فيلم (Hanna K 1983) للمخرج اليوناني الفرنسي كوستا غافراس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيلم (Hanna K 1983) للمخرج اليوناني الفرنسي كوستا غافراس

    فيلم (Hanna K 1983) للمخرج اليوناني الفرنسي كوستا غافراس..

    هادي ياسين
    ظل هذا الفيلم مطموراً وفي طي النسيان منذ تاريخ انتاجه حتى بات من المستحيل مشاهدته لولا وسائل التواصل الاجتماعي التي بثت فيه الروح من جديد نتيجة استهدافه من الجماعات الموالية لإسرائيل التي كانت قلقة من احتمال قيام مخرج غربي عُرف بميوله اليسارية وربما الشيوعية بتصوير فيلم يتعاطف مع القضية الفلسطينية.
    وقتها، أوعزت (منظمة بناي بريث) الصهيونية، في مذكرة داخلية، لأعضائها بنشر التعليقات المناوئة للفيلم بصحفهم المحلية في حال عرضه في مدنهم لتحجيم انتشاره والتقليل من شأنه، والحقت المنظمة، التي تدعي الدفاع عن حقوق الانسان، نصيحتها بمجموعة من الانتقادات المعدة مسبقاً، كتبها شمعون صموئيل وأبا كوهين من مقرها الفرنسي لتوضيح الحجج التي يجب على مؤيدي إسرائيل تقديمها ضد الفيلم.
    وبعد عرض الفيلم في عدد من المدن الأمريكية قوبل بمراجعات نقدية سلبية في غالبيتها، ثم قام الموزع الأمريكي فجأة بسحبه من التداول بسبب ما تعرض له من ضغوط وتهديدات، وقد "فهم" أن الفيلم غير مقبول لدى مؤيدي إسرائيل. وهكذا تراجعت دور العرض في نيويورك وبوسطن وواشنطن وشيكاغو وسان فرانسيسكو في اللحظة الأخيرة عن عرضه بعدما كانت قد أدرجته على لائحة عروضها، إلى أن تم حظره فعلياً في الولايات المتحدة.
    لماذا؟
    لأنه صور الفلسطينيين على أنهم بشر!
    حتى جيل كلايبورغ التي أدت دور المحامية اليهودية "هانا. ك" حاربتها جهات الإنتاج في هوليوود، وتجاهلت موهبتها، واعاقت صعود نجوميتها رغم أنها يهودية من جهة الأب، ورغم تصنيف النقاد لها كممثلة لا تقل قدرة في الاداء عن ميريل ستريب وجين فوندا وغليندا جاكسون وديان كيتون وممثلات أخريات ظهرن معها في مرحلة السبعينات التي ظهرت فيها لتبقى في مساحة ضيقة قليلة الانتشار.
    أجرى غافراس عشرات المقابلات مع الصحفيين والنقاد حاول فيها الدفاع عن فيلمه بعدما لاحظ وجود قاسم مشترك بينهم لا يتعلق باعتراضات سياسية فقط، ولكن للاعتقاد بأن الفيلم معاد لإسرائيل. وكان من نتيجة ذلك رفض شركة "يونيفرسال" توزيع الإعلانات التي تم إعدادها للفيلم، عدا الخسائر المادية التي لحقت به.
    كان فيلم "هانا. ك" أول فيلم لغافراس، أحد أشهر مخرجي الأفلام السياسية، عن الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، في أعقاب سلسلة من الأفلام الناجحة: Z (1969)، حالة حصار (1972)، مفقود (1982). ولغافراس (اثينا – 1933) اسلوب فريد في التعامل مع هذه النوعية من الأفلام، يكرره دائماً، ويعمل على تطويره من فيلم لآخر، حتى غدت أفلامه بمثابة مسيرة سينمائية عن مظالم السلطة والسياسة في القرن العشرين.
    تدور أحداث "هانا. ك" في القدس عام 1980، وتتمحور حول الشاب الفلسطيني سليم بكري (محمد بكري) الذي أجبرته الحكومة الإسرائيلية وهو طفل على ترك وطنه وترحيله مع عائلته إلى مخيمات اللجوء في الضفة الغربية ولبنان، ثم هدمت مدينته بالجرافات لاستبدالها بمستوطنة إسرائيلية جديدة لمهاجرين من روسيا لكن منزله بقي على حالته كمبنى ذي أهمية تاريخية، لذلك يستمر في محاولات العودة إلى إسرائيل مصحوباً بوثائق تثبت ملكيته للمنزل، فيما تعمل السلطات الإسرائيلية على مطاردته وترحيله بعد كل محاولة إلى أن دفعتها محاولته الأخيرة إلى اعتقاله واحالته على المحاكمة بتهمة الانتماء إلى شبكة ارهابية، وتكليف المحامية "هانا. ك" بمهمة الدفاع عنه.
