أ. مبارك عمرو العماري
مملكة البحرين
من مدوني الشعر النبطي حمد السليمان البسام
العدد 57 - أدب شعبي
هو حمد السليمان الحمد السليمان حمد السليمان البسام.
ولد عام 1922م تقريباً، في مدينة (عنيزة) المعروفة بمنطقة القصيم شمال نجد،
وجاء به والده إلى البحرين صغيراً وعمره حوالي أربع سنوات، وعاش واستقر طوال عمره في البحرين. أما أخوه الأصغر (محمد) فقد ولد عام 1925م.
درس في بادئ الأمر بمدرسة الفلاح التي أنشأها في المنامة التاجر الحجازي المعروف محمد علي زينل، كأحد فروع مدرسة الفلاح بمكة المكرمة ودبي والهند، ثم درس حمد البسام في المدرسة الغربية بالمنامة عام 1932م لمدة أربع سنوات، وكان ضمن أول دفعة بعد تحويلها من المدرسة الجعفرية، حتى أكمل المرحلة الإبتدائية.
ثم درس (حمد) اللغة الإنجليزية في مدرسة التاجر بالمنامة.
توفي والده سليمان البسام عام 1949م، وهو تاجر معروف في البحرين وشخصية مرموقة، جاء إلى البحرين 1905م، واستقرّ في مدينة المنامة، وافتتح محلاً تجارياً بسوق العاصمة البحرينية، وكانت تجارته تتركز في المواد الغذائية.
وبعد إنهائه المرحلة الإبتدائية، إنضمّ (حمد) وكذلك أخوه (محمد)، إلى الحياة التجارية في مساعدة والدهما الذي أصبح من كبار تجار المواد الغذائية في ذلك الوقت، وكان (حمد) يجيد اللغة الإنجليزية كتابة وتحدثاً.
تزوج عام 1946م من ابنة خاله وعمره 17 عاماً، وأنجب أربعة أبناء وأربع بنات، والأولاد حسب تواريخ الميلاد: (خالد) 1956، (سليمان) 1961، (هشام) 1966، (بسام) 1969.
ولم تنقطع صلته ببقية الأسرة المقيمين في مدينة (عنيزة) بنجد، بل كان يتردد عليهم دائماً ويزورهم، ولا زال ثلاثة من أبنائه يقيمون هناك، بينما الأخ الأكبر (خالد) يعيش في البحرين، وهو كاتب بارز وصحفي معروف، له الكثير من المؤلفات المطبوعة ذات المنحى التاريخي والتوثيقي، وله اهتمام بترجمة الوثائق الإنجليزية التي تتحدث عن التاريخ الاجتماعي والسياسي للمنطقة.
مارس (حمد) التجارة طيلة عمره، رغم تقلبات السوق ومعاناة التجار، وله قصائد يشكو فيها من أحوال السوق وعسر اليد مما يعكس الصعوبات الجمة التي مرت به في حياته التجارية.
وكان مكتب حمد البسام يقع في الدور الأول من بناية تقع في الجهة الغربية من البداية الشمالية للسوق المسقوف بوسط سوق المنامة، في غرفة على ناصية الشارع.
وفاتــــه:
وفي يوم الثلاثاء 28 ربيع الثاني 1420هـ الموافق 10 أغسطس 1999م توفي حمد البسام بعد إصابته بجلطة، عن عمر يناهز السابعة والسبعين، ودفن بمقبرة المنامة، رحمه الله وغفر له.
عاشق الكتب:
أما الجانب الثقافي من شخصيته فهو أنه أولع منذ صغره بحب الأدب والشعر والتاريخ، وكان يعشق اقتناء الكتب بشغف كبير، لذلك تكونت لديه مكتبة ثرية من الكتب المطبوعة والمخطوطة، وكان يحرص على شراء وجلب الكتب من أغلب الأقطار العربية، وخصوصاً الدواوين الشعرية، وقد امتلك مجموعة من المطبوعات القيمة والنادرة خاصة في مجالات الأدب والشعر.
مكتبته تزخر بالدواوين الشعرية والكتب الأدبية والتاريخية. وهو كثير التدقيق في الدواوين، وله طريقة خاصة في التعامل مع الدواوين، حيث يقرأ الديوان من بدايته إلى نهايته، ويرقّم أبيات كلّ قصيدة بقلمه الرصاص، وفي آخرها يكتب مجموع أبيات القصيدة. ويعدّ فهرساً خاصاً بيده لأجمل القصائد التي أعجبته.
