أبرز الصور المميزة التي حفظتها ذاكرة التاريخ وأدت لتغيير حقيقي وفعلي في عالمنا
اليوم، أصبح بإمكاننا بفضل آلات الكاميرا الرقمية أن نلتقط صوراً كثيرة في لحظات، وهو ما صرنا نفعله كثيراً، والفضل في ذلك يعود بشكل كبير إلى كثرة الهواتف الذكية التي صارت متاحة بشكل واسع، والتي مكنت البشر من التقاط عدد لا يمكن تصوره من الصور الفوتوغرافية، حيث تشير بعض التقديرات أن البشر يلتقطون قرابة 1.7 تريليون صورة كل عام، وأنه خلال كل دقيقتين من الزمن، يقوم البشر بالتقاط صور تنوف عن عدد جميع الصور التي التقطت خلال السنوات الـ150 الماضية.
يدفعنا هذا إلى التساؤل: من بين كل هذا الكم الهائل من الصور، كم هي الصور المميزة التي حفظتها ذاكرة التاريخ يا ترى؟
لنضع صور الحيوانات الأليفة، والوجبات السريعة السخيفة جانباً، ونتذكر ذلك الزمن الذي كان فيه البشر لا يلتقطون إلا صوراً قليلة تخلّد لحظات أسطورية تأسر المخيلة وتعيش في الذاكرة لأزمنة تتجاوز عمر ملتقطيها والأشخاص فيها، كتلك الصورة التي تبرز رفع العلم الأمريكي من طرف جنود المارينز في (إيوو جيما) إبان الحرب العالمية الثانية، وتلك القبلة التاريخية التي تلت الإعلان عن نهاية الحرب العالمية بين شخصين غريبين تماما في ساحة الـ(تايمز) في مدينة نيويورك، وكذا صورة ذلك المواطن الصيني الجريء الذي وقف بثبات في وجه دبابة هائلة الحجم في ساحة (تيانانمين)، وصورة الرئيس الأمريكي الأسبق (كينيدي) وعدة أفراد من عائلته في رحلة استجمامية.
لم يتجاوز عمر وشهرة صور على شاكلة هذه التي سنقدمها لكم في مقالنا هذا عمر وشهرة المصورين الذين التقطوها فحسب، بل قامت بشق الطريق أمامهم ليجدوا لأنفسهم مكانا داخل وعينا الجماعي، وقد كانت لهذه الصور الأيقونية ثنائية الأبعاد القدرة على زلزلة مخيلاتنا وأحيانا ما ألهمتنا على تحقيق تغيير حقيقي وفعلي في عالمنا ثلاثي الأبعاد.
1. السيناتور (جون كينيدي) الوسيم وخطيبته الجميلة:
السيناتور (جون كينيدي) وخطيبته (جاكي). صورة: Hy Peskin/Getty Images
في سنة 1953، كان (جون كينيندي) شاباً سيناتورا في مجلس الشيوخ الأمريكي حديث العهد لكنه كان ذا مستقبل واعد، فقام والده (جوزيف كينيدي) بدعوة مصور يدعى (هاي بيسكين) إلى مركّب العائلة في ميناء (هيانيس).
فكّر (كينيدي) الأب أن بعض الصور الجميلة التي تبرز ذلك السيناتور الوسيم بجانب خطيبته الجميلة (جاكي) قد تؤسس لمسيرته السياسية دعامة قوية وتمهد له الطريق إلى قلوب الجماهير الأمريكية.
ظهرت هذه الصورة أعلاه لهذين الزوجين الوسيمين على غلاف مجلة (لايف) المشهورة، وساهمت بشكل كبير في تقديم (جون كينيدي) لشريحة أوسع من الجماهير، ومهدت السبيل أمام طموحاته السياسية المستقبلية.
