محمد محمود فايد
كاتب من مصر
الناي .. أقدم آلات الموسيقى الشعبية العربية
العدد 12 - موسيقى وأداء حركي
تعد آلة الناي من أقدم الآلات الموسيقية وهي تتميز بخصوصية تجعل من العازف عليها عرابا للروح من خلال أنفاسه التي تخرج من أعمق طبقات الإحساس. ولقد نسج الفنان الشعبي حكايات حول هذه الآلة المصنوعة من الغاب المجوف يضفي بحبكتها الدرامية قداسة على تلك الآلة البسيطة في تكوينها والمعقدة في إمكاناتها الموسيقية. كما أعطى الفنان الشعبي لهذه الآلة مواقف وأحداثا تجعل لها قيمة عقائدية روحية بجانب قيمتها التاريخية والفنية.
فيروي الفنانون الشعبيون أن آلة السلامية (وهى من فصيلة آلة الناي) قد سلمت الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الدعوة الإسلامية من مجلس خمر دعي إليه إذ حاول بعض أترابه أن يجعلوه يشاركهم مجلس سمرهم وقد قبل الرسول الكريم دعوتهم وهولا يعرف أن مجلسهم خمر. وحينما كان في طريقة إليهم سمع أحد الرعاة يعزف عليها ألحانا شجية فوقف للحظة يستمع وطال به الوقوف فجلس مأسورا بطلاوة ما يسمع من تسابيح نغم وأخذته سنة من النوم فغفل عن موعده. وحينما انتبه أسرع إلى حيث اللقاء فلم يجدهم، وفى يوم آخر روى لهم ما حدث فإذا بأحدهم يخبره بما كانوا يدبرون له ولكن الله سلمه من هذه المكيدة، ومنذ ذلك الوقت كما تروي المأثورات الشعبية سميت السلامية وأصبحت لها مكانتها في الإنشاد الديني. وبعد وفاة الرسول يقال أنه أصابها شرخ من شدة الحزن فكان صوتها حزيناً شجياً. ويرى الباحث (عاطف إمام فهمي) أن «لآلة الناى مع السلامية أهمية خاصة في مزق الإنشاد الديني وقد شاع استخدامهما في حلقات الذكر الصوفي ورقصات الدراويش التي تدور فيهما حركات الراقصين في دوائر مكتملة كحركة الأفلاك في السماء»(1).
رغم تعدد أشكالها كانت في الأصل قصبة مجوفة ثم تغيرت إمكاناتها وأشكالها وتبدلت وظائفها وتنوعت أصواتها ونغماتها ودرجاتها تبعا لتعددية الخبرة الإنسانية ومجالات استخدام الآلة في مختلف المناسبات على مر العصور. وآلة الناي شائعة في الريف والبادية، في الجبال والوديان، للراعي وللفلاح، وهى أنيس الإنسان في وحدته ورفيقة عزلته، ربما لبساطتها وقوة تعبيرها، الأمر الذي يمكن معه طبقاً للباحثة (بريهان فارس عيسى) «أن تغني عن الكثير من الآلات في العديد من المقاطع الموسيقية التي تعبر عن مكنونات العازف عليها فهي بمقدورها أن تحمل إلى السامع الحالة التي يشعر بها الفنان العازف وكأنها كلمات تتلى على مسامعه»(2) ويبدد العازف بصوتها الشاعري صمت الطبيعة في سكونها الخاشع ويصدر الزفير المنبعث من صدره خلال فتحاتها كآهات تلامس أحاسيس ومشاعر الإنسان المصغي، فيصفها البعض بأنها قيثارة السماء التي انبعثت من الأرض في الليالي الصافية لتحاور صمت النجوم السابحة فأصبحت آلة العاشق والولهان التي حولت النسمات إلى آهات والآهات إلى نغمات والنغمات إلى تسابيح. وتعتبر من فصيلة الناي كل آلة يقع النفخ فيها على حافة قصبتها مباشرة سواء صنعت هذه الآلات من قصب الغاب أو من الخشب كآلات السلامية والكولة والعفاطة الأرغول والشاه وما يماثلها، وهي تختلف في أصواتها تبعا لاختلاف أطوال قصبتها وسعة قطرها والمواد التي تصنع منها(3).