مدوّن وجامع الأشعار النبطية:
اهتم بجمع الشعر النبطي ودواوينه، واقتناء المجموعات الشعرية منه، وكان على اتصال وتواصل مع الشاعر الجامع عبد الرحمن الربيعي من عنيزة، ومثيله في الكويت المرحوم محمد الحمد البودي، وهو ثالثهم، إذ اهتمّ هؤلاء بتدوين الشعر النبطي في مخطوطات حفظت أغلب الأشعار النبطية المعروفة في الجزيرة العربية، وكان الثلاثة يتبادلون المجموعات الشعرية فيما بينهم، ويزوّدون بعضهم بالقصائد، وبالنواقص، وكذلك المعلومات والرسائل.
وكانت لديه بعض المخطوطات الشعرية النبطية، بعضها بخطه، وبعضها كتبها له بطلب منه الراوية الشاعر عبد الرحمن الربيعي من جمّاع ومدوّني الشعر النبطي في عنيزة، كما شاهدت في مجموعات بودي النبطية رسائل من حمد البسام وبخطه، وهذا يشير إلى العلاقة الأدبية المتبادلة بين الإثنين.
وزرته في مكتبه أكثر من مرة، ودائماً أشاهده منكبّاً على القراءة، ولاحظت عنده في المكتب عدد من المخطوطات الشعرية النبطية بخط عبد الرحمن الربيعي، ودفاتر أخرى بخطه.
1) حمد البسام شاعراً:
وقد كتب حمد البسام بعض القصائد النبطية، ولكنه لم ينشرها، لأنه ليس من النوع الذي يفاخر بشاعريته، ولم يتظاهر أبداً أنه شاعر، ولم يسبق له أن نشر أو أذاع أية قصيدة له، ولم يتواصل مع أية وسائل إعلام محلية أو خارجية مطلقاً في هذا المجال، ولم يتبادل مع غيره من الشعراء، غير أني وجدت مجموعة من قصائده في إحدى المخطوطات التي يحتفظ بها وهي بخط عبد الرحمن الربيعي، إذ يبدو أنه كلّفه بكتابتها، لأن خط حمد البسام صعب القراءة كما يبدو من مسوداته وأوراقه.
ولم يكن نظمه للشعر احترافاً، بل عشقاً وتفاعلاً مع قراءاته، ولفترة محدودة من عمره رحمه الله، لأن تجارته كانت تأخذ حيزاً كبيراً من تفكيره وانشغاله.
وقد أحب الشعر بكل أنواعه، الفصيح والنبطي، وعشقه عشقاً جمّاً، وأنتج هذا العشق عزيزاً آخر إضافة إلى أبنائه وبناته، من جرّاء مواصلته قراءة الدواوين، وحفظه الكثير من الشعر، أصبح بإمكانه كتابة الشعر، لا لغرض المباهاة والتظاهر، بل ليرضي طموحه ويقترب أكثر من عشقه الأزلي للشعر.
ولكن المؤسف أنه لم يجمع لنفسه ديواناً، ولم يخصص لأشعاره مخطوطاً، ولم يطمح إلى طبعها في ديوان يحمل اسمه، وهذا كان تقصيرا منه في حق نفسه عفا الله عنه.
ورغم محدودية عدد القصائد التي عثرنا عليها، إلا إننا نستشف خصائص واضحة في شعره، فالغالب عليه الطابع الديني والإيمان بالله والعبارات التي لا تصدر إلا عن قلب مؤمن.
أما أسلوبه في الكتابة ففيه التأثير النجدي في التعبير والمفردات والمصطلحات، ولم تستطع مدينة البحرين أن تبعده عن أصوله وانتمائه. وقصائده تقليدية تجري على النسق القديم في الصياغة والألفاظ، كما أنه يعتمد المطولات من القصائد كما هو حال الشعراء القدماء في الشعر النبطي.
وشكوى الحال في شعره واضحة المعالم، خصوصاً في المجال التجاري الذي ترك أثره في نفسيته وكتابته، فكان يعاني من أمور عديدة في عمله التجاري تنضح بها مفرداته وتعبيراته، ولديه أيضاً بعض القصائد العاطفية وفي بعضها أوزان «السامري»، وهو الفن الذي يشتهر به أهل عنيزة.
