أ. إبراهيم سـند
مملكة البحرين
موسوعة الأمثال والأقوال الشـعبية في الخليج العربي للكاتبة أنيسة فخرو جهد فردي في تحـدي المسـتحيل
العدد 57 - فضاء النشر
صدر مؤخراً عن معهد الشارقة للتراث كتاب «موسوعة الأمثال والأقوال الشعبية في الخليج العربي» للباحثة والكاتبة الدكتورة أنيسة فخرو، وتحتوي هذه الموسوعة على ثلاثة أجزاء، حيث بلغ عدد أمثال الجزء الأول من حرف الألف إلى حرف الخاء (710 مثلاً)، ويشتمل الجزء الثاني على الحروف من الدال إلى الكاف وبلغ عـددها ( 717 مثلاً)، أما الجزء الثالث فيشـتمل على الحروف من اللام إلى الياء ويبلغ (735 مثلاً)، حيث يصل المجموع الكلي للأمثال في الموسوعة (2162 مثلاً).
وفي مسـتهل مقدمة الموسوعة تذكر الباحثة بأن الأمثال الشـعبية مرآة صادقة تعكس الأوضاع الاجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية لمختلف الشعوب . وتعبر عن تجاربها وحنكتها وحكمتها في تحليل المشكلات وكيفية معالجتها والتغلب عليها .
دواعي الموسوعة وأهدافها :
تشير الباحثة بأهمية الأسـس المنهجية التي قامت باتباعها في هذا المنجز الثقافي الهام، حيث بدأت الفكرة تطرق أبوابها منذ العام 2012، وبدأت تجمع الأمثال والأقوال الشعبية بالتزامن مع جمع وقراءة العديد من المراجع والأعمال السابقة ثم شرح ألفاظ الأمثال وتفكيك معانيها ومقاصدها، وتوثيق الأحداث والزمان الذي قيلت فيه (إن وجدت) وتبعتها مرحلة التدقيق والمراجعة والتقييم .
وتضيف الباحثة أنه على الرغم من أن العديد من الباحثين قـد سـبقوها في مجال جمع الأمثال الشـعبية، الا أنها شـعرت بأن المجال مفتوح وبحاجة إلى توثيق كثير من الأقوال والأمثال التي لم توثق بعد، خاصة بعد أن تخطى عدد الأمثال التي جمعتها الألفين مثلا، وعليه اقتنعت الباحثة بأهمية إصدار هذا العمل .
أما من حيث تصنيف الأمثال وتبويبها فتشير الباحثة إلى ثلاث طرق اعتمدها الباحثون في تصنيف الأمثال:
1. التصنيف حسب المقاصـد وترتيب المجالات كما صـنعها أحمد البشـير الرومي إلى (54) موضوعا ومجالا، والعديد من الباحثين حذو حذوه في اتباع هذا النهج .
2. التصنيف حسـب الحروف الأبجدية والحروف الهجائية كما في موسـوعة الباحث محمد علي الناصري.
3. التصنيف حسب دمج الطريقتين مع بعض، الترتيب اللفظي مع تعدد الأغراض والمقاصد من المثل، واسـتخدم هذه الطريقة قليل من الباحثين. وقد اختارت المؤلفة التصنيف بحسب الحروف الأبجدية تسـهيلا على الباحث والقارئ الحصول على ما يريده بسرعة ولضمان عـدم تكرار المثل، ولكي يكون الشـرح واضحاً ومركزاً وغير مسـهب، تم اختيار كلمتي (لفظياً – معنوياً) لكل مثل ومقولة . كما اسـتعانت المؤلفة بذكر بعض الأبيات من الشـعر العربي لتعزيز الفكرة والحرص على ذكر تفاصـيل الواقعة التاريخية والقصة أو الحدث المصاحب للمثل .
الهدف من الموسوعة :
تؤكد الباحثة أن الهدف الرئيسي من مشروع الموسوعة هو توثيق جزء من الذاكرة الشـعبية وحفظ التراث، خوفاً من ضـياعه في خضم المتغيرات السريعة لمجتمعنا العربي عموماً والخليجي خصوصاً، خاصة أن الجيل الحالي أصـبح أغلبه يتحدث باللغة الإنجليزية ويتبرأ للأسـف من لغته الأم . اللغة العربية أجمل لغات العالم فما بالك باللهجة العامية، علماً بأن 90 % من مفردات العامية أصلها فصيح وتعج بها المعاجم اللغوية.
درة ثمينة ترصـع تاج التراث المادي :
في المقدمة الثرية التي قدمها أ. إبراهيم أيوب الباحث والخبير الدولي المعتمد في التراث الثقافي اللامادي، يقول بأن هـذا الكتاب الجديد يثري المكتبة العربية في حقل التراث الثقافي اللامادي، وخاصة من التراث الأدبي المروي . وبمكنز قيم للأمثال والأقوال الشعبية في الخليج العربي، بفضل الباحثة البحرينية المختصة الدكتورة أنيسة فخرو التي تشهد مؤلفاتها السابقة في الأدب الشـعبي على تمكنها البليغ في سـبر أغوار هـذا الصنف من الإبداع الشـعبي من حيث أشـكاله ومضامينه، ومن أوسـع اطلاعها على ما تنتجه الأقلام العربية والأجنبية المختصة في التراث الثقافي الشـعبي من بحوث تلتقط منها الجديد منهجا ومواد، وقدرتها أيضاً على العمل الميداني حيث تحصل على متونها الشفاهية مباشـرة من حملة الذاكرة التراثية فلا تكتفي باقتباس ما ورد في هذا التأليف أو ذاك، كما هو سـائد لدى أغلب من يؤلف في مجالات التراث الشـعبي المادي واللامادي . وها هي بهذا العمل الجليل الذي يتسـم بالشمول قدر الإمكان، ودقة النظر والإسـتقراء النقدي، والذي قضت سـنوات طويلة مثابرة على إنجازه، تقدم الإضافة المرجوة .