2. فتاة معمل القطن:
تبرز هذه الصورة فتاة يتراوح عمرها بين 12 إلى 13 سنة التي كانت تعمل في معمل للقطن في (نورث كارولاينا)، ساهمت هذه الصورة في تمرير قانون يمنع منعا باتا عمالة الأطفال وهو القانون الذي مازال ساري المفعول إلى يومنا هذا. صورة: Lewis W. Hine/J. Paul Getty Museum
في أوائل القرن العشرين، لم يكن غريبا على الأطفال حديثي السن العمل بشقاء في مهن قد تكون خطيرة جدا أحيانا، في سنة 1908 عقد المصور والمحقق (لويس هاين) العزم على التقاط صور تبرز أطفالا فقراء يشغلون أعمالا خطيرة ويعملون في بيئات لا تليق لا بسنهم ولا ببراءتهم، وتوجه للقيام بمهمته هذه التي أوكتلها إليه «لجنة عمالة الأطفال الوطنية» الأمريكية، وهي منظمة تعمل على إحداث تغيير إيجابي فيما يتعلق بعمالة الأطفال في الولايات المتحدة.
كان المصور (هاين) غالبا ما ينتحل صفة مصور صناعي أو موزع إنجيل حتى يتمكن من الوصول إلى الأشخاص الذين يرغب في تصويرهم وسرد قصصهم، وداخل أحد معامل القطن في ولاية (نورث كارولاينا)؛ صادف في سبيله فتاة صغيرة ذات شعر مظفّر وثياب بالية تعمل على إحدى الآلات.
كانت ”فتاة معمل القطن“ واحدة من عدة أطفال قام (هاين) بتصويرهم باستعمال حيلته التنكرية عبر الولايات المتحدة الأمريكية، فالتقط صوراً لأطفال أغلبهم أقل من عشرة سنوات من العمر، يعملون في التشحيم، ويبيعون الجرائد، ويشتغلون على آلات خطيرة، ويشقون دروبهم في الظلام الدامس الذي يخيم على المناجم التي تملؤها الأوحال.
تمكنت هذه الصور التي التقطها بالفعل بإحداث نوع من التغيير على أوضاع هؤلاء الأطفال، وذلك بفضله و«لجنة عمالة الأطفال الوطنية» الأمريكية، حيث تقدم المواطنون الغاضبون والمشرّعون في البلد وقاموا بتمرير قوانين منحت المزيد من الحماية للعمال الصغار، وفي سنة 1938 تم تمرير قانون «معايير العمل العادل» الذي منع منعا باتا عمالة أي شخص يقل سنه عن 16 سنة، وهو القانون الذي مازال ساري المفعول إلى يومنا هذا.
3. الأم الرحّالة:
(فلورنس أوينز تومسون) ذات الإثنين والثلاثين ربيعا مع اثنين من أبنائها السبعة وهي تحدق في الأفق البعيد. صورة: Dorothea Lange/Getty Images
سحق الكساد العظيم حياة الكثير من الناس في الولايات المتحدة الأمريكية. في سنة 1936 كانت المصورة الصحفية (دوروثي لاينج) تعمل بالنيابة عن «إدارة إعادة التوطين»، وهي وكالة حكومية تساعد العائلات الفقيرة في الانتقال والإقامة في أماكن جديدة، وقامت برصد هذه الأم الكئيبة بالقرب من (نيبومو) في ولاية كاليفورنيا.
كانت (فلورنس أوينز تومسون) أماً ذات 32 سنة مع سبعة أبناء، وكانت تعاني الأمرّين من أجل الحصول على بعض المال أثناء عملها كعاملة متنقلة بين الحقول والمزارع.
في الصورة أعلاه، قامت (لاينج) بالتقاط صور لاثنين من أبنائها متسخين وثيابهم رثة، وهم يشيحون بوجوههم خجلا عن عدسات الكاميرا بينما تلمس والدتهم وجهها بأصابع يدها، وهي تحدق نحو الأفق بأعين بادية عليها الخوف من المصير المجهول وعدم اليقين.
كانت (تومسون) وعائلتها عالقين على الطريق السريع رقم 101 بسبب تعطل سيارتهم عندما عثرت عليهم المصورة (لاينج)، كان الآلاف من العمال المتنقلين والمواطنين الجياع يتسكعون في المخيم القريب من ذلك الموقع، وكانوا يأملون في العثور على عمل يسد رمقهم من أي نوع كان.
على الرغم من مظهرها السيئ ذلك، سمحت (تومسون) للمصورة (لاينج) بالتقاط تلك الصورة لها لأنها كانت تأمل في أن تساهم في إحداث بعض التغيير وتساهم في تحسن الأوضاع بطريقة ما.
