الديدان الأنبوبيةالضخمة Riftia pachyptila فهي لا تملك فماً ولا فتحة شرج
صورة: Wikipedia
هناك العديد من الكائنات الحية التي تم اكتشافها حتى الآن، والتي تملك فتحة واحدة في جهازها الهضمي لأداء مهمة إدخال الطعام وطرح الفضلات. فعلى سبيل المثال، يملك قنديل البحر مشكلة فتحة واحدة تعمل عمل الفم وفتحة الشرج في نفس الوقت.
لكن البشر باتوا يعرفون الآن حيواناً ليس لديه أي فتحة لجهازه الهضمي، إن جاز التعبير، لخارج جسمة واسمها العلمي Riftia pachyptila، تعيش في أعماق المحيط، حوالي أكثر من كيلو متر، على أحياد وسط المحيط.
حيث تشيع الفتحات الهيدروحرارية التي تطلق مياه ساخنة غنية بمواد كيميائية سامة مثل كبريتيد الهيدروجين في مياه المحيط السحيق شديد البرودة. في هذه البيئة المتطرفة والتي لا تناسب معظم الحيوانات، تأقلمت تلك الديدان حتى رغم فقدانها ميزة وجود فم قد يسهل الأمر عليها.
صورة: Schmidt Ocean
تشبه تلك الديدان أقلام الحمرة لامتلاكها إكليلاً من اللوامس بلون الدم، وشكل خارجي أسطواني الشكل. يوجد داخل جسم الدودة الأنبوبية بنية تعرف باسم «التروفوسوم» أو كيس التغذية، والذي يكتظ بملايين البكتيريا الحية، لكن لا يحتوي على أي فتحة للخارج. ولذلك، لا يمكن أن نشبهه بالجهاز الهضمي تماماً.
اكتُشفت تلك الديدان لأول مرة عام 1977 عندما حطت غواصة الأعماق (ALVIN) بالقرب من مجموعة من تلك الديدان، حيث كانت الغواصة في مهمة لدراسة الفتحات الهيدروحرارية بالقرب من جزر غلاباغوس.
وجد الباحثون أنفسهم محاطين بكائنات يدفق منها دمٌ أحمر أحاط بالغواصة التي كانوا عليها، ليكتشفوا لاحقاً أن إكليل اللوامس الذي يعلو الجسم الأسطواني لتلك الديدان يحوي على أوعية دموية غنية بخضاب الدم.
بالنسبة للثدييات، تكون وظيفة خضاب الدم الأساسية هي نقل الأوكسيجين من الرئتين إلى بقية أنحاء الجسم. لكن بالنسبة لتلك الديدان، يعمل إكليل اللوامس هذا كالخياشيم، فيساعد خضاب الدم الموجود في تلك اللوامس على سحب كبريتيد الهيدروجين من المياه التي تطلقها الفتحات الهيدروحرارية ونقله للتروفوسوم.
وداخل التروفوسوم هناك الملايين من البكتيريا التي تعيش علاقة تكافلية مع تلك الديدان وتشكل أكثر من نصف وزن تلك الديدان. حيث تقوم تلك البكتيريا بتحويل المواد السامة في مياه الفتحات الهيدروحرارية لغذاء لتلك الديدان، وذلك عن طريق آلية تدعى «التمثيل الكيميائي»، كالتمثيل الضوئي لدى النباتات الذي تقوم من خلاله بإنتاج غذائها من أشعة الشمس. وبالنسبة للبكتيريا، فإن تروفوسوم تلك الديدان هو مسكن أفضل لها مقارنة مع الفتحات الهيدروحرارية. وتقوم بالداخل عن طريق تفاعلات كيميائية باستخدام كبريتيد الهيدروجين كمصدر طاقة لها.
الديدان الأنبوبية الضخمة في جزر غالاباغوس. صورة: Wikipedia
الأمر بالنسبة لتلك الديدان مشابه لامتلاك مطبخٍ متكامل داخل أجسامها، وبالتالي فهي ليست بحاجة الفم أو الفتحة الشرجية.
حسناً. هذا بالنسبة لكيفية حصول تلك الديدان على غذائها. لكن كيف تقوم بالتخلص من فضلاتها؟
جواب هذا السؤال بهذه البساطة: يتم التخلص من الفضلات الناتجة عن هضم الديدان لغذائها عن طريق مجرى الدم. لكن السؤال الأهم هنا. هو كيف وصلت تلك البكتيريا لداخل أجسام الديدان العملاقة؟ وهذا ما حاول العلماء الإجابة عليه بأبحاثهم التي جرت عام 2006، وكان الجواب غير متوقع أبداً!
صورة: Chemo III project/BOEM/NOAA OER
تدخل البكتيريا عبر جلد تلك الديدان عندما تكون يرقات. وهذا ما يُعتبر فعلياً «عدوى بكتيرية». تعتبر الفتحات الهيدروحرارية، حيث تتواجد تلك البكتيريا والديدان الضخمة، موطناً غير مستقر لهما. وذلك بسبب الحركة المستمرة للصفائح التكتونية في أحياد عمق المحيط. فقد تتواجد في يوم، وتختفي كلياً في اليوم الذي يليه.
ففي اليوم الذي تتوقف فيه تلك الفتحات عن ضخ المياه التي تؤمن مصدر غذاء للبكتيريا المتواجدة داخل تلك الديدان، فهذا سيؤدي لموتها. كما أن المسافة بين فتحة هيدروحرارية وأخرى قد تصل إلى عدة أميال، وهي مسافة طويلة لتقوم دودة بحجم الدودة الأنبوبية بقطعها.
ما يزال العلماء غير متأكدين حتى الآن فيما يتعلق بكيفية تأمين يرقات تلك الديدان للغذاء قبل استقرارها بالقرب من إحدى تلك الفتحات الهيدروحرارية. وُضعت عدة فرضيات لتفسير ذلك، فمثلاً، جثة حوت ميت أو حطام إحدى السفن قد تكو ن بيئة مناسبة لتأمين مصدر كافٍ من المواد الكيميائية التي تحتاجها البكتيريا لتبقى حية.
قادت معرفة العلماء بهذه الديدان الغريبة وطريقتها الفريدة في الحصول على الغذاء إلى اكتشافهم كائنات أخرى تعتمد على التمثيل الكيميائي أيضاً لإنتاج غذائها، في أماكن أخرى من المحيط، إلى متنزه «يلوستون الوطني» في الولايات المتحدة الأميركية. إنّ اكتشافاً مثل هذا يجعلنا ندرك مدى محدودية معرفتنا للكوكب الذي نعيش فيه.