Fareed Zaffour
Saad Alkassem
بالتزامن مع أربعين رحيل الموسيقار حميد البصري، قدمت إذاعة دمشق سهرة خاصة بعنوان (نغم عراقي أصيل رغم سنين الغربة) من إعداد رنده القاسم وتقديم هبة طراف وإخراج مروان خربوطلي. بدأت بأغنية (تدرون ليش نحب) أول أغنية أنشدتها جماعة تموز التي ساهم في تأسيسها، لتكون الأساس لما عرف فيما بعد بفرقة الطريق العراقية، التي نالت شهرة كبيرة في الثمانينات من القرن العشرين وكانت سورية حاضنة لهم حيث عاشوا فيها عقدا من الزمن.
وأنشر للأصدقاء هنا نص الحلقة رغم أنه لا يكتمل دون المقاطع الغنائية ومقتطفات اللقاءات الإعلامية التي تضمنتها الحلقة، ودون متعة الاستماع لأداء المذيعة الأنيق، والإخراج البارع. إلا أن أهمية النص التوثيقية تستحق ذلك.
تكاد حكاية الملحن والمؤلف الأستاذ حميد البصري، في جانبيها الإنساني والموسيقي توجز الكثير من حكاية المثقف العراقي في هجراته وفي محاولته تثبيت ملامح وطنية لعمله الإبداعي القائم على هاجس التجديد... وهو عبر حضور معرفي وأكاديمي وفني في أغلب المهرجانات الموسيقية العربية، وعبر مهارة في تأليف الكثير من القطع الموسيقية والأغاني ووضعه لكتب ودراسات في الموسيقا، وقبل ذلك كله عمله البارز في المسرح الغنائي الذي اعتبر رائده في العراق، إنما ظل وفياً لبنائه الروحي الأصيل وإن توزعته الهجرات، فكان طين العراق يفيض خصوبة في فنه وحياته، حتى انه أسس فرقة من عائلته تهجس بالعراق وفاءً لإنسانه وإن كانت مستقرة في بعيدا عن وطنها.
في عام 1969 أنجز أول أوبريت عراقي باسم (بيادر الخير) وشاركت الغناء فيه رفيقة دربه الفنانة العراقية شوقية العطار وتلاه عدة أوبريتات أخرى مثل (المطرقة) وأنجر في العراق عام 1970، و (أبجدية البحر والثورة) في اليمن عام 1982، و (زنوبيا) في سورية عام 1988.
عمل حميد البصري يعمل متنبئا جويا في مطار البصرة، وانتقل عمله إلى مطار بغداد، حيث أسس هناك الرباعي الشرقي والذي ضم البصري على آلة القانون، طارق اسماعيل (كمان)، حسين قدوري (تشيللو) وخالد ابراهيم (فيولا) وكان للرباعي دَوْرٌ أساس في مساعدة الملحن العراقي ذي الأصول الفلسطينية روحي الخماش على تأسيس فرقة الإنشاد.
حصل على أولى شهاداته الأكاديمية التخصصية العليا من تونس عام 1976. وفي هذا العام بالذات شكَّل مع الشاعر زهير الدجيلي) جماعة تموز للأغنية الجديدة( وفي نهاية سبعينات القرن الماضي، وبسبب الظروف السياسية، غادر العراق إلى عدة دول، وأولى محطات رحلة الاغتراب كانت الكويت وهناك قام بتسجيل خمس أغنيات في المسلسل التربوي (افتح يا سمسم) وأشهرها (سبحان من خلق) بصوت الراحل عوض دوخي. ثم كان الانتقال إلى اليمن وشغل البصري هناك منصب نائب عميد معهد الفنون الجميلة في عدن بين عامي (1981 – 1984) ومدرس القانون والصولفيج العربي فيه، وأسس فرقة (الغصون) لشبيبة اليمن وقدم لها ألحانا جديدة عام 1983، كما شغل قائداً للفرقة الموسيقية لوزارة الثقافة في اليمن 1984.وتمت استعادة فرقة تموز ولكن تحت اسم (فرقة الطريق) وجمع فيها البصري الفنانين الموجودين في اليمن آنذاك: فؤاد سالم، سامي كمال وكمال السيد.