ولكن الأمر المؤسف أن قصائده غير مؤرخة، فلو أنه اهتمّ بتأريخها لتعرفنا على مراحله العمرية التي عانى فيها من التجارة ومشاكلها، ومن العواطف وشجونها.
2) نماذج من شعره:
عندما ذهب لأداء العمرة في المدينة المنورة، أعجب بها وبسكّانها وتمنّى أن يقيم فيها ويسعد بجوار النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
ياليتني امقيمٍ بطيبه وسكّان
ومشاهدٍ طه الرسول الحبيبي
امشاهده يجلي عن البال الأحزان
ويزيل ما بالقلب همٍّ صعيبي
ومصلّيٍ وسط الحرم كل الأحيان
مرغد ومستانس ودايم طريبي
وفاتح لي دكانٍ به أشكال وألوان
أجلب بضايع من بعيد وقريبي
وأبيع وأشري كل شيٍّ وما كان
كل شيء به ربحٍ وبه لي نصيبي
أقنع بمصلحةٍ قليله وما جان
يكفيني في دنيا بعيده قريبي
قاعد امريحٍ باسطٍ لي بدكان
أبيع واشري به وأحصّل نصيبي
لأحتجت شيٍّ كل وقتٍ وأحيان
آخذ ولا أدرى من حسيب ورقيبي
وقال من الشعر العاطفي:
أمس العصر مرّن امسيّان
يمشي مع السوق وافاني
شفت الغرو داعج الأعيان
طاغي بزينه و فتّاني
حايز جمالٍ وزينه بان
ما له بجيله بعد ثاني
لو شافها من يطوف أركان
ويصلّي الخمس بآذاني
خلاّ العباده وجا ولهان
مغرور بالزين ولهاني
وسلك طريق الهوى عطشان
وتابع هوى ترف الأبداني
وقال من الشعر المغنى:
يا حمامٍ ساجعٍ فوق الغصون
فجّع المبلي بصوتٍ له عذيب
يفتن المشتاق ويزيده شطون
لا سجع بالصوت في غصنٍ رطيب
يا حمام الورق ذكّرت امحزون
ذكّرن عصرٍ مضى لي مع حبيب
ذكّرن يا الورق تغريدك بهون
وانتحابك في نعيمات الرطيب
ذكرن يا الورق مدعوج العيون
ذكّرن الزين والغرو الحبيب
وقد سرت عدوى الثقافة في أسرته الصغيرة، ونشأ أطفاله على التعليم وحب العلم ورؤية الكتاب وتقدير قيمته العلمية والمعنوية، وأصبح جزءاً مهماً من العائلة، إذاً فلا غرابة أن رأينا المثقفين المبدعين ينبثقون من هذا البيت العاشق للثقافة والتاريخ والأدب والشعر، فاشتهر من أبناء حمد البسام الإبن خالد والإبنة عزيزة، وكانت لهما أدوار بارزة في الساحة الاجتماعية والثقافية، ونالا الجوائز والتقديرات على عطائهما، رحمها الله.
عزيزة البسام:
ومن نفس الأسرة تتميز ابنته عزيزة حمد البسام، وتنهج طريق الثقافة وخدمة المجتمع أسلوباً للعطاء وخدمة الوطن. وهي من مواليد المنامة العام 1955م، حصلت على بكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية في العام 1979.
- كانت عضوًا عاملًا في جمعية نهضة فتاة البحرين منذ العام 1979.
- وكانت عضوًا في لجنة المرأة بجمعية تنظيم ورعاية الأسرة.
- بذلت جهودًا كبيرة في مجال محو الأمية الوظيفي للعاملين الأميين بالتعاون بين جمعية نهضة فتاة البحرين ووزارة التربية والتعليم وساهمت في تدريس عدد من العاملين في وزارة الأشغال والكهرباء والماء سابقًا.
- ساهمت في تقديم الكثير من البحوث التي تتناول موضوعات اجتماعية مهمة.
- شاركت في البحوث والدراسات الميدانية التي أعدتها جمعية نهضة فتاة البحرين في الفترة الممتدة من العام 1987 وحتى العام 1992.
