مثقفو حلب
Walid Bannoud · ١١ يونيو، الساعة ٩:٤٥ م ·
الإسطرلا ب
الإسطرلاب أو كما يسميه البعض ( الساعة الفلكية ) , هو آلة فلكية قديمة أطلق عليها العرب إسم ( ذات الصفائح ) وهو نموذج ثنائي البعد للقبة السماوية ويظهر كيف تبدو السماء في مكان محدد وفي وقت محدد ..... وتوجد الإسطرلابات على ثلاثة أشكال – بحسب إستخدامها – فهي إما أن تكون مسطحة أو كروية أو ذات الحلق .
إن أول من تحدث عن الإسطرلاب من الإغريق هو ( يوحنا النحوي ) وذلك في القرن الرابع قبل الميلاد , وفي اللغة السريانية كتب عنه العالم ( سفيروس ) , كما كتب عنه أيضاً عام ( 140 ) ميلادي العالم بطليموس في كتابه ( المجسطي ) الذي كان مرجعاً رئيسياً لعلماء الفلك الأوربيون حتى مطلع القرن السابع عشر تقريباً والذي شرح فيه نظريته الفلكية ...... بأن الأرض ثابتة وبأن الشمس والكواكب يدورون من حولها .
لقد أعطى العرب حيزاً واسعاً من ثقافتهم وعلومهم إلى علم الفلك .... ففي زمن الجاهلية إضطر وا إلى دراسة حركة الشمس والنجوم وذلك للإهتداء بها في الصحراء المتناثرة المسافات .... كما وأنهم تابعوا علومهم الفلكية وطوروها بعد الإسلام وذلك رغبة منهم لتحديد إتجاه الكعبة المشرفة ولمعرفة أوقات الصلاة الملتزمين بها .
لذلك نرى بأن العرب قد عرفوا الأسطرلاب وطوروه وإستعانوا به لتحديد أوقات الصلاة وإتجاه الكعبة المشرفة , كما إستعان به البحارة العرب كذلك لتحديد دوائر وزوايا إرتفاع الأجرام السماوية بالنسبة للأفق في أي مكان لحساب الوقت والبعد عن خط الإستواء ومواقع النجوم ليلاً ...... وأضافوا بذلك إلى المعرفة الإنسانية الشيء الكثير حوله وكان من أبرزهم في القرن الثامن الميلادي العالم ( أبو إسحق إبراهيم الفزاري ) وكذلك العالم ( عبد الرحمن بن عمر الصافي ) الذي وضع ( الكتاب الكبير في عمل الإسطرلاب ) .
لقد رجح الكثيرون بأن مخترع الإسطرلاب - بشكله الحالي - هوالعالم الدمشقي أبو الحسن علاء الدين بن إبراهيم الأنصاري ( الملقب بإبن الشاطر ) والذي إخترع عام ( 1375 ) ميلادية ساعة شمسية لضبط أوقات الصلاة حيث قام بوضعها على إحدى مآذن الجامع الأموي في دمشق وسماها ( الوسيط ) كما نشر هذا في كتابه حول علم الفلك ( نهاية السؤال في تصحيح الأصول ) وسبق بذلك في علومه الفلكية العالم ( كوبرنيكوس ) بقرون عديدة ...... كما كانت من أهم إنجازات هذا العالم في القرن الرابع عشر هي تصحيحه لنظرية ( بطليموس ) القائلة بأن الأرض ثابتة وبأن الشمس والكواكب يدورون من حولها مرة واحدة كل 24 ساعة .
ولقد ذكرت المستشرقة الألمانية الدكتورة ( زيغريد هونكه ) في الصفحة ( 130 ) من كتابها شمس العرب تسطع على الغرب :
وهكذا فإن لعلم الفلك لدى المسلم معنى دينياً عميقاً , فالنجوم ومدارها والشمس وعظمتها والقمر وسيره لبرهان ساطع على عظمة الله وقوته . الخالق الذي جاء بإسمه النبي العربي مبشراً بأنه خالق السموات والأرض وجاعل الظلمات والنور , العليم بما في الصدور ......لذلك وكما قال أحد كبار فلكيي العرب ( البتاني ) فإن علم النجوم هو علم يتوجب على كل إمرىء أن يعلمه , كما يجب على المؤمن أن يلم بأمور الدين وقوانينه . لأن علم الفلك يوصل إلى برهان وحدة الله تعالى وإلى معرفة عظمته الهائلة وحكمته السامية وقوته الكبرى وكمال خلقه .