نشرت تلك الصورة على الفور من طرف صحيفة (سان فرانسيسكو نيوز)، إلى جانب قصة كاملة أخرجت إلى النور كل ذلك الجوع الذي كان العمال يعانون منه في مخيمات الفقر تلك، فقام العمال الاتحاديون بالتنقل إلى ذلك المخيم على الفور حاملين معهم الكثير من الطعام من أجل الجياع هناك، لكن بحلول الوقت الذي وصلوا فيه كانت (تومسون) وعائلتها قد رحلوا وانتقلوا إلى مكان آخر.
استقرت (تومسون) وعائلتها في نهاية المطاف في (موديستو) في كاليفورنيا حيث شغلت عدة مهن وتحسنت وضعيتها المعيشية نوعا ما، وقالت (تومسون)، التي تنمتي لقبيلة الـ(شيروكي) من الأمريكيين الأصليين، لاحقا أنها شعرت بأنه قد تم استغلالها حين التقاط تلك الصورة وأنها تشعر بالعار بسببها.
غير أنها عندما أصباتها أزمة قلبية في وقت لاحق في سنة 1983، تمكنت عائلتها من جمع المال لها من أجل الرعاية الطبية بقوة تلك الصورة بالذات، ثم جعلتها بعد ذلك كل رسائل الإعجاب تلك التي تلقتها إلى جانب التبرعات المالية من أشخاص غرباء تفتخر لكونها شكلت جزءا من تلك الصورة الأيقونية.
4. سحابة الفطر في (بيكيني أتول):
تظهر هذه الصورة سحابة عيش الغراب هائلة الحجم، نتجت عن قنبلة نووية للاختبار من طرف الجيش الأمريكي قرب جزيرة (بيكيني أتول). صورة: John Parrot/Stocktrek Images/Getty Images
بعد الحرب العالمية الثانية، تسببت الحرب الباردة في رفع حدة التوتر بسرعة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، وعمدت على إثر ذلك كلا الأمتين إلى تسريع وتيرة برامجها النووية. في (بيكيني أتول)، تلك الجزيرة البعيدة ضمن جزر (مارشال) على المحيط الهادي، قرر الأمريكيون اختبار أحدث قنابلهم النووية.
في سنة 1946، وكجزء من عملية (كروس رودز) الأمريكية، قرر مسؤولون أمريكيون الترحيل الإجباري لسكان الجزيرة البالغ عددهم 162 نسمة قبل البت في اختبار قنبلتين نوويتين كبيرتين تحت البحر، من أجل اختبار فعاليتها وتأثيرها على السفن والأسلحة البحرية الحربية، وقد كانت تلك أول اختبارات نووية تتم تحت البحر، وكان فضول الجميع يتقد رغبة في معرفة أي نوع من التأثيرات سيحمل ذلك.
تمكنت القنبلة من نقل مليوني طن من مياه البحر، كما شكلت غيمة فطرية هائلة الحجم التي ارتقت عاليا في السماء، تماما مثلما يمكنك رؤيته في الصورة عزيزي القارئ، هذه الصورة التي التقطت من أحد أبراج المراقبة في جزيرة (بيكيني أتول) على بعد حوالي ستة كيلومترات.
بعد أكثر من ستة عقود لاحقاً، مازالت جزيرة (بيكيني أتول) غير قابلة للعيش وهي عبارة عن فوضى من الخراب التي تملؤها الإشعاعات النووية، والصور من تلك الحقبة تظهر بالتحديد السبب وراء ذلك.
5. محمد علي ضد (سوني ليستون):
”انهض وقاتل أيها اللعين!“. صورة: Bettmann/Getty Images
في الخامس والعشرين من شهر مايو سنة 1965، في مركز الشباب (سونترال ماين) في (لويستون) بـ(ماين)، تواجه (سوني ليستون) البالغ من العمر 34 سنة مع البطل الشاب محمد علي البالغ من العمر آنذاك 23 سنة في نزال خلده التاريخ.