- عملت في صحيفة «الأيام» ثم التحقت بإذاعة البحرين كمعدّة برامج ونجحت في أعمالها.
- كانت صاحبة مواقف إنسانية ما جعل لها مكانة كبيرة لدى زملائها وكل من عرفها.
- كرّمت في عيد العمال الأول من مايوعام 1997 مرتين:
- التكريم الأول من اللجنة العامة لعمال البحرين لدورها الصحافي المتميز في إبراز قضايا المرأة العاملة.
- التكريم الثاني من جمعية نهضة فتاة البحرين لمساهماتها الفعالة في نشاطات الجمعية.
شاركت في حضور الكثير من المؤتمرات المتعلقة بالمرأة ممثلة لجمعية نهضة فتاة البحرين وجمعية تنظيم ورعاية الأسرة من أهمها:
- المؤتمر الثالث للجنة التنسيق للعمل النسائي في الخليج والجزيرة العربية في أبوظبي العام 1984.
- مؤتمر المرأة العربية وإدارة الأعمال في بيروت 1995.
- مؤتمر تونس للإعداد لمؤتمر المرأة العالمي ببكين العام 1995.
توفيت في صباح 23 أغسطس عام 1997 بعد صراع مع المرض لم يمهلها طويلاً.
خالد البســام:
وشخصيتنا التي نتحدث عنها هو والد الكاتب والصحفي البارز والمترجم والمؤرخ خالد حمد البسام، وجده سليمان هو أول من استقرّ في البحرين من أسرة البسام.
- وهو كاتب ومؤرخ بحريني، ولد في 18 نوفمبر 1956م، درس في البحرين ثم في بريطانيا بجامعة أكسفورد، ودرس اللغة الفرنسية في جامعة فيشي بفرنسا.
- عمل مديراً لتحرير مجلة (بانوراما) البحرينية من عام 1984م إلى عام 1986م. ثم عمل مراسلاً لجريدة الحياة اللندنية عام 1988م.
- عمل نائباً لمدير تحرير جريدة (الأيام) من عام 1988م إلى عام 2000م.
- وعمل رئيساً لتحرير مجلة (هنا البحرين) من عام 2001 إلى عام 2005م.
- وعمل محرراً وكاتباً في العديد من الصحف والمجلات الخليجية.
- وقد أصدر الكثيرمن المؤلفات بلغت 23 كتاباً مطبوعاً في التاريخ والرواية والأعلام والفن. وانتقل إلى رحمة الله في العاشر من نوفمبر 2015م.
وفي عام 2008م أصدر الكاتب البحريني خالد حمد البسام كتاباً يسرد فيه حكاية قدوم جده إلى البحرين، وعنوان الكتاب هو (النجديّ الطيّب) سيرة التاجر والمثقف سليمان الحمد البسام، وهي قصة كفاح وأنموذج من تجار مدينة عنيزة الواقعة في القصيم، إذ كانوا منذ أمد طويل يسعون في الأرض لطلب الرزق، ويعملون في التجارة، وقد انتشروا في العديد من مدن الخليج العربي مثل الكويت والزبير والبحرين، والدمام، ولهم نشاط تجاري بارز في الهند،
عندما توفي عمه (محمد بن سليمان)، الذي لم يتزوج مطلقاً، وصلت إلى يد ابن أخيه الكاتب خالد البسام وثائق وأوراق مهمة تسرد نشاط جده سليمان البسام التاجر المعروف في البحرين وكانت الحافز الذي شجعه على تمحيص تلك الوثائق وتصنيفها واستخرج منها ما يصلح لتوثيق سيرة جده التي تشبه في مجرياتها سير الكثير من أمثاله من تجار عنيزة الذين وفدوا واستقاموا في البحرين ومارسوا فيها أنواع التجارة.
رحم الله حمد البسام وابنه خالد وابنته عزيزة، فقد مارسوا أدوارهم في حياة الثقافة البحرينية وأتقنوها وأبدعوا فيها، وأخلصوا في عطائهم حتى رحلوا عن هذه الدنيا بكل اعتزاز وفخر، وتركوا في وجدان كل بحريني أثراً وذكرى جميلة، فلهم جميعاً كل تقدير واعتزاز واحترام.
الصور
من الكاتب.