نجيب محفوظ واحدٌ من أشهر وأعظم الكُتاب العرب فهو أول عربي يحصل على جائزة «نوبل» في الأدب.
نجيب محفوظ واحدٌ من أشهر وأعظم الكُتاب العرب، إذ تُرجمت رواياته إلى العديد من اللغات، واقتُبست أفلام سينمائية عن رواياته، بالإضافة لكونه أول عربي يحصل على جائزة «نوبل» في الأدب.
استطاع محفوظ من خلال قصصه، والتي تدور أحداثها حول حياة شخصيات من البيئة المصرية، طرح أفكارٍ وقضايا فلسفية ووجودية، وأسهب في تصوير حياة المصريين والأزمات التي تواجههم، اجتماعية ونفسية وسياسية، فكان واحدًا من رواد الأدب الواقعي في عالمنا العربي.
لم يسلم محفوظ وأفكاره من النقد، ووصل الأمر بالحاقدين عليه إلى محاولة اغتياله عام 1995 على يد تكفيريين، متهمينه بالخروج عن الدين والإسلام.
نبذة عنه
وُلد محفوظ في القاهرة بتاريخ 11 ديسمبر عام 1911، وينتمي لعائلة محافظة، فوالدته ابنة شيخ من علماء الأزهر. التحق محفوظ بالكُتّاب أولًا، ثم درس لاحقًا في المدارس العامة حتى بدأ دراسته الجامعية في جامعة القاهرة عام 1930، وتخرج منها بشهادة ليسانس في الفلسفة، وعلى الرغم من عزمه على استكمال دراسته العليا، لكن انشغاله بالأدب وكتابة القصص وقفا حاجزًا أمام طموحه السابق.
كان انتقال محفوظ من الفلسفة إلى الأدب بداية مسيرته الأدبية، وكانت الفلسفة أيضًا حاضرة في كافة الأعمال اللاحقة، لكن بأسلوب أدبي جميل وطرح واقعي للأزمات التي تصيب أبطال قصصه.
شهد نجيب ثورة عام 1919 عندما كان عمره 7 سنوات، فأثرت عليه بشدة وأكسبته مشاعر وطنية برزت لاحقًا في كتاباته، وعلى الرغم من شروعه في الكتابة خلال زمن مبكر، لكنه لم يلقَ الشهرة إلا في خمسينيات القرن الماضي.
عندما أنهى دراسته، عمل في عدة مناصب مختلفة، إلى جانب كتابة الروايات، أشهرها «عبث الأقدار» عام 1939 و«رادوبيس» عام 1943 و«كفاح طيبة» عام 1944 –والروايات الثلاثة جزء من «الثلاثية التاريخية»– و«القاهرة الجديدة» عام 1945.
أولاد حارتنا والجدل الذي أثارته، ومحاولة اغتياله لاحقًا
رواية أولاد حارتنا. صورة: Amazon
جاءت رواية «أولاد حارتنا» في زمن خاب فيه أمل محفوظ من الثورة والانحرافات التي ألمت بها، فكانت هذه الرواية –المروية على مدار 3 أجيال– صورة عن القيم الإنسانية والاجتماعية العامة. استوحى محفوظ الكثير من قصص الأنبياء، وهو لا يهدف إلى إعادة سرد التاريخ بقدر ما هي رواية فلسفية اجتماعية عن الظلم والضعف البشريين.
استطاع محفوظ تقديم عمل فلسفي من خلال سرد حكاية شعبية عن شخصية الجبلاوي –الأقرب إلى شخصية الله أو الرب– وأبنائه أدهم وإدريس وجبل وعرفة وقاسم ورفاعة، الذين لا يلاقون من والدهم سوى القهر والظلم واللامبالاة، والذي يمثل كل واحد منهم شخصية من شخصيات الديانات الإبراهيمية، بل حتى الشيطان نفسه، حتى يجيء دور عرفة، الذي يمثّل العلم والمعرفة، للتخلص من شخصية جبلاوي.
مُنعت الرواية بعد نشر عدة حلقات منها في جريدة الأهرام، وطُبعت كاملة لاحقًا عام 1962 في لبنان. جاء سبب المنع بعدما هاجمها شيوخ الأزهر، ووصل الأمر بالرئيس جمال عبد الناصر إلى عدم مخالفة الأزهر، وهكذا بقيت الرواية بعيدة عن القراء في مصر حتى عام 2006 عندما سُمح لدار الشروق بنشرها لأول مرة في البلاد.
