تشكل مناطق الواحات بالمغرب.متاحف التراث الشعبي من المبادرة إلى التأثير التنموي..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تشكل مناطق الواحات بالمغرب.متاحف التراث الشعبي من المبادرة إلى التأثير التنموي..



    أ. رضوان خديد
    المغرب
    متاحف التراث الشعبي في مناطق الواحات بالمغرب من المبادرة إلى التأثير التنموي
    العدد 57 - ثقافة مادية
    مقدمة:

    نتوخى من وراء هذه الورقة الاقترابَ من عالم المتاحف في المجال الواحي، وذلك من باب السعي إلى ترشيد هذا النوع من المبادرات، وجعلها أقدر على المساهمة في صيانة ذاكرة وتراث المجتمعات المحلية. ونأمل في أن تكون هذه المقالة أرضية علمية أولية، ربما تساهم في تحسين قدرات المتاحف «الهوياتية» (مِن الهُوية) على المشاركة في نقل الأرصدة والخبرات الأصيلة بالطريقة الأفضل من جيل إلى جيل. ثم، أخيرا وليس آخرا، نأمل في الحث على تطوير السبل المتبعة في تثمين الموروث المحلي أكان ماديا أو غير مادي بما يُحقق المزيد من الأثر الإيجابي على الساكنة والتراث في الآن ذاته.

    وتتمثل إحدى غاياتنا الأساسية في المساهمة في دعم وتوجيه المبادرات الثقافية التي تشهدها الواحات المغربية والمناطق المُشابهة، حيث يقوم بعض الغيورين على التراث المحلي وهواة جمع التحف بإقامة فضاءات ذات طابع متحفي، إذ يكشف هذا النوع من المبادرات عن أمرين مبدئيين على الأقل: أولا، حرص المجتمعات المحلية على تَمَلُّك عناصر هويتها كاملة وتثمينها عبر إيجاد مكان لها في الحاضر بدل تركها تحت سلطة الماضي، وهي مبادرات تأتي في سياق يغيب فيه بدرجة كبيرة المشروع المؤسساتي الرسمي، المندرج ضمن سياسة ثقافية متوازنة ومناهضة لكل أشكال العزلة، والقادر على دمقرطة الحق في المتحف؛ ثانيا، حاجة هذا النوع من المتاحف إلى المواكبة العلمية والعملية، مِن غير التوجه نحو مُصادرة حق المجتمعات في امتلاك فهمها الخاص لهويتها والتصرف في رموزها وفق ديناميتها الداخلية.

    يلتقي المتحف، وهو المؤسسة الثقافية الحديثة، مع الموروث الثقافي الواحي المادي واللامادي، في عنصر أساسي مشترَك ألا وهو «المحافظة» la conservation التي من بين معانيها: مُقارعة الزمن. من هذا المنطلق، ليس مفاجئا أن تشهد المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية، والمجالات الواحية، وتلك التي تقع فيما يمكن أن يبدو هامشا، ليس مفاجئا أن تشهد هذه المناطق وعيا متحفيا جنينيا، وأن تعرف مبادرات تستهدف جمع وعرض تحف وقطع فنية وحِرفية ومصنوعات من التراث المحلي. هذه المبادرات المتحفية، وهي منتشرة -في المغرب مثلا- على طوال مناطق ما وراء السفوح الشرقية ثم الجنوبية لسلسلة الأطلس (بأقسامها المختلفة) توصف بأنها متاحف هوياتية Musées identitaires، ومن خصائصها أنها تتحقق فيها عناصر وتغيب عنها أخرى. ولعل أهم عنصر متحقق فيها هو انتماؤها إلى مجتمعاتها، وأنها جواب محلي -وباستعمال الأدوات المتاحة- على حاجة (أو حاجيات) ثقافية واجتماعية واقتصادية.

    نسعى إذن، إلى إبراز أهمية هذه المبادرات المتحفية الهُوياتية، كما نتوخى الإلماع إلى بعض السبل الكفيلة بتحسين أدائها، وتطوير تأثيرها في التنمية المحلية بالواحات، وجعلها مؤسسات تربوية وثقافية في خدمة المجتمع، وقادرة على المساهمة في تطوره وصيانة ذاكرته كما تنص على ذلك تعاريف المجلس العالمي للمتاحف ICOM، ومنسجمة مع ما تحث عليه القوانين الوطنية والمواثيق الدولية المعنية بحماية التراث الطبيعي والثقافي، المادي واللامادي.

    واستطرادا نقول، إن من شأن الإجابة عن السؤالين التاليين المساعدة على المرور بالمتحف في المجال الواحي من زمن المبادرة إلى حقبة التأثير والفعالية التنموية:

    - أية خدمة تربوية وثقافية بإمكان المتاحف الهوياتية تقديمها لفائدة المجتمع الواحي؟

    - كيف نحمي أرصدة المتحف الهوياتي ونصون التحف لتبقى شاهدة على التراث المحلي، ولتكون مصدرا للأنشطة الإبداعية وموردا مُغذيا للصناعات الثقافية؟

    الواحة والتراث والمتحف: ثلاثية متناغمة

    ثمة أمور لابد من التذكير بها في البداية وهي تُلامس سلسلة موجزة ومُركَّزة من التعاريف الضرورية. ومدارها الأولي ثلاث كلمات: الواحة، التراث، المتحف.

    الواحة: تذهب المعاجمُ إلى القول إن الواحة بقعة خضراء من أرض جرداء وأنها هِبَة الماء، فهي منطقة خصبة في محيط قاحل، وهي حالة طبيعية استثنائية وشديدة الهشاشة، وإنها مجال على هامش الرخاء والوفرة، كما أنها فضاء حي مُهَدَّد بمحيط قاس، وهي قابلة للاندثار السريع، وبفنائها تزول أرصدة ثقافية، وتختفي تقاليد وأعراف ومعارف وأنظمة اجتماعية واقتصادية. وعلى العموم، فالواحة طبيعة هَشّة تحتضن ثقافة بصدد الاندثار. يجب ألا ننسى، في هذا الصدد، أن المجال الواحي لم يعد مغلقا منذ مدة طويلة أمام عوامل التغيير الاجتماعي، وهي تحولات لعب فيها العنصر البشري الوافد كما الساكن المَحلي أدواراً مُتكاملة ومُؤثِّرة.

    تُعتبر الواحات أنظمة بيئية هَشة ومُرَكّبة، شأنها شأن المجالات التي عرفت استقرارا بشريا قديما في مجال طبيعي محدود الموارد. وتختزن الواحات الكثير من عناصر التنوع البيولوجي والثراء الثقافي. ويكفي التذكير هنا بفعالية التقاليد والخبرات المتوارثة فيما يتعلق بضمان الأمن بكل مستوياته وتدبير الموارد وحفظها واستدامتها. وقد كانت الواحات لأزمنة طويلة، بالإضافة إلى كونها فضاءات للاستقرار ولإنشاء نوع من التشكيل الحضري المتميز (القصر/إغرم)، تلعب دور المَعَابر التجارية التي لا محيد عنها في التاريخ الاقتصادي للعالم القديم خصوصا عَبْر الصحراء وصولا إلى وحوض البحر المتوسط. لقد دَبَّر الإنسانُ في المجال الواحي، بطريقته الخاصة ولأزمنة مديدة، انفتاحا مُتَحَكماً فيه على الخارج، واستطاع أن يجعل من بيئته مجالات للتلامس الثقافي من غير أن يؤدي ذلك إلى إحداث تأثير عميق على جوهر هويته.