أصول الناي
وكما صاحبت آلة الناي الأداء الغنائي الديني والشعبي صاحبت أيضاً غناء المداحين وحلقات الذكر والموالد وفي جميع المناسبات كما كان لها دور بارز في أعمال الكثير من الموسيقيين وإلى الآن. وهى أيضاً جزء من التراث الثقافي للشعب الروماني وشعارا للمنطقة التي تطوقها جبال (أيوسينى) في غرب رومانيا، يقول المؤرخون إن آلة الناي الطويل استخدمت منذ عهد الداك وهم السكان الأصليون لأراضي رومانيا الحالية في العصر القديم لإطلاق الإشارات والعزف. ونظرا لسهولة عزفها فهي سريعة التنقل من مكان إلى آخر لتحل على التراث الموسيقي في غالبية بقاع الأرض ويذكر أنها حلت محل المطرقة التي كان يستخدمها الفلاحون لضرب لوحات معدنية بهدف إطلاق إشارات أو نداءات إلى أهالي القرى. فكانوا يصعدون بآلة الناي الطويل إلى الجبل ويعزفون أنغاما يتفقون عليها تشير إلى مختلف أحداثهم من خير أو شر، وقد تعلن حالة طوارئ إلى أن يأتي النغم الذي يخبرهم بحلول الأمن ويعلنون أيضاً ولادة طفل أو موت أحدهم كما كانوا ينادون الناس للذهاب للصيد أو العمل المشترك ولكل إشارة لحنها المميز. وكانت بعض تلك الألحان معروفة لدى أفراد القرية فيحافظون على سرية معاني هذا النغم أو ذاك حتى لا يفهمها الغرباء أو الأعداء. وفي إيحاء إلى التعبير عن مشاعر العاشق أخذ اليونان هذه الآلة وأطلقوا عليها: (مون) أو (لوس)، كما ورد اسمها في التوراة تحت اسم (اوقاب). ومن المؤكد أن الفراعنة استخدموا أنواعا كثيرة من آلات الناي، توجد رسوما لها داخل جبانات الجيزة ولقد أثبتت الحفائر والأبحاث أنهم استخدموا آلة نفخ اسمها (الخنوى) (وهى آلة الناي بلغتنا المعاصرة) سواء في شكله الطويل الذي كان يسمى (دوجنواى) أو القصير الذي سمي (جنجلا روس) ومع تكرار ظهور صور كل منهما نتأكد مما كان لهذا النوع من أهمية. أقدم صورة للناي عثر عليها منقوشة على حجر من الإردواز في نقوش ما قبل الأسر الفرعونية، كما اكتشفت أيضاً صورة الناي الطويل ذي الثقوب الكبيرة في منظر للصيد يعزف فيه (ابن آوى) بآلة الناي ثم انتقلت من وادي النيل إلى الحضارات المختلفة عبر التاريخ إلى بابل وآشور وكانت أحب آلات النفخ عند الآشوريين(4) ويعد الفرس أول من استخدموه بشكل متقدم وأطلقوا عليه (ناي نارم) أي ناي ذو صوت رخو بغرض المقارنة بينه وبين المزمار ذي الصوت القوي الصارخ (الصورناي)5) وفي العصر الإسلامي عرف الناي تبعاً للاسم الفارسي (ناي) والذي حل محل الاسم العربي (قصبة) أو (قصابة) ولم يختلف من حيث الشكل والطول في عدد الثقوب والعقل وطريقة العزف في الدولتين الأموية والعباسية ثم نقل العرب موسيقاهم وآلاتهم إلى الأندلس وكان الناي أهم الآلات بجانب الوتريات وآلات الإيقاع، وفي العصر الفاطمي والمملوكي اتسع استخدام آلة الناي(6) وخلال النصف الأول من القرن التاسع عشر انتشرت الآلة بعدة أنواع مثل: ناي الدراويش وكثر استخدامه في حلقات الذكر والإنشاد، وهناك ناي المتسولين. وناي «الآلاتية» ويكون الناي حينها من قطعة من البوص طولها حوالي 45 سم بقطر 2.2 سم في جزئه الأسفل و1.87 سم في جزئه الأعلى الذي يلامس فم العازف وللناي ستة ثقوب من الأمام وسابع في الخلف وعند النفخ بقوة أو بخفة تخرج الأصوات بطبقات متعددة ودرجات مختلفة وإذا استخدمه عازف ماهر أمكنه استخراج أفضل وأشجى النغمات(7).