في 18 أكتوبر عام 1994، تعرّض محفوظ لمحاولة اغتيال عندما كان يهمّ بالخروج من منزله في حي العجوزة، وأُصيب بطعنة في الرقبة كادت تودي بحياته على يد شاب يدعى محمد نجيب. تبيّن، بعد التحقيقات، أن عملية الاغتيال جاءت بعد إهدار دم محفوظ على يد الداعية الإسلامي عمر عبد الرحمن، بحجة رواية «أولاد حارتنا» وتدنيسه الذات الإلهية.
لم تكن أولاد حارتنا الرواية الوحيدة التي أثارت الجدل، فبعدما كان من مؤيدي ثورة عام 1952، وكتب حولها الكثير وناقشها بشكل غير مباشر في روايات كـ «الكرنك» و«ثرثرة فوق النيل»، لكنه اقتنع أن الضباط الأحرار لن يسيروا نحو الديمقراطية، وعلى الرغم من الإنجازات التي أيدها محفوظ بشدة، لم يستطع تجاهل السلبيات التي خلفتها، والقمع الذي تلاها بالدرجة الأولى.
رواياته وجائزة نوبل
تمثال نجيب محفوظ في العجوزة، ضمن محافظة الجيزة.
تُعتبر «الثلاثية التاريخية» أولى روايات محفوظ، وهي روايات تاريخية خيالية تدور أحداثها في عهد الفراعنة، وتتحدث عن معاناة اجتماعية وسياسية فيها الكثير من الإسقاطات على المرحلة التي كُتبت فيها الثلاثية –من عام 1939 حتى عام 1944، منها علاقة الحاكم بالمحكوم والاستبداد والوطنية والكفاح ضد الغزاة، وقضايا وجودية أخرى.
ناقش محفوظ أيضًا قضايا اجتماعية في عصره، ويظهر ذلك أولًا في رواية «القاهرة الجديدة»، ثم في «خان الخليلي» حيث ناقش قضايا من صلب المجتمع المصري والفقر وسوء الأقدار والمصائب التي تحلّ بالشخصيات، وطريقة تفاعل تلك الشخصيات معها. ثم ناقش في رواية «السراب» قصة البطل التي ألقى فيها الضوء على الجانب النفسي وبعض الاضطرابات النفسية.
على أي حال، تبقى «ثلاثية القاهرة» أقرب الأعمال إلى قلب محفوظ، فهي الرواية التي كتبها نجيب بما يمليه عليه عقله وقلبه، فهي التي ذكر فيها تأثير ثورة 1919 عليه، ويُقال أن شخصية «كمال عبد الجواد» وأزماته هي انعكاس لشخصية الكاتب وصراعاته.
أصدر محفوظ لاحقًا عددًا من الروايات العظيمة، مثل «ثرثرة فوق النيل» عام 1966، و«الشحاذ» عام 1965، و«ملحمة الحرافيش» عام 1977، و«يوم قُتل الزعيم» عام 1985، وعدد كبير من الروايات الأخرى –أكثر من 30 رواية بالمجمل– آخرها «قشتمر» عام 1988، وعشرات القصص الأخرى التي لا تقل أهمية وسحرًا عن باقي رواياته.
بعدما تُرجمت رواياته إلى مختلف اللغات، قررت لجنة نوبل اختيار 5 روايات لنجيب محفوظ من أجل مراجعتها وترشيحها، منها «الثلاثية» و«أولاد حارتنا» و«ثرثرة فوق النيل»، ويخطئ كثيرون عندما يظنون أن لجنة نوبل منحته هذه الجائزة بسبب رواية «أولاد حارتنا» وازدراء الدين الإسلامي، أو جراء مواقفه المؤيدة للسلام مع إسرائيل، لكن الحقيقة مختلفة تمامًا، إذ نال هذه الجائزة بسبب مجموعة من أعماله التي أكسبته هذا الشرف والتكريم.
عندما أُعلن نبأ فوزه بالجائزة، أصبح الخبر حديث مصر بأكملها، لكن حالته الصحية لم تسمح له بالسفر إلى السويد لتسلّم الجائزة، ويُقال أن الصحفيين تجمعوا عند منزله، ولم يتوقف هاتفه عن الرنين لكثرة المباركين.
توفي نجيب محفوظ في 30 أغسطس عام 2006، بعدما قارب عمره 95 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا عظيمًا من الأدب والفلسفة والفكر السياسي، بعدما صوّر لنا حياة الإنسان العربي الذي يعاني من أزمات وإشكاليات وعقلية لا تختلف كثيرًا عما نمر به في واقعنا اليوم، وقدّم لنا كل تلك الأفكار عبر رواياته الأدبية وأسلوبه الرائع. حزن محفوظ كثيرًا عندما تعرّض لعملية الاغتيال، لا لأنها تمسه شخصيًا، بل خوفًا منه على المجتمع الذي يريد إسكات كل مثقف أو صوت للحقيقة.
