدباء.
4 - ونتوقف قليلاً عند "معجم البلدان "بشكل موجز:
معجم البلدان: واللافت للنظر ان هذا المعجم لا يزال مرجعا هاما وضروريا بعد ثمانية قرون من تأليفه ، ونرى فيه ذكرا لمدن كانت عربية وقت تأليفه ، مثل : قرطبة واشبيلية وغرناطة . وليس في معاجم المدن المعاصرة ما يمكن ان نستغني به عن معجم ياقوت الحموي. والطبعة المتداولة منه في سبعة مجلدات، والمادة العلمية مرتبة ترتيباً ألفبائياً: أ. ب. ت. ث. ج.. ويبدأ "ياقوت" بالتعريف بالبلد على النحو التالي:
1.تحليل لفظ البلد ومرجعيته ومعانيه.
2.صفة البلد الجغرافية والمناخية.
3.موقع البلد بالنسبة للأقاليم الجغرافية.
4.تاريخ البلد حسب الروايات التي وصلت إلى ياقوت.
5.البرج الذي يقع فيه البلد.
6.ما قيل فيه من حكايات وشعر مدحاً وذماً.
وتتفاوت حجوم الكتابة بين مدينة وأخرى بحسب أهميتها، وكمية المعلومات المتوفرة عنها لدى "ياقوت". فهناك مدن زارها أو أقام فيها، وهناك مدن سمع بها أو جمع معلومات عنها.
فهناك على سبيل المثال مواضع خصّها بسطر واحد. وهناك مدن أفرد لها أكثر من عشر صفحات في كتابه.
5 - وفي حرف الحاء نتوقف عند مثالين:
حلبان: موضع باليمن قرب نجران. من مياه بني قشير، وادٍ قليل الماء خبيثه وهو لبني معاوية بن قشير (سطران فقط).
حلب: لها عشر صفحات نقتبس منها:
١ - حَلَبُ: بالتحريك: مدينة عظيمة واسعة كثيرة الخيرات طيبة الهواء صحيحة الأديم و الماء، وهي قصبة جند قنّسرين في أيامنا هذه، والحَلَب في اللغة: مصدر قولك حَلبْت أحلبُ حَلبا، وقال قوم: إن حلب وحمص وبرذعة كانوا إخوة من بني عمليق.
٢ - قال "بطليموس": طول مدينة حلب تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة، داخلة في الإقليم الرابع، طالعها العقرب، وبيت حياتها إحدى وعشرون درجة من القوس، لها شركة في النسر الطائر تحت إحدى عشرة درجة من السرطان، وخمس وثلاثون دقيقة، يقابلها مثلها من الجدي.
٣ - وقرأت في رسالة كتبها "ابن بطلان المتطبّب" فقال: دخلنا من الرصافة إلى حلب مراحل، وحلب بلد مسوّر بحجر أبيض وفيه ستة أبواب وفي جانب السور قلعة. وشرب أهل البلد من صهاريج فيه مملوءة بماء المطر، وعلى بابه نهر يعرف بقويق يمد في الشتاء وينضب في الصيف، وفي وسط البلد دار علوة صاحبة البحتري.
٤ - وقال: من عجائب حلب أن في قيسارية البزّ عشرين دكاناً للوكلاء يبيعون فيها كل يوم متاعاً قدره عشرون ألف دينار مستمر ذلك منذ عشرين سنة وإلى الآن، وما في حلب موضع خراب أصلاً، وخرجنا من حلب طالبين أنطاكية، وبينها وبين حلب يوم وليلة، آخر ما ذكر ابن بطلان.
٥ - وأما المسافات فمنها إلى قنسرين يوم وإلى المعرة يومان وإلى حماة ثلاثة أيام وإلى حمص أربعة أيام وإلى اللاذقية ثلاثة أيام وإلى طرابلس أربعة أيام. وشاهدت من حلب وأعمالها ما استدللت به على أن الله تعالى خصّها بالبركة. يزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والكروم والذرة والمشمش والتين والتفاح عذياً لا يسقى إلا بماء المطر ويجيء مع ذلك رخصاً. وفيها ثمانمائة ونيف وعشرون قرية ملك لأهلها ليس للسلطان فيها إلا مقاطعات يسيرة، ونحو مائتين ونيف قرية مشتركة بين الرعية والسلطان .
٦ - وأما فتحها فذكر "البلاذري" أن "أبا عبيدة" رحل إلى حلب وعلى مقدمته "عياض بن غنم الفهري"، فوجد أهلها قد تحصنوا، فنزل عليها فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والأمان على أنفسهم وأولادهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحصن الذي بها، فأعطوا ذلك واستثنى عليهم موضع المسجد، وكان الذي صالحهم "عياض"، فأنفذ "أبو عبيدة" صلحه.
٧ - وأما قلعتها فبها يضرب المثل في الحسن والحصانة لأن مدينة حلب في وطء من الأرض وفي وسط ذلك الوطء جبل عال مدوّر صحيح التدوير مهندم بتراب صح به تدويره، والقلعة مبنيّة في رأسه، ولها خندق عظيم وصل بحفره إلى الماء، وفي وسط هذه القلعة مصانع تصل إلى الماء المعين، وفيها جامع وميدان وبساتين ودور كثيرة، وكان الملك الظاهر "غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب" قد اعتنى بها بهمته العالية فعمّرها بعمارة عادية وحفر خندقها وبنى رصيفها بالحجارة المهندمة فجاءت عجباً للناظرين إليها، ولها في أيامنا هذه سبعة أبواب: باب الأربعين، باب النصر، باب الجنان، باب أنطاكية، باب قنسرين، باب العراق، باب السرّ.
٨ - وقد قال الشاعر الصنوبري
احبسا العيس احبساها
وسلا الدار سلاها
حبّذا الباءات باءت
قويق ورباها
بانقوساها بها با
هي المباهي، حين باهى
حلب بدر دجى، أنـ
ـجمها الزهر قراها
حبّذا جامعها الجا
مع للنفس نقاها
أي حسن ما حوته
حلب، أو ما حواها
حلب أكرم مأوى،
وكريم من أواها
فاخري، يا حلب، المدن
يزد جاهك جاها
إنه إن تكن المدن
رخاخاً، كنت شاها
*********
Fareed Zaffour