تقنيات الصناعة
يتكون الناي من تسع عقل بها ستة ثقوب على استقامة واحدة وآخر من الخلف يتحكم به الإبهام، يصدر النغمات بتون ونصف وثلاثة أرباع التون بدقة كبيرة لذلك قد يستخدم العازف أكثر من ناي لتغطية ما تحتاجه المقطوعات الموسيقية من نغمات مختلفة. وهو يصنع من القصب المجوف مفتوح الطرفين، ذو ستة ثقوب من الأمام كل ثلاثة تبتعد قليلا عن الثلاثة الأخرى وله ثقب رابع في الخلف بالمنتصف وهي ثقوب مفتوحة بموجب نسب حسابية طبقاً لنسب السلم الموسيقي العربي. ومن فصيلة الناي آلة الشبابة وهى قصبة جوفاء بجوانبها ثقوب ينفخ فيها وبعضها مفتوح والأخرى مسدودة وهو يشبه (آلة الزلامى) أي المزمار المصنوع من قطعتين منفردتين على شكل قصبة جوفاء مفتوحة الجانبين ومثقوبة الجوانب الأخرى وينفخ فيها بقصبة نحيلة فيخرج الصوت حادا وسريعا. أما (التيكر) فآلة ذات سبعة ثقوب تسمى في الموسيقى العربية (المسبع) وينفخ فيها بواسطة قطعة دقيقة من القصب الرفيع توضع بالفم وهناك آلة (المجوز البلدي) أو الأرغول اقتبسها اليونان وأسموها (مون أو لوس) أي مزمار الحب(8) والواقع أن الأجواق العربية يمكن أن تقتصر على ناي واحد أو حتى نايين فلكل طبقة صوتية ناي خاص أما عدد النايات المستعملة عند عازفي الجوقة فهي أربعة وعشرون نايا لاستخراج أربع وعشرين طبقة صوتية الأساس فيها نايان: الشاه والمنصور.
الأول: يعد قرارا لنغمة البياتي من الحسيني.
الثاني: يستخرج منه قرار نغمة الرست. وهنا يمكن الاعتماد على ستة نايات لدراسة خصائصها، الأول تستخرج منه نغمة البياتي من الرست ودرجتها (دو) وقرار هذه الدرجة المنصور.
الدرجة الثانية: بياتي الدوكاه وطبقتها (ري)
الدرجة الثالثة: نغمة البوسليك وطبقتها (سي)
الدرجة الرابعة: بياتي من الجهاركاه وطبقتها(فا)
الدرجة الخامسة: بياتي نوا طبقتها (صول)
الدرجة السادسة: بياتي الحسيني طبقتها (لا)
كما أن هناك ستة نايات أخرى ترتفع طبقاتها الصوتية ثلاث كومات وستة أخرى تنخفض ثلاث كومات وكذلك ستة أخيرة تنخفض بين الأربع والخمس كومات تقريبا(9) ومن قواعد تصنيع الناي أن لا يقطع من (القصب) من أرضه قبل نضوجه وأن يثقب من الداخل بدءا من طرف الفم إذ يكون الثقب صغيرا ويتدرج في التوسع حتى نهايتها ليكون بحجم قطر القصبة ويقص ثلث العقلة الأولى تقربيا، ويصنع من قصبة عادية عدد عقلها ثمانية، وأطوال المسافات التي بينها تسعة قصار بنسب واحدة تثقب هذه القصبة من نصف المسافة الخامسة تماما وبذلك يكون من كلا طرفي المسافة المثقوبة أربع مسافات ويكون هذا الثقب من الخلف ثم يقسم النصف السفلي إلى أربعة أرباع ويقسم الربعان الأوسطان كل منهما إلى أرباع المسافة وبعد ذلك يشار إلى مسافات الأرباع بخطوط عددها سبعة تثقب الثلاثة العليا والسفلى ويترك الخط الأوسط وتكون الثقوب من الطرف الأمامي وبذلك يأخذ الناي شكله الكامل ويصلح للعزف. ولفتح الثقوب طريقة أخرى إذ يقسم إلى ستة وعشرين مسافة متساوية وعند المسافة الرابعة يثقب الثقب الأول من الأسفل للأمام وعند المسافة الخامسة يثقب الثاني وعند السادسة يثقب الثالث وتترك السابعة بدون ثقب وعند الثامنة يثقب الرابع وعند التاسعة يثقب الخامس وعند العاشرة يثقب السادس وعند الثالثة عشرة يثقب الخلفي وهى نصف مسافة الناي تماما.