كانت الفرقة تأتي سنوياً إلى سورية وتسجل أغنيات في التلفزيون السوري عن الوطن وعن النضال الوطني الفلسطيني وعن النضال العادل في كل مكان في العالم ومنذ عام 1986 بدأ حميد بصري وعائلته الاستقرار في سورية. وفيها عمل مع فرقة زنوبيا للفنون الشعبية، ومن خلالها قدم (أوبريت زنوبيا) وفيه تمت معالجة التاريخ بوقائع معاصرة ، كما قام بتدريس فنون العزف على آلة القانون والموسيقا العربية في المعهد العالي للموسيقى بدمشق، وأسس الاوركسترا العربية للمعهد، وتولى قيادتها. وكانت المرة الاولى التي يشهد فيها الجمهور حفلاً موسيقياً عربياً دون غناء، وشهدت الاوركسترا في عروضها اختيارات دقيقة لأعمال فيها توزيع هارموني وبصحبة مجموعة من طلاب المعهد شكلت فرقة غناء قدمت ألوان الغناء العربي كالموشحات وغيرها.
كما شارك حميد البصري في نشاطات عدة فكان رئيس الوفد الفني السوري لمهرجان طريق الحرير في طوكيو – اليابان 1987.وأسس فرقة للشبيبة السورية عام 1989 والتي فازت بالمركز الأول بأغنية من ألحانه، في مهرجان الشبيبة السورية. وترأس الوفد الفني السوري لمهرجان (أصيلة) في المغرب 1991 كما شارك في مهرجان بُصرى بحضور عشرات الآلاف لأكثر من مرة، وشارك في مسرحية (العربانة) تأليف الشاعر العراقي الكبير (مظفر النواب) غناءً وتمثيلا.
رحلة حميد البصري الأخيرة كانت إلى هولندا عام 1995، وهناك عرض إمكانياته في العزف على العود والقانون وقدم أكثر من حفل على الآلتين ، ولاقى استحسان الجهات الهولندية التي دعمت العروض وفكرتها الفنية ، والتي بلغت 35 حفلاً على امتداد 4 سنوات في هولندا وبلجيكا، ومع لحاق رفيقة دربه الفنانة شوقية العطار به برفقة أولادهما، أعادوا تشكيل الفرقة لتصبح (فرقة البصري) ، وعن هذا المرحلة قال الأستاذ حميد : "شاركوني في مهمتي من أجل تحقيق غايتين الأولى هي في تغيير وجهة نظر الأوربيين في مستوى الغناء العربي والشرقي واشتركنا عام 1998 في مسابقة لمن يغني في أغنيات غير أوربية ونلنا الجائزة الأولى، والغاية الثانية كانت في ربط العراقيين بوطنهم من خلال تقديم الموروث العراقي من مقامات وأغنيات، وكانت حفلاتنا للعراقيين تحقق أوقاتا من الصفاء الروحي الذي نادراً ما يشعر به العراقي في منافيه".
كان الموسيقار الراحل صاحب طموح متجدد ولهذا فقد قرر، بعد أن تجاوز الخامسة والسبعين من عمره أن يحصل على الدكتوراه بدرجة امتياز، من جامعة لاهاي العالمية، وكانت الأطروحة التي قدّمها دراسة منهجية اعتمد فيها على تجربته الذاتية، وقدّم فيها بحثا نموذجيا في التحقيق والإبداع لينقل تعلّم دراسة المقام من الشفهية إلى الضوابط العلمية المسجلة، وليقدم إلى طلبة هذا الفرع من الدراسة أسلوب التعلم الأكاديمي الموثق.
أثرى المكتبة الموسيقية العربية بكتب نذكر منها:
– أغان شعبية عراقية – 100 أغنية نصوص ونوتات.
– قراءة وكتابة الموسيقى العربية.
– تمارين لآلة القانون
– تاريخ وتذوق الموسيقى العربية.
-الموسيقى وواقعنا الاجتماعي
وله أبحاث موسيقية نذكر منها:
– سلالم الموسيقى العربية وأجناسها.