ويؤكد في مقدمته بأن هذا الكتاب سـيصبح مرجعاً أسـاسـياً لدراسة الأمثال الشـعبية في جزء من عالمنا العربي . كما سـيكون في هذا الزمن الذي نعاني فيه تفكك الأوطان بعضها عـن بعض، دليلاً على أن الإعتقاد بضرورة أن تبقى البلاد كتلة واحدة وذات أمة واحدة هو إعتقاد شـرعي ينبني على الأمل والإلتزام .
تعريف المثل :
تذكر الباحثة أن تعريف المثل ليس بالأمر الهين، ومن الصـعب تعريفه تعريفاً جامعاً مانعاً، فهل هو الجملة المختصرة ؟
أم هـو التعبير المركز والعبارة الموجزة ؟
أم هو العبارة الموجزة ذات الإيقاع ؟
أم هـو شـيئ آخر لا كل هذا ولا ذاك ؟
كل هذه التساؤلات والإجابة عليها تتطلب العودة إلى أهم المراجع والكتب التراثية التي تناولت الأمثال الشعبية وتوردها على النحو التالي :
1. يعرف المثل أبو إبراهيم إسـحاق الفارابي (المولود في أواخر القرن الثالث والمتوفي في 350 هجري) بأنه : ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه، حتى ابتذلوه فيما بينهم. وفاهوا به في السراء والضراء، واستدروا به الممتع من الدر، ووصلوا إلى المطالب القصية وتفرجوا به عن الكرب وهو من أبلغ الحكمة .
2. تعريف فريدريك زايلر (1759 – 1805) المثل عبارة متداولة بين الناس، تتصـف بالتكامل، ويغلب عليها الطابع التعليمي وتبدد في شـكل فني أكثر إتقاناً من أسـلوب الحديث العادي .
3. محمد رضا الشـبيبي (1889 – 1965) يقول : الأمثال خلاصة تجارب القوم ومحصول خبراتهم، وتتميز بالإيجاز والجمال البلاغي، ويحتوي المثل على معنى يصيب الفكرة في الصميم ويعبر عـن التجربة .
4. الإمام الزمخشري (1075 – 1144) في تفسيره (الكشـاف) : إن الأمثال لها شأن كبير في إبراز خبيئات المعنى، ورفع الإسناد عن الحقائق حتى تربك المتخيل في صورة المتحقق والمتوهم في معرض المتيقن والغائب كأنه شـاهد .
5. تعريف دائرة المعارف البريطانية: المثل جملة قصيرة موجزة، مصيبة المعنى شائعة الإسـتعمال.
6. دائرة المعارف الفرنسـية تقول : المثل صـدى التجربة وهو اختصار معبر في كلمات قليلة .
أما تعريف الكاتبة للمثل فتورده على النحو التالي:
يعتمد المثل على ثلاثة أركان : الإيجاز، والتشـبيه، وإصابة المعنى . وفي ختام هذا العرض الموجز لهذه الموسـوعة الهامة نختار كلمات غاية في الأهمية ذكرها أ. عبدالرحمن أيوب في تقديمه للموسوعة حيث قال : نحن نضع هذا العمل التراثي الجيد والمرجع الثمين في هذا الإطار: الإسهام بالمحافظة على تراث الأمة الثقافي . هـذا دأب الباحثة الدكتورة أنيسة فخرو كما تثبته كتاباتها وإسـهاماتها في الملتقيات البحثية في البحرين وخارجها بوضعها بين أيدي القراء هذا المكنز بأجزائها الثلاثة، سـتمكن الباحثين من تناول الأمثال والأقوال السائرة بناء على مناهج مسـتحدثة، تيسـير إعادة التذكر من جهة، واسـتقراؤها من حيث أبنيتها ومضامينها ووظائفها ودلالاتها الضمنية وتلك المسكوت عنها من جهة أخرى، ولعلها بذلك تسـاعد على إدماجها في المنظومات التربوية حتى تنمي لدى النشئ القدرة على صوغ الحكم، والقول المكتنز والإيجاز البليغ، وجميعها من آيات البلاغة .
ونحن بدورنا نتقدم للباحثة الدكتورة أنيسة فخرو بخالص التقدير والثناء لهذا الجهد العلمي والثقافي والإنساني الخلاق في إصـدار موسوعة الأمثال والأقوال الشـعبية في الخليج العربي والتي تضم (2162 مثلا) موزعة على ثلاثة أجزاء .
اسـتغرق إنجاز هـذه الموسـوعة سنوات طوال قضتها الباحثة في البحث والتغيب والمفاضلة ومن ثم العمل على تصنيف هذه الأمثال بحسب الحروف الأبجدية تسـهيلاً للباحثين والدارسـين والمهتمين بمادة الأمثال الشعبية لكي يجدوا ما يبحثون عنه بمنتهى السرعة والسهولة .
آملين أن يستفاد من هذه الموسـوعة على أوسـع نطاق مـن قبل الجامعات والكليات والمعاهد والمراكز البحثية حفاظاً على التراث الإنساني، وضرورة الاستفادة منها في المجالات التربوية والاجتماعية والثقافية .