الناي في الموسيقى الصوفية
يعتبر الناي شارة موسيقية صوفية ولعلنا نعرف أن شهيدة العشق الإلهي (أم الخير رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية) مولاة أل عتيك المتوفية عام 185هـ تقريبا، كانت تقرض الشعر وتغنيه وتعزف على الناي وتفضله على العود. ولقد حظي الناي منذ القرن الثالث عشر وحتى الآن بمكانة خاصة في الموسيقى الصوفية منذ تأسيس الطريقة المولوية على يد (جلال الدين الرومي) الشاعر التركي أول من نظم الشعر باللغة التركية ونشر من خلاله أفكاره واحتلت آلة الناي مكانة هامة ولقد ألف كتاب (المثنوي) الذي احتوى على 25700 بيت من الشعر تناولت الوحدانية وأسس الإسلام، وخصص جزءاً كبيراً منها للناي الذي ولع به فاستعان المولويون به في أفكارهم ويرون فيه أنه آلة تحكي الأسرار الإلهية. وكان العازف يعامل كمطرب وعلى عكس جميع الآلات من الممكن أن يشترك مع الفرقة عدد من عازفي الناي لإثراء العزف وعلى مر العصور كان لعازفيه إسهاماتهم اللحنية ومنهم (كونشك – مصطفى- عثمان واسماعيل دده – سليم الثالث – سعد الدين هير – سعد الدين أرل) ويعد (حمزة دده) أشهر عازف تركي مولوي في القرن الثالث عشر وقد لازم (الرومي). ثم انتقلت هذه المدرسة إلى مصر مع الفتح العثماني في بداية القرن السادس عشر وأصبح مقرها التكايا وكان يؤدى فيها الفن المولوي حتى منتصف القرن العشرين ومنها تخرج مشاهير العازفين المصريين حتى ظهرت الشخصية المصرية في العزف. وفي مؤتمر الموسيقى العربية عام 1932م تكونت لجنة لجمع وتسجيل المأثورات برئاسة (روبرت لاخمان) الألماني وحصلت اللجنة على تسعة تسجيلات للناي عن طقوس المولوية وخمسة تسجيلات لطريقة الذكر الليثي في المركز الرئيسي للتكايا المصرية في جبل الجيوش بجوار القلعة.
الأفضل في فنون الإنشاد
تعتبر حلقات الذكر من أهم العروض الشعبية المصرية وهى تقام في الموالد والمناسبات الدينية، وهناك الكثير من أتباع الطرق الصوفية المختلفة يجوبون بفرقهم ساحات الموالد طولا وعرضا. وتتكون الفرق الموسيقية في هذه العروض من منشد (صييت) وعازف الناي (ناياتى) وعازف العفاطة (عطفطي) وعازف عود وعازف مزمار، وضابطي إيقاع (طبلجى) و(رقاق) ومجموعة من عازفي الدفوف والمزاهر. وعازف الناي هو الذي يساعد باقي الفرقة في ضبط وتسوية أوتار آلاتهم كما يقودهم حيث تكون آلته الأوضح صوتاً خاصة إذا كانت الفرقة لا تستخدم مكبر صوت، يقوم عازف الناي بدور رئيسي ومحوري في حفلات وحلقات الذكر حيث يبدأ بتقاسيم حرة ثم يدخل في قطعة موسيقية من المقام نفسه الذي سيغني منه المؤدي يتبعه باقي أعضاء الفرقة كما يقوم بأداء اللزمات الموسيقية بين الجمل المختلفة ومن وقت لآخر يعزف منفردا ليساعد المؤدي على الانتقال من مقام لآخر كما يتكفل برفع حالة المؤدي المزاجية (سلطنته) كي يتمكن من استعراض إمكاناته وقدراتة وهو أيضاً همزة الوصل بين المؤدي والفرقة حيث تكون لغة الإشارات هي لغة التعامل، ولقد تنوعت ألوان الإنشاد الديني ما بين توشيح وأنشودة وأغنية ويعتبر الابتهال من أهم أشكال الآداء المقامي الذي يعطي لمدلول الكلمة عمقا روحانيا، والمقامات المستخدمة في ألحان مقامات عربية ذات طبيعة خاصة في النماذج. ولم يتقيد الابتهال بإيقاع معين لما فيه من الارتجالية ومازالت الابتهالات المبنية على ارتجالات المؤدي اللحنية تؤدى بأصوات مشايخ القراء إلى الآن إلا انه ظهر نوع من الأدعية بمصاحية الناي كأدعية الملحن (محمد الموجي) لحنجرة (عبد الحليم حافظ) كما ظهر حديثا نوع من الأدعية لها لحن وميزان يؤديها المطرب مع الكورال بمصاحبة فرقة موسيقية يكون للناي فيها الدور الرئيسي أما القصائد الدينية فقد أعطى الملحنون للناي دورا مهما في معظمها خاصة ألحان (رياض السنباطي)(10).