    من هنا تبدأ رحلة "هانا. ك" مع المتاعب...
    و"هانا. ك" التي يشير الفيلم إلى الحرف الأول من اسمها العائلي كوفمان، يهودية من أصل بولندي في الخامسة والثلاثين، ولدت في الولايات المتحدة، واكتسبت الجنسية الفرنسية بزواجها من فيكتور بونيه (جان يان)، وأصبحت إسرائيلية باختيارها بعد انتقالها إلى القدس وممارسة مهنة المحاماة.
    يقع اختيار النائب العام جوشوا هرتسوغ (غابرييل بيرن) على "هانا. ك" التي ترتبط معه بعلاقة عاطفية، للدفاع عن بكري. ونشاهد كيف سلمها ملف القضية قبل انعقاد المحاكمة بأقل من 24 ساعة وكأن الدفاع في القضاء الإسرائيلي مجرد اداء مسرحي وشكليات فحسب من أجل اسكات المجتمع الدولي. ومن خلال بحثها في حيثيات الملف تكتشف الحاجة للمساعدة من زوجها فيكتور الذي بقي في فرنسا، لكن الأخير حين يأتي ينظر إلى كل هذا نظرة متعالية: مشكلة سليم، غيرة جوشوا، رغبة حنا في الاستقلال، حيث كل منهم يدافع عن "أرضه" بطريقته الخاصة.
    تحقق "كوفمان" في ادعاءات بكري ومحاولاته لاستعادة ممتلكات عائلته، وحينما تتقصى قليلاً عما يقوله موكلها تفاجأ بالحقيقة، وبما يتعرض له الفلسطينيون على أيدي القوات الإسرائيلية التي تحتل أرضهم لا يختلف كثيراً عما عاناه أبواها في الهولوكوست، عندها يحاول النائب العام اجبارها على التخلص منه، وعدم الانصياع لمطالبه، فتجد نفسها أمام خيارين: إما الاستسلام لجوشوا الذي تتوقع منه طفلاً أو الدفاع عن المتهم، لتقرر في النهاية المضي في وظيفتها لإنقاذ حياة موكلها من منطلق قانوني وانساني يعبر عن قناعاتها بصفتها ابنة ناجين من مذابح النازية، حيث تجد في القضية التي تتولاها ما يلامس حياتها الشخصية أيضاً.
    لا يخوض المخرج في المواقف بل يتعمق في الشخصيات التي تخلق هذه المواقف، وهو يسرد تفاصيل الفيلم السياسية والاجتماعية والبيئية في صور بسيطة التكوين لكنها جميلة ساحرة اعتاد عليها منذ فيلمه الثالث الشهير (Z) الذي تناول عنف أجهزة الشرطة في الدول الديكتاتورية، ويعمد، على غرار جميع أفلامه، إلى مقاربة إنسانية للقضية التي يعالجها، وهو يقدمها من وجهة نظر معتدلة للغاية وبشكل فني غير مباشر إلى حد ما، وعبرها نسمع أصوات الآذان وتلاوة القرآن وأجراس الكنائس والاغاني العربية، ونرى مشاهد الطبيعة وقبة الصخرة وبيت المقدس، ونشعر بآلام الفلسطينيين وأحزانهم على ضياع الوطن وخسارة الأرواح التي فنيت بالقتل أو حرمت داخل السجون والمعتقلات من حقها في الحياة.
    ليست الحكاية التي كتبها غافراس بالتعاون مع فرانكو سوليناس (سيناريست ايطالي يساري شارك في كتابة سيناريو فيلم معركة الجزائر) هي الأكثر أهمية وانما الأبعاد التي تغلف هذه الحكاية، ومدى العجز الذي ينبع منها، فالصراع العربي - الإسرائيلي يزداد ضراوة كلما طال الزمن، وإسرائيل لا يمكنها أن تحيا إلا في حالة عداء مع الدول المحيطة بها من خلال سياسة قمع شرسة، وهذا ما يشجع الفلسطينيين على مواجهتها ببعض ردات الفعل اليائسة.
    وتكمن قيمة الفيلم في كونه أول فيلم يصدر في الغرب عن القضية الفلسطينية في وقت بلغت فيه نسبة تضامن الرأي العام في أمريكا وأوربا مع اسرائيل ذروتها مقابل نسبة ضئيلة مع الشعب الفلسطيني، لذلك ينبغي النظر اليه من منظور تاريخي فهو يأتي بعد اتفاقية كامب ديفيد وقبل اتفاقية أوسلو، ومع ذلك لم يفقد تأثيره ولا راهنيته بعد حوالي 40 عاماً على صدوره...
    نشاهده ونحن ندرك أن لا شئ تغير بخصوص القضية التي تم تصويرها...
    لقد ازداد الأمر سوءاً....
    مشاهدة ممتعة:
    https://ok.ru/video/2578651875872
يعمل...
X