بعد مضي دقيقة و44 ثانية فقط من بدء النزال، وجه علي بيده اليمنى ضربة إلى فك (ليستون)، فسقط هذا الأخير مستلقيا على ظهره على أرضية الحلبة، فتهافت المصورون حول تلك الحلبة صغيرة الحجم من أجل تخليد تلك اللحظة وحفظ المشهد بعدسات كاميراتهم.
قام الكثير منهم بالتقاط صور كانت شبيهة ببعضها البعض، لكن قلة منهم من تمكن من جعل صورته تنتشر ويتم تداولها بكثرة، واحدة من هذه الصورة الشهيرة هي هذه الصورة أعلاه، التي تبرز البطل محمد علي يقف أمام (ليستون) المستلقي على ظهره مع ذراعه الأيمن على أهبة الاستعداد لتوجيه لكمات أخرى، وعضلاته المشدودة التي تنم عن قوة كبيرة.
يبدو أن هذه الصورة من ذلك النزال تسرد قصة انتصار كبير، لكن الحقيقة قد تكون مختلفة تماما عما يبدو عليه المشهد، حيث يقول المعلقون على النزال الذين كانوا حاضرين في ذلك اليوم بأن علي بعد أن سدد تلك اللكمة التي ألقت بـ(ليستون) أرضا على ظهره اقترب منه وصرخ في وجهه: ”انهض وقاتل أيها اللعين“، فنهض (ليستون) وبدأ يمطر علي بعدة لكمات سريعة.
لكن لم يكن لإصرار (ليستون) أي أثر أو نتيجة، ذلك أن الحكام كانوا قد أعلنوا عن أن الفائز في النزال كان علي، الذي دخل النزال كمستضعف ضئيل.
لم يدم النزال سوى دقيقتين و12 ثانية، وترك الناس يتساءلون إذا ما كان علي قد أسقط (ليستون) بالضربة القاضية أم أنها لم تكن سوى ”لكمة شبح“ وكان (ليستون) قد تعثر فقط أثناء محاولته تجنبها، وبفضل فوزه غير المتوقع، وبفضل الصورة القوية، سرعان ما نالت أسطورة علي زخما كبيرا محولا إياه في نهاية المطاف إلى واحد من أشهر الرياضيين في القرن العشرين.
اليوم، أصبح بإمكاننا بفضل آلات الكاميرا الرقمية أن نلتقط صوراً كثيرة في لحظات، وهو ما صرنا نفعله كثيراً، والفضل في ذلك يعود بشكل كبير إلى كثرة الهواتف الذكية التي صارت متاحة بشكل واسع، والتي مكنت البشر من التقاط عدد لا يمكن تصوره من الصور الفوتوغرافية، حيث تشير بعض التقديرات أن البشر يلتقطون قرابة 1.7 تريليون صورة كل عام، وأنه خلال كل دقيقتين من الزمن، يقوم البشر بالتقاط صور تنوف عن عدد جميع الصور التي التقطت خلال السنوات الـ150 الماضية.
يدفعنا هذا إلى التساؤل: من بين كل هذا الكم الهائل من الصور، كم هي الصور المميزة التي حفظتها ذاكرة التاريخ يا ترى؟
لنضع صور الحيوانات الأليفة، والوجبات السريعة السخيفة جانباً، ونتذكر ذلك الزمن الذي كان فيه البشر لا يلتقطون إلا صوراً قليلة تخلّد لحظات أسطورية تأسر المخيلة وتعيش في الذاكرة لأزمنة تتجاوز عمر ملتقطيها والأشخاص فيها، كتلك الصورة التي تبرز رفع العلم الأمريكي من طرف جنود المارينز في (إيوو جيما) إبان الحرب العالمية الثانية، وتلك القبلة التاريخية التي تلت الإعلان عن نهاية الحرب العالمية بين شخصين غريبين تماما في ساحة الـ(تايمز) في مدينة نيويورك، وكذا صورة ذلك المواطن الصيني الجريء الذي وقف بثبات في وجه دبابة هائلة الحجم في ساحة (تيانانمين)، وصورة الرئيس الأمريكي الأسبق (كينيدي) وعدة أفراد من عائلته في رحلة استجمامية.