إبداعية العازف
الناي بما يحمله من إمكانيات موسيقية وإيقاعية بالغة العذوبة يحتاج إلى عازف ماهر قادر على استخراج هذه الأنغام من تلك الآلة العجيبة وعليه أن يواظب عليها حتى يتمكن من سبر أغوارها. من قواعد العزف أن يوضع الناي على جانب الفم ويحبس الهواء من الجانب الأيمن ومن ثم يوضع الناي مستقيما، وعندما يرغب العازف في تنويع النغمات أي استعمال علامات التحويل الرافع والخافض يميل الناي إلى الجهة اليمنى ثم إلى اليسرى من الفم وللنافخ أن يحتفظ بكمية هواء في فمه يصرفه عند الحاجة إليه لكي تصدر النغمة سليمة نقية وقوية(11) وتحتاج الآلة إلى براعة شديدة حيث أن لها 3 تقنيات:
الأولى: طريقة النفخ فإخراج الصوت الطبيعي منها يعد أول صعوبة تواجه الدارس للآلة لذلك ينصح بديمومة التدريب على إخراج الصوت أولا وعندما يتقنه يبدأ تعلم إخراج الدرجات الصوتية بتمرين الأصابع، والخبير يستطيع بتغيير طريقة النفخ التلاعب بالآلة حيث يستطيع أن يخرج أكثر من سبع علامات صحيحة أو أكثر من أوكتاف (ديوان) فالآلة تنتج 7 أصوات صحيحة تماما بالتالي يستطيع أن ينتج 7 أصوات أخفض و7 أصوات أعلى الثانية: إمالة الشبابة بأكثر من زاوية لإخراج أصوات معينة أو ربع تون.
الثالثة: طريقة سد الثقوب بحيث ينتج الأصوات المطلوبة أو سد الثقوب بطريقة معينة لإنتاج ربع التون. وكما أن للناي مزايا فإن عيوبه كثيرة أبرزها أن صوته ليس ثابتا ويعتمد كثيرا على مدى رهافة أذن العازف. كما أن لكل ناي درجة صوتية يبدأ منها لذلك يمتلك العازف عادة سبعة نايات وبعض المحترفين يكتفون بأربعة أوثلاثة يتحايلون بها على بقية المقامات(12).
أشهر العازفين والمؤلفين والصانعين
من أشهر العازفين الفيلسوف (أبو النصر الفارابى) الذي بلغ من قدرته الفائقة أنه حضر مجلسا لأحد الولاة وعزف على الناي فأبكاهم وعزف مرة ثانية فأشجاهم وأرقصهم وأخيرا عزف وأنامهم وانسل من المجلس وتركهم نائمين.