    غير أن واقع الحال سيعرف تحولات لا رجعة فيها منذ موت العالَم القديم؛ أولا، مع اندثار تجارة القوافل وتفكك النظام الرعوي؛ ثانيا، مع وصول الحضارة الغربية وتغلغلها التدريجي من دون إعداد مناسب لتلقي آثار هذا التغلغل؛ ثالثا، بسبب تراجع الموارد المائية تحت ضغط تزايد الطلب وسنوات الجفاف والتحولات المناخية المُفاقِمَة للتصحر إلخ؛ رابعا، انفراط عقد المجتمعات التقليدية، وخلخلة نظام القبيلة القائم على أعراف وتراتبية وقيم ظلت تتوارثها الأجيال وتتناقلها ضمن منظومة ثقافية متكاملة العناصر.

    لا نُحب كثيراً وصف مجالات العيش الأصيلة بأنها متاحف مفتوحة، بل إن هذا التعبير لا يتناسب كثيرا مع غاية هذه الورقة، ذلك أن تحويل مجال ما في كليته إلى متحف مفتوح قليلا ما تزامن مع تناول مختلف مكونات تراث ذلك المجال بالجرد والتثمين الحقيقين، أو أفضى إلى تقديم عَرْض اقتصادي/ثقافي وفق رؤية متجانسة ومتوازنة وعلى أساس برنامج علمي وخارطة طريق. من جهتنا لسنا مع هذا السناريو الذي سيؤدي إلى تحويل الواحات إلى ديكورات تكاد تكون خالية من كل حياة حقيقية.

    الكلمة الثانية، التراث(1)، يقول حسن رشيق في تعريفه بالتراث مُبْرِزاً مكوناته:

    «فهناك تراث «النحن»، وهناك تراث «الأجداد»، وهناك التراث المنحدر من نظرة الآخر، ولاسيما تراث المستعمر، المهيمن، أو الغرب بعامة»(2).

    والتراث في شموليته بعضٌ من هذا الكل الذي وصفنا قسما من حالته في المجال الواحي. إن التراث، باعتباره، ذلك الموروث الشاهد على تفاعل الإنسان مع الطبيعة، يدفع ثمن مجمل التحولات والتغيرات أكانت ذات طابع مناخي (طبيعي) أو وليدة سياسات واختيارات محلية أم مركزية، فردية أم جماعية، واعية أم لاواعية؛ فالتراث يحمل الإنسان الذي يحمله، إنه الركيزة والمحتوى، وهو بين هذه الصفة وتلك، شاهد ومتفاعل مع الإنسان، شاهد له وعليه. ثم إنه مادة نقاش/حوار/جدل متعدد المستويات، مفتوح على مقاربات عدة، وتعبره أهواء وإيديولوجيات تتباين بتباين النوازع والأهداف؛ من ثمة فإن سؤال التراث يبدو وكأنه الوجه الثاني لسؤال الهُوية(3).

    للتراث في المجال الواحي صور مادية وأخرى غير مادية، شأنه في ذلك شأن كل بيئة تفاعلت عناصرها عبر تاريخ طويل فاغتنت وأثرت. تزخر المنطقة بالمناظر الطبيعية وتلك التي ساهم الإنسان في إنشائها خصوصا المَناظر الفلاحية les paysages agraires، هناك أيضا العمارة الأصلية المحلية vernaculaire، وتتوفر المنطقة على موارد مادية هي حصيلة تفاعل الخبرات الإنسان مع المحيط الطبيعي وخاماته، ثم التقنيات والمهارات المتوارثة (الصّنْعة بكل تجلياتها).

    يكفي أن نشير هنا، إلى أنه كثيرا ما أثبتت الوقائع أن الممارسات التقنية المحلية المتعلقة بتدبير المجال والتي ظلت تنظم لحقب طويلة الفضاء الزراعي والمَنظر الفلاحي، كثيرا ما أظهرت هذه التقنيات القديمة عند اختفائها أو إهمالها الدور الذي كانت تقوم به في منع أو تخفيف آثار الكوارث مثل الفيضانات أو التصحر، بما يبرهن على ترابط عناصر الممارسات الثقافية التقليدية وفعاليتها في مواجهة التهديدات (الطبيعية مثلا)، وعجزها متى تفككت واختَّلت الترابطات التي بينها.

    ويجب الإقرار بأن المجال الواحي، وقد كان لنا أول اتصال به في بداية التسعينيات من القرن السالف، قد راكم، على صعيد تدبير التراث الكثير من المهارات والمبادرات النابعة من سيرته التاريخية والثقافية، غير أنه لم يعد في مقدوره الاستمرار في مواجهة التحديات المتصاعدة لوحده. بتعبير آخر، يجب أن تكون عملية حماية وتثمين تراث الواحات أولوية على صعيد التخطيط (سياسة ثقافية، مقاربة تنموية...) وعلى مستوى التنزيل (جعل الإنسان المنتمي إلى الواحة بالقرابة والجغرافيا والوعي والقلب في مركز الاهتمام، ومَدِّه بالتربية والتكوين والوسائل التي تساعده على حماية تراثه وتثمينه وجعله مصدرا للإبداع والإنتاج).

    تندرج إحدى الخطوات المعمول بها قصد تحقيق هذه الأهداف تحت ما يسمى بالتحويل إلى تراث أو التَتْريث(4) Patrimonialisation، وهي من العمليات الأولية والضرورية التي تروم حماية وتثمين الموارد المحلية الطبيعية والثقافية. وللتتريث ترابطات مع عملية أخرى وثيقة الصلة بها تسمى المَتْحَفَة أو التتحيف Muséalisation وغايتهما معا تحوُّل معنى الشيء بخصوصيتها.

    ومجمل القول فالتتريث هو إصباغ صفة التراث على عناصر من بيئة أو ثقافة مجتمع ما، وهو عملية تضع تلك العناصر في مقام ما يجب المحافظة عليه وتثمينه لفائدة حاضر الإنسان ومستقبله.

    المفردة الثالثة، المتحف، إنه، أولا وقبل كل شيء، مؤسسة ثقافية حديثة(5)، قادرة على المساهمة في أوراش مجتمعية وتربوية واقتصادية تحديثية إذا توفرت الوسائل الضرورية للقيام بذلك. وقد تطور معنى المتحف وتعددت أنواعه بسرعة كبيرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. في هذا الإطار ينص التعريف الجديد الذي اعتمده المجلس العالمي للمتاحف(6) ICOM على ما يلي: «المتاحف أماكن للدّمَقرطة الشاملة، متعددة الأصوات، ومُكَرَّسَة للحوار النقدي حول الماضي والمستقبل (بصيغة الجمع في الأصل الفرنسي)، تعالج [المتاحف] وتتناول نزاعات وتحديات الحاضر، وهي أيضا وَصيّة على مصنوعات الإنسان artefacts وعلى العينات spécimens لفائدة المجتمع. تحمي [المتاحف] مختلف أنواع الذاكرة لفائدة الأجيال القادمة، وتضمن المساواة في الحقوق والتساوي بين الشعوب في الوصول إلى التراث. ليس للمتاحف هدف ربحي، إنها تشاركية وشفافة وتشتغل بتعاون مع، ولفائدة، المجتمعات من أجل جمع وحماية ودراسة وتفسير وعرض وتطوير التفاهُمات حول العالم، بما يحقق المساهمة في صيانة كرامة الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة العالمية والرفاه لكوكب الأرض أجمع»(7).