لم يتجاوز عمر وشهرة صور على شاكلة هذه التي سنقدمها لكم في مقالنا هذا عمر وشهرة المصورين الذين التقطوها فحسب، بل قامت بشق الطريق أمامهم ليجدوا لأنفسهم مكانا داخل وعينا الجماعي، وقد كانت لهذه الصور الأيقونية ثنائية الأبعاد القدرة على زلزلة مخيلاتنا وأحيانا ما ألهمتنا على تحقيق تغيير حقيقي وفعلي في عالمنا ثلاثي الأبعاد.
1. السيناتور (جون كينيدي) الوسيم وخطيبته الجميلة:
السيناتور (جون كينيدي) وخطيبته (جاكي). صورة: Hy Peskin/Getty Images
في سنة 1953، كان (جون كينيندي) شاباً سيناتورا في مجلس الشيوخ الأمريكي حديث العهد لكنه كان ذا مستقبل واعد، فقام والده (جوزيف كينيدي) بدعوة مصور يدعى (هاي بيسكين) إلى مركّب العائلة في ميناء (هيانيس).
فكّر (كينيدي) الأب أن بعض الصور الجميلة التي تبرز ذلك السيناتور الوسيم بجانب خطيبته الجميلة (جاكي) قد تؤسس لمسيرته السياسية دعامة قوية وتمهد له الطريق إلى قلوب الجماهير الأمريكية.
ظهرت هذه الصورة أعلاه لهذين الزوجين الوسيمين على غلاف مجلة (لايف) المشهورة، وساهمت بشكل كبير في تقديم (جون كينيدي) لشريحة أوسع من الجماهير، ومهدت السبيل أمام طموحاته السياسية المستقبلية.
2. فتاة معمل القطن:
تبرز هذه الصورة فتاة يتراوح عمرها بين 12 إلى 13 سنة التي كانت تعمل في معمل للقطن في (نورث كارولاينا)، ساهمت هذه الصورة في تمرير قانون يمنع منعا باتا عمالة الأطفال وهو القانون الذي مازال ساري المفعول إلى يومنا هذا. صورة: Lewis W. Hine/J. Paul Getty Museum
في أوائل القرن العشرين، لم يكن غريبا على الأطفال حديثي السن العمل بشقاء في مهن قد تكون خطيرة جدا أحيانا، في سنة 1908 عقد المصور والمحقق (لويس هاين) العزم على التقاط صور تبرز أطفالا فقراء يشغلون أعمالا خطيرة ويعملون في بيئات لا تليق لا بسنهم ولا ببراءتهم، وتوجه للقيام بمهمته هذه التي أوكتلها إليه «لجنة عمالة الأطفال الوطنية» الأمريكية، وهي منظمة تعمل على إحداث تغيير إيجابي فيما يتعلق بعمالة الأطفال في الولايات المتحدة.
كان المصور (هاين) غالبا ما ينتحل صفة مصور صناعي أو موزع إنجيل حتى يتمكن من الوصول إلى الأشخاص الذين يرغب في تصويرهم وسرد قصصهم، وداخل أحد معامل القطن في ولاية (نورث كارولاينا)؛ صادف في سبيله فتاة صغيرة ذات شعر مظفّر وثياب بالية تعمل على إحدى الآلات.
كانت ”فتاة معمل القطن“ واحدة من عدة أطفال قام (هاين) بتصويرهم باستعمال حيلته التنكرية عبر الولايات المتحدة الأمريكية، فالتقط صوراً لأطفال أغلبهم أقل من عشرة سنوات من العمر، يعملون في التشحيم، ويبيعون الجرائد، ويشتغلون على آلات خطيرة، ويشقون دروبهم في الظلام الدامس الذي يخيم على المناجم التي تملؤها الأوحال.
تمكنت هذه الصور التي التقطها بالفعل بإحداث نوع من التغيير على أوضاع هؤلاء الأطفال، وذلك بفضله و«لجنة عمالة الأطفال الوطنية» الأمريكية، حيث تقدم المواطنون الغاضبون والمشرّعون في البلد وقاموا بتمرير قوانين منحت المزيد من الحماية للعمال الصغار، وفي سنة 1938 تم تمرير قانون «معايير العمل العادل» الذي منع منعا باتا عمالة أي شخص يقل سنه عن 16 سنة، وهو القانون الذي مازال ساري المفعول إلى يومنا هذا.