- جنس الحجاز في المقام العراقي.
– آلة الناي في الموسيقى العراقية.
– ابتكار جنس موسيقي جديد باسم (جنس راست بصري)
– الخصائص الموسيقية والابداعية للموروث الغنائي العربي وآفاق تطوره – العراق نموذجا
– المقامات العراقية، دراسة تطبيقية وتحليلية في المنهاج وفي الاعلام
كما كان عضوا في نقابة الفنانين في العراق، وشغل رئيساً لرابطة بابل للكتاب والفنانين في هولندا، ونائباً لرئيس البرلمان الثقافي العراقي في هولندا وعضواً في جمعية الموسيقيين الهولنديين الملكية وعضواً في نقابة الفنانين في هولندا.
شريكة دربه الفنانه شوقية العطار، العمود الغنائي الأساسي لفرقة الطريق العراقية. بدأت الغناء منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، حيث قدمت أغنيات افرادية لأشهر مطربات ذلك الزمن، مثل أم كلثوم وأسمهان وغيرهما في العديد من الحفلات المدرسية في مدينة البصرة، وكانت أول أغنية خاصة بها عام 1959 من ألحان الفنان حميد البصري الذي تزوجها بعد ذلك بفترة قصيرة. وبوجودهما معا تدربت شوقية العطار على مختلف أنواع الغناء العراقي والعربي، وانتقلت عام 1971 مع عائلتها إلى بغداد، فدخلت معهد الدراسات النغمية في بداية تأسيسه، لأجل دراسة المقام العراقي وآلة القانون، لكنها لم تكمل الدراسة في المعهد لكثرة التزاماتها الأسرية والفنية، واستمرت بالتدرب على الغناء العراقي والمقامات وغيرها مع زوجها حميد البصري، ثم أصبحت عضوا في فرقة الإنشاد العراقية التابعة للتلفزيون في بداية تأسيسها كمغنية انفرادية وجماعية.
وقد اكتسبت من ذلك خبرة في غناء الموشحات، وفي منتصف السبعينات، سجلت مع الفنان فؤاد سالم الأغنية الثنائية الشهيرة (يا عشقنا) من ألحان زوجها حميد البصري والتي كانت أول أغنية ملونة يبثها التلفزيون العراقي.
تمثل الفنانة شوقية العطار نموذجاً بهيا للمرأة العراقية التي تعمل وتدرس وتربي خمسة أولاد وتعتني بزوجها وتلحق به في مهجره أينما كان، وهي تبدع في كل ذلك وتبقى لديها طاقة تكفي للغناء الجميل. العطار التي تلقّب بـ(قارئة المقام) لديها عدد كبير من الأغاني بعيدا عن كونها شريكا حقيقيا في فرقة الطريق، ومن تلك الأغاني (اللول لوه)، (اشتقنالك يا نهر) و(اسهرنالك دهر) وهي من كلمات الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب وألحان زوجها حميد البصري الذي لحن جميع أغانيها
وهنا لا بد من الإشارة إلى أفراد العائلة الفنية بامتياز وهم أربعة أولاد وبنت واحدة، نديم الابن الأكبر وهو عازف كمان وفيولا، رعد الابن الثاني وهو مؤلف موسيقي يعيش في سورية واكتسب جنسيتها، وهو أيضاً عازف كمان و مؤسس فرقة (زرياب) الموسيقية وأوركسترا ماري ، أما الابن الثالث فهو سامر الذي تخصص في الإخراج المسرحي الغنائي في موسكو، و الابن الرابع أور تخرج من أكاديمية ملكية في هولندا قسم الجرافيك، وأخيرا بيدر التي صار لها اسمها الفني في عالم الأغنيتين العراقية والهولندية، وهي عضو أساسي في فرقة البصري حيث أنها أخذت من والدتها صوتها الجميل، وما زالت تحمل إرث العائلة الفني بصوتها وتقديمها حفلات في دول أوروبية عدة.
الفنان العراقي الكبير حميد البصري. وداعاً.. و لروحك السلام .....
تعليق