    تظهر فعالية المتحف القادر على التأثير في مستويات عدة، ولعل في مقدمة تلك المستويات قدرته على تحويل شيء ما إلى قطعة متحفية(8) Objet de musée، هذا الانتقال يُسمى مَتْحَفة (أو تَتْحيف) Muséalisation وهو عبارة عن سيرورة معالَجة وتحَوُّل Processus، إنه حسب تعريف أكثر دقة: «عملية تستهدف استخراجاً مادياً أو مَفاهيمياً، لشيء ما من بيئته الطبيعية أو الثقافية الأصلية وإعطائه وضعا متحفيا Statut muséal، وتحويله إلى موزياليوم muséalium أي قطعة متحفية أو إدخاله في الحقل المتحفي»(9).

    صاغ مارتان شارير، من جهته، هذا المعنى بقوله: «تتحول الأشياء إلى قطع متحفية بسبب القيم التي نُصبغها عليها»(10). أما كتاب «علم المتاحف: مراجعة قواعدنا» فقد أبرز أهمية التتحيف وارتباطه بالمجالات البيئية والثقافية: «التتحيف، إنه العملية التي بواسطتها تتحول القطع التاريخية-الثقافية والطبيعية إلى قطع متحفية. تتضمن هذه السيرورة مراحل: الاكتشاف والبحث والمحافظة والترميم والتفسير بواسطة إقامة المعارض، ناهيك عن استعمال تلك القطع لاحقا كمعروضات. أما الدلالة الواسعة لكلمة تتحيف فتحيل على كل قطعة تمتلك قيمة متحفية في حين أنها تمتد لتشمل القطع العمرانية (غير المنقولة) [التراث] اللامادي، والبيئة، ويقود التتحيف إلى ظهور متاحف متكاملة musées intégraux ومتاحف بيئية»(11).

    لا يخلو المجال الواحي من مبادرات متحفية غير أنها لم تحظ بما يكفي من الاهتمام الأكاديمي(12) ومن المواكبة المعرفية والتشريعية. في هذا الصدد، لكن من منظور مختلف، وجب التنبيه إلى أن المجتمع الواحي، وبسبب ظروف بيئية وتاريخية واقتصادية، لم يتوقف عن تطوير تقنيات ومعارف تروم المحافظة على الموارد الطبيعية وفي مقدمتها الماء، وتتوخى حُسن تدبير المعمار العتيق الذي أساسه مواد طبيعية محلية (الطين، التبن، جذوع النخل...) وتستهدف تحويل «اقتصاد الكفاف» إلى «اقتصاد جميل» من بين دعائمه: الصنائع العتيقة القائمة على توارث المهارات التقليدية، أي تلك التي تؤدي إلى صناعة التحف بالاعتماد على القليل من الخامات وبالاستناد على الحد الأدنى من التقنيات مع قدر كبير من الإبداعية.

    المتحف والتنمية: التوليفة الصعبة

    تبدو المتاحف مؤسسات طارئة على ثقافاتنا، وهي أشبه بترف برجوازي: مكان تعيش فيه فئات مُحدَّدَة حالة من التغريب «الترفيهي» أو النفي الاختياري المُمتع dépaysement، مادام مشروطا باللحظية والطوعية وبالقدرة على الخروج من فضاء المعيش اليومي والرجوع إليه حسب الرغبة.

    تبدو المتاحف وكأنها أقيمت لإمتاع فئة دون فئة، للترفيه عن الخاصة العابرة، والخاصة الذواقة المترفة، تظهر وكأنها ليست للعامة، والحق إنها كذلك، على الأقل كثيرا ما كانت وتكون كذلك. فبعض المتاحف، وإلى اليوم، مباني مُغلقَة (غير مُتاحة)، إن لم يكن بالمعنى المادي فبالمعنى الرمزي. لا يزورها إلا المهووسون بأنواع من الثقافة تماما كما كانت بداية المتاحف في كنف رَبّات المعرفة والفنون الإغريقيات قديما بين جدران معبد أثينا ومكتبة الإسكندرية.

    لكن علينا ألا ننسى أن التاريخ الفعلي للمتاحف بدأ مع نشوء فكرة دَمَقْرطة الوصول إلى المعرفة وإلى مصادر الجمال، وامتلاك أدوات تحصيل العنصر الأول (المعرفة)، وتذوق الثاني (الجمال).

    لقد عاشت المتاحف في الغرب ما عاشه الغرب نفسه من تقلب للأفكار، وقد تقلب في الذي تقلبت فيه المَدَنية هناك بين الرخاء والضَعَة، وانتهى إلى أن صار جزءا لا يتجزأ من الجسد الحضاري ناطقا به ومعبرا عنه وشاهدا عليه. فانتقل من معنى إلى معنى مع الثورة الفرنسية، وانفتح على قيم كونية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبين هذا وذاك شارك المتحفُ بإرادة -وأحيانا بدون إرادة- في أحداث جسام من بينها أنه فتح مخازنه وقاعاته أمام ما تحصلت عليه البعثات الأثرية والإثنوغرافية من نفائس انتزعت انتزاعا من بلدان كانت واقعة تحت الاستعمار(13) .

    قضيتان إذن، لابد من التوقف عندهما سريعا قبل الخوض في الكيفية التي تُمكِّن متحفا ما، وكل متحف، من أن يكون فاعلا أو مشاركا أو ربما مبادرا إلى إطلاق فعل تنموي: القضية الأولى تتمثل في عقدة المتحف تجاه الثقافة الأصلية، والقضية الثانية تتجلى في عقدة المتحف تجاه ماضيه. إنهما عُقْدتا التاريخ والهوية الملازمتان للمتحف.

    المتحف والثقافة الأصلية:

    لطالما كان انشغال المتحف كبيرا بالتحف والنفائس التي تأتي من خارج المجتمعات التي تحتضنه. شَكّل اكتشاف الغريب والعجيب عنصر جذب قوي ودافعا كبيرا وقف خلف تكوين مجموعات دائمة من التحف منذ عصر النهضة الأوروبية(14). وبتعبير آخر، يميل الإنسان إلى الرغبة في حيازة الأشياء المميزة للآخر، يرغب باستمرار في حيازة أجمل ما لديه من كنوز ونفائس، وهو ميل غريزي غذى أرصدة ما كان يسمى بغرف العجائبيات، وفي المقابل لم ينتبه الأوروبيون أنفسهم سوى في فترة لاحقة إلى تراث البوادي ومصنوعات الحرفيين في بلدانهم، ولم تشرع المتاحف في إغناء أرصدتها بتراث مجتمعاتها التقليدية مع تثمينها في بيئتها الأصلية إلا في فترات متأخرة حيث خرج إلى الوجود ما يسمى بالمتاحف البيئية les écomusées.