وفى العصر الحديث يعد (جلال حسين – سيد صالح – عبده الشامي – فوزي جلال حسين – سيد سالم – حسين فاضل) ولقد كان فضل (محمد عبد الوهاب) كبيرا مع (محمد القصبجي) و(رياض السنباطي) وغيرهم حيث اهتموا بتأليف مقطوعات موسيقية ودينية بدأها (عبد الوهاب) بمقطوعة (موكب النور) عام 1953م بمناسبة عيد الهجرة وفى العام نفسه وبمناسبة موسم الحج ألف (عطية شرارة) موسيقى (جبل عرفات) ثم موسيقى (المولد (لأحمد فؤاد حسن) بمناسبة المولد النبوي الشريف عام 1958م ولقد كان للناي دور بارز في معظمها كأنها مؤلفة خصيصا له(13) كما تواجد الناي في مختلف الفرق الموسيقية العربية وشجع وجود العازف البارع (محمود عفت) (1935م – 1994م) بعض المؤلفين المصريين على كتابة مؤلفات متميزة أداها الراحل البارع والمؤلفات هي (الناي الساحر) تأليف (مختار السيد) و(دموع البلبل) للراحل (أحمد فؤاد حسن) (1928م – 1993م) وأخيرا جاء العمل الكبير عندما كتب المؤلف الموسيقى المصري المعاصر (عطية شرارة) كونشيرتو للناي عام 1980م وأداه عنــد تقـديمـه (محمود عفت) ولقد احتوى على مقطوعات صعبة الأداء وأجزاء تكنيكية أداها الناي لأول مرة وأصبح هذا العمل مقياسا لتحديد مستوى أداء العازفين خاصة في مراحل الدراسة المتقدمة(14) ومن سوريا اشتهر (مسلم رحال) كظاهرة فريدة في العزف لأنه أخرج الآلة من وضعها التقليدي وأعطى الناي آفاقا أوسع وألوانا صوتية غير مسبوقة(15) أما الفنان المصري (رضا بدير) فأصدر أول شريط لموسيقى الناي الفرعوني تضمن سبع قطع موسيقية هي:
- (الناي الفرعوني) وهى مجموعة تصورات مأخوذة طبقا لمساحات الصوت الموجودة بثقوب النايات الفرعونية المعروضة بالمتحف المصري وتتسم مقطوعة (كليوباترا) بطابع فرعوني مأخوذ من السلم الموسيقي الفرعوني بمصاحبة آلة الهارب، واستـوحى مقطوعة (النوبة) من التراث النوبي القديم بمصاحبه الدفوف والإيقاعات النوبية التراثية وسجلت مقطوعة (التنورة) بالناي العربي الفردي وهى مستوحاة من الفن الشعبي ورقصات التنورة بمصر وتركيا، وتعبر مقطوعة (روحانيات) عن ارتباط الناي بالتصوف الديني، المقطوعة السادسة (دموع البلبل) من مؤلفات (أحمد فؤاد حسن) وهى ذات طابع خاص بالكونشيرتو الصغير الذي يوضح مهارات العازف واستخدامه لآداء السلم الكروماتيك إضافة إلى السرعات الفائقة في العزف أما المقطوعة السابعة (كونشيرتو الناي) تأليف (عطية شرارة) مكون من ثلاث حركات، الأولى بطيئة والثانية متوسطة والثالثة سريعة وهى تبين مهارة العازف ويحكي الكونشيرتو قصة بطلها عازف الناي(16) كما ابتكر صانع النايات المهندس (ياسر الشافعي) آلة ناي جديدة بعد تجارب عديدة مع الفنان (رضا بدير) تعطي 42 درجة صوتية تسمى (سوبر باص ناي) ويبلغ طولها 35سم وهو تقريبا ثلث طول الناي العادي، صنعت من نبات الغاب دون إدخال خامات أخرى وهى على شكل الآلات النحاسية وتفيد عازفي آلة الفلوت في جميع أنحاء العالم لأنها تجمع بين تقنيات العزف الشرقي والغربي في آن واحد ولندرة نبات الغاب الصالح للصناعة عام 1975م حيث تعذر طوال عام كامل الحصول على آلة ناي واحدة قام العازف الاسكندري (حمدي شعبان) بصناعة ناي من البلاستيك إلا أن جواب صوته كان ضعيفا غير نقي.