3. الأم الرحّالة:
(فلورنس أوينز تومسون) ذات الإثنين والثلاثين ربيعا مع اثنين من أبنائها السبعة وهي تحدق في الأفق البعيد. صورة: Dorothea Lange/Getty Images
سحق الكساد العظيم حياة الكثير من الناس في الولايات المتحدة الأمريكية. في سنة 1936 كانت المصورة الصحفية (دوروثي لاينج) تعمل بالنيابة عن «إدارة إعادة التوطين»، وهي وكالة حكومية تساعد العائلات الفقيرة في الانتقال والإقامة في أماكن جديدة، وقامت برصد هذه الأم الكئيبة بالقرب من (نيبومو) في ولاية كاليفورنيا.
كانت (فلورنس أوينز تومسون) أماً ذات 32 سنة مع سبعة أبناء، وكانت تعاني الأمرّين من أجل الحصول على بعض المال أثناء عملها كعاملة متنقلة بين الحقول والمزارع.
في الصورة أعلاه، قامت (لاينج) بالتقاط صور لاثنين من أبنائها متسخين وثيابهم رثة، وهم يشيحون بوجوههم خجلا عن عدسات الكاميرا بينما تلمس والدتهم وجهها بأصابع يدها، وهي تحدق نحو الأفق بأعين بادية عليها الخوف من المصير المجهول وعدم اليقين.
كانت (تومسون) وعائلتها عالقين على الطريق السريع رقم 101 بسبب تعطل سيارتهم عندما عثرت عليهم المصورة (لاينج)، كان الآلاف من العمال المتنقلين والمواطنين الجياع يتسكعون في المخيم القريب من ذلك الموقع، وكانوا يأملون في العثور على عمل يسد رمقهم من أي نوع كان.
على الرغم من مظهرها السيئ ذلك، سمحت (تومسون) للمصورة (لاينج) بالتقاط تلك الصورة لها لأنها كانت تأمل في أن تساهم في إحداث بعض التغيير وتساهم في تحسن الأوضاع بطريقة ما.
نشرت تلك الصورة على الفور من طرف صحيفة (سان فرانسيسكو نيوز)، إلى جانب قصة كاملة أخرجت إلى النور كل ذلك الجوع الذي كان العمال يعانون منه في مخيمات الفقر تلك، فقام العمال الاتحاديون بالتنقل إلى ذلك المخيم على الفور حاملين معهم الكثير من الطعام من أجل الجياع هناك، لكن بحلول الوقت الذي وصلوا فيه كانت (تومسون) وعائلتها قد رحلوا وانتقلوا إلى مكان آخر.
استقرت (تومسون) وعائلتها في نهاية المطاف في (موديستو) في كاليفورنيا حيث شغلت عدة مهن وتحسنت وضعيتها المعيشية نوعا ما، وقالت (تومسون)، التي تنمتي لقبيلة الـ(شيروكي) من الأمريكيين الأصليين، لاحقا أنها شعرت بأنه قد تم استغلالها حين التقاط تلك الصورة وأنها تشعر بالعار بسببها.
غير أنها عندما أصباتها أزمة قلبية في وقت لاحق في سنة 1983، تمكنت عائلتها من جمع المال لها من أجل الرعاية الطبية بقوة تلك الصورة بالذات، ثم جعلتها بعد ذلك كل رسائل الإعجاب تلك التي تلقتها إلى جانب التبرعات المالية من أشخاص غرباء تفتخر لكونها شكلت جزءا من تلك الصورة الأيقونية.
4. سحابة الفطر في (بيكيني أتول):
تظهر هذه الصورة سحابة عيش الغراب هائلة الحجم، نتجت عن قنبلة نووية للاختبار من طرف الجيش الأمريكي قرب جزيرة (بيكيني أتول). صورة: John Parrot/Stocktrek Images/Getty Images
بعد الحرب العالمية الثانية، تسببت الحرب الباردة في رفع حدة التوتر بسرعة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، وعمدت على إثر ذلك كلا الأمتين إلى تسريع وتيرة برامجها النووية. في (بيكيني أتول)، تلك الجزيرة البعيدة ضمن جزر (مارشال) على المحيط الهادي، قرر الأمريكيون اختبار أحدث قنابلهم النووية.