    من جهة أخرى، كثيرا ما تفتقر المجتمعات التقليدية إلى مبادرات نابعة من داخلها تولي عناية فعلية وواعية لتراثها المادي واللامادي. فهي مشدودة بقوة نحو نماذج مجتمعية واقتصادية بالغة التأثير، بل يمتد مفعولها إلى طريقة نظرها إلى ثقافتها المادية حيث تميل، وِفْق إيقاع متسارع ،إلى تعويض أشيائها المتوارثة والمصنوعة مثلا من الفخار والخشب والجلد بأدوات من الخزف الصيني والزجاج والبلاستيك...يبدو الأمر مثل حتمية أو قَدَرية لا مناص منها، وهي تتعمق بفعل اندثار الحِرَف والصنائع التي تتراجع الحاجة إليها بسبب قلة الطلب على مَشغولاتها (مصنوعاتها)، وعدم المبادرة إلى تجديدها إبداعياً عبر توجيهها نحو الوظيفة الجمالية بدل تركها محصورة داخل نطاق الوظيفة النفعية المتوارثة: الأمثلة كثيرة وهي من مناطق عدة من المغرب ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر ما يتصل بنبتة «الحلفاء»، وما يتعلق بدبغ جلود الأضاحي «البطانة»، وما يرتبط بصناعة بعض الأواني الفخارية مثل صناعة كؤوس الناعورة، ومن الأمثلة الأكثر وضوحا اختفاء «الحصيرة» التقليدية من مناطق واسعة من المغرب.

    المتحف في مواجهة ذاته وإرثه التاريخي:

    مضت على استقلال المغرب أزيد من ستين سنة، إلا أن الأثر الذي أحدثته سنوات «الحماية» تلك، وما سبقها، ليس مما يمكن تغييره في عقود معدودة. إن ما بثه الاستعمار من بذور نمت في صمت فأفرزت داخل ثقافتنا المغربية مؤسسات جديدة لم نستطع دمجها والاستفادة منها بما ينمي ثقافتنا الوطنية. وما تركه المستعمر ليس كله مِن مُرّ الثمار، كما أن ما أضافه المغاربة إلى صرح ثقافتهم ليس هينا أو سهلا. وحتى لا تتشعب بنا الأفكار، نظرا لتعدد ما يتصل بموضوعنا هذا، حسبنا أن نذكر بأن المتحف دخل إلى المغرب بصفته بعضا من الكل الثقافي الاستعماري، ولم يساهم المغاربة بِحُرِّيَة في بناء الصورة التي قدمها عنهم المستعمِر في الملصقات الإشهارية ولا في الأفلام الدعائية ولا حتى في الأعمال الفنية المرسومة، والأمر ذاته وقع بخصوص صورة المغربي وهيئة الثقافة المغربية كما قدمتها المتاحف في فترة الحماية. يتعلق الأمر، وعينا بذلك أم لم نع، بجرح أحدثه الآخر في كياننا، وكان المتحف أحد فضاءاته، بل وأداة من أدواته.

    وفي هذا الصدد، لابد من التذكير بأن أُوْلى المتاحف عندنا قد أقامتها سلطات الحماية الفرنسية بكل من فاس (متحف قصر البطحاء) والرباط (متحف قصبة الأوداية)، كان ذلك سنة 1915، في حين لم تقم مؤسسات الحماية الراعية آنذاك لِما كان يسمى بــــ«الفنون والحِرف الأهلية المغربية» بإنشاء متاحف بمناطق واسعة من التراب المغربي، فباستثناء ما يُسمى العواصم التاريخية والمدن المغربية ذات الصيت الكبير والواقعة بين مثلث طنجة وفاس ومراكش، لم تظهر المتاحف في جهات شاسعة من المغرب. تلك المناطق بقيت أشبه ما تكون بالمصادر «الخفية» لإغناء مستودعات المتاحف داخل المغرب وخارجه ولتزويد أسواق التحف والبازارات، خصوصا بعد أن مَيّز المستعمِر بين ما أسماه: «المغرب النافع» و«المغرب غير النافع»، وفَرّقَ في مجال فنون المغرب وتراثه بين: «الفنون الإسلامية» و«الفن القروي».

    مع الاستقلال عملت الدولة المغربية على توسعة خارطة انتشار المتاحف على التراب المغربي، إلا أن التغطية بقيت محدودة جدا وأحيانا اكتست طابعا رمزيا فقط.

    ثمة مناطق بقيت في الظل، ولم تخرج إلى النور بشكل كامل منذ ستين سنة. مناطق من حقها أن تمتلك متاحف تحافظ على تراثها الطبيعي والثقافي، وتتيح للمجتمعات في تلك المناطق إمكانية النظر إلى موروثها المادي واللامادي في صورة معارض دائمة ومؤقتة جالبة للسياح من داخل الوطن وخارجه، ومثيرة للبحث العلمي، ومساهمة في التربية والتعليم والتثقيف على نطاق واسع.

    المتحف والخبرات العتيقة:

    أثبتت تجارب كثيرة عبر العالم فعالية الأنشطة الاقتصادية التقليدية ذات الطابع المحلي، مثل: الحِرف العتيقة. أظهرت بعض الدراسات(15) أن تطوير الحِرف المحلية العتيقة يحقق أمرين على الأقل: رفع مستوى عيش السكان وعدم إنهاك الموارد الطبيعية. هنا يُمكن للمتحف المحلي (الهوياتي) أن يلعب عددا من الأدوار التي تنحو في مجملها صوب تحقيق الغايات الثقافية والتنموية.

    من المعلوم أن المتحف، يحفظ ويَعرض النماذج الأصيلة، وبالتالي، فهو متى كان متوفرا على القطع الفريدة والنادرة (والمنسية أحيانا)، صار مَرجعا. بل صار بإمكانه القيام بأدوار حاسمة فيما يخص تدبير الذاكرة الجماعية واسترجاع العناصر المُهمَلة منها، وأضحى مؤهلا نسبيا لإشاعة ثقافة تقدير الذات الثقافية المحلية إن هو استطاع إبراز فعالية الخبرات التقنية القديمة وتَمَكَّن من إظهار قيمة الجماليات العريقة.

    ويكون المتحف المَحلي أكثر قربا من النجاح إن هو نظر في مقتنياته والتحف التي في فضائه من منطلق القيم Valeurs التي لطالما سَمَتْ بالإنسان وجعلته، بالتضامن وحسن التدبير والشجاعة، قادرا على مواجهة التحديات في جل الحالات، ومفلحا في الاستمرار والتطور وهي تحديات كثيرا ما جابهت المجتمعات التي تعيش في بيئات هشة مثل الواحات. قلنا التطور، ذلك أنه ثمة دائما حركة إيجابية تسري في المجتمعات الأصيلة حتى عندما تبدو الثقافة المادية محدودة أو «جامدة».

    بإمكان المتحف الهوياتي توجيه الحِرفيين المحليين نحو الأمثلة المنسية، وإلى تلك التي في طريقها إلى الخروج من الذاكرة الجماعية بسبب اختفاء الحاجة إليها (بعض الأدوات الفلاحية، بعض الأشياء التي كانت ترتبط بطقوس وعادات هجرها المجتمع، بعض الأنواع من المُعِدّات التي كانت تستعمل للقيام بأنواع من المهن المؤقتة والموسمية...). لا يجب أن يغيب عن بالنا أن الفن في التحف القروية عنصر ملازم لعنصر آخر بالغ الأهمية وهو الوظيفية أو النفعية؛ يجب أن يكون الشيء صالحا لتنفيذ المهمة التي يُصنع من أجلها، وهو بالضرورة يحمل من الرموز والعلامات ما يدل على صانعه ومصدره القبَلي والإثني وذوق المجتمع الذي ينتمي إليه.