وفي العام 1988م قام بعض العازفين السوريين واللبنانيين بمحاولات شبيهة مزودة بخزنة معدنية من خام الألومنيوم عزف عليها (محمود عفت) و (رضا بدير) لكنهما اكتشفا أن بعد فترة تفقد الآلة نقاء صوتها بشكل لا يعادل ناي الغاب وذلك لتأثر البلاستيك بدرجة حرارة نفس العازف الأمر الذي فكر معه أحد الباحثين في استخدام خامات لا تتأثر بذلك كما تنبه إلى ذلك كل من (ياسر الشافعي )(17) و(غازي يوسف ابراهيم) ولقد قدم الأخير بحثا ابتكاريا هاما لتطوير آلة الناي نشره على شبكة الانترنت
بالموقع الالكتروني. www.naitute.com
العلاج بموسيقى الناي
ستبقى لموسيقى الناي شفافيتها الشرقية الخاصة المليئة بالعذوبة والشجن وسحر الشرق استخدمت موسيقاه مؤخرا لتقليل آلام الولادة متفوقا على العديد من عقاقير التخدير وقام (د/ جلال البطوطي) والفنان (رضا بدير) بأبحاث لدراسة مدى تأثير الناي على عدم إحساس السيدة بآلام الولادة فأثبتت التجربة نتائج مذهلة فقد تمت عدة ولادات لسيدات بدون إحساس بألم رغم سابق ولادتهن المؤلمة ويؤكد البحث على ضرورة أن تتدرب السيدة منذ الشهور الأولى على سماع أنواع معينة من موسيقى الناي خاصة أن نغمات ومقامات السيكا والحجاز والبياتي والصبا تؤثر تأثيرا كبيرا على الإحساس بالآلام وأن للناي صوتا حساسا وشفافية في التعبير، فمنذ الفراعنة كانت أهم الآلات التي استخدمت في علاجات مماثلة، ويؤكد (د/ البطوطي) أن تأثير الناي أكبر بكثير من الموسيقات الأخرى في تخفيف آلام الولادة وأن سماع السيدة أثناء الولادة لموسيقى الناي والتي سبق تدريبها واعتياد سماعها أثناء الحمل خاصة في الشهور الأخيرة قد ساعد كثيرا على تحملها للآلام وإتمام عملية الولادة بسهولة ويسر وتعتبر هذه التجربة الأولى من نوعها في جمهورية مصر العربية والعالم العربي(18).
الهوامش
(1) عاطف إمام فهمي– آلة الناي في الموسيقى الدينية الإسلامية المصرية- مجلة الفنون الشعبية- العدد 72-73 أكتوبر- مارس 2006م- 2007م الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية بالاشتراك مع الهيئة المصرية العامة للكتاب ص89.
(2) بريهان فارس عيسى- رحلة مع آلة الناي – المجلة العربية- العدد 369- شوال 1428ه – الرياض- السعودية- ص94.
(3) محمود أحمد الحفني- علم الآلات الموسيقية- الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة- 1971م- ص96.
(4) عاطف إمام- مرجع سابق- ص91
(5) محمد محمود سامي- تاريخ الموسيقى والغناء عند العرب- مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة- 1971م- ص26.
(6)عاطف إمام- مرجع سابق- ص93.
(7) د/ سمير يحيى الجمال- تاريخ الموسيقى المصرية أصولها وتطورها- مكتبة الاسرة- القاهرة- 2006م- ص262.
(8) مقال عن الناي بالموقع الالكتروني
http: // ar.wikipedia.org
(9) بريهان فارس- مرجع سابق- ص95.
(10) عاطف إمام- مرجع سابق- ص102.
(11) بريهان فارس- ص96.
(12) خالد ترمانينى- الناي- مقال بموقع: www. Khaledtrm.net
(13) عاطف إمام- ص106.
(14) د/ زين نصار- دراسات موسيقية -الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة- 2006م- ص22.
(15) إبراهيم كدر- عندما يتكلم الناي- مقال بموقع: www.esyria.sy
(16) رضا بدير- الناي الفرعوني- مقال بموقع:
www.redabedair.com
(17) رضا بدير وياسر الشافعي- آلة الناي ونشأة الموسيقى- مكتبة مدبولي- القاهرة 2003 ص67.
(18) غازي يوسف إبراهيم- تطوير آلة الناي- بحث منشور على الانترنت بموقع: www.nailute.com
(19) د/ جلال البطوطي- نجاح أول تجربة ولادة بأنغام الناي- بحث منشور على الانترنت عام 1990م- موقع: www.redabedair.com