في سنة 1946، وكجزء من عملية (كروس رودز) الأمريكية، قرر مسؤولون أمريكيون الترحيل الإجباري لسكان الجزيرة البالغ عددهم 162 نسمة قبل البت في اختبار قنبلتين نوويتين كبيرتين تحت البحر، من أجل اختبار فعاليتها وتأثيرها على السفن والأسلحة البحرية الحربية، وقد كانت تلك أول اختبارات نووية تتم تحت البحر، وكان فضول الجميع يتقد رغبة في معرفة أي نوع من التأثيرات سيحمل ذلك.
تمكنت القنبلة من نقل مليوني طن من مياه البحر، كما شكلت غيمة فطرية هائلة الحجم التي ارتقت عاليا في السماء، تماما مثلما يمكنك رؤيته في الصورة عزيزي القارئ، هذه الصورة التي التقطت من أحد أبراج المراقبة في جزيرة (بيكيني أتول) على بعد حوالي ستة كيلومترات.
بعد أكثر من ستة عقود لاحقاً، مازالت جزيرة (بيكيني أتول) غير قابلة للعيش وهي عبارة عن فوضى من الخراب التي تملؤها الإشعاعات النووية، والصور من تلك الحقبة تظهر بالتحديد السبب وراء ذلك.
5. محمد علي ضد (سوني ليستون):
”انهض وقاتل أيها اللعين!“. صورة: Bettmann/Getty Images
في الخامس والعشرين من شهر مايو سنة 1965، في مركز الشباب (سونترال ماين) في (لويستون) بـ(ماين)، تواجه (سوني ليستون) البالغ من العمر 34 سنة مع البطل الشاب محمد علي البالغ من العمر آنذاك 23 سنة في نزال خلده التاريخ.
بعد مضي دقيقة و44 ثانية فقط من بدء النزال، وجه علي بيده اليمنى ضربة إلى فك (ليستون)، فسقط هذا الأخير مستلقيا على ظهره على أرضية الحلبة، فتهافت المصورون حول تلك الحلبة صغيرة الحجم من أجل تخليد تلك اللحظة وحفظ المشهد بعدسات كاميراتهم.
قام الكثير منهم بالتقاط صور كانت شبيهة ببعضها البعض، لكن قلة منهم من تمكن من جعل صورته تنتشر ويتم تداولها بكثرة، واحدة من هذه الصورة الشهيرة هي هذه الصورة أعلاه، التي تبرز البطل محمد علي يقف أمام (ليستون) المستلقي على ظهره مع ذراعه الأيمن على أهبة الاستعداد لتوجيه لكمات أخرى، وعضلاته المشدودة التي تنم عن قوة كبيرة.
يبدو أن هذه الصورة من ذلك النزال تسرد قصة انتصار كبير، لكن الحقيقة قد تكون مختلفة تماما عما يبدو عليه المشهد، حيث يقول المعلقون على النزال الذين كانوا حاضرين في ذلك اليوم بأن علي بعد أن سدد تلك اللكمة التي ألقت بـ(ليستون) أرضا على ظهره اقترب منه وصرخ في وجهه: ”انهض وقاتل أيها اللعين“، فنهض (ليستون) وبدأ يمطر علي بعدة لكمات سريعة.
لكن لم يكن لإصرار (ليستون) أي أثر أو نتيجة، ذلك أن الحكام كانوا قد أعلنوا عن أن الفائز في النزال كان علي، الذي دخل النزال كمستضعف ضئيل.
لم يدم النزال سوى دقيقتين و12 ثانية، وترك الناس يتساءلون إذا ما كان علي قد أسقط (ليستون) بالضربة القاضية أم أنها لم تكن سوى ”لكمة شبح“ وكان (ليستون) قد تعثر فقط أثناء محاولته تجنبها، وبفضل فوزه غير المتوقع، وبفضل الصورة القوية، سرعان ما نالت أسطورة علي زخما كبيرا محولا إياه في نهاية المطاف إلى واحد من أشهر الرياضيين في القرن العشرين.
تعليق