    طبعا على المتحف ألا يُفاضل بين البعدين الوظيفي والجمالي، أو أن يميل نحو الخامات النادرة والنفيسة على حساب مواد خام أكثر وفرة وأقل نفاسة، فالأساس الأول الذي يقوم عليه العمل المتحفي هو الدراسة الشاملة لكل الرصيد دراسة تبدأ بالجرد العلمي/المتحفي لكل التحف والقطع والنماذج والعينات، مع الانتباه إلى أن التحفة ليست بالضرورة شيئا من الذهب أو الفضة، بل هي القطعة، مهما بدت بسيطة، لكنها شاهدة على بعض مظاهر الحضارة ودالة على خصوصية ثقافية فريدة، وعلامة على أنساق اجتماعية ومهارات تقنية ومعارف متوارثة اختفت أو هي قيد الاختفاء. وبالتالي ضرورة النظر إليها في سياقها الاجتماعي والثقافي، ولنقل الأنثروبولوجي.

    يقوم المتحف إذن بدارسة التحف التي بين يديه بعد جردها، ويستخرج ما فيها من مفردات تقنية وجمالية، مَهارِيَة وإبداعية (طريقة بناء الشكل، اختيارات تقنية، حلول مبتكرة لتحديات تقنية مثل إحداث الثقب في حجارة الرحي أو صناعة أواني فخارية بحجم كبير...) وأيضا (العناصر الزخرفية، المكونات التزيينية والتحسينية، ترتيبها، الأشكال، الألوان، التركيبة، وجود أم عدم وجود التناظر symétrie...). كل هذه المفردات المهارية والإبداعية، النفعية والجمالية، ما هي في الحقيقة سوى أجزاء من لغة ثقافية ومجتمعية عريقة احتفظ الناس ببعض معانيها وضاع منها الشيء الكثير. من هنا أهمية العمل المتحفي باعتباره يساعد على حماية هذه المفردات المنتمية إلى ما وَسَمْناه بالمعجم الثقافي والمجتمعي، وهو عمل لا تتحقق غاياته المفيدة إلا بأمرين: البحث عن السياقات التي كانت تُتداول فيها تلك المفردات المعزولة، وبالتالي ضرورة أن يسعى المتحف، وكل الجهات الواعية أو المكلَّفة، إلى ألا تبقى التحف معزولة عن الإطار الذي أنتجها واستعملها، فخارج السياق تتحول القطع (التحف) إلى مفردات من لغة ميتة (أي ثقافة مجتمع منقرض).

    أما الأمر الثاني، فهو تشجيع الحرفيين على الاستمرار في إنتاج أدوات وأشياء يَقلُّ عليها الطلب بسبب تراجع الحاجة الانتفاعية أو لوجود منتوجات صناعية عصرية أكثر فعالية وأقل تكلفة، من هنا أهمية أن يجد المتحفُ شُركاءَ بإمكانهم إيجاد أسواق جديدة للمنتوج المُتوارث، وابتداع تصاميم مُبْتَكَرَة انطلاقا من النماذج القديمة أي أعمال من الديزاين design والتي تستطيع نقل القطعة التقليدية المحلية إلى فضاء المنتوج الفاخر produit de luxe (أثاث فندقي، تذكارات مصنوعة من خامات نفيسة...)(16)، على أن يتم استلهامها كلها من الأشكال محلية بعد فهمها فهما نفعيا وجماليا، وبعد دراستها والعمل على تأويلها تأويلا جديدا، مع أهمية الحرص على أن يتم تأهيل الحرفيين المحليين ليكونوا هم من ينجز في الحقيقة هذا التحوُّل بما يحسِّن معاشهم ولا يعزلهم عن الحركية الفنية والجمالية التي تستثمر في عناصر هويتهم. من المهم أيضا التأكيد على أهمية ألا يكون هذا التحول (التأويل العصري للقطع المَحَلية) على حساب الموارد الطبيعية، أو تحوُّلاً ساذجا وانتفاعيا و«انتهازيا» مثل المبادرات التي تقوم بصناعة الأشكال التقليدية من مواد بلاستيكية أو معدنية (جِرار، مِمْخضات، وقَصاعي وحُصُر بلاستيكية...).

    من المهم الانتباه، في هذا الصدد، إلى أن أشياء كثيرة مازالت مُمكنة بالاعتماد على المعارف والمهارات الحرفية التقليدية، وباستعمال المواد الأولية المحلية الأكثر وفرة في مناطق الواحات مثل النخيل والأحجار والطين. يحتاج هذا الرصيد (المهارات والخامات) إلى مبادرات، وربما مقاولات ثقافية صغيرة، تعمل على تثمين المصادر والموارد، وتعمل، بالاعتماد على التقنيات الحديثة، على تسويق الإنتاج الحِرفي المحلي عالميا. في هذا الإطار، نعتقد أن من المفيد أن تكون المتاحف الهوياتية المحلية في واجهة هذا التطور، ذلك أن المتحف، المُعترف به باعتباره متحفا مسؤولا (بالمعنى المهني الأخلاقي) والمؤثِّر في مجتمعه communauté، يُعتبر من بين أفضل أنواع الدعاية التسويقية الجالبة للاهتمام العالمي.

    المتحف المُؤثِّر:

    ينتمي المتحف المُؤثر إلى مجتمعه، وهو قريب من أسرار وخبايا التربة التي يوجد عليها. إنه مؤسسة تتماهى شكلا ومضمونا مع الأرض والقيم والرموز المحلية، وهو جزء منها لكنه لا يذوب فيها، إذ أن المتحف الذي يريد أن يكون صاحب مفعول بعيد الأثر وعميق الجدوى، مدعو إلى امتلاك دراية علمية وقانونية بالأدوار والوظائف المنوطة به. يتعلق الأمر بمسؤوليات(17) تجاه التحف وبالتزامات نحو المجتمع. في هذا الصدد، يقتضي التدبير الجيد لمجموع هذه المسؤوليات أمورا من بينها:

    - أن يعي مدبرو المتحف الهوياتي بالمهام الملقاة على عاتقهم.

    - أن يبادروا إلى ربط الاتصال بالجهات المكلفة بتدبير التراث الطبيعي والثقافي لطلب المشورة والتنسيق وتحديد المسؤوليات.

    - أن تتفاعل مع هذا النوع من المبادرات المتحفية مختلف القطاعات التي من واجبها مَدَّها بكل ما يسهل مهامها ويرتقي بها نحو الأفضل.