نجيب محفوظ واحدٌ من أشهر وأعظم الكُتاب العرب، إذ تُرجمت رواياته إلى العديد من اللغات، واقتُبست أفلام سينمائية عن رواياته، بالإضافة لكونه أول عربي يحصل على جائزة «نوبل» في الأدب.
استطاع محفوظ من خلال قصصه، والتي تدور أحداثها حول حياة شخصيات من البيئة المصرية، طرح أفكارٍ وقضايا فلسفية ووجودية، وأسهب في تصوير حياة المصريين والأزمات التي تواجههم، اجتماعية ونفسية وسياسية، فكان واحدًا من رواد الأدب الواقعي في عالمنا العربي.
لم يسلم محفوظ وأفكاره من النقد، ووصل الأمر بالحاقدين عليه إلى محاولة اغتياله عام 1995 على يد تكفيريين، متهمينه بالخروج عن الدين والإسلام.
نبذة عنه
وُلد محفوظ في القاهرة بتاريخ 11 ديسمبر عام 1911، وينتمي لعائلة محافظة، فوالدته ابنة شيخ من علماء الأزهر. التحق محفوظ بالكُتّاب أولًا، ثم درس لاحقًا في المدارس العامة حتى بدأ دراسته الجامعية في جامعة القاهرة عام 1930، وتخرج منها بشهادة ليسانس في الفلسفة، وعلى الرغم من عزمه على استكمال دراسته العليا، لكن انشغاله بالأدب وكتابة القصص وقفا حاجزًا أمام طموحه السابق.
كان انتقال محفوظ من الفلسفة إلى الأدب بداية مسيرته الأدبية، وكانت الفلسفة أيضًا حاضرة في كافة الأعمال اللاحقة، لكن بأسلوب أدبي جميل وطرح واقعي للأزمات التي تصيب أبطال قصصه.
شهد نجيب ثورة عام 1919 عندما كان عمره 7 سنوات، فأثرت عليه بشدة وأكسبته مشاعر وطنية برزت لاحقًا في كتاباته، وعلى الرغم من شروعه في الكتابة خلال زمن مبكر، لكنه لم يلقَ الشهرة إلا في خمسينيات القرن الماضي.
عندما أنهى دراسته، عمل في عدة مناصب مختلفة، إلى جانب كتابة الروايات، أشهرها «عبث الأقدار» عام 1939 و«رادوبيس» عام 1943 و«كفاح طيبة» عام 1944 –والروايات الثلاثة جزء من «الثلاثية التاريخية»– و«القاهرة الجديدة» عام 1945.
أولاد حارتنا والجدل الذي أثارته، ومحاولة اغتياله لاحقًا
رواية أولاد حارتنا. صورة: Amazon
جاءت رواية «أولاد حارتنا» في زمن خاب فيه أمل محفوظ من الثورة والانحرافات التي ألمت بها، فكانت هذه الرواية –المروية على مدار 3 أجيال– صورة عن القيم الإنسانية والاجتماعية العامة. استوحى محفوظ الكثير من قصص الأنبياء، وهو لا يهدف إلى إعادة سرد التاريخ بقدر ما هي رواية فلسفية اجتماعية عن الظلم والضعف البشريين.
استطاع محفوظ تقديم عمل فلسفي من خلال سرد حكاية شعبية عن شخصية الجبلاوي –الأقرب إلى شخصية الله أو الرب– وأبنائه أدهم وإدريس وجبل وعرفة وقاسم ورفاعة، الذين لا يلاقون من والدهم سوى القهر والظلم واللامبالاة، والذي يمثل كل واحد منهم شخصية من شخصيات الديانات الإبراهيمية، بل حتى الشيطان نفسه، حتى يجيء دور عرفة، الذي يمثّل العلم والمعرفة، للتخلص من شخصية جبلاوي.
مُنعت الرواية بعد نشر عدة حلقات منها في جريدة الأهرام، وطُبعت كاملة لاحقًا عام 1962 في لبنان. جاء سبب المنع بعدما هاجمها شيوخ الأزهر، ووصل الأمر بالرئيس جمال عبد الناصر إلى عدم مخالفة الأزهر، وهكذا بقيت الرواية بعيدة عن القراء في مصر حتى عام 2006 عندما سُمح لدار الشروق بنشرها لأول مرة في البلاد.
في 18 أكتوبر عام 1994، تعرّض محفوظ لمحاولة اغتيال عندما كان يهمّ بالخروج من منزله في حي العجوزة، وأُصيب بطعنة في الرقبة كادت تودي بحياته على يد شاب يدعى محمد نجيب. تبيّن، بعد التحقيقات، أن عملية الاغتيال جاءت بعد إهدار دم محفوظ على يد الداعية الإسلامي عمر عبد الرحمن، بحجة رواية «أولاد حارتنا» وتدنيسه الذات الإلهية.