لقد ساعدت العلوم التي أخذها الأوربيين عن العرب على بناء نهضتهم المعاصرة , سواء تلك التي أخذوها عن طريق الحروب الصليبية أو عن طريق التجارة مع شعوب الشرق الأوسط أوعن طريق الأندلس ...... ولعل آخرهذه العلوم وأهمها هو علم الفلك والإسطرلاب ( الساعة الفلكية ) ..... اللذان ساعدا وإلى حد كبير الأوربيين على الإكتشافات الجغرافية للعالم والدوران حول الأرض ..... وتغيير الخارطة السياسية والإجتماعية والإقتصادية لجميع شعوب العالم .
أهمية الإسطرلاب في الإكتشافات الجغرافية :
لقد بدأت الإكتشافت الجغرافية الأوربية لدى الإسبان والبرتغاليين عام ( 1492 ) ........ والتي جاءت متزامنة مع العام الذي سقطت فيه غرناطة كآخر دولة في الأندلس الحضاري المزدهر ........ والتي كانت تعتبر في القرن العاشر بأنها أقوى وأغنى دولة في أوربا وبأن حضارتها كانت أرقى من الحضارات في جميع الدول الأوربية .
تعد الاكتشافات التي حدثت في القرن الخامس عشر الميلادي من أهم أسباب النهضة الأروبية وأعظم مظاهرها ....... وكانت أهم هذه الإكتشافات هو إكتشاف العالم الجديد سنة ( 1492 ) ميلادية وإكتشاف الطريق من أوربا إلى الهند بحراً حول أفريقيا ( طريق رأس الرجاء الصالح ) سنة ( 1498 ) ميلادية. ........ بالإضافة إلى عدة عوامل :
أولاً : العوامل السياسية :
1 - ظهور الدول القومية الأوربية ورغبة هذه الدول في السيطرة على أراضي جديدة للتوسع فيها واستعمارها .
إضعاف العالم الإسلامي والقضاء على قوته ونزع تجارة الشرق من أيدي التجار المسلمين ..2 -
ثانياً : العوامل الإقتصادية :
1 – حاجة أوربا ألى بضائع الشرق من التوابل والبهارات والمعادن والسكر والعاج , وكان التجار المسلمين يحتكرون التجارة بالتعاون مع المدن الإيطالية . وكذلك محاولة الأوربيون الوصول إلى آسيا بشكل مباشر .
2 – سعي الدول الأوربية للتخلص من دفع الرسوم والضرائب التي كانوا يدفعونها للعرب والمسلمين .
3 – رفض الأوربيون سيطرة الأتراك العثمانيين على طرق التجارة المار بآسيا الصغرى وجنوب شرق أوربا .
ثالثاً : العامل الديني :
أرادت الكنيسة الكاثوليكية فرض سيطرتها على الأقطار المكتشفة غير المسيحية وزيادة أتباع الكنيسة فأرسلت مع الحملات الإستكشافية القساوسة والرهبان .
رابعاً : المعلومات الجغرافية التي توافرت لدى الأوربيين :
أخذ الأوربيين الإسطرلاب والبوصلة عن العرب والمسلمين وعرفوا كروية الأرض وعمل الخرائط والرسوم البيانية . وتطورت لديهم صناعة السفن التي جهزت بثلاث صواري تمكنها من الإبحار بعكس الرياح وبإستطاعتها الوصول إلى مسافات بعيدة وبسرعة مناسبة .
أثر الإكتشافات الجغرافية على البلاد العربية والإسلامية :
كانت طرق التجارة العالمية مابين الشرق والغرب مقصورة حكراً على المدن والدول المطلة على شواطىء البحر الأبيض المتوسط سواءً الواقع منها في منطقة الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا أو جنوب القارة الأوربية....... وحققت جميع هذه المدن والدول فوائد مادية عظيمة بفرض الضرائب على هذه التجارة ......... إلا أن الإكتشافات الجغرافية أدت إلى تحول التجارة الدولية عن البلاد العربية و تدهور الحالة الإقتصادية فيها .
وقد لخص ( إبن إياس ) في كتابه بدائع الزهور الوضع بقوله : وكانت في تلك الأيام الموانىء في غاية الشح والتعطيل فكان ميناء الإسكندرية خراب ولم تدخل إليه السفن منذ عدة سنين ....... وكذلك كانت مدينة جدة خراب بسبب إعتداء الفرنج على التجار في بحر الهند ......... فلم تدخل مراكب البضائع من بندر إلى جدة منذ ستة سنوات وكذلك من جهة دمياط والإسكندرية .
===========================