    - أن تتعامل مختلف الأطراف مع المتحف باعتباره مكسبا ثقافيا(18)، يقوم على حيازة خبرة دقيقة ومعرفة متخصصة. إن الاكتفاء بالولع بالشيء القديم أو النفيس أمر لا يكفي لنجاح التدبير المتحفي، إذ أن القسم الأصعب في عملية التدبير تتمثل في أمرين على الأقل:

    1. امتلاك منظور علمي وثقافي (مشروع Projet)، ومن الأفضل أن يكون أيضا هذا الأخير نافعا اقتصاديا أو متضمنا لبعد تنموي واضح، فالمتحف ليس متجرا قرويا أو شبه قروي تُجمّع فيه القطع المُهمَلة من أجل الرفع من قيمتها في انتظار تسويقها في المراكز السياحية الكبيرة (مراكش، فاس...)،

    2. تطوير التدبير اليومي بشكل متوازن ومتكامل: يُحافظ على التحف من جهة أولى، ويقدم خدمات مفيدة للمجتمع من جهة ثانية، وفي مقدمة هذه الخدمات: المساهمة في تحقيق الانسجام بين فئات المجتمع، وإتاحة المجال للجميع للتعبير وللمشاركة الفاعلة، وتطوير أساليب للتربية والتعليم من وحي التراث المحلي(19). بإمكان هذه الأدوار وغيرها أن تجعل من المتحف مؤسسة شريكة في عملية السعي نحو العدالة الاجتماعية/الثقافية، كما تجعل من فضاء المتحف مكانا للتمتع -على أساس علمي-بالخصوصية الثقافية وبمظاهر الهوية.

    ما من شك في أن المتحف القادر على التأثير هو ذلك الأقرب روحا وصورة إلى ماهية المجتمع وجوهره، أي الذي يستطيع التعبير بلغة الناس (لغتهم المنطوقة والبصرية وبغيرهما) عن مشاعرهم وتاريخهم وماضيهم وأحلامهم ومستقبلهم. متحف الناس في الواحة وفي غيرها من الأماكن، هو متحف يُشبههم، بمعنى أنه يعي قيمهم كما ترجموها في علاماتهم ورموزهم التي أوْدَعوها في منقولاتهم وتحفهم والتي بها يُجَسِّدون جزءا من تصوراتهم وتمثلاتهم، وبواسطتها يعبِّرون ويَحكون ويستطلعون. بهذا المعنى يكون المتحف الهوياتي -على المستوى المعرفي- مُساهماً في استخلاص المعاني المجتمعية والتاريخية الخفية، ومشاركا في صيانة جزء من المعجم الثقافي المحلي، ومُترجِما للمفاهيم المُستَمَدّة من التراث بلغة يفهمها العالَم.

    وعلى المستوى العَمَلي، يُشَكِّلُ المتحف الهُوياتي فرصة تنموية فريدة إذا قام جامع التحف المحلي بما يلزم من أجل تحقيق أربع غايات: أولا، حماية القطع الأصلية من الضياع عن طريق جمعها وتأمينها في ظروف مناسبة تمنع عنها عبث العابثين وتصونها من تطاول تجار التراث والآثار، وتنأى بها عن لصوص الذاكرة المجتمعية؛ ثانيا، إذا استطاع جامع التحف أن يبني حول مشروعه المتحفي شبكة من العلاقات المعرفية والعلمية والثقافية والمجتمعية والاقتصادية، تضم شركاء من المؤسسات الرسمية والخاصة والمَدَنية، بما يُمَكِّن المتحف من أن يكون حلقة فاعلة ضمن مشروع ثقافي ومجتمعي محلي وليس جزيرة معزولة؛ ثالثا، توجيه النشاط المتحفي نحو المجتمع المحلي، وإطلاق مبادرات صغيرة أو متوسطة تجعل من المعرض المتحفي ساحة لممارسة مظاهر الهوية كما يشعر بها الناس ويفهمونها (أو يتمنون ممارستها أو كما هي في ذاكرتهم) مع ضرورة توثيق (بالصوت والصورة) هذه الممارسات واللحظات الاسترجاعية؛ رابعا، إذا تحققت الألفة حول المَعرض المتحفي، عبر إحياء القطع المنسية وجعلها ناطقة ومثيرة للذاكرة المجتمعية(20)، يصبح من الضروري استثمار هذه الإثارة الإيجابية من أجل بناء مشروع تنموي، غير مكلف وقليل التعقيد، عبر الربط، على سبيل المثال، بين التحف والخبرات الحِرفية المتوارثة (خصوصا المهملة والمنسية) بما يؤدي إلى تنويع المعروض التجاري ويساهم في الرفع من المستوى المعيشي، وربط كل ذلك بأنشطة سياحية وثقافية على أساس التنمية المستدامة وغير الضارة بالإرث البيئي والثقافي.

    وفي عبارات قليلة، نُجدِّدُ التنبيه إلى بعض المحاذير التي تهدد قيمة المتحف وفعاليته في المجال الواحي كما في غيره من المناطق:

    - أولها، وأكثرها خطرا على مصداقية المتحف عدم وجود جرد علمي Inventaire لما بين يديه من القطع والتحف والنماذج والعينات كيفما كان نوعها ومصدرها.

    - ثاني تلك المحاذير، وهو لا يقل خطرا عن سابقه، وله اتصال وثيق بما سبق في عدة حالات، الخلط، عن وعي أو جهل، بين المتحف من جهة، ومتجر التذكارات والبازار من جهة أخرى. هذان عالمان متباعدان من حيث الوظيفة والمقاصد والغايات، الأول ثقافي تربوي تعليمي في خدمة المجتمع وليس له هدف ربحي، والثاني، (البازار) مشروع تجاري. طبعا هناك إمكانية لأن تمتد جسور بين هذا وذاك، كأن يبادر البازار إلى تنبيه المتحف بوجود تحف أصيلة قيد التسويق.

    - يتمثل ثالث المحاذير في عدم توفر المتحف على الأطر والوسائل المناسبة للقيام بدراسة الرصيد الذي يتوفر عليه.

    - أما رابع المحاذير فهو انكفاء المتحف على نفسه، وانغلاقه داخل خطاب مُتمَرْكز حول الذات، ومُراهنته، في الآن نفسه، على الزائر الأجنبي(21)، أي القادم من خارج المجال الجغرافي القريب، وعدم انفتاحه على المؤسسات التعليمية(22) وعدم مبادرته إلى بناء جسور مع كل فئات المجتمع المحلي خصوصا الصناع وأرباب الحِرَف، وعدم النظر إلى ما بين يديه من عناصر التراث باعتبارها جزءا من الكل الوطني والكوني.

    نرجو أن نكون قد قدمنا بعض عناصر الجواب على السؤالين الذين طرحناهما في مستهل هذه الورقة، فمن جهة، لا نرى المتحف الهوياتي مفيدا إلا متى كان حريصا على خدمة مجتمعه حرصه على المحافظة على التحف التي بين يديه. ومن جهة أخرى، يستطيع المتحف النجاح في مراميه متى توفق في نقل الوعي بالشأن التراثي وبقيمة علامات الهوية ورموزها إلى كل فئات المجتمع، ونحن على يقين من أن المتحف سيجد في المدرسة والمَشْغَل الحِرفي خير سند، كما أن له في المجتمع المدني طاقات وخبرات قادرة على تبني العمل الصالح وتنميته.

    على سبيل الختم:

    يتطور الإنسان ويرتقي في المجتمعات القادرة على بناء مشروع نهضوي محلي عبر توظيف حكيم لمجموع مواردها الطبيعية والثقافية (التثمين والتطوير)، ثم إن المناطق التي اختارت أن تجعل من تراثها المادي واللامادي، التاريخي والأثري والبيئي-الطبيعي والثقافي بكل أبعاده محفزا ثقافيا واقتصاديا، تلك المجتمعات أنجزت مصالحة فكرية ووجدانية مع هويتها، وساهمت في الآن نفسه في البرهنة على أن التنمية ممكنة على أساس حُسن تدبير الأرصدة المتوارثة. في هذا الصدد، أصبح في حكم البديهي أن تثمين الموارد التراثية المحلية وإجادة تسويقها وفق هندسة فعالة تراعي الخصوصية وتنفتح على الأسواق السياحية العالمية من بين الخطوات التي تعود بالنفع الثقافي كما الاقتصادي على المجتمعات المحلية.