لم تكن أولاد حارتنا الرواية الوحيدة التي أثارت الجدل، فبعدما كان من مؤيدي ثورة عام 1952، وكتب حولها الكثير وناقشها بشكل غير مباشر في روايات كـ «الكرنك» و«ثرثرة فوق النيل»، لكنه اقتنع أن الضباط الأحرار لن يسيروا نحو الديمقراطية، وعلى الرغم من الإنجازات التي أيدها محفوظ بشدة، لم يستطع تجاهل السلبيات التي خلفتها، والقمع الذي تلاها بالدرجة الأولى.
رواياته وجائزة نوبل
تمثال نجيب محفوظ في العجوزة، ضمن محافظة الجيزة.
تُعتبر «الثلاثية التاريخية» أولى روايات محفوظ، وهي روايات تاريخية خيالية تدور أحداثها في عهد الفراعنة، وتتحدث عن معاناة اجتماعية وسياسية فيها الكثير من الإسقاطات على المرحلة التي كُتبت فيها الثلاثية –من عام 1939 حتى عام 1944، منها علاقة الحاكم بالمحكوم والاستبداد والوطنية والكفاح ضد الغزاة، وقضايا وجودية أخرى.
ناقش محفوظ أيضًا قضايا اجتماعية في عصره، ويظهر ذلك أولًا في رواية «القاهرة الجديدة»، ثم في «خان الخليلي» حيث ناقش قضايا من صلب المجتمع المصري والفقر وسوء الأقدار والمصائب التي تحلّ بالشخصيات، وطريقة تفاعل تلك الشخصيات معها. ثم ناقش في رواية «السراب» قصة البطل التي ألقى فيها الضوء على الجانب النفسي وبعض الاضطرابات النفسية.
على أي حال، تبقى «ثلاثية القاهرة» أقرب الأعمال إلى قلب محفوظ، فهي الرواية التي كتبها نجيب بما يمليه عليه عقله وقلبه، فهي التي ذكر فيها تأثير ثورة 1919 عليه، ويُقال أن شخصية «كمال عبد الجواد» وأزماته هي انعكاس لشخصية الكاتب وصراعاته.
أصدر محفوظ لاحقًا عددًا من الروايات العظيمة، مثل «ثرثرة فوق النيل» عام 1966، و«الشحاذ» عام 1965، و«ملحمة الحرافيش» عام 1977، و«يوم قُتل الزعيم» عام 1985، وعدد كبير من الروايات الأخرى –أكثر من 30 رواية بالمجمل– آخرها «قشتمر» عام 1988، وعشرات القصص الأخرى التي لا تقل أهمية وسحرًا عن باقي رواياته.
بعدما تُرجمت رواياته إلى مختلف اللغات، قررت لجنة نوبل اختيار 5 روايات لنجيب محفوظ من أجل مراجعتها وترشيحها، منها «الثلاثية» و«أولاد حارتنا» و«ثرثرة فوق النيل»، ويخطئ كثيرون عندما يظنون أن لجنة نوبل منحته هذه الجائزة بسبب رواية «أولاد حارتنا» وازدراء الدين الإسلامي، أو جراء مواقفه المؤيدة للسلام مع إسرائيل، لكن الحقيقة مختلفة تمامًا، إذ نال هذه الجائزة بسبب مجموعة من أعماله التي أكسبته هذا الشرف والتكريم.
عندما أُعلن نبأ فوزه بالجائزة، أصبح الخبر حديث مصر بأكملها، لكن حالته الصحية لم تسمح له بالسفر إلى السويد لتسلّم الجائزة، ويُقال أن الصحفيين تجمعوا عند منزله، ولم يتوقف هاتفه عن الرنين لكثرة المباركين.
توفي نجيب محفوظ في 30 أغسطس عام 2006، بعدما قارب عمره 95 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا عظيمًا من الأدب والفلسفة والفكر السياسي، بعدما صوّر لنا حياة الإنسان العربي الذي يعاني من أزمات وإشكاليات وعقلية لا تختلف كثيرًا عما نمر به في واقعنا اليوم، وقدّم لنا كل تلك الأفكار عبر رواياته الأدبية وأسلوبه الرائع. حزن محفوظ كثيرًا عندما تعرّض لعملية الاغتيال، لا لأنها تمسه شخصيًا، بل خوفًا منه على المجتمع الذي يريد إسكات كل مثقف أو صوت للحقيقة.