    تُعرَف المجتمعات الواحية بأنها مجتمعات ذات تقاليد، وأنها استمرت بفضل تدبيرها الرشيد لتوازن صعب بين الموارد الطبيعية الشحيحة والحاجيات المتزايدة. هذه الثقافة القائمة على تدبير النُدْرَة، والتي ترسخت بفضل سيادة قيم أصيلة هزّتها التحولات الحديثة لكنها لم تفتأ تتجدد أكثر إصرارا كلما كانت التحديات أكبر، وهي تتعزز بأجيال من أبناء هذه المناطق ممن راكموا معارف وخبرات ميدانية داخل البلاد وخارجها وتمرّسوا على حقول علمية وثقافية واقتصادية في قطاعات عدة. تُشَكِّل كل هذه الموارد والمُقومات خير قاعدة لبناء مشروع نهضوي ثقافي محلي، محوره الهوية والتنمية، ومداره الأرصدة الطبيعية والثقافية المتوارثة، وغايته الإنسان. إلى هذا المشروع يجب أن تنتمي المتاحف الهوياتية؛ وكل مبادرة طلائعية في هذا الاتجاه سيكون لها فضل الريادة ومسؤولية النموذج الذي يُحتذى به.

    وفي المحصلة، نعتقد أن من واجب كل متحف للتراث الشعبي أن يكون، أولا وقبل كل شيء، مؤسسة تعمل على صيانة ذاكرة الناس، وأن يضع في مقدمة غاياته خدمة المجتمع، وهو ما يستدعي ترجمة ما قلنا في هذه الورقة إلى ممارسات تربوية لفائدة الناشئة.

    الهوامش :

    1. للتراث تعاريف كثيرة، لكننا نحب أن نستعير من شيفا Isac Chiva تعريفه للشيء التراثي، غير أننا نقوم بصياغته وفق تصور أشمل: فالتراث هو ما يجعل الناس، بصفتهم الفردية والجماعية، يتعرفون على أنفسهم: يعتبرونه دالا على ماضيهم، وهو في الآن نفسه، نفيس بالنسبة لمستقبلهم.

    حول تعريف شيفا، انظر:

    - Une politique pour le patrimoine rural, rapport présenté par M. Isac Chiva, Avril 1994.

    مفهوم التراث بالمعنى الذي يستخدم في ورقتنا هذه طارئ على الثقافة الغربية نفسها، انظر:

    - Babelon J.-P et Chastel A., La notion de patrimoine, Liana Levi, Paris, 1994.

    2. حسن رشيق، القريب والبعيد (قرن من الأنثروبولوجيا بالمغرب)، تعريب وتقديم حسن الطالب، المركز الثقافي للكتاب، بيروت والدار البيضاء، 2018، ص: 27.

    3. انظر حول مفهوم الهوية على سبيل المثال:

    الهويات الثقافية حدود ورهانات، تنسيق: الزهرة الخمليشي، منشورات كلية الآداب تطوان، باب الحكمة، تطوان، 2019.

    ب. فيان، "الهوية"، في بيار بونت وميشال إيزار، معجم الإثنولوجيا والأنثروبولوجيا، ترجمة وإشراف مصباح الصمد، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2011، ص: 991.

    أعمال ندوة "مستقبل الهوية المغربية أمام التحديات المعاصر"، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة "الندوات"، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1998.

    4. بعض الإصدارات تترجم Patrimonialisation بـ:توْريث، مثلا في الملخص العربي لمقال:

    - Skounti Ahmed, de la patrimonialisation. Comment et quand les choses deviennent-elles des patrimoines? in Hesperis-Tamuda, Vol. XLV, Rabat, 2010, p : 34.

    5. من حيث التصور الجديد والوظائف التي أصبحت تضطلع بها منذ عقود قليلة.

    6. الإيكوم أحد مكونات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). تأسس المجلس العالمي للمتاحف سنة 1946.

    7. تعريف المتحف بعد التعديل الجديد الذي اعتمده المجلس العالمي للمتاحف في الدورة 139 لمجلسه الإداري المنعقدة بباريس يومي 21 و22 يوليوز 2019. يمكن الاضطلاع على الصيغة الحالية لتعريف المتحف على الرابط: https://icom.museum/fr/ressources/no...tion-du-musee/

    تجدر الإشارة هنا إلى أن تعريف المتحف الأكثر انتشارا كان هو: "المتحف مؤسسة دائمة وبدون غاية ربحية، وهي في خدمة المجتمع وتطوره، ومفتوحة في وجه العموم، وتقوم بجمع وحماية ودراسة ونقل التراث المادي واللامادي للإنسانية ومحيطه بغية الدراسة والتربية والمتعة".

    بخصوص بعض دلالات تعريف المتحف في القرن 21 انظر:

    - Mairesse François (sous la direction de), Définir le musée au XXIe siècle, matériaux pour une discussion, ICOFOM, Paris, 2017.

    8. يسمى أيضا: muséalium

    9. أخذنا هذا التعريف من مقال:

    - André Gob, " Le jardin des Viard ou les valeurs de la muséalisation", CeROArt [Online], 4| 2009, Online since 10 October 2009, connection on 14 December 2020. URL: http://journals.openedition.org/ceroart/1326 ; DOI : https://doi.org/10.4000/ceroart.1326

    10. انظر:

    - Schärer Martin R., Exposer la muséologie, ICOFOM, Paris, 2018, p: 52.

    11. راجع:

    - DESVALLEE, André, MAIRESSE, François et DELOCHE, Bernard, Museology : Back to Basics – Muséologie : revisiter nos fondamentaux. Working papers, ICOFOM Study Series - ISS 38, Morlanwelz, 2009, p : 317.

    12. ثمة مبادرات قليلة إلى حد الآن ومن بينها الدراسة التي أجزها بن عطية عبد الرزاق حيث حاول إحصاء هذا النوع من المتاحف وبَيَّنَ خصائصها وأشار إلى متحفين في هذه المنطقة هما متحف الواحات بقصر الخربات ومتحف (العيون les sources) بلالة ميمونة. أنظر:

    - Ben Ataya Abderrazak. Entre patrimoine et tourisme, les musées "identitaires" des régions présahariennes (Maroc). Enjeux identitaires et touristiques, In : Collection EDYTEM. Cahiers de géographie, numéro 14, 2013. Ressources patrimoniales et alternatives touristiques, entre oasis et montagne. pp. 79-90.

    - وتعريف الباحثان حفيظ اشتكاح ورشيد صديق بأربعة فضاءات متحفية تنتمي إلى واحات الجنوب وهي: متحف تابوكا بواحة تغجيجت، ومتحف القوافل الصحراوية بتغمرت، ومتحف القصبة بتغمرت، ومتحف الشيخ عمر بواحة أقا. انظر مقالهما:

    - حفيظ أشتكاح ورشيد صديق، "إسهام في دراسة المتاحف الإثنوغرافية بواحات الجنوب المغربي"، في مجلة لكسوس (مجلة إلكترونية)، العدد 19، دجنبر 2017، ص ص: 86 - 102.

    - من جهته اهتم الوافي نوحي بمتحف الشيخ عمر بواحة أقا. راجع:

    - الوافي نوحي، "دور المتاحف الخاصة في الحفاظ على التراث (متحف الشيخ بأقا نموذجا)"، التراث والمتاحف بالمغرب، أعمال الندوة التي نظمها مركز الدراسات الأنثروبولوجية والسوسويولوجية، مراكش 24 - 25 شتنبر 2004، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مطبعة المعارف، الرباط، 2007، ص ص: 53 - 60.

    13. ندعو القارئ العزيز إلى الرجوع إلى كتابنا: المتاحف وأفكار النهضة، رحالون مشارقة ومغاربة في المتاحف الأوروبية من القرن 17 إلى بداية القرن العشرين، باب الحكمة، تطوان، 2019.

    14. وهي ممارسة عرفتها الحضارات المختلفة طويلا قبل عصر النهضة ولو بصور مختلفة.

    15. انظر الببليوغرافيا التي نشرتها كاتي كير Kate Kerr ضمن مقالها المعنون بـ:

    - Kate kerr, Le rôle économique potentiel des entreprises artisanales dans le développement rural : l’exemple de l’Indonésie.

    16. من بين الأنشطة التي يمكن للمتحف الهوياتي القيام بها بشراكة مع مؤسسة علمية أو فنية: ورشة لتصميم أشكال جديدة ومُبدَعة مستنبطة من التراث المحلي. وهي عملية ليست سهلة إذ إن الحرفيين (المْعَلْمين) لا يميلون إلى الخروج عما يعتبرونه من ثوابت الصَّنْعَة.

    - يمكن الرجوع بخصوص هذه القضايا إلى: رضوان خديد، تراث الإنتاجية والإبداعية والمنظور المتحفي: دراسة أنثروبولوجية وتاريخية، أطروحة السلك الثالث بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط، 2001، غير منشورة.

    17. تحددها القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية.

    18. والأحسن أن يُنظر إليه باعتباره استثمارا ثقافيا لفائدة التنمية المحلية.

    19. رضوان خديد، المتحف والمتحفية بدايات وامتدادات ثقافية، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2015.

    20. وهي فرصة لتوثيق جزء مهمل/منسي من الذاكرة المحلية.

    21. الانفتاح على الخارج ضرورة وحتمية وواقع يومي، من هنا أهمية سعي المجتمعات إلى حماية هويتها حتى لا تذوب في الوعاء المُنَمِّط. في هذا الصدد، على المتحف ان يقوم بدور حاضن الذاكرة الجماعية والحارس الأمين الذي يرعى أجزاء من الهوية المحلية. وليس من يحولها إلى بضاعة قابلة للتسويق فحسب.

    22. يمكن للمتحف المحلي أن يحتضن مكتبة وأن يكون فضاء لتنظيم لقاءات تنشيطية حول التراث المحلي الطبيعي والثقافي. من شأن المكتبة أيضا أن تكون رابطا جيدا بين المتحف والمدرسة. كما يتيح الفضاء المتحفي فرصة لممارسة المجتمع عاداته القديمة المُهمَلة/المنسية في جو يجمع بين المتعة والفائدة، وهو ما يوفر الفرص المناسبة من أجل توثيق وتسجيل شهادات حول الممارسات المندثرة.

    المصادر:

    - أشتكاح حفيظ وصديق رشيد، "إسهام في دراسة المتاحف الإثنوغرافية بواحات الجنوب المغربي"، في مجلة لكسوس (مجلة إلكترونية)، العدد 19، دجنبر 2017، ص ص: 86 - 102.

    - أعمال ندوة: مستقبل الهوية المغربية أمام التحديات المعاصر، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة: الندوات، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1998.

    - خديد رضوان، المتاحف وأفكار النهضة، رحالون مشارقة ومغاربة في المتاحف الأوروبية من القرن 17 إلى بداية القرن العشرين، باب الحكمة، تطوان، 2019.

    - خديد رضوان، المتحف والمتحفية بدايات وامتدادات ثقافية، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2015.

    - خديد رضوان، تراث الإنتاجية والإبداعية والمنظور المتحفي: دراسة أنثروبولوجية وتاريخية، أطروحة السلك الثالث بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط، 2001، غير منشورة.

    - الخمليشي الزهرة (تنسيق): أعمال ندوة: الهويات الثقافية حدود ورهانات، منشورات كلية الآداب تطوان، باب الحكمة، تطوان، 2019.

    - رشيق حسن، القريب والبعيد، قرن من الأنثروبولوجيا بالمغرب، تعريب وتقديم حسن الطالب، المركز الثقافي للكتاب، بيروت والدار البيضاء، 2018.

    - فيان ب.، "الهوية"، في بيار بونت وميشال إيزار (إشراف)، معجم الإثنولوجيا والأنثروبولوجيا، ترجمة وإشراف مصباح الصمد، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2011، ص ص: 990 - 991.

    - نوحي الوافي، "دور المتاحف الخاصة في الحفاظ على التراث (متحف الشيخ بأقا نموذجا)"، التراث والمتاحف بالمغرب، أعمال الندوة التي نظمها مركز الدراسات الأنثروبولوجية والسوسويولوجية، مراكش 24-25 شتنبر 2004، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مطبعة المعارف، الرباط، 2007، ص ص: 53-60.

    - Babelon J.-P et Chastel A., La notion de patrimoine, Liana Levi, Paris, 1994.

    - Ben Ataya Abderrazak. Entre patrimoine et tourisme, les musées "identitaires" des régions présahariennes (Maroc). Enjeux identitaires et touristiques, in : Collection EDYTEM. Cahiers de géographie, numéro 14, 2013. Ressources patrimoniales et alternatives touristiques, entre oasis et montagne. pp. 79-90; doi : https://doi.org/10.3406/edyte.2013.1226

    - https://www.persee.fr/doc/edyte_176 2-4304_2013_num_14_1_1226

    - Chiva Isac, Une politique pour le patrimoine rural, rapport présenté en Avril 1994, rapport à consulter via le lien : https://www.vie-publique.fr/sites/de.../034000377.pdf

    - DESVALLEE, André, MAIRESSE, François et DELOCHE, Bernard, Museology : Back to Basics – Muséologie : revisiter nos fondamentaux. Working papers, ICOFOM Study Series - ISS 38, Morlanwelz, 2009.

    - Gob André, " Le jardin des Viard ou les valeurs de la muséalisation ", CeROArt [Online], 4 | 2009, Online since 10 October 2009, connection on 14 December 2020. URL: http://journals.openedition.org/ceroart/1326 ; DOI : https://doi.org/10.4000/ceroart.1326

    - Kerr Kate, Le rôle économique potentiel des entreprises artisanales dans le développement rural : l’exemple de l’Indonésie, article à consulter via le lien : http://www.fao.org/3/u2440f06.htm

    - Mairesse François (sous la direction de), Définir le musée au XXIe siècle, matériaux pour une discussion, ICOFOM, Paris, 2017.

    - Schärer Martin R., Exposer la muséologie, ICOFOM, Paris, 2018.

    - Skounti Ahmed, De la patrimonialisation. comment et quand les choses deviennent-elles des patrimoines ? in Hesperis-Tamuda, Vol. XLV, Rabat, 2010, pp : 19-34.

    الصور:

    - من الكاتب.